رمضان شهر العتق من النار
الحمد لله الذي له الملك وإليه المنقلب، هو المالك وهو الملك، يحكم ما
يريد فلا تعقيب ولا عجب، قبض قبضتين فقبضة الجنة لرحمته وقبضة النار للغضب، احتجب
عن الخلق بنوره، وخفي عليهم بشدة ظهوره، قد أفلح من التزم مع ربه الأدب.
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، نخافه الله ونخشاه، ونرجوه
ونطلب رضاه، والعفو منه مرتقب، نحب الصلاح ونتمناه، ونكره الفساد ونتحاشاه، فهل
ذاك يكفي لبلوغ الأرب، تساؤل في نفوسنا تساءلناه، وبأمل في قلوبنا رجوناه، تبارك
الذي إذا شاء وهب.
وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب، نطق بأفصح الكلام، وجاء بأعدل الأحكام وما قرأ ولا
كتب، آية الآيات، ومعجزة المعجزات لمن سلم عقله من العطب.
فيا رب يا أكرم مسؤول، ويا خير مُرتجى ومأمول، صلِّ على سيد الأعاجم
والعرب، على الصحب ومن تبع وكل من إليه انتسب، ما لاح في الأفق نجم أو غرب، أو ظهر
في السماء هلال أو احتجب، وكلما انحنى لك في الصلاة ظهر أو انتصب.
العناصر
أولًا: أهمية العمل
الصالح
ثانيًا:
وسائل العتق من النار
ثالثا:
احذر أن تكون من أهل النار
الموضوع
أولًا: أهمية العمل الصالح
به يتقبل الله
الأعمال: قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" (فاطر)
، عَنْ اِبْنِ عَبَّاس فِي تَفْسِيرهَا { الْكَلِم الطَّيِّب " هو {ذِكْر
اللَّه "، وَالْعَمَل الصَّالِح
أَدَاء فَرَائِض اللَّه، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّه وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضه
رَدَّ كَلَامه، وَقَالَ الْفَرَّاء مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَمَل الصَّالِح يَرْفَع
الْكَلَام الطَّيِّب أَيْ يُتَقَبَّل الْكَلَام الطَّيِّب إِذَا كَانَ مَعَهُ
عَمَل صَالِح، العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عثر، وإذا ما صرع وجد متكأ.
الحياة الطيبة
والأجر الحسن: قال تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾{النحل:97}.
لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون: قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(277)" البقرة.
توبة الله عليهم:
قال تعالى: " وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)" التوبة.
وعن ابن مسعود-y-أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله r
فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى
لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114). قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من
أمّتي» ([1])
توفيتهم أجورهم
وزيادة: قال تعالى: "فَأَمَّا
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ"
آل عمران.
لهم مغفرة وأجر
عظيم: قال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)"
المائدة. ، عن البَراءِ -y -، قَالَ: أتَى النبيَّ -r -رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أُقَاتِلُ أَوْ
أُسْلِمُ؟ قَالَ: ((أسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ)). فَأسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ.
فَقَالَ رسولُ اللهِ -r
-: ((عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيراً)) ([2])
هداية الله
وتوفيقه لهم: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)" يونس.
وعن أنس y
أن النبي r
قال {إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف يستعمله قال يوفقه
لعمل صالح قبل الموت} ([3])
الأجر الحسن
الكبير الغير مقطوع: قال تعالى: { وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)"
الكهف ، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا (9)" الإسراء.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)"
فصلت.
لا يضيع الله لهم
أجرًا: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلًا (30) أُولَئِكَ
لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ
أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا
(31)" الكهف ، عن أبي موسى الأشعرِيِّ -y -، قَالَ: قَالَ رسولُ الله -r -:{إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ
مُقِيماً صَحِيحاً" ([4])
لهم الدرجات
العُلى: قال تعالى: { وَمَنْ يَأْتِهِ
مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ
مَنْ تَزَكَّى (76)" طه.
الاستخلاف
والتمكين في الأرض: قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
" النور
هم خير الخلق: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " البينة.
سلام الخلق على
الصالحين في كل صلاة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا
نَقُولُ فِى الصَّلاَةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -r-السَّلاَمُ
عَلَى اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- ذَاتَ يَوْمٍ { إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ
فِى الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ
عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ
صَالِحٍ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ
» ([5]).
تزكية نفس فاعلها،
وإصلاح الفرد ثمّ إصلاح المجتمع: وهذا واضح في النّصوص الشّرعية
ففي الصّلاة يقول اللّه تعالى:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ وَاللّه يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}
العنكبوت:45.
وفي الزّكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ
لَهُمْ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة
وفي الصّيام:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
وكذا في الحجّ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدَالَ
فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} البقرة:197.
هو ما ينتفع به
الموت بعد موته: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ {إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ
عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([6])،
وشرط انتفاع الميت المستمر بالصدقة ان تكون جارية، وبالعلم ان يكون نافعا فإن كان
غير نافع فيكون عليه وزره، وبالولد أن يكون
صالحا فإن لم يكن صالحا فلا نفع يرجى منه بل كان عليه منه وزر.
يرى مقعده من
الجنة وهو في القبر: عن أبي هريرة عن النبي r
قال إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع
ولا مشعوف ثم يقال له فيم كنت فيقول كنت في الإسلام فيقال له ما هذا الرجل فيقول محمد
رسول الله r
جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له هل رأيت الله فيقول
ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال
له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له
هذا مقعدك ويقال له على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله......} ([7])
ومعنى مشعوف: الشعف شدة الفزع
والخوف حتى يذهب بالقلب، وفيم كنت: أي في أي دين.
هو النافع
المنَجِّي يوم القيامة: عن أبي هريرة y
قال: قال رسول الله r
(من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا
درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه
فحمل عليه) ([8])
[ش (له مظلمة) أي قد ظلم أحدا
بقول أو فعل. (عرضه) جانبه الذي يصونه ويحامي عنه من نفسه وحسبه. (فليتحلله) يطلب منه
العفو والمسامحة أو يؤدي إليه مظلمته. (فحمل عليه) ألقي على الظالم عقوبات سيئات المظلوم]
البشرى بالجنة: قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا
مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ
مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}
البقرة.
دخول الجنة
والرزق فيها بغير حساب: قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ
سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ
حِسَابٍ ﴾ غافر
هم أصحاب الجنة: قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾{البقرة:82}، وقال تعالى:
"وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)"
النساء.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ y، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r:
قَالَ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا
إِنْ شِئْتُمْ (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ)"
([9]).
حفظ الأبناء
بصلاح الآباء: قال تعالى: { وَأَمَّا الْجِدَارُ
فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا
كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ
مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)" الكهف.
الفوز
بالجنة والنعيم: قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ
عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُورِ)
[آل عمران : 185]
كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم;
ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه
ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة
زائلة، فلا تغترُّوا بها ([10]).
ثانيًا: وسائل العتق
من النار
العتق من النار كل ليلة من رمضان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ
أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ،
وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ
مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ،
وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ،
وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ " ([11])
العتق عند كل فطر: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ
فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» ([12])
فحري بمن سمع بهذا الحديث أن يبذل قصارى جهده في الاتيان بالأسباب التي بها
فكاك رقبته من النَّار ، لا سيما في هذا الزمان الشريف ، حيث رحمة الله السابغة ،
فيا باغي الخير هلمَّ أقبل ، فقد صفدت الشياطين ، وسجِّرت النيران ، وفتِّحت أبواب
الجنة ، فيا لعظم رحمة الله !! أي ربٍ كريم مثل ربِّنا ، له الحمد والنعمة
والثناء الحسن.
فكم لله من عتقاء كانوا في رق
الذنوب والإسراف ، فأصبحوا بعد ذل المعصية بعز الطاعة من الملوك والأشراف ، فلله
الحمد كم له من عتقاء صاروا من ملوك الآخرة بعدما كانوا في قبضة السعير.
فيا أرباب الذنوب العظيمة ، الغنيمة الغنيمة في هذه الأيام الكريمة ، فما
منها عوض و لا لها قيمة ، فمن يعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العظيمة .
ومن وسائل العتق من النار ما يلي:
الصيام: جَابِرٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ رَبُّنَا عَزَّ
وَجَلَّ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ» ([13]) ، جنة أي وقاية
الدعاء: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
قَالَ خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: " عُرِضَتْ
عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ
الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ
فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ
هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ
الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ
الْأُفق فَقيل: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ ولايسترقون
وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ
فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ»
. ثُمَّ قَامَ رجل فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ سَبَقَكَ
بِهَا عُكَّاشَةُ ([14]).
العمل لدار البقاء: كان عطاء الخراساني يقول:
(إنّي لا أوصيكم بدنياكم، أنتم بها مستوصون، وأنتم عليها حراص، وإنما أوصيكم بآخرتكم
، تعلمون أنه لن يعتق عبد ، وان كان في الشرف والمال، وإن قال أنا فلان ابن فلان حتى
يعتقه الله تعالى من النار ، فمن أعتقه الله من النار عتق، ومن لم يعتقه الله من النار
كان في أشد هلكة هلكها أحد قط ، فجدُّوا في دار المعتمل لدار الثواب، وجدُّوا في دار
الفناء لدار البقاء ، فإنما سميت الدنيا لأنها أدنى فيها المعتمل، وإنما سميت الآخرة
لأنَّ كل شيء فيها مستأخر، ولأنها دار ثواب ليس فيها عمل، فألصقوا إلى الذنوب إذا أذنبتم
إلى كل ذنب : "اللهم اغفر لي"؛ فإنَّه التسليم لأمر الله).
الإخلاص: عن مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ - وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ، كَانَتْ
فِي دَارِهِمْ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ
بَنِي سَالِمٍ، قَالَ: غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: " لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ
([15])
يقول ابن الجوزي: فلله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها
، فهم يبالغون في كل علم و يجتهدون في كل عمل ، و يثابرون على كل فضيلة ، فإذا ضعفت
أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة ، و هم لها سابقون . ([16])
المحافظة
على الصلاة: عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ
بْنِ رُؤَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ،
وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» - يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ -، " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الرَّجُلُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي
" ([17])
وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» ([18])
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ
يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ،
وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ) ([19])
البكاء من خشية الله تعالى والحراسة في سبيل الله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا
النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ " ([20]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى
يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَجْتَمِعَ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ» ([21])
قال خالد بن معدان : إنَّ الدمعة لتطفئ البحور من النيران ، فإنْ
سالت على خد باكيها لم ير ذلك الوجه النَّار ، وما بكى عبد من خشية الله إلا خشعت لذلك
جوارحه ، وكان مكتوبًا في الملأ الأعلى باسمه واسم أبيه منورًا قلبه بذكر الله ([22])
ذكر الله: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَة» ([23])
إحسان تربية البنات أو الأخوات: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ،
فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا
بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «مَنِ
ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» ([24])
(ابتلي) اختبر وامتحن بأن رزقه الله بنات وسمي ابتلاء لكره الناس
عادة لهن ولأنه يغلب أن لا يكن مورد كسب وعيش. (سترا) حاجز يحجزه ويحجبه من النار بفضل
تربيتهن والإحسان إليهن]
فاحتسب سعيك في طلب الرزق لتنفق على أولادك أو أخواتك ، واحتسب
كل وقت تبذله في تربيتهم ، ولكن احذر من عدم الإخلاص ، فأنت تربيهم لله ، ليكونوا عبادًا
لله ، لا ليكونوا ذخرًا لك ، أو حتى تتباهى بهم أمام النَّاس ، وسيظهر ذلك في اهتمامك
بتعليمهم أمور دينهم ، بتحفيظهم القرآن ، اهتمامك بحجاب الفتيات ، وتعويدهم خصال الخير
والبر ، لو أحسنت النية ستوفقك إن شاء الله .
ثالثا: احذر أن تكون
من أهل النار
لا
يستجاب لهم طلب ولا يخرجون من النار: قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ
يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ
رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر:49، 50].
أي قال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء لخزنة جهنم: ادعوا
ربكم يُخَفِّفْ عنا يومًا واحدًا من العذاب؛ كي تحصل لنا بعض الراحة، قال خزنة جهنم
لهم توبيخًا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء، أو لم تأتكم رسلكم بالحجج الواضحة من الله
فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى. فتبرأ خزنة جهنم منهم وقالوا: نحن لا
ندعو لكم، ولا نشفع فيكم، فادعوا أنتم، ولكن هذا الدعاء لا يغني شيئًا؛ لأنكم كافرون.
وما دعاء الكافرين إلا في ضياع لا يُقبل، ولا يُستجاب ([25]).
الخلود
في عذاب جهنم: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ
قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 74 - 78]
إن الذين اكتسبوا الذنوب بكفرهم، في عذاب جهنم ماكثون، لا يخفف
عنهم، وهم فيه آيسون من رحمة الله، وما ظلمْنا هؤلاء المجرمين بالعذاب، ولكن كانوا
هم الظالمين أنفسهم بشركهم وجحودهم
أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وترك اتباعهم لرسل ربهم.
ونادى هؤلاء المجرمون بعد أن أدخلهم الله جهنم «مالكًا» خازن جهنم:
يا مالك لِيُمِتنا ربك، فنستريح ممَّا نحن فيه، فأجابهم مالكٌ: إنكم ماكثون، لا خروج
لكم منها، ولا محيد لكم عنها، لقد جئناكم بالحق ووضحناه لكم، ولكن أكثركم لما جاء به
الرسل من الحق كارهون([26]).
استمرار
العذاب وعدم تخفيفه: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى
عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ
نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا
نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 36، 37].
لما ذكر تبارك وتعالى حال السعداء شرع في بيان ما للأشقياء، فَقَالَ:
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ}
، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى} ، وقال عزَّ وجلَّ: {وَنَادَوْاْ
يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إنكم ماكثون} فهم في حالهم يَرَوْنَ
مَوْتَهُمْ رَاحَةً لَهُمْ، وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} ،
كما قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ
يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مبلسون} ، وقال جلَّ وعلا: {كلما خبت زنادهم سعيراً}
، {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إلا عذاباً} ، ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ
كفور} أي هذا الجزاء كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِرَبِّهِ وَكَذَّبَ بِالْحَقِّ، وَقَوْلُهُ
جلت عظمته: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} أَيْ يُنَادُونَ فِيهَا يَجْأَرُونَ إِلَى
اللَّهِ عزَّ وجلَّ بِأَصْوَاتِهِمْ: {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أَيْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا
غَيْرَ عَمَلِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ لَوْ
رَدَّهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا {لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ} فَلِهَذَا لَا يُجِيبُهُمْ إلى سؤالهم، ولذا قال ههنا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ
مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير} ؟ أي أو ما عِشْتُمْ فِي
الدُّنْيَا أَعْمَارًا، لَوْ كُنْتُمْ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِالْحَقِّ لَانْتَفَعْتُمْ
بِهِ فِي مُدَّةِ عُمْرِكُمْ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ الْعُمُرِ
الْمُرَادِ ههنا، فروي أنه مقدار سبع عشرة سنة (هذا قول علي ابن الحسين زين العابدين
رضي الله عنهما) ، وَقَالَ قَتَادَةُ: اعْلَمُوا أَنَّ طُولَ الْعُمُرِ حُجَّةٌ فَنَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ نُعَيَّرَ بِطُولِ الْعُمُرِ، قَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} وَإِنَّ فِيهِمْ لِابْنِ ثَمَانِي عشرة
سنة، {وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ} رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وقتادة أَنَّهُمْ
قَالُوا: يَعْنِي الشَّيْبَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعَبْدُ الرحمن بن زيد: يعني بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: {هَذَا
نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأولى} وهذا هو الصحيح عن قتادة أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَّ
عَلَيْهِمْ بِالْعُمُرِ وَالرُّسُلِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وقوله
تعالى: {فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} أَيْ فَذُوقُوا عَذَابَ
النَّارِ، جَزَاءً عَلَى مُخَالَفَتِكُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي مدة أعمالكم، فَمَا
لَكَمَ الْيَوْمَ نَاصِرٌ يُنْقِذُكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، مِنَ الْعَذَابِ
وَالنَّكَالِ وَالْأَغْلَالِ ([27])
.
لا
ينالون من نعيم الجنة شيئا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ،
الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ
أَصَابَتْهُمْ نَارٌ بِذُنُوبِهِمْ، أَوْ بِخَطَايَاهُمْ، فَأَمَاتَتْهُمْ إِمَاتَةً،
حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ لَهُمْ فِي الشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ
ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَقِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ
أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ
"، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ) ([28]) (ضبائر) هم الجماعات المتفرقة واحدها
ضبارة. (فبثوا) أي نشروا. والبث هو النشر. (أفيضوا) أي صبوا عليهم من ماء الأنهار.
(الحبة) بزور البقول وحب الرياحين، ((حميل السيل) أي ما يحمله السيل ويجيء به من طين
وغيره. فإذا ألقيت فيه حبة واستقرت في وسط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه
بها سرعة عودة أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها، (قد كان بالبادية) حيث
عرف أحوال السيول.
نسأل الله تعالى أن
يوفقنا للأعمال الصالحة ويعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار
اللهم آمين يا رب
العالمين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
[10]))
التفسير الميسر
[11]))
سنن الترمذي
[12]))
سنن ابن ماجة
[13]))
صحيح الجامع
[14])) متفق
عليه
[15]))
صحيح البخاري
[16])) صيد
الخاطر
[17]))
صحيح مسلم
[18]))
مشكاة المصابيح
[19]))
سنن الترمذي
[20]))
مشكاة المصابيح
[21]))
مشكاة المصابيح
[22])) الرقة
والبكاء لابن أبي الدنيا
[23]))
السلسة الصحيحة
[24]))
صحيح مسلم
[25]))
التفسير الميسر
[26]))
التفسير الميسر
[27]))
مختصر تفسير ابن كثير
[28]))
صحيح مسلم