رمضان شهر الطاعات للشيخ أحمد أبو عيد

 






 pdf


word

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، جعل الأرض قرارًا وأحاطها بسبع سماوات، جعل فيها أنهارًا وفجاجًا وجبالًا راسيات، أخرج منها نبات كل شيء وقدر فيها الأقوات، أنزل الغيث مباركًا والفلك بالخير في البحر جاريات، سخر الشمس والقمر دائبين والنجوم بالليل بازغات، خلق الحياة ليبلونا وكتب علينا الممات، نحمَده تبارك وتعالى حمدًا يليق بجلال الذات وكمال الصفات، ونعوذ بنور وجهه الكريم من السيئات والهفوات، ونسأله من نوره نورًا ننجو به من العثرات وحالك الظلمات.

وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات، المنزه الذات عن الاختصاص بالجهات، المحدِث لكل الحوادث والمحدَثات، حكيم خبير أوجد على مراده الكائنات، وما لها من حركات وسكنات، عليم قدير تندرج تحت علمه جميع المدركات، وتخضع لسلطان قهره كل الموجودات، سميع بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات، ولا تحجب رؤيته الظلمات، عليٌّ كبير لا تضره المعاصي ولا تنفعه الطاعات.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المعصوم من كل الشهوات، المبرأ من الهوى والمنزه عن النزغات والخطرات، مغلاق الشرور كلها ومفتاح جماع الخيرات، شمس الدجى وقمر الليالي الحالكات، المنير وجهه وبوجهه يُستسقى الغمام وينمو النبات، الفصيح لسانه وبلسانه يتكلم أهل الجنات، القوي بيانه وبتبيانه تندفع المعضلات، الفريد حياؤه وحياؤه لم تحظَ بمثله البنات، المعدوم مثله، ومثله قط لم تلد الأمهات،

المحمود اسمه وباسمه تستمطر الرحمات، العظيم خلقه، وبخلقه يتجسد التنزيل ومحكم الآيات، المرفوع ذكره، وبذكره تحل عقد المشكلات، المأمول حبه، وبحبه تتضاعف الحسنات، المرضي حمده، وبحمده يوم الفزع تكشف الكربات.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على أكمل المخلوقات، عدد ما في الكون من معلومات، ومداد ما خطه القلم من كلمات، ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات

العناصــــــــــر

أولاً: المحافظة على الصلاة                                  ثانياً: المحافظة على القرآن الكريم

ثالثاً: التنافس في الخيرات                                   رابعا: الإنفاق في سبيل الله

خامساً: الالتزام بالكلم الطيب وترك الخبيث

المـــوضـــــــوع

أولا: المحافظة على الصلاة

الأمر بالمحافظة عليها: قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" ﴿١٥٣ البقرة﴾

قال تعالى "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ "﴿٢٣٨ البقرة ﴾.

نور للعبد يوم القيامة: عن أبي مالك الأشعري t قال: قال رسول الله r الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان

والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"([1])

أفضل الأعمال بعد الشهادتين: أفضل الأعمال بعد الشهادتين؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود -t -قال: سألت رسول اللَّه -r -: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها" قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: "برّ الوالدين" قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه" ([2])

تغسل الخطايا: عن حديث جابر -t -قال: قال رسول اللَّه -r -: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات"([3])

فضل قيام الليل: قال -تعالى -:﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾"السجدة: 15 -17"

ووصَفَهم في موضعٍ آخَر بقوله:﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾"الفرقان: 64 -65" إلى أنْ قال:﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾"الفرقان: 75 -76".

وعن أبي هريرة -t -أنَّ رسول الله -r -قال: ((ينزل ربُّنا -تبارك وتعالى -كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخِر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟)) ([4])

وعن أبي هريرة أن رسول الله r قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) ([5])

 

 

ثانيا: المحافظة على القرآن الكريم

شفاء ورحمة للمؤمنين: وقال تعالى: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا "(الإسراء: 82)

خير من جمع المال: عنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -r-وَنَحْنُ فِى الصُّفَّةِ فَقَالَ "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِىَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِى غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ"، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ "أَفَلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمَ أَوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ" ([6])

أهل القران هم أهل الله وخاصته: عن أنس t أن رسول الله r قال: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"([7])

علو المنزلة في الدنيا والآخرة: فعن عمرَ بن الخطابِ t أَنَّ النَّبِيَّ r قال: "إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين" ([8])

وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ: قال رسولُ اللَّهِ r: "الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ له أجْران " ([9]).

أهلُ القرآن في الجنة درجات بمِقدار ما يقرؤون ويُرتِّلون: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله r: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " ([10])

الجزاء بعد الموت: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ

بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ

 نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ"([11])

الشفاعة بين يدي الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: " يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " ([12])

التجارة الرابحة التي لا خسارة فيها: قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ" فاطر

وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ" ([13])

الأدب مع القرآن الكريم والتخلق بأخلاقه :  فإن من الواجب على قارئ القرآن الكريم أن يتأدب بآدابه ، ويتخلق بأخلاقه ، ويتمسك بتعاليمه ، فبأخلاقه يتحرر الإنسان من أهوائه وشهواته ، وتتقوى نفسه بالأخلاق القويمة ، قال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" "الإسراء: 9" ، وأسوتنا في ذلك رسول الله (r) قد كان قرآنا يمشي على الأرض ، يتخلق بخلقه ، يرضى برضاه، ويسخط لسخطه ، وقد سئلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن أخلاقه (r) فقالت: "كَانَ خلقه الْقُرْآن"" ([14])

حرمة هجر القران: قال تعالى: " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً "

فهذه هي شكوى سيدنا محمدٍ r مِن هجر قومه للقرآن، والتي سجلها القرآن، وأين؟ في سورة الفرقان بالذات؛ لأن الفرقان هو القرآن، سجلها في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) متروكاً مُقاطَعاً مرغوباً عنه، وإن ربه ليعلم بشكواه وحال قومه مع هذا القرآن؛ ولكنه دعاء البث والإنابة، يُشهِد به ربه على أنه لم يألف جهداً، ولكن قومه لم يستمعوا لهذا القرآن ولم يتدبروه.

وتأملوا يا أمة القرآن: " في قوله: (اتخذوا) فهي تدل على أنهم جعلوا الهجر ملازماً له ووصفاً من أوصافه عندهم، وهذا أعظم وأبلغ من أن يقال: إنهم هجروه؛ لأن هذا اللفظ يفيد وقوع الهجران منهم، دون دلالة على الثبوت والملازمة".

لقد هجروا القرآن الذي نزّله الله على عبده لينذرهم، ويبصرهم، هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم، وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله، ويجدوا الهدى على نوره، وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق.

فهل ندرك -معشر قراء كتاب الله -ونحن نقرأ هذه الآية أن شكوى النبي r مَن هجر القرآن، فيها دلالةٌ على أن ذلك من أصعب الأمور عليه، وأبغضها لديه؟ وأن في حكاية القرآن لهذه الشكوى وَعِيدٌ كبير للهاجرين بإنزال العقاب بهم إجابةً لشكوى نبيه r؟

ثالثاً: التنافس في الخيرات

الأمر بالتسابق: قال تعالى" وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"(المطففين: 26).

وقال تعالى: " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ"(الواقعة)

وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: "السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّات".

ومدح أنبيائه بهذه الصفة الحميدة فقال: " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا

وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء 90)

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا" ([15]).

اغتنم الفرص: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -r-قَالَ "يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِى الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ". فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" ([16])

غرف الجنة: عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –t-عَنْ النَّبِيِّ -r -قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ" ([17])

احرص على الدرجات العالية: عن أبي هريرة:" أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله r فقالوا: ذهب أهلُ الدُّثورِ بالدرجاتِ العُلى والنعيمِ المُقيمِ. فقال " وما ذاك؟ " قالوا: يُصلُّون كما نُصلِّي. ويصومون كما نصومُ. ويتصدَّقون ولا نتصدَّقُ. ويعتِقون ولا نعتِقُ. فقال رسولُ اللهِ r " أفلا أُعلِّمكم شيئًا تُدركون به مَن سبقَكم وتَسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثلَ ما صنعتُم " قالوا: بَلى: يا رَسولَ الله! قال" تُسبِحونَ وَتُكَبِرُونَ وَتُحَمِدونَ، دُبُرَ كلِّ صلاةٍ، ثلاثًا وثلاثين مرةً ". قال أبو صالحٍ: فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسولِ اللهِ r. فقالوا: سمِع إخوانُنا أهلُ الأموالِ بما فعَلْنا. ففعلوا مثلَه. فقال رسولُ اللهِ r " ذلك فضلُ اللهِ يُؤتيه مَن يشاءُ " ([18])

رابعا: الإنفاق في سبيل الله

عظيم الأجر والثواب: قال عز قال:" مَثَلُ الَّذِين ينفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " البقرة 261

له مثل اجر الصائم: عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ (t) عن النبي (r) قَالَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرُهُ، من غير أن يُنقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ" ([19])

أجود الناس في رمضان: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (t) قَالَ: "كَانَ النبي r أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فيدارسه القرآن، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ r حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ([20]).

تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار: عن معاذ بن جبل t أن النبي r قال له" ألا أدلك على أبواب الخير قلت بلى يا رسول الله قال الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" ([21])

خامسا: الالتزام بالكلم الطيب وترك الخبيث

أ-الالتزام بالكلم الطيب

بها يتفاضل المسلمون: عن أبي موسى t قال قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال من سلم

المسلمون من لسانه ويده "([22])

بها تستقيم الأعضاء أو تعوج: عن أبي سعيد الخدري t رفعه قال إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " ([23])

الكلمة الطيبة شعبة من شعب الإيمان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" ([24])

الكلمة الطيبة سمة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم : قال تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما).

بالكلمة الطيبة تتحقق المغفرة: قال r: "إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ" ([25])

تصعد إلى السماء: فتح لها أبواب السماء وتقبل بإذن الله: قال تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب"

ب-ترك الخبيث

اجتناب الصائم الرفث والصخب والعدول عنه إلي الحسن في القول: عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ([26])

وفي "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها" ([27])

ومعنى: الرفث في الحديث يشمل الفحش في القول والجماع معاً، (وَلَمْ يَفْسُقْ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلا مَعْصِيَةٍ، وَمَعْنَى (كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه): أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب.

لا أصل لها: يقول الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار"، (إبراهيم)،  يقول ابن القيم: ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة، فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فلا عرق ثابت، ولا فرع عال، ولا ثمرة زاكية، فلا ظل ولا جني ولا ساق قائم، ولا عرف في الأرض ثابت، فلا أسفلها مغدق، ولا أعلاها مونق، ولا جني لها ولا تعلو بل تعلى، وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكسبهم، وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه.

توجب سخط الله: عن بلال بن الحارث المزني t أن رسول الله r قال، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه"([28])

وأخيرا: إن كل ما نهي الله عنه من الكلام يعد خبيث فلابد من اجتنابه: فعلى الصائم أن يلتزم بكل الآداب التي أمر بها الله ورسوله r ويبتعد عن كل ما نهى عنه الله تعالى ورسوله r

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

%%%%%%%%

 



([1]) صحيح مسلم

([2]) متفق عليه

([3]) صحيح مسلم

([4]) متفق عليه

([5]) صحيح البخاري

([6]) متفق عليه

([7]) صحيح الترغيب والترهيب

([8]) صحيح مسلم

([9]) متفق عليه

([10]) مشكاة المصابيح

([11]) صحيح الترغيب والترهيب

([12]) صحيح سنن الترمذي

([13]) صحيح الترغيب والترهيب

([14]) صحيح الجامع

([15]) صحيح مسلم

([16]) صحيح مسلم

([17]) متفق عليه

([18]) صحيح مسلم

([19]) صحيح ابن ماجة

([20]) متفق عليه

([21]) صحيح الترغيب والترهيب

([22]) متفق عليه

([23]) مشكاة المصابيح

([24]) متفق عليه

([25]) السلسلة الصحيحة 

([26]) متفق عليه

([27]) صحيح البخاري

([28]) صحيح الترغيب والترهيب


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات