أولادُنا فلذاتُ أكبادنا ... تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ للشيخ – محمد جودة عيد
العناصر :
أولاً : أولادنا ..... هبة الله لإسعادنا ثانياً : الأبوة مسؤولية
ثالثاً : حقوق الطفل تبدأ قبل الولادة رابعاً : اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية بمرحلة ما قبل الميلاد
خامساً : اهتمام العلم بهذه المرحلة الخطيرة
سادساً : إحسان اختيار الأبوين
أ- الاختيار على أساس الدين ب- الاختيار على أساس الشرف والأصل
ج - الاختيار على أساس الملاحة والجمال د- الاختيار على أساس الودِّ وحُسن الخُلق
سابعاً : التعوذ بالله من الشيطان قبل لقاء الزوجين ثامناً : الدعاء بصلاح الذرية
تاسعاً : أن يتخير له اسماً حسناً ذكراً كان أو أنثى
الحمد لله العليِّ الحليم ، الغفور الرحيم ، الذي أظهر خلق الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعَلَه في قرارٍ مكين ، ثم خلق النطفة عَلَقَةً ثم خلق العَلَقَة مُضْغَة ، ثم خلق المُضْغَة عظاماً ، ثم كسا العظام لحماً، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسنُ الخالقين .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، شمِلتْ قدرتُه كلَّ مقدور، وجرتْ مشيئتُه في خلْقه بتصريف الأمور، وتفرَّد بملكوت السموات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله ، وخيرتُه من خلقه ، أرسله رحمة للعالمين ، فهَدَى به من الضلالة ، وعلَّم به من الجهالة ، وفتح برسالته أعيناً عمياً، وآذاناً صمَّاً ، وقلوباً غُلفاً ، فبلَّغ الرسالةَ ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمَّة ، وكشف الغمَّة ، حتى وضحتْ شرائعُ الأحكام ، وظهرتْ شرائع الإسلام ، وعزَّ حزبُ الرحمن ، وذلَّ حزبُ الشيطان، واهتدى كلُّ حيران .
فصلَّى الله وملائكتُه وأنبياؤه ورسلُه وعبادُه المؤمنون ،عليه وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وسلّم تسليماً كثيراً
أولاً : أولادنا ..... هبة الله لإسعادنا
أولادُنا فلذاتُ أكبادنا ، وثمارُ قلوبنا، وبهجةُ نفوسِنا، هم سراج البيوت وأنوارُها، ورياحين الحياة وزينتُها، نحن لهم أرضٌ ذليلة وسماء ظليلة، إن طلبوا أعطيْناهم، وإن غضِبوا أرْضيناهم
وَإِنَّمَا أَطْفَالُنَـــــــا بَيْنَنَــــــــا أَكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ
إِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلَى بَعْضِهِمْ امْتَنَعَتْ عَيْنِي عَنِ الغُمْضِ
فالولد نعمةٌ وأمانة ، لوالده غُنمُها ، وعليه غُرمُها .
وكما قال تعالى : ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14] .
فقلْبُ الأبوين مفطور على محبَّة الولد، والرحمةِ به، والشفقةِ عليه، والاهتمامِ بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوعُ الإنساني من الأرض، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما .
ولا عجب أن يصوِّر القرآنُ العظيم هذه المشاعرَ الأبوية أجملَ تصويرٍ، فيجعل من الأولاد تارةً زينةً؛ كما قال تعالى : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46] .
ويعتبره تارة نعمةً عظيمة تستحق شكرَ الواهب المنعم، فيقول تعالى: ﴿ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6] .
وتارة يعتبرهم قرةَ أَعْيُن إن كانوا سالكين سبيلاً مستقيمًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74 ] .
وفي الحديث الصحيح ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم ، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما،عليهما قميصانِ أحمران، يمشيان ويعثران ، فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق اللهُ ورسوله ؛ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى قطعتُ حديثي ورفعتُهما))، ثم أخذ في خطبته صلى الله عليه وسلم ، رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي
وفي الحديث الصحيح عن بعض الصحابة- رضي الله عنهم ، أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي - الظهر أو العصر - وهو حاملٌ حسنًا أو حسينًا، فتقدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه اليمنى ، ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، فرفعتُ رأسي من بين الناس، فإذا الصبي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعتُ إلى السجود، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ ، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدتَ بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتَها، حتى ظننا أنه قد حدث أمرٌ، أوأنه قد أوحى إليك، قال: ((كلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني ’’أي: اتَّخذني راحلةً بالركوب على ظهري’’ فكرهتُ أن أعجله حتى يقضي حاجته ) رواه النسائي والحاكم .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه قال: قبَّل رسولُ الله الحسنَ بن علي رضي الله عنهما ،وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي جالساً، فقال:إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وقال:((من لا يَرحم لا يُرحم)) رواه البخاري وفي رواية في "الأدب المفرد" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالتْ: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبِّلون صبيانكم فما نقبِّلهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَوَأملِكُ أنْ نَزَعَ اللهُ من قلبك الرحمةَ ؟ )) .
وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قدم على الرسول صلى الله غلبه وسلم بسبْيٍ، فإذا امرأةٌ من السبي تسعى، إذ وجدتْ صبيًّا في السبي، فأخذتْه فألصقتْه ببطنها فأرضعتْه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أترَوْن هذه المرأةَ طارحةً ولدَها في النار؟))، فقلنا: لا والله، فقال صلى الله عليه وسلم ((لَلهُ أرحمُ بعباده من هذه المرأة بولدها )) .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: جاءتِ امرأةٌ إلى عائشةَ رضي الله عنها ، ومعها صبيَّانِ، فأعطتْها عائشةُ رضي الله عنها ثلاثَ تمرات ، فأعطتْ كلَّ صبي لها تمرةً ، وأمسكتْ لنفسها تمرة ، فأكَلَ الصبيَّان التمرتين، ونظرا إلى أمِّهما، فعمدتِ الأمُّ إلى التمرة فشقَّتْها، فأعطتْ كلَّ صبي نصفَ تمرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتْه عائشةُ رضي الله عنها فقال: ((وما يعجبك في ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبيَّيْها)) .
ومحبةُ الذريَّة كغيرها من المشتهيات تارة تكون ممدوحةً ، وتارة تكون مذمومة ، والأشياءُ بمآلها وآثارها؛ فالممدوحةُ ما تؤول إلى خير، وتفضي إلى نفع، والمذمومةُ ما تؤول إلى شر، وتفضي إلى ضرر، فمحبةُ الذرية ، والرحمةُ بهم ، والشفقةُ عليهم مطلوبةٌ ؛ لكن ليس على حساب الدِّين، وإن محبتهم لا تقتضي إهمالَ تربيتهم ، وإغفالَ شؤونهم . وإذا كانت السُّنةُ مليئة بما يحثُّ على حبِّ الذرية ورحمتهم، فإنها مليئة أيضا بما يجب به إحسان تربيتهم، وتقويم خُلُقهم .
ثانياً : الأبوة مسؤولية
، [أخرجه ابن ماجة في سننه] ((: ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم قال عليه الصلاة والسلام
سبحان الله! هناك جبلَّةٌ جبلها الله عزَّ وجل في قلب كل أب، هذه الجبلَّة هي الحرص على أولاده ، ولكن المشكلة أنك تحرص على أولادك من زاوية نظرك، من وجهة نظرك، فالأب الذي لا يعرف الله عزَّ وجل يحرص على مستقبل أولاده وفق تخطيطه هو، هذا الذي يسميه الناس ضالٌ مُضل، يحب أن يكون أولاده أحراراً ، في أعمالهم، وفي حركاتهم، وفي سكناتهم، ولا يتأثَّر كثيراً إذا رأى انحرافاً , لا بدَّ من أن يكون ابنه كذا وكذا، لذلك تعلُّم الأب فرض عينٍ قبل أن يُعَلِّم، فالأبوَّة مسؤوليَّة
فكل إنسان يتزوَّج ينجب أولاداً، هذا في مقدور أي إنسان؛ جاهل، عالم، عظيم، تافه، أخلاقي، لا أخلاقي ، أمر واضح ، كائن مع كائن ينجبان مولوداً، ولكن الأبوَّة في الإسلام مسؤوليةً ، قبل أن تكون مُتعة، مسؤوليَّة كبيرة، هذا الذي أنجبته له حقٌ عليك
إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الدِرهم الذي تنفقه على عيالك خيراً من أي درهمٍ آخر، لأن إنفاق المال على الفقراء مثلاً قد تنفق عليهم أنت وهناك آخرون ينفقون عليهم ، أي هو بابٍ من أبواب الخير, إن امتنعت أنت عن الإنفاق تقدَّم غيرك، ولكن رعاية الأولاد، هؤلاء الأولاد إن تخليت أنت عنهم من لهم؟ ليس لهم أحد، من هنا كان الدرهم الذي تنفقه على عيالك أو على أولادك خيراً من أي درهمٍ آخر.
: ((ما نحل والدٌ ولداً أفضل من أدبٍ حسن )) . وعن أيوب بن موسى, عن أبيه, عن جده , أن النبي قال
إن الله سبحانه وتعالى جعل في الأرض معايش، معنى معايش: أي جعل في الأرض أبواباً لكسب الرزق، كل واحد له حرفة؛ هذا مدرِّس والتدريس بابٌ لكسبه الرزق، هذا محامِ والمحاماة بابٌ لكسبه الرزق، هذا موظَّف، هذا صاحب مهنةٍ يدويَّة أو حرفةٍ يدويَّة كل إنسانٍ يعيش من عملٍ ، والناس في أمس الحاجة إليه، وهذا تصميم الله عزَّ وجل، فالإنسان يُتقن عملاً واحداً, وهو بحاجة إلى آلاف آلاف الخدمات والحاجات، الحياة تقوم على العلاقة المتبادلة , وكذلك جعل ربنا سبحانه وتعالى في الحياة الدنيا أبواباً للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى, والأسرة أحد أكبر هذه الأبواب؛ أي يكفي أن تكون زوجاً مثالياً، أن ترعى زوجتك، أن تحملها على طاعة الله، أن تعرِّفها بأمر آخرتها، أن تعطيها سؤلها بالمعقول من دون شطط ، من دون إسراف، من دون تبذير، من دون مباهاة، أن تكفيها مؤنتها، أن تطمئنها لا أن تهددها بالطلاق صباح مساء، يكفي أن تبثَّ في قلبها الأمن والطمأنينة، وأن تطعمها مما تأكل، وأن تلبسها مما تلبس، وأن توقِّرها توقيراً يليق بها كزوجة شريكة حياة، هذا بابٌ كبير من أبواب العمل الصالح .
وأولادك يكفي أن تحرص على مستقبلهم، ويكفي أن تحرص على هدايتهم، ويكفي أن تسعى لتنشئتهم نشأةً صالحة, وبناتك يكفي أن ينشأن على طاعة الله ورسوله ، يكفي أن تكون هذه البنت وفق ما أراد النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تبحث لها عن زوجٍ مؤمن فإن في هذا المسعى عملاً عظيماً هو مدخلٌ لك على الله عزَّ وجل .
وفي الحديث يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته، الرَّجُل راعٍ على أهل بيْتِه، وهو مسؤولٌ عنهم)) ؛ رواه البخاري في صحيحه
ولذا؛ كان تربية الولد وصيانته والمحافظةُ عليه من أعظم الأمانات على كلِّ أبٍ ذاقَ حلاوةَ الذرِّيَّة؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ ﴾ [التَّحريم: 6 ] .
إنَّ الحديث عن أهميَّة تربية الأولاد تربيةً إسلاميَّة ليتأكَّدُ في هذا الزَّمن الذي كثُرت فيه المغريات، وادلهمَّت فيه الشُّبهات، وأصبحت البيوت تُغْزَى بثقافات وسلوكيَّات لَم يعْهدْها الآباء والمربُّون .
وإنَّ مسؤوليَّة التَّربية أيُّها الأب المبارك ليس بضْع كلِمات تُقال ثمَّ تنتهي بعدها المسؤوليَّة، كلاَّ؛ بل مشوارُ التَّربية رحلةٌ طويلة، وجهد مستمرّ، وتحسّس دائم للطرُق الصَّحيحة في التعامل مع الولد في مراحل حياةِ عمره .
وتبدأ هذه المسئولية وهذا الواجب من الوالدين من قبل مولد الطفل ، نعم، عليك دور، ودور كبير تجاه طفلك في مرحلة ما قبل الميلاد !!!! .
ثالثاً : حقوق الطفل تبدأ قبل الولادة
إن سلوك الكائن الحي لا يبدأ من الميلاد وإنما من قبل ذلك، وهذه المرحلة ذات أهمية خاصة ، نظرًا لأنها المرحلة الأولى التي يتكون فيها الفرد فعلًا، وأن التغيرات الحادثة فيها تغيرات حاسمة ، ولذا اهتمَّ الإسلام بحقوقِ الطفل قبل ولادته، عبرَ إصلاح المحضن والمرتَع، الذي سوف ينشأ فيه الطفل؛ ولذلك حضَّ الإسلام على الزواج حتى ينشأ الطفل من خلاله على الطهارة والعفة والاستقامة، وحرَّم الإسلام الزنا بكلِّ صوره ؛ لأن الطفل عنده يكون نتاجَ نطفةٍ خبيثة مُهَانة ، وعادةً يكون مصيرُه الضياع والفساد، وكذا حرَّم الإسلام عددًا من الأنكحة الفاسدة ؛ حفاظًا على طهارة المحضن؛ مثل: نكاح المتعة، ونكاح الشِّغار، والمحلِّل، والاستبضاع .
قال تعالى ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3]
وقال تعالى: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الاعراف: 58]
وحافظ عليه أيضاً من الاعتداء، واحتفظَ له بحقِّه في الحياة، فحرَّم إجهاضه وإسقاطه بعد نفخ الرُّوح فيه ، حتى ولو كان هذا الإسقاط أو الإجهاض باتفاقِ الزوجين , للإشعار بأن هذا الوليد كائن مستقل يجب أخذه في الاعتبار وأن يعامل على أساس أنه إنسان جديد
قال تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ...﴾ [الأنعام: 151] .
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31] .
رابعاً : اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية بمرحلة ما قبل الميلاد
لقد اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية بهذه المرحلة الخطيرة ، فقد قال الله تعالى: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ ، النجم: 32
وقال تعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ﴾ [الزمر: 6]
وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12-14] .
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات: يَكْتب رزقه، وعمره، وعمله، وشقي أو سعيد) [متفق عليه] .
خامساً : اهتمام العلم بهذه المرحلة الخطيرة
ولقد اهتم علماء "علم نفس النمو" بهذه المرحلة الخطيرة، حيث أنهم أثبتوا أن تأثير البيئة المحيطة بالطفل في هذه المرحلة جد خطير سواء على مستوى الطفل العقلي أو البدني أو الانفعالي .
يقول أحدهم : إن ثمانين في المائة من المواليد المشوهين هي حالات ناتجة ليس عن الوراثة بل عن الظروف البيئية غير الصحية بالنسبة للجنين . [الطفل من الحمل إلى الرشد د. محمد عماد الدين إسماعيل ص 146] .
ويقول آخر : ( ونحن عادة نعتبر أن بيئة ما قبل الولادة متشابهة لكل الأجناس فالبيئة التي حول الجنين بسيطة نسبياً إذا ما قورنت بالعالم الذي سوف يحويه بعد الولادة ومع ذلك يوجد تفاوت في هذه البيئة، فمثلًا الضغوط التي يتعرض لها جنين ما قد تختلف عن التي يتعرض لها جنين آخر وترجح الدراسات الحديثة أن حالة الأم البدنية والانفعالية (وبالتالي البيئة التي تقدمها للجنين) قد تحدث تأثيرات هامة في مجرى نمو الجنين وبالتالي في صحة الطفل فيما بعد.) [مرحلة ماقبل الميلاد، د. محمد عبد الطاهر الطيب ص 65
ولقد ركزت الأبحاث الحديثة على تأثير سوء التغذية في أثناء الحمل وفي الأشهر الأولى بعد الميلاد على النمو العقلي، ووجد من هذه الدرسات أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في هذه الفترة لا يصلون إلى النمو الجسمي الكامل بالنسبة لهم، كما أنهم لا يستطيعون أن يحققوا امكانياتهم من حيث النمو العقلي .
وتبين أن الأمهات اللواتي يتناولن غذاءً جيدًا يكن في صحة جيدة طوال مدة الحمل، كما أن مضاعفات الحمل ـ الأنيميا وتسمم الحمل والإجهاد والبسترة ووفيات الولادة - كانت أكثر تكرارًا مع سوء التغذية عنها في الجيدة التغذية .
كما تبين أن سوء التغذية يؤثر بشكل مباشر في نمو المخ، الذي يتطلب لنضج هذه الفترة قدرًا معينًا من عناصر أساسية منها البروتين والفسفور والمغنسيوم، فإذا لم تستطع الأم أن تمد الجنين بالقدر الكافي من هذه العناصر يتأثر نمو المخ بشكل قد تدوم آثاره بعد ذلك [الطفل من الحمل إلى الرشد د. محمد عماد الدين إسماعيل ص 147]
ومادام القرآن والسنة قد عنيا بهذه المرحلة الخطيرة واهتم بها كذلك علماء "علم نفس النمو" فلاشك أن لها تأثير كبير على طفلك في المستقبل ، وبالتالي كان لابد لك عزيزي المربي أن تولي هذه المرحلة الإهتمام الكبير وذلك بتنفيذ ما يلي :
سادساً : إحسان اختيار الأبوين
نحن نعلم جيدًا أن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه كما في الحديث ، وبالتالي فإن اختيار الزوج من قبل المرأة واختيار الزوجة من قبل الرجل ، من أهم الواجبات التي يقوم بها الوالدين تجاه طفلهما حيث أنهما إن أحسنا الإخيتار فهما بذلك قد وفرا لطفلهما التربة الخصبة لبناء الإيمان والنشأة على الطاعة ؛ ولذا أمر كلاًّ منهما بإحسانِ اختيار الآخر، ووضع قواعد ومعايير تحقِّق هذا الإحسان في الاختيار؛ وهذه القواعد نستطيع إجمالها في العناصر التالية
أ- الاختيار على أساس الدين
ونقصد بالاختيار على أساس الدين أن يكونَ الاختيارُ على أساسِ الفهم الصحيح والحقيقي للإسلام، والتطبيق العملي السلوكي لكلِّ فضائله السامية وأخلاقه الرفيعة، والالتزام الكامل بمنهجه الشرعي ومبادئه الخالدة على كل حال؛
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوجة: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفرْ بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يداك))[متفق عليه] .
و قال النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوج: ((إذا جاءكم مَن تَرضَون دينَه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تَفعَلُوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير)) [ سنن ابن ماجه ] .
ب- الاختيار على أساس الشرف والأصل
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أسسًا للاختيار؛ منها الحسب في حديث: ((تنكح المرأة لأربع... )) منها : ((... ولحسبها...)) والقصد من الحديث أن يقصد المسلمون ذاتَ الدِّين أولاً، ولو توفَّر في ذات الدين الحسبُ، أو الجمال الباهر، أو المال الكثير؛ فذلك أفضل، لكنَّ شيئًا من ذلك لا قيمةَ له إن لم يقترنْ بالدِّين .
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ’’ إياكم وخضراء الدمن، فقيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء
الدِّمَن جمع دِمْنَة وهي المزبلة ، وخضراء الدمن أحياناً تنبت نبتةٌ في هذه القمامة ، فإذا هي نضرة، لأنها كلها سماد، هذه سمَّاها النبي عليه الصلاة والسلام خضراء الدمن، فالبيئة سيِّئة، البيئة غير إسلاميَّة، البيئة غير ديِّنة، متفلِّتة، الجو العائلي جو مريض،
وفي حديث أنسٌ , عن النبي عليه الصلاة والسلام : ((من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره, ويحصن فرجه, أو يصل رحمه, بارك الله له فيها وبارك لها فيه )) .
فالزوجة بمنزلة التُّرْبة التي تلقى فيها البذور، فإن كانتْ صالحة أنبتتْ نباتًا حسنًا، وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم :
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَـــــا أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأَعْرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعْهَّدَهُ الحَيَا بِالرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّمَا إِيــــــرَاقِ
الأُمُّ أُسْتَاذُ الأَسَاتِذَةِ الْأُلَــى شَغَلَتْ مَآثِرُهُمْ مَدَى الْآفَـاق
فيجب البحث عن الزوجة الطيبة الصالحة، وذلك أيضًا امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾. النور 26
ج - الاختيار على أساس الملاحة والجمال
ينبغي أن تكون الزوجةُ على قدرٍ من الملاحة والجمال؛ بحيث تعجب زوجها ويَرضَى بها، والمراد بالجمال الذي يجعله الشرع الشريف أحدَ أسسِ الاختيار، هو الجمالُ الذي يرضى عنه الزوج؛ ليكون رضاه مُعِينًا له على أنْ يغضَّ بصرَه ويحصِّن نفسَه؛ لذا وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم ، الصحابيَّ إلى النظرِ لوجهِ مَن يُرِيد زواجَها، فقال صلى الله عليه وسلم : ((انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما))[ سنن الترمذي ، وسنن ابن ماجه] ، بل يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أسباب تفضيلِ المرأة أن تسرَّ زوجها إذا نظر إليها، فقال صلى الله عليه وسلم : ((خير نسائكم مَن إذا نظر إليها سرَّتْه، وإذا أمرها أطاعتْه، وإذا غاب عنها حَفِظتْه في نفسها وماله)) [ سنن أبي داود]
وفي حديثٍ عن أبي هريرة -رضي الله عنه ، قال : ’’ يا رسول الله, أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ
وهذا الحديث ليس فيه كلمة إليها؛ أي إذا نظر إلى غرفة النوم تسره، منظَّمة ومرتَّبة ونظيفة، وإذا نظر إلى المطبخ تسرُّه، وإذا نظر إلى أولاده تسرُّه، وإذا نظر إلى البيت إجمالاً تسرُّه، أي أنها تقوم بواجبها خير قيام، أي تحسن تبعُّل زوجها
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ’’ اعلمي أيتها المرأة, وأعلمي من وراءك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله ’’ , يعني الجهاد في سبيل الله
يستحب أن تختار امرأة تسرُّك إذا نظرت إليها هذا من السنة، لكن العلماء أيضاً, ومنهم الماوردي يقول: كره العلماء أن يختار الإنسان امرأةً ذات جمالٍ بارع, لأنها متعبةٌ إلى أقصى الحدود، فإنها تزهو بجمالها، وتحب أن ينظر الناس إليها، وربَّما تعاند زوجها، وربَّما تتفلَّت من أوامر الشرع تفلُّت البعير
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام: (( لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوَّجوهنَّ لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوَّجوهنَّ على الدين، ولأمة خرماء -أي أذنها مشرومة- سوداء ذات دينٍ أفضل
فإذا ذُكرت كلمة حُسن أو جمال, المقصود الجمال وحده؛ أي أنك إن آثرت الجمال على الدين، هناك رقَّةٌ في الدين وتفوُّقٌ في الجمال، آثرت الجمال على الأخلاق، هناك شراسةٌ في الأخلاق، ورقةٌ في الدين، وتفوُّقٌ في الجمال, فالأمر فيه خطورة ، إذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام كلمة الجمال أو الحُسن, فالمقصود به من آثره على بعض الشروط الأخرى أي جميلة وجاهلة، حسنها يرديها، يجعلها تستعلي عليه، لا يحتملها زوجها فيطلِّقها، وهذا يحصل دائماً، استعلاؤها على زوجها يحملها على أن تكون فظَّةً معه ، وقد لا يحتمل الزوج هذا، فيكون الفراق والشِقاق .
د- الاختيار على أساس الودِّ وحُسن الخُلق
فالزوجان إذا اتَّصَفا بالحرصِ على التوادِّ وحسن الخُلق؛ فإنهما يعملان على إحسان العِشْرة بالمعروف ، فلا يكون أحدُهما صخَّابًا ولا شتَّاماً ، بل يعرف كلٌّ منهما حقَّ الآخر عليه ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث: ((خير نسائكم. .. إذا أمرها أطاعتْه)) وهذا من دلائل حسن العِشْرة .
وفي حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام : ’’ تنكح المرأة على إحدى خصال؛ لجمالها، ومالها، وخُلُقها، ودينها, فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك ’’ .أخرجه أحمد في مسنده
والإسلام حينما يجعل الودَّ، وإحسان العشرة، وإحسان الخُلق أساسًا لاختيار الزوجين؛ فهو بذلك يُرِيد توفيرَ الحياة المستقرَّة الخالية من التنازع والاختلاف والفُرقة في الأسرة؛ وذلك حرصًا منه على توفير الظروف الاجتماعية المناسبة لتنشئة الأولاد تنشئةً سليمة صالحة، خاليةً من الظروف المساعدة على الانحراف والجنوح .
: وكما قال الشاعر الحكيم
ليس الجمال بأثوابٍ تُزيننا إن الجمال جمال العلم والأدبِ
سابعاً : التعوذ بالله من الشيطان قبل لقاء الزوجين
و في هذا الموضوع أحاديث كثيرة , وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هناك سؤال دقيق: كلَّما سألني سائل حول التعوذ, قال: إنني تعوَّذت بالله فلم يحصل ما أريد ؟ وأرد عليه قائلاً: إن الله عزَّ وجل يقول: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ . [سورة فصلت الآية: 36 ] ، أي السميع باستعاذتك ، والعليم بما في قلبك
استنبط العلماء من هذه الآية : أن الاستعاذة باللسان لا قيمة لها، ولا تكفي، ولا جدوى منها، ما لم يكن القلب في أعماقه متجهاً إلى الله بالاستعاذة، فلذلك لا تقبل هذه الاستعاذة، ولا تُجدي نفعاً ، ولا تقطف ثمارها, إلا إذا كانت نابعةً من قلبك ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى ختم الآية , فقال :﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
سميعٌ لهذه الاستعاذة, ولكن يعلم أن قلبك ليس في مستواها، فإذا اتجه الإنسان إلى الله عزَّ وجل بكليَّته مستعيذاً, لا بدَّ من أن ينجيه من كل مكروه .
ولقد قال الله عزَّ وجل : ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً﴾ [سورة الإسراء الآية: 64 ]
فالمشاركة في الأولاد: أن الزوج الذي ينسى أن يستعيذ بالله قبل اللقاء الزوجي، قد يشرَكه في هذا اللقاء الجن، وعندئذٍ يأتي الابن شريراً مخيفاً، هذا تفسير بعض العلماء لهذه الآية .
والنبي عليه الصلاة والسلام ، فيما روى ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ, اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ, وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا, فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ, لَمْ يَضُرُّهُ )) ، البخاري ومسلم .
قال الإمام الداودي: معنى لم يضرَّه؛ أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر
وليس المراد أن هذا الابن معصومٌ عن المعصية , إن العلماء يقولون: ليس معنى هذا أنه يصبح معصوماً عن المعصية، ولكن لم يضرُّه الشيطان فيهوي به إلى الكفر، إذا كان قد استعاذ الزوج بالله من الشيطان الرجيم قبل اللقاء الزوجي .
وكلكم يعلم: أن الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلِّم, قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت في هذا البيت ، طول الليل مشاكل فإذا جلس إلى الطعام ولم يسمِ, قال الشيطان لأخوانه : وأدركتم العشاء كذلك ، فإذا دخل ولم يسلِّم، وجلس إلى الطعام ولم يسمِّ, قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت والعشاء معاً .
إذاً خلاصة التوجيه النبوي: أن الإنسان عليه أن يسلِّم إذا دخل إلى بيته قائلاً: السلام عليكم، وعليه أن يسمي إذا أكل، ، وفي علاقاته وفي طعامه ، عندئذٍ يجنبه الله الشيطان .
ثامناً : الدعاء بصلاح الذرية
هذه الدعوات الصادقة التي تنطلق من أفواه الآباء تذلل بإذن الله صعوبات التربية في المستقبل وتصنع أطفالًا صالحين
وما أحوج الأباء في هذا الزمن لهذه الدعوات قبل أن يفكروا في اسم الطبيب أويختاروا بين المستشفيات
دعوات كدعوة زكريا عليه السلام : ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38 ]
أو كدعوة ابراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 100-101 ]
فكان نتاج الدعوة الأولى يحيى الحصور، ونتاج الدعوة الثانية إسماعيل الطائع لربه صادق الوعد الذي يأمر أهله بالصلاة والزكاة
تاسعاً : أن يتخير له اسماً حسناً ذكراً كان أو أنثى
ففي الحديث الشريف : (( إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم )) , [أخرجه أبو داود في سننه] .
اختيار الاسم شيء مهم جداً، هذا الاسم سوف يكون علماً على هذا الابن, في حلِّه وترحاله، في علاقاته، في حركاته وسكناته .
الأسماء المحببة إلى الله؟ من
روي عن ابن عمر ، قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((إن أحب أسمائكم إلى الله عزَّ وجل؛ عبد الله وعبد الرحمن)) رواه الإمام مسلم
وكان عليه الصلاة والسلام إذا لم يعرف اسم إنسان, قال له : ((ادن مني يا عبد الله ))
والنبي أمرنا في حديثٍ آخرفقال : ((تسموا بأسماء الأنبياء ، وأصدقها حارثٌ وهُمام، وأقبحها حربٌ ومرَّة)) ، رواه أبو داود والنسائي .
وكان عليه الصلاة والسلام يبدِّل الأسماءالقبيحة إلى أسماء حسنة ، فعن سعيد بن المسيب بن حَزْن, عن أبيه, أنه جاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال : ((ما اسمك؟ قال: حَزْن, فقال: أنت سهل, قال: لا أغير اسماً سمَّانيه أبي, فقال بن المسيِّب فيما بعد: فما زالت الحزونة فينا بعد )) .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول له : أنت سهل, وهو يقول: لا اسمي حزْن ويرفض تسمية النبي
قال: فما زالت الحزونة فينا بعد ، والحزونة غلظ الوجه وشيءٌ من قساوة القلب .
والحَزَن ، الحُزْن: بمعنى واحد وهو ما يعتري النفس من ألم ، ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [سورة النمل الآية: 70]
والحَزْن: هو الأرض الوعرة
قال عليه الصلاة والسلام : ((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا, أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )) .
وهذه امرأةٌ اسمها عاصية سمَّاها النبي جميلة ، قال لها ما اسمكِ؟ قالت : ((أنا عاصية, فقال لها: بل أنتِ جميلة)) .
وامرأةٌ اسمها برَّة فقال عليه الصلاة والسلام : ((أنتِ زينب))
الأنسب أن يختار الإنسان اسماً مناسباً، والذي أعرفه أن الإنسان له الحق أن يبدِّل اسمه، فإذا لم يرق له اسمه الذي سماه به أبوه, فله الحق أن يبدِّل اسمه حتى في قيود الدولة وسجلاتها .
وفي الحقيقة : الأسماء القبيحة أسبابها عادة قبيحة، وعقليَّة قبيحة، وتصوُّر قبيح, إذ يزعم الجهلة أن هذه الأسماء القبيحة تقي صاحبها من الضرر، والهلاك، والموت، والآفة، والمرض، والحق أنه لا يقي الإنسان إلا الله عزَّ وجل .
وما أجمل أن نختم بقول الله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49-50] .
وختامًا نسأل الله تعالى أن يرحم والدينا، وأن يصلح أحوال أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا
وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد