مكانة مصر في القرآن والسنة للشيخ أحمد أبو عيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين
واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله
وبعد
العناصر
أولاً:مصر في القرآن الكريم
ثانياً:مصر في السنة النبوية
ثالثاً:مكانة مصر عند السَّلف الصَّالح وغيرهم
رابعاً:واجبنا تجاه وطننا
الموضوع
أولاً:مصر
في القرآن الكريم:
ذكر الله -تعالى- مصر في القرآن، وبيّن الله -جل وعلا- اسمها
صريحة في أربعة مواضع في كتابه تشريفًا لها وتكريمًا:
فقال الله -جل وعلا-: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ
لاِمْرَأَتِهِ) [يوسف:21]،
وقال -سبحانه-: (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ)
[يوسف:99]،
وقال -جل وعلا-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن
تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) [يونس:87]،
وحكى -جل وعلا- قول فرعون: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف:51].
ليس هذا فقط؛ بل أشار الله -تعالى- إلى مصر ولم يصرّح باسمها
في ثلاثين موضعًا من القرآن، كقوله -جل وعلا-: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ
غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) [القصص:15]، يعني مصر، وقوله -جل وعلا-: (وَقَالَ
الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي
الأَرْضِ) [الأعراف:127]، يعنون مصر، إلى آخر هذه المواضع.
إن مصر -أيها الكرام- هي الأرض الطيبة التي قال الله -تعالى-
عنها لما طهرها الله
من فرعون وقومه: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ
كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا
قَوْمًا آخَرِينَ) [الدخان:25-28].
إن مصر فيها خزائن الأرض، بشهادة ربنا –جل وعلا- لما قال عن
يوسف -عليه السلام-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ
عَلِيمٌ) [يوسف:55].
ولم يذكر الله -تعالى- قصة نهر في القرآن إلا نهر النيل، قال
-جل وعلا-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ
عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) [القصص:7]. قال الكندي: "لا يُعلم بلد في
أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصَفَه الله بمثل هذا
الوصف، ولا شهد له بالكرم، غير مصر".
فهل يُعلم أنَّ بلداً من البلدان، في جميع أقطار الأرض أثنى
عليه القرآن الكريم بمثل هذا الثَّناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم
غير مصر؟!!.
ذكرت في القرآن أكثر من ثمان وعشرين مرة تصريحاً وتلميحاً
وتعريضاً منها
وفي مصر مشاهد تاريخية تفيض بالذكريات الغالية،
مثل نهر النيل المبارك، وطور سيناء الذي كلم الله فيه موسى تكليمًا، فمصر على
أرضها ولد موسى وهارون عليهما السلام، وفيها الوادي المقدّس طُوى،وفيها الجبل الذي
كلّم الله -تعالى- فيه موسى -عليه السلام-،وفيها الجبل الذي تجلّى الله -جل وعلا-
له فانْهَدَّ دَكًّا؛ وهي مُبَوَّأُ الصدق الذي قال الله -تعالى- عنه: (وَلَقَدْ
بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) [يونس:93].
وعاش على أرضها إبراهيم وتزوج منها، ودخلها نبي الله يعقوب
عليه السلام وأولاده الأحد عشر وسبقهم إليها نبي الله يوسف عليه السلام، وقدم
إليها نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام.
ومن المصريين مؤمن آل فرعون البطل الثابت على الحق الذي قال
الله -جل وعلا- عنه: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ
إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم
بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ) [غافر:28].
ومن المصريين الرجل المؤمن الذي حذّر موسى -عليه السلام-:
(وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)
[القصص: 20].
ومن المصريين السحَرة الذين ذكر الله -تعالى- قصتهم لما آمنوا
وصدقوا، وكانوا في أول النهار سحرة فجرة، وصاروا في آخر النهار شهداء بررة، إنها
بلاد الأبطال!
وآسية امرأة فرعون، وأم إسحاق، ومريم ابنه عمران، وماشطة بنت
فرعون.
ثانياً:مصر
في السنة النبوية
1- وصى بها الرسول صلي الله عليه وسلم
فعن أبي ذر رضي الله عنه: “إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يُسمى
فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا أو قال ذمة
وصهرًا…”(مسلم).
،
فالرحم هي أمنا هاجر زوجة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وأم أبينا إسماعيل
عليه السلام، أما الصهر فهي السيدة “مارية القبطية” التي تزوجها رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأنجبت له ابنه إبراهيم الذي سماه على اسم أبي الأنبياء الخليل
إبراهيم، كي يعلمنا رسولنا الكريم مدى احترام الإسلام لشتى الديانات وسائر
الأنبياء ومذكرًا النصارى بإبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء بمن فيهم ني الله
عيسى ابن مريم عليه السلام.
عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- « إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِىَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا
الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ
ذِمَّةً وَرَحِمًا ». أَوْ قَالَ « ذِمَّةً وَصِهْرًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ
يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا ». قَالَ
فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ
رَبِيعَةَ يَخْتَصِمَانِ فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْهَا. مسلم
2- بها نهر من انهار الجنة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- « سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ
الْجَنَّةِ ».مسلم
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم « رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ ،
نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ
وَالْفُرَاتُ ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِى الْجَنَّةِ" البخاري
3- أن أهلها ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ».مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما
فهم فى هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام وهم من أحق الناس دخولا فى الطائفة
المنصورة التى ذكرها النبى بقوله فى الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه لا تزال طائفة
من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة وفى
رواية لمسلم لا يزال أهل الغرب
والنبى تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية فغربه ما يغرب عنها
وشرقه ما يشرق عنها فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية إذ كل بلد له شرق وغرب
ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون سافر إلى الشرق وكان أهل
المدينة يسمون أهل الشام أهل الغرب ويسمون أهل نجد والعراق أهل الشرق كما فى حديث
إبن عمر قال قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا وفى رواية من أهل نجد ولهذا قال أحمد
بن حنبل أهل الغرب هم أهل الشام يعنى هم أهل الغرب كما أن نجدا والعراق أول الشرق
وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل فى
الغرب .مجموع الفتاوى لابن تيمية
4- أهلها عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
عن أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يَزِيدَ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ : إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :" إِنَّكُمْ سَتَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ ،
جُعْدٌ رُءُوسُهُمْ ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا ، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ
، وَبَلاغٌ إِلَى عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ " يَعْنِي قُبْطَ مِصْرَ
[
أخرجه أبو يعلى (3/51 ، رقم 1473) ، قال الهيثمى (10/64) : رجاله رجال الصحيح .
وأخرجه أيضًا : ابن حبان (15/69 ، رقم 6677) ]
(
الجَعْد : في صِفات الرجال يكون مَدْحا وَذَمّا : فالمدْح مَعْناه أن يكون شَدِيد
الأسْرِ والخَلْق، أو يكون جَعْدَ الشَّعَر أي خشنه، وأما الذَّم فهو القَصير
المُتَردّد الخَلْق. وقد يُطْلق على البخِيل أيضا)
5- جود أهل مصر
أ- قافلة طعام الى المدينة
يشهد لجود مصر وكرمها ما جاء انه قد أصاب المسلمين في عهد عمر
قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال عمر: والله، لا آكل سمنًا ولا سمينًا
حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين. وبقي مهمومًا همًا يتأوه منه ليلًا ونهارًا، فهم
عمر فكتب رسالة إلى مصر لعلمه أن مصر بلد معطاء، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ
إخوانهم، وكان والي مصر عمرو بن العاص، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها (بسم الله
الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص. أمَّا بَعْد:
فواغوثاه واغوثاه والسلام). وأخذها عمرو بن العاص وجمع المصريين ليقرأ الرسالة
المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم؛ ولما قرأها عمرو فأجاب مباشرة وقال:(لا
جرم، والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر).
وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال،
وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل، تحمل النماء والحياة والخير والزرق
والعطاء لعاصمة الإسلام.
ب- كسوة الكعبة المشرفة
أرسل عمر رضي الله تعالى عنه ,إلى عامله في مصر أن يصنع كسوة
للكعبة المشرفة , فصنعت الكسوة من عهد عمر رضي الله عنه وظلت كسوة الكعبة تصنع هنا
في مصر سنة تلو سنة حتى مرت أكثر من ألف سنه وكسوة الكعبة ترسل من مصر إلى مكة ولم
يتوقف ذلك إلا قبل قرابة المائة سنة .
6- جامع عمرو بن العاص صاحب رسول الله -عليه الصلاة
والسلام-، وهو أول جامع بني في قارة إفريقيا، وقد ضبط قبلته جماعة من الصحابة
قدروا بثمانين صحابي اجتمعوا عنده وقت بنائه وقدروا القبلة فوجهوه إليها.
7- جامع الأزهر الذي له الفضل المشهور، والعلم المنثور، والتقدم الكاسر،
والارتفاع القاهر، العلماء فيه متكاثرون، والعُباد فيه قائمون، والزوار إليه
متوافدون.
قَارَنْتُ مِصْـرَ بِغَيْـرِهَا فَتَـدَلَّلَتْ *** وَعَجَزْتُ
أَنْ أَحْظَـىَ لَهَـا بِمَثِيْلِ
هَذِيْ الْحَضَارَةُ مُعْجِزَاتٌ فيِ الوَرَىَ *** عَقِمَ
الزَّمَـانُ بِمِثْلِهَـا كَبَدِيْـلِ
رَفَعَ الإِلَـهُ مَقَـامَهـَا وَأَجَـلَّـهُ *** فِيْ
الذِّكْرِ وَالتَّـوْرَاةِ وَالإِنْجِـيْلِ
جَاؤوا بِيُوْسُفَ مِنْ غَيَـاهِبِ ظُلْمَةٍ *** أَرْضَ
العَزِيْزِ فَكَانَ خَيْـرَ نَزِيْـلِ
والنِّيلُ يَتْبَـعُ وَحْـيَ مُنْشِئِ قَطْـرِهِ ***
كَالطَّيْرِ حِيْنَ الوَحْيِ عَامَ الفِيْـلِ
فـيِ طُـوْرِ سَيْنَاءٍ تَجَلَّـىَ رَبّـُنَا *** فـوْقَ
الكَلِيْـمِ بِـأَوَّلِ التَّنْزِيـلِ
وَكَذَا البَتُـولُ أَتَـتْ لِمِصْرٍ بِابْنِهَا *** تَبْغِي
الأَمَـانَ وَتَحْتَـمِي بِمَقِـيلِ
يَكْفِيْكِ يَـا أَرْضَ الـكِنَانةِ هَاجَرٌ *** مِيلِى
بِتـِيهٍ يَــا كِنَانَـةُ مِيلـِي
يا (أُمَّ إِسْمَاعِيْلَ) وَصْلُـكِ وَاجِبٌ *** مَنْ عَقَّ
مِصْـرَ فَقَـدْ أَتَـىَ بِجَلِيلِ
هَـذِيْ عِنَايَةُ قَـادِرٍ خُصَّـتْ بِهَا *** مِصْرٌ
لِتَبْقَـى مَوْضِـعَ التَّفْضِـيلِ
بُـوْرِكْـتِ مِصْـرُ فَلاَ أَرَانِيَ بَالِغًا *** حَقَّ
الْمَدِيحِ وَإِنْ جَهَدْتُ سَبِيلِي
يَا مِصْرُ يَرْعَاكِ الإِلَـهُ كَمـَا رَعَىَ ***
تَنْـزِيلَهُ مِـنْ عَـابِثٍ وَدَخِـيْلِ
ثالثاً:مكانة
مصر عند السَّلف الصَّالح وغيرهم:
1- قال سعيد بن أبي هلال: مصر أمُّ البلاد، وغوث العباد.
2- قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: " ولاية مصر جامعة، تعدل
الخلافة ". وقد جباها في أوَّل سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك
للرُّوم عشرين مليون ديناراً، فانظر كيف أتى الإسلام بالرَّحمة لأهل مصر.
وقال ايضاً:
أهل
مصر أكرم عاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة،
وبقريش خاصة. وقال وهو يصفها لعمر بن الخطاب :” مصر درة ياقوته لو استخرج السلطان
كنوزها لكفت الدنيا بأسرها” :”ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.
3- قال عبد الله بن عمرو: من أراد أن ينظر إلى الفردوس؛ فلينظر
إلى أرض مصر، حين تخضرُّ زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنَّوار أشجارها، وتغنِّي
أطيارها.
4- قال كعب الأحبار: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنَّة،
فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطَّردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض
خيرها، وغنَّت طيرها.
5--قال يحيى بن سعيد: جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد
من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر.
6- قال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في
الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛
لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها
بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
7- دخل مصر من الصَّحابة كثير منهم: الزَّبير بن العوام، والمقداد بن
الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو
بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن
العاص، وأبو هريرة وغيرهم.
8- عاش في مصر من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: اللَّيث بن سعد، والعزُّ بن
عبد السلام والإمام الشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر العسقلاني، والإمام
الشَّاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله من الخلفاء.
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا
مصريُّ! أين تسكن؟. قلت: أسكن
الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندريَّة؟. قلت: نعم. قال لي: تلك
كنانة الله، يحمل فيها خير
سهامه.
9- أبطال مصر ومجاهدوها
الكلام عنهم يطول، فكثير من القادة الذين كانوا مع صلاح الدين
الأيوبي كانوا مصريين، منهم حسام الدين قائد الأسطول البحري المصري الذي كان شوكة
في حلق الفرنجة.
لن ينسى التاريخ أبدًا أبطال مصر الذين ردوا الحملة الصليبية
التي قادها ملك فرنسا واستولى على دمياط، فكمن له الأبطال في مصر وأذاقوه سوء
العذاب، وأبادوا جيشه المقدر بعشرات الآلاف، ثم حبسوه في دار ابن لقمان في مدينة
المنصورة مقيدًا، ووكلوا لحراسته حارسًا اسمه صبيح، ثم فدا نفسه بأموال عظيمة
كثيرة، ثم لما وصل بلده حدثته نفسه أن يعود لغزو مصر، وجعل يجند الجند، فأرسل إليه
جمال الدين بن مطروح قصيدة يقول فيها:
قل للفـرنسيسِ إذا جئتَهُ *** مقال صدقٍ من قَؤولٍ فصـيحْ
أتيـتَ مصر تبتغي مُلْكَهَا *** تحسِبُ أن الزمر يا طـبل ريح
وكلّ أصحابك أودعْتَهُمْ *** بحسن تدبيـرك بطْـنَ الضريح
وفـقـك الله لأمثالـها *** لعلَّ عيسـى منكمُ يسـتريح
آجرَكَ اللّهُ على ما جرى *** من قتل عُبَّادِ يسـوع المسـيح
فساقك الحَيْنُ إلى أدهـمٍ *** ضاق به عـن ناظريك الفسيح
خمسون ألفًا لا يُرى منهمُ *** إلا قتـيلٌ أو أسـيرٌ جريـح
وقل لهم إن أزمعوا عودةً *** لأخـذ ثـأرٍ أو لفعـلٍ قبيح
دارُ ابْنِ لقمانَ على حالِها *** والقيدُ باقٍ والطواشي صبيح
فلمّا وصلت القصيدة إليه فزع واضطرب وعدل عن غزو مصر.
ومن المصريين الأبطال سلطان المماليك قطز، وهو الذي قاد معركة
عين جالوت، ومن المصريين الأبطال ضباط وجنود شاركوا في حروب فلسطين وفي غيرها من
مواقع الجهاد في سبيل الله.
ومنها العُباد والزهاد،مثل حيوة بن شريح،وأبا محمد بن سهل،
وكان عابدًا صالحًا آمرًا بالمعروف، داعيًا إلى العقيدة الصحيحة، وكان يذمّ
العبيديين الشيعة الذين حكموا مصر فترة.
ومنها من الأدباء والكتاب والشعراء أعداد لا يستهان بها ممن
زاروها أو كانوا من أهلها، فإذا ذكرت وقرأت الشعر الرائد لجميل بثينة، وهو من أفصح
الشعراء، فاعلم أنه مصري، وإذا قرأت الشعر الرائد لكثير عزة فاعلم أنه مصري، وإذا
قرأت شعرًا لأبي نواس فاعلم أنه مصري، وإذا قرأت للشاعر الشهير المتنبي أحمد بن
الحسين فاعلم أنه مكث في مصر أربع سنوات.
إنك تتكلم عن بلد عظيم لا يزال فيه أمل لقيادة الأمة، والسير
على منهاج أجداده من صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
لا تكاد تجد قارئًا اليوم معه إجازة وسند إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- إلا وكان للمصريين عليه يد، فستجده قرأ أو حفظ أو ضبط قراءته أو
أخذ السند على يد مصري.
ولا ينكر فضل هؤلاء العلماء أحد، فمدرسوها وأساتذتها لهم فضل
كبير على العرب وعلى المسلمين؛ بل على جميع العالم في مساجدهم وجامعاتهم ومدارسهم،
ولمصر من العلماء في الطب وفي الذرة وفي الهندسة وفي الدعوة وفي الأدب وفي غير ذلك
أمر لا يجارَى أبدًا.
من شاهد الأرض وأقطارها...................... والناس أنواعاً
وأجناسا
ولا رأى مصر ولا أهلها.............................. فما رأى
الدنيا ولا الناسا
_____
مصر الكنانة ما هانت على أحد*** الله يحرســها عطفــا
ويرعــاها .
ندعوك يارب أن تحمى مرابعها*** فالشمس عين لها والليل نجواها .
والسنبلات تصلى فى مزارعها ***والعطر تسبيحها والقلب مرعاها.
رابعاً:واجبنا
تجاه وطننا
1-حب الوطن
عن عبد الله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه قال : رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة فقال : " والله إنك لخير أرض الله
وأحب الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " . تحقيق الألباني :صحيح ، ابن ماجة (
3108 )
2-الدعاء له
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لابي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت
أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل قال ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال
هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل
ما حرم إبراهيم مكة ثم قال اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها لنا وبارك لنا في صاعها
ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة " رواه مسلم
3- العمل من اجله حتى في
أحلك الظروف
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها
فليغرسها" .صحيح الجامع
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " قَدِمَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ , فَعَرَضَ
عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : بَارَكَ
اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ , ... " .
البخاري.
4- الحرص على سلامته
واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة الأمر؛
فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ
اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ
أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" أخرجه البخاري.
5-الاعتصام بالله وعدم التفرقة وإعطاء كل ذي حق حقه
قال تعالى"(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً
وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ
أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )آل عمران103
وعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَثَلُ الْقَائِمِ
عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى
سَفِينَةٍ ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ
الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ
فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ
نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،
وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا "(رواه
البخاري)
6-التكافل والتراحم والتآخي والتآزر والتالف بين أبنائه
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال أحب الناس إلى
الله أنفعهم للناس
وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على
مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة
أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء
أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها
له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام" صحيح الترغيب والترهيب
7-الإصلاح بين الناس وإرجاع الحق لأهله
قال تعالى" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ما قال فاعتزلوا قال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
8-التعاون على البر والتقوى
قال تعالى"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"
9-الحفاظ على الأموال والأعراض والدماء
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في خطبة حجة
الوداع " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ
حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ
هَذَا " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
10-عدم ترويج الإشاعات والفتن
فقد قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾(الحجرات 6 ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ
يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " مستدرك الحاكم.
11-الشهادة في سبيل الله دفاعا عن الوطن
فالشهادة تعنى بذل النفس والمال نصرة لدين الهْ عز وجل ودفاعا
عن الوطن والأرض والعرض والمال
فعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون
دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد. صحيح الترغيب والترهيب
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي
؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ :
قَاتِلْهُ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ .
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ" رواه مسلم .
ولقد ضرب لنا أهل المروءة والحرية: جيشنا الحر الابى، أروع
الأمثلة في صدق الانتماء والتضحية والوفاء وغاية الحب للوطن والحفاظ عليه، ففي
السادس من أكتوبر- العاشر من رمضان - عام ألف وتسعمائة ثلاث وسبعين، كان توفيق
الله سبحانه وتعالى لقواتنا المسلحة في تتويج بلادنا بتاج النصر، ورفع راية البلاد
و تحطيم قيود العباد؛ تحرير الأرض وصيانة العرض ، فلقد حققوا نصرا عظيما وجسدوا
أصالة القوات المسلحة المصرية وعظمة ولائهم للوطن بما قدموه من تضحيات وأثبتوا
للعالم أنه لا تهاون مع معتدى مهما كان اسمه أو رسمه ؛ لقد تجلت في هذا اليوم قوة
وإصرار وعزيمة القوات المسلحة المصرية في قهر الصعاب و تحطيم آمال كل معتدى على
صخرة العزة والكرامة، كما تتجلى كل يوم قوتهم وإصرارهم وعزيمتهم في كل ما يقومون
به في مواجهة الإرهاب وأهله حفاظا على البلاد وكرامة للعباد إذ يسجل ذلك تاريخًا
جديدًا لمصر لا يقل عن نصر أكتوبر المجيد ؛وإننا لا ننسى ابدآ دماء الشهداء، لا
ننسى أبدا الدماء التي حفرت وما زالت تحفر على جدار التاريخ المجد لبلادنا و
أوطاننا، رغبة في عزة البلاد ،و كرامة العباد.
شَهِــيدُ الْحَــقِّ لاَ يَخْــشَـى*** مِنَ الصَّارُوخِ
وَالْمِدْفَــعْ
يَخُوضُ النَّارَ مُقْتَحِمًـــــــا *** وَلَيْسَ يَخَافُ
أَوْ يَدْمَـــعْ
وَكَيْفَ يَنَامُ أَوْ يَغْفُــــــــــو ** * وَقَاتِلُ
شَعْبِهِ يَرْتَــــــــعْ
فَقَامَ وَزَلْزَلَ الدُّنْيَـــــــــــــا *** وَهَزَّ
الكَوْنَ كَيْ يُسْمَــعْ
فَكَانَتْ صَيْحَةً عَمَّــــــــــتْ *** سُهُولَ الأَرْضَ
وَالبَلْقَــعْ
وَكَانَ حَصَادُ غَضْبَتِــــــــهِ *** عَلَى أَعْدَائِهِ
أَوْجَـــــــــعْ
فَكَالَ الثَّأْرَ لِلْبَاغِــــــــــــي *** وَقَوَّضَ
حِصْنَهُ الأَمْنَــــعْ
وَأَعْلَنَ أَنَّهُ الأَعْلَـــــــــــى *** وَأَنَّ مَقَامَهُ
الأَرْفَـــــــــــعْ
وَأَنَّ جِهَادَهُ فَــــــــــرْضٌ *** بِغَيْرِ النَّصْرِ
لاَ يَقْنَـــــــــعْ
فَصَارَ فَخَارَ أَمَّتِـــــــــــهِ *** وَخَيْرَ رِجَالِهَا
أَجْمَــــــــــعْ
وَقَدْ حَانَتْ مَنِيَّتُـــــــــــهُ *** فَجَنَّةُ رَبِّهِ
أَوْسَــــــــــــــعْ
ولا شك أن من اقل حقوق هؤلاء الشهداء جميعهم على أبناء الوطن
تخليد أسماءهم، وذكراهم ،ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل في كل قلب وعلى كل لسان ،
ليس من قبيل سرد البطولات التي قاموا بها فحسب، بل من أجل أن يكونوا نموذجا
للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال بعدهم على التضحية من أجل الوطن، ورفعته ،وتقدمه
،وحريته؛ فلقد هانت علي هؤلاء دنياهم ولم تغرهم متع الحياة وزخرفها، فان كان اغلي
ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه، فقد قدموها في سبيل الله دفاعا عن الوطن
ولسان حالهم يقول :
سأظل جنديا لــــــــــــه ** وأعيـش تحت لواءه
في السلم اعمل جاهـدا ** لرخائه وبنائــــــــــه
وأكون في يوم الوغـى ** أسدا على أعدائــــه
فالحر يفدى أرضــــــــه ** وبلاده بدمائـــــــــه
ما أعظم هذه القلوب وما أوفاها ؛ما أعظم الشهادة في سبيل الله
حفاظا على الدين والوطن وما أعلاها؛ ما أعظم قلوب وعت قول الله تعالى﴿ إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ( التوبة 111). فعقدوا البيع مع الله،
السلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومن أوفى بعهده من
الله؟! فيا لله ما أعظمه من بيع، وما أعظمه من ربح ، وما أعظمه من فضل.......
وصلِّ اللهم وسلم وبارك علي
سيدنا محمد