حماية الأوطان في الإسلام للشيخ ماهر خضير





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناصر الخطبة
العنصر الأول / حب وحماية الأوطان من الإيمان وعقيدة
العنصر الثاني / الدفاع عن الاوطان وحمايتها فى ميزان الشرع
العنصر الثالث / مصر فى القرآن الكريم والسنة
............ أما بعد ........
أيها المسلمون عباد الله /
مما لاشك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها ، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه ، وشبَّ على ثراه ، وترعرع بين جنباته .ولا عجب أن تأتى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن ؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه ، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :" ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ "
فهذا مُعلم البشرية انظر كيف يُحب وطنه وهذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه ، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب ، وتهواه الأفئدة ، وتتحرك لذكره المشاعر .
قال الحافظ الذهبي – وهو من العلماء المدقِّقين – مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه“.
عباد الله /
حب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.
قال الجاحظ: “كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه“.
عباد الله / إن المسلم يحب وطنه ، ويعمل كل خير لبلده ، ويتفانى في خدمته ، ويضحي للدفاع عنه وذلك لان حب الوطن يجعل الإنسان يدفع عنه العدو إذا هاجمه أو أخرجه العدو منه، والله سبحانه يحكي عن المؤمنين فيقول الله تعالى:
(قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا). (البقرة : 246 ).
عباد الله / إن الوطن الذي يعيش فيه الإنسان يجب أن يعيش فيه بالحب والعمل والإنتاج والإصلاح حتى يعمره كما أمر الله ويجني ثمار تلك العمارة، قال تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب».
أما المفسدون الذين يفسدون الأوطان ويهلكون الحرث والنسل ويروعون الآمنين ويقتلون النفس التي حرم الله فقد غلظ الله عقابهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب شديد، ولو كان فاعل ذلك الفساد يفعله باسم الدين ويراه حسنا، فإنه ظالم لنفسه وللدين، ولو ادعى أنه يخدم الوطن بذلك، فإنه مفسد يسعى لحظ نفسه.
إن الوطن كالسفينة التي يجب على الجميع الحفاظ عليها حتى تنجو وينجو معها أهلها ولو ترك من يعبث فيها لهلكت السفينة وهلك كل من فيها.
إن حماية الوطن وتقديم مصلحة الوطن فوق كل مصلحة خاصة وهذا واجب على المجتمع كله.
فلقد دعا إبراهيم الخليل للوطن مكة فقال «رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات» وقد تركزت دعوة إبراهيم على طلب الأمن والرزق وذلك هو أساس ما يسمى الاستقرار والاقتصاد والتنمية في عصرنا.
ومن هنا عباد الله علينا ان نعرف جيدا أن حماية الأوطان عقيدة ودين فالإسلام دعا إلي حماية الوطن من أعدائه, وممن يريدونه بسوء, وممن يريدون إحداث القلاقل والفتن, وإثارة المخاوف والاضطراب, وأن واجب كل إنسان أن يتصدي للفتن ما ظهر منها وما بطن, والذي يحدث القلاقل أو يشجع عليها أو يدعو لها ليس بكامل الإسلام, فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, وقال أيضا: والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وعرضهم, وأكد رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع هذه الحقوق وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ومن الخيانة العظمي أن يخون مواطن وطنه, ويتآمر ضده, من أجل منفعة مادية!! ومن فعل مثل ذلك كان بعيدا عن الدين, بعيدا عن الله, لأن المؤمن الحقيقي من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم, فالإنسان الذي يخون وطنه ويتآمر عليه مع أعدائه, إنسان بعيد عن الإيمان, إنه يرتكب أبشع أنواع الخيانة, إنه يخون الله الذي أمر بالدفاع والجهاد من أجل الوطن, ويخون رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أمر بحماية أمانة الوطن, ويخون أماناته وأمانات الناس, وقد قال رب العزة سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
ولا تقتصر حماية الأوطان والدفاع عنها علي مواجهة العدوان والدخيل فحسب, بل إن من الواجب في حماية الأوطان مناهضة كل فكر مغشوش, أو شائعة مغرضة, أو محاولة استقطاب البعض لمصلحة أصحاب الأهواء المشبوهة.
فواجب أبناء الوطن أن يكونوا عيونا ساهرة لحماية أمن الوطن, وأن يتضامنوا في درء أي خطر يتهددهم, وأن يتكاتفوا جميعا عن بكرة أبيهم وبلا استثناء علي ردع من تسول له نفسه أن يجترئ علي الوطن, وأن يسعي بذمتهم أدناهم, وأن يكونوا يدا علي من سواهم, بغض النظر عن عقائدهم, فيجب أن يتعاونوا جميعا مسلمين وغير مسلمين.
ولذا جاء الشرع ليجعل الدفاع عن الوطن وحمايته فرض واجب ومن مات وهو يدافع عن وطنه ضد المعتدى فهو شهيد فعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي
ومن مات من وهو يدافع عن فإنه مات يدافع عن جميع هذه الأمور أو بعضها، وبالتالي فهو شهيد.
فاللهم احفظ علينا بلادنا من كل شر وكيد وسوء واجعلها أمناً أمانا وتقبل منا واغفر لنا ياكريم وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم
الخطبة الثانية ...........................
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم الى يوم الدين وبعد
أيها المسلمون عباد الله /
مصر كنانة الله فى أرضه أبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية، والملوك الماضية، والآيات البيِّنات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً
يقول الله تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾يونس: 87. وما ذكره الله عزَّ وجلَّ حكايةً عن قول يوسف:﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾يوسف: 99. وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾البقرة: 61.
وقال الله تعالى:﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾المؤمنون: 50. قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال بعض علماء مصر: هي البهنسا، وقبط مصر مجمعون على أنَّ المسيح عيسى بن مريم وأمَّه عليهما السَّلام، كانا بالبهنسا، وانتقلا عنها إلى القدس.
وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾القصص: 20. هي منف أيضاً، وتسمَّى: المنوفيَّة حاليَّاً. وقال الله تعالى حكايةً عن إخوة يوسف:﴿قَالُوا يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾يوسف . وقال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه السَّلام: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾يوسف:. فجعل الشَّام بدواً
وقال تعالى حكايةً عن فرعون وافتخاره بمصر:﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾الزخرف: 51. وقال الله تعالى حين وصف مصر، وما كان فيه آل فرعون من النِّعمة والملك، بما لم يُصَفْ به مشرقٌ ولا مغربٌ، ولا سهلٌ ولا جبلٌ، ولا برٌ ولا بحرٌ:﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾الدخان: 25- 28. وعلى العموم ذكرت مصر في القرآن الكريم تصريحاً أو تلميحاً، في ثمانية و عشرين موضعاً.
فهل يُعلم أنَّ بلداً من البلدان، في جميع أقطار الأرض أثنى عليه القرآن الكريم بمثل هذا الثَّناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟!!.
وفي السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " إنَّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإنَّ لها ذمَّة ورحماً، أو قال: ذمَّة وصهراً، فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها ". قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها. رواه مسلم
فأمَّا الرَّحم، فإنَّ هاجر أمَّ إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السَّلام من القبط، من قرية نحو الفرما يقال لها: أمُّ العرب. وأمَّا الذِّمَّة: فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، تسرَّى من القبط مارية أمَّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي من قرية نحو الصَّعيد، يقال لها: حفن من كورة أنصنا، فالعرب والمسلمون كافَّة لهم نسب بمصر، من جهة أمِّهم مارية أمِّ إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّهات المؤمنين، والقبط أخوالهم. وصارت العرب كافَّة من مصر، بأمِّهم هاجر؛ لأنَّها أمَّ إسماعيل عليه السَّلام، وهو أبو العرب.
وكان بمصر إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإدريس، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر سبطاً، ووُلد بها موسى، وهارون، ويوشع بن نون، ودانيال، وأرميا، ولقمان عليهم جميعاً أفضل الصَّلوات وأزكى التَّسليمات..
وكان بها من الصِّدِّيقيين والصِّدِّيقات: مؤمن آل فرعون الذى ذكره فى القرآن فى مواضع كثيرة، وقال على بن أبى طالب اسمه: حزقيل، و كان بها الخضر، وآسية امرأة فرعون، وأم إسحاق، ومريم ابنه عمران، وماشطة بنت فرعون.
من مصر تزوَّج إبراهيم الخليل هاجر أمَّ اسماعيل، وتزوَّج يوسف عليه السَّلام من زليخا، ومنها أهدى المقوقس الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مارية القبطية، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أمُّ البلاد، وغوث العباد.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: " ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة ". وقد جباها في أوَّل سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك للرُّوم عشرين مليون ديناراً، فانظر كيف أتى الإسلام بالرَّحمة لأهل مصر.
وقال عبد الله بن عمرو: من أراد أن ينظر إلى الفردوس؛ فلينظر إلى أرض مصر، حين تخضرُّ زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنَّوار أشجارها، وتغنِّي أطيارها.
وقال كعب الأحبار: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنَّة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطَّردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنَّت طيرها.
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا مصريُّ! أين تسكن؟. قلت: أسكن الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندريَّة؟. قلت: نعم. قال لي: تلك كنانة الله، يحمل فيها خير سهامه.
وقال يحيى بن سعيد: جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر.
وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
الدعاء ......................... وأقم الصلاة 
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات