فتحُ العليّ المُتعال في بيان حقوق الأطفال للشيخ محمد عبد التواب سويدان




عناصر الخطبه :
العنصر الأول : نعمة الاطفال وعناية الإسلام بهم قبل الولادة
العنصر الثاني: حقوق الاطفال بعد الولاده
العنصر الثالث: رسالة إلى الآباء والأمهات
نص الخطبة :

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما بعد :

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله ، إنَّ الله الذي خلق فسوى، والَّذي قدَّر فهدى، بثَّ في قلوب خلْقِه المودَّة والرَّحمة، نحو ما يلِدون وما ينجبون، وجعل دينه القيِّم شرائع وأحكامًا وهب من خلالها للطفولة حقوقًا لم يعرفها الإنسان من قبل، ولن يصل درجتها من بعد؛ فشريعة الخالق تأتي كجلاله وكماله في العظمة والكمال؛ لأنَّه العالم بخلقه الخبير بما يحتاجون وبما ينتفعون؛ ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك ]، وهو الذي بيده ملكوت كلِّ شيء وهو المتصرِّف، وهو المانح والواهب؛ يقول - جلَّ جلالُه ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى ]
فالأطفال نعمة كبرى على الناس؛ تملأ حياتهم بهجة وسروراً، وتزيدها أنساً وحبوراً، وتمنحهم راحة واستقراراً، ويعيشون سعادة وأماناً. وهم مصابيح البيوت، وقرة العيون، وفلذات الأكباد، وبهجة الأعياد، ونبض المجتمعات، وهم أحباب الرحمن، وهم زهرة اليوم وثمرة الغد وأمل المستقبل، ويقاس بنضجهم وتقدمهم ونجاحهم تقدم الأمم ونجاحها، قال الله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف ]
واهتمَّ الإسلام بحقوقِ الطفل قبل ولادته، عبرَ إصلاح المحضن والمرتَع، الذي سوف ينشأ فيه الطفل؛ ولذلك حضَّ الإسلام على الزواج حتى ينشأ الطفل من خلاله على الطهارة والعفة والاستقامة، وحرَّم الإسلام الزنا بكلِّ صوره؛ لأن الطفل عنده يكون نتاجَ نطفةٍ خبيثة مُهَانة، وعادةً يكون مصيرُه الضياع والفساد، وكذا حرَّم الإسلام عددًا من الأنكحة الفاسدة؛ حفاظًا على طهارة المحضن؛ مثل: نكاح المتعة، ونكاح الشِّغار، والمحلِّل، والاستبضاع .

☆☆☆ حسن إختيار الوالدين ☆☆☆☆

ايها الاحبة: إن مِن صور عناية الإسلام بالأطفال أنه جعل حسنَ اختيار الوالدين كلاًّ منهما حقًّا للطفل قبل مجيئه ؛ ولذا أمر كلاًّ منهما بإحسانِ اختيار الآخر، ووضع قواعد ومعايير تحقِّق هذا الإحسان في الاختيار؛ فعلى الأب أن يختار له أُماً صالحه، وعلى أُمه أن تختار له أباً صالحاً يتقى الله في تربيته. ويرجع ذلك الى التأثير العظيم للوالدين في أبنائهم، سواء عن طريق التأثير الوراثي أو البيئي، وكما هو معلوم أن الولد يتقمص شخصيه أبيه و البنت تتقمص شخصيه أُمها. قال تعالى:﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ"[الاعراف ].
وقال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(النور )
ويبيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المعالم التي تختار المرأة من خلالها في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".(رواه البخاري ) ولم يَقِف الإسلام في وجه من أراد المرأة الجميلة، أو ذات المال أو الحسب، ولكن بشرط ألا تتعارض مع الأخلاق والدين. فالمرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وهي التي تعين زوجها على طاعة الله - جل وعلا - وهي خير عون له على أمر دينه ودنياه.
فإختيار الأم الصالحة مهم لأنها مثل الأرض فإن كانت طيبة صالحة فطيب نبتها وإن كانت خبيثة فخبيث نبتها قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها".
وأنشد الرياشي :

فأول إحساني إليكم تخيري ** لماجدة الأعراق باد عفافها

فهو يقول لهم أنني أول شيء أحسنت إليكم به أنني اخترت لكم أماً صالحة، هذا عمل عظيم، أول ما يمن به الإنسان على أولاده أنا اخترت لكم الأم ،
فهذا من ناحية الرجل كيف يختار الزوجة الصالحة التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر وتحفظه إذا غاب (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) والقانتات: المطيعات للأزواج يحفظن الأزواج في غيابهم وفي أولادهم واموالهم وأنفسهم .
وقال أكثم بن صيفي لولده: "يا بني لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف".
قال شيخ من بني سليم لابنه: يا بني إياك والرقوب الغضوب .
الرقوب التي تراقبه أن يموت فتأخذ ماله.
وأوصى بعض الأعراب ابنه في التزوج فقال: إياك والحنانة والمنانة والأنانة.
فالحنانة التي تحن لزوج كان لها، والمنانة التي تمن على زوجها بمالها، والأنانة التي تئن كسلا وتمارضا .

وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال :

الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا
أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأَعْرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعْهَّدَهُ الحَيَا
بِالرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّمَا إِيرَاقِ
الأُمُّ أُسْتَاذُ الأَسَاتِذَةِ الْأُلَى
شَغَلَتْ مَآثِرُهُمْ مَدَى الْآفَاقِ

☆☆☆ وكذلك حسن اختيار الزوج المناسب ليكون أباً يشعر بمسئولياته، ويقوم بواجباته تجاه زوجته وأولاده، فأمر النبي الزوجة باختيار زوجها على نفس المعيار والأساس ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"[ الترمذي وحسنه الألباني ]
وكذلك هنا لم يَقِف الإسلام مانعًا من زواج المرأة للرجل الغني بشرط ألا يكون ذلك على حساب الدين. ولا ريب في أن هذا الاختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالنفع التامِّ والمصلحة المباشرة على الطفل الذي يكون ثمرة هذين الزوجين الصالحين، لينشأ بعد ذلك في أسرة ودودة متحابَّة، تعيش في ظلِّ تعاليم الإسلام.
فالأب الناجح (غالباً) في إدارة الأسرة هو الإنسان الصحيح أخلاقياً ونفسياً واجتماعياً وجسمياً، وهو الذي يستطيع ألاَّ يُحْدِثُ فجوات بينه وبين زوجته، وقل مثل ذلك في الزوجة الناجحة.
فإذا تمَّ الاختِيار توجَّه الأبوان الصَّالِحان بالدُّعاء في خشوع وإنابة إلى الله : ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان ] ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾[آل عمران ]

☆☆☆وبالمثال يتضح المقال ☆☆☆

فهذا نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين) والخاتون عصمة الدين (والدة صلاح الدين )..
قال نجم الدين أيوب.. أريد أن أتزوج امرأة تتّق الله، يكون لي منها ولد، تحسن تربيته، حتى يكون فارسا يفتح الله على يديه بيت المقدس! فكان مرة جالسا في قصر الملك، فإذا به يسمع امرأة تحدّث الملك من وراء حجاب، يقول لها الملك، عندما تقدم لها رجل للزواج، ورفضت: لما لم تقبليه زوجا؟ فأجابت: إني لا أريده؛ إنما أريد رجلا يتق الله، يكون لي منه ولد، يحسن تربيته، حتى يكون فارسا يفتح الله على يديه بيت المقدس! فتعجّب نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين) ممّا سمع، فهو نفس كلامه الذي يحلم بتحقيقه، مع أنه لم يرها ولم يقابلها أبدا في حياته!

إنما حقّق الله له هدفه...(فتأمل أخي عندما يضع الإنسان هدفا أمامه و يثق بالله!) عندها طلب نجم الدين من الملك أن يزوجه تلك المرأة، وفعلا تمّ ذلك.. وأنجبا صلاح الدين.. ذات مرة وجدته أمه يلعب مع البنات، فأخذته وضربته ضربا شديدا، مع أنه كان صغيرا، و قالت له: ما لهذا أنجبتك! إنما أنجبتك لتفتح بيت المقدس ، ولم تتوقف عند ذلك، بل أخبرت عنه أبوه عندما جاء، فعنّفه أبوه مع شرح سبب ذلك، ثم حمله (و كان الأب طويل القامة) ثمّ أسقطه من بين يديه على التراب، بعدها قال له: أأوجعتك السقطة؟! فأجاب ذلك البطل الصغير: ما كان ينبغي لرجل سيحرر الله به بيت المقدس أن يتعثر من سقطة كهذه..
صلاح الدين الأيوبي الذي كان يقول (لولا أنّ الموت أتاني لجعلت جميع الدول الأوروبيّة إسلامية)! هذه نية صالحة وهدف سامي في الزواج. ما أعظمها من نية، وما أرقاه من هدف عظيم.

☆☆☆ الحفاظُ على حياته ☆☆☆☆

ومِن صور عناية الإسلام بالأطفال الحفاظُ على حياته وهو جنين والجنين هو الولد في بطن أمه، قال القرطبي في تفسير الآية: ﴿ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ [النجم ]، بأن أجنَّة جمع جنين، وهو الولد ما دام في البطن، سمِّي جنينًا لاجتنانِه واستتاره ]
وقد جعل الإسلامُ له حقوقًا منذ بَدْءِ تكوينه فأوصَّى الإسلامُ الآباءَ باتخاذ كافة الوسائل والتدابير التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزغات الشيطان، وذلك عند وضعه في الرحم؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرُّهُ"[صحيح البخاري ].

☆☆☆ ومِن صور عناية الإسلام بالجنين وهو في بطن أمه، أنه حافظ عليه من الإعتداء ، واحتفظَ له بحقِّه في الحياة، فحرَّم إجهاضه وإسقاطه بعد نفخ الرُّوح فيه، بقوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام ]، ولو كان هذا الإسقاط أو الإجهاض باتفاقِ الزوجين .
قال تعالي :{ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة ].
ثم اختص بيان حرمة قتل الأولاد، ليبين سبحانه وتعالى عظيم رحمته واهتمامه بهذا الوليد الذي لم يرتكب جرماً ولم يقترف إثماً، قال تعالى ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام ].
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء ]
وقد أوجب الإسلام الدِّيَة في قتلِ الجنين مما فصله العلماء ودوَّنوه في كتب الفقه والأحكام .

 ☆☆☆ ومِن صور عناية الإسلام بالجنين ☆☆☆☆

☆☆☆ أنه أسقط الشارع الحكيم عن الحامل بعضَ التكاليف الشرعية حال حملها؛ مثل الصيام إذا خافتْ على نفسها وولدِها وذلك من أجل المحافظة على صحة الجنين؛ حتى لا يتعرض للسقوط، ومحافظة على الأم؛ لأنها أصل الجنين . فأباح لأمِّه الحامل الإفطارَ في رمضان - وعليها القضاء - فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ وَالصِّيَامَ ، وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِع ) (صحيح أبي داود للألباني )
وروى الشافعي في الأم قال : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَقَالَ : تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ .
وقال الإمام البخاري : بَاب قَوْلِهِ : " أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ" . . . .
وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْمُرْضِعِ أَوْ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا : تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ . انتهى .
والْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ , بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ , أَوْ الضَّرَرَ أَوْ الْهَلَاكَ , فَالْوَلَدُ مِنْ الْحَامِلِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْهَا , فَالإِشْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَالإِشْفَاقِ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا " والحكمة من ذلك: أن الجنين يحتاج إلى تدفق الدم ليحصل منه على غذائه وشرابه، ولما كانت محتويات الدم معرَّضة للتأثر بسبب الصوم، وهذا يؤثر على نمو الجنين، كانت رخصة للمرأة الحامل أو المرضع أن تفطر في شهر رمضان من أجل المحافظة على صحة الجنين

☆☆☆ومِن صور عناية الإسلام بالجنين انه أوجب عدم تنفيذ العقوبة الشرعية على الأم الحامل.
إذ أن المرأة الحامل من الزنا، إذا كانت متزوجة قبل ذلك، فإنها لا يقام عليها حد الرجم حتى تضع حملها، ولا يقتص منها في أي عقوبة أخرى حتى تضع حملها.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن المرأة إذا اعترفت بالزنا، وهي حامل، أنها لا ترجم حتى تضع حملها؛
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام ].
وهذه الآية المباركة دليل على أن الإنسان لا يؤاخَذ بذنب غيره، وفي رجم المرأة الحامل أو القِصاص منها اعتداءٌ على جنينها، وقتل نفس معصومة بغير ذنب.

وروى مسلم عن بريدة، قال : جاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى ، قَالَ : إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ ، قَالَتْ : هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ ، قَالَ : اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ ، فَقَالَتْ : هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ ، فَرَجَمُوهَا ، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا ، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ : مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ " ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ .

☆☆☆☆ ومِن صور عناية الإسلام بالجنين ☆☆☆☆
تعلمون أنه يعيش الجنين في رَحِم أمِّه تسعة أشهر عادة، يتغذَّى خلالها بواسطة الحبلِ السُّرِّي؛ فلذا يجب على الحامل أن تتبع نظامًا دقيقًا وصحيًّا في تغذيتها؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ... ﴾ [الأعراف ]، وتتجنَّب الأغذية الضارَّة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ... ﴾ [المائدة ] إن كانت تريد مولودًا صحيحًا وسليمًا.
أيها المسلمون: ومن صور عناية الإسلام بالأطفال ان جعل لهم حقوق علي والديهم وهي كثيرة نذكر منها :

☆☆☆ التسمية بأحسن الأسماء ☆☆☆

ومِن صور عناية الإسلام بالطفل في ديننا الحنيف بعد ولادته أن نسميه بأحسن الأسماء حيث روى ابن النجار عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة، وأن يحسن اسمه، وأن يزوجه إذا بلغ "، وقد رمز الإمام السيوطي لحسن هذا الحديث في كتابه " الجامع الصغير ".
وفي سنن أبي داود بإسناد جيد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ ) .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الحسنة، وتُعجبه ، وأرشدنا إلى أحسن الأسماء لنحرص عليه وذكر أقبحها لنتجنبه.
فقد روى مسلم والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن".
وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبي وهب الجشمي - وكانت له صحبة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومُرة ".
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسمّين غلامك يسارًا ولا ربَاحًا، ولا نَجِيحًا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثَمّ هو؟ فلا يكون، فيقول: لا ".
والنهي عن التسمي بهذه الأربعة مكروه كراهة تنزيهية - كما قال الإمام النووي - والعلة في الكراهة ما بينه صلى الله عليه وسلم في قوله: " فإنك تقول: أثَمّ هو؟ فيقول: لا "، فكره لبشاعة الجواب، وربما أوقع بعض الناس في شيء من التشاؤم، فيحدث لهم يأس من تحقق اليسر والنجاح والفلاح، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه، ويُورِثهم اليأس من خَيْره وفضله.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم - أيها الأخوة - قد قام بتغيير كثير من الأسماء رأى أنها تستحق التغيير إلى ما هو أفضل منها، كما جاء في صحيح السنة المطهرة . ومن هذا القبيل أن رجلًا ذُكِر عند النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: " شهاب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل أنت هشام "، ورجلٌ آخرُ سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن اسمه فقال: " غراب " فقال صلى الله عليه وسلم: " بل اسمك مسلم ".
وكان اسم زينب بنت جحش رضي الله عنها " بَرَّة " [من البِرّ ] فغيّره النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب وقال : ( لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البر منكم )
وروى الحاكم في "المستدرك" وحسنه الألباني في الصحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَنْتِ؟) قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: (بَلْ أَنْتِ حسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ )

وعن ابن عمر رضى الله عنهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير اسم عاصية قال:« أنت جميلة ». رواه مسلم].
وعن أسامة بن أخدرى: أن رجلا من بنى شقرة يقال له اصرم وكان في النفر الذين أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه بغلام له حبشي اشتراه من تلك البلاد. فقال: يا رسول الله إني اشتريت هذا وأحببت أن تسميه وتدعو له بالبركة، قال: ما اسمك أنت قال: أنا أصرم، قال: بل أنت زرعة، قال: ما تريده قال أريده راعيا، فقال: هو عاصم هو عاصم وقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - كفه[ أخرجه الطبراني والحاكم ].

وفي البخاري عن سعيد بن المسيب -رحمه الله - عن أبيه عن جده قال: أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اسمك؟" قال: حزنٌ. قال: "أنت سهلٌ" قال: لا أغيرُ اسماً سَمّانيه أبي !! قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد" !! "قال ابن المسيب: (فما زالت فينا) أي: معشر أولاده، (الحزونة) أي: صعوبة الخُلُق،

☆☆☆ بل كان صلى الله عليه وسلم يكره الأمكنة المنكَرةَ الأسماء - كما ذكر ابن القيم - ويكره العبور فيها، فقد مرّ في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسمها فقالوا: فاضِحٌ ومُخْزٍ، فعدَل عنهما ولم يَجُزْ بينهما
كما كان صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء المستنكَرةَ للأماكن، فقد مرّ على قرية تُسَمَّى: عَفِرة [هو من العُفْرة: لَوْنِ الأرض]، فسمّاها: خَضِرة، ولما قدِم المدينة واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم، غيّره بطيبة.
إذ أن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من تبوك فأشرف على المدينة قال: هذه طابة) رواه البخاري، قال ابن القيم: "ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة لما زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب، بما في معنى طيبة من الطيب".
ويستحب أن يسمى المولود يوم ولادته. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». رواه مسلم.
والأفضل ألا تتأخر التسمية عن اليوم السابع من ولادته، والأمر فيه واسع، فتجوز قبل ذلك وبعده. فعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى». أخرجه أحمد وأبو داود.

☆☆☆☆ بالمثال يتضح المقال ☆☆☆☆

أيها الإخوة الأفاضل : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلّمه الكتاب أي "القرآن ". قال الولد: يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجيّة كانت لمجوس... وقد سمّاني جُعْلاً أي " خنفساء " ولم يعلّمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك... ].

☆☆☆☆ البشارة والأذان ☆☆☆☆

 أيها الكرماء الأجلاء عباد الله : ومن الحقوق كذلك استحبابُ البشارة به والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود ]، وقوله - تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات ].
☆☆☆ ولَمَّا وُلِدَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشَّرت به ثويبة أبا لهب[ كما في البخاري ]

وأُثِرَ عن الحسن البصري في التهنئة قوله: "بُورِك في الموهوب، وشكرتَ الواهب، وبلَغ أشدَّه، ورُزِقتَ برَّه"
[ابن القيم ]

☆☆☆ والأذان لحديث أبي رافع: "رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذَّن في أذُن الحسن حين ولدَتْه فاطمة بالصلاة"[ حسنه الألباني في الإرواء]، أمَّا الإقامة فلا أعلَمُ فيها حديثًا صحيحًا، وتُقاس على الأذان.
قال ابن القيم: " وسر التأذين ـ والله أعلم ـ: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها "

☆☆☆ تَحنيك المولود ☆☆☆

أيها المسلمون: ومن الحقوق كذلك تَحنيك المولود، وهي سنَّة باقية في مجتمعِنا إلى يومنا هذا؛ جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضِي الله عنْه - أنَّه حمَل أخًا له من أمِّه أم سليم - رضِي الله عنْها - وبَعَثَت مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فأخَذَهُ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقَال: ((أمَعَهُ شَيءٌ؟)) قَال: نَعَم، تَمَراتٌ، فأخَذَها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فمَضَغَها ثُمَّ أخَذَها مِنْ فِيه فجَعَلَهَا في فِي الصَّبيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وسَمَّاهُ عبداللَّه، وهو الصَّحابي الكبير عبدالله بن أبي طلْحة - رضي الله عنْه.
وروى أبو موسى رضي الله عنه، قال: "وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ".
وفي حديث أَسْمَاءَ رضي الله عنها، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ؛ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ. [أخرجه البخاري ]
☆☆☆ والتَّحنيك هو: أخذ تمرة وتلْيِينها داخل الفم ثمَّ وضْعها في فم المولود، وتَحريكها يمينًا وشِمالا مرورًا بين الفكَّين، وعلى مواضع خروج الأسنان، وصولاً إلى أعلى الحلق . وفي توضيح ذلك يقول النووي: "اتَّفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو، فيَمضغ المحنِّك التمر حتى تصير مائعةً بحيث تُبْتَلَع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه؛ ليدخل شيء منها جوفه، ويُستحبُّ أن يكون المحنِّك من الصالحين وممن يُتبرَّك به، رجلاً كان أو امرأة، فإن لم يكن حاضرًا عند المولود حُمِلَ إليه".

☆☆☆ العقيقة ☆☆☆☆

ومن حقوق الطفل كذلك العقيقه إذ أنها من هديه عليه الصلاة والسلام ؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى)) والعقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود، فرحا به وشكرا لله على نعمه، وهي سنة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من وُلِدَ لَه ولدٌ فأحبَّ أن ينسكَ عنه فلينسك، عن الغُلام شاتان مُكافئتان وعنِ الجاريةِ شاة ) رواه أبو داود، وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( كلُّ غلامٍ مرتَهَنٌ بعقيقتِهِ تذبحُ عنه يوم السابع، ويُحلقُ رأسُهُ، ويُسمَّى ) "صحيح الجامع" قال العلماء: أي: مرهونٌ تنشئته تنشئةً صالحة بهذه العقيقة
☆☆ ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، وتجزئ الشاة الواحدة عن المولود ـ ذكراً كان أو أنثى ـ، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( عقَّ عن الحسن والحسين كبشا كبشا ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
ويُسَن أن تُذبح العقيقة يوم السابع للولادة، فإن لم يكن ففي الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين، فعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( العقيقةُ تُذبَحُ لسبعٍ، أو أربع عشرة، أو إحدى وعشرينَ ) رواه أبو داود .
قال ابن القيم: " والظاهر أن التقييد بذلك استحباب ـ أي باليوم السابع ـ وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت، والاعتبار بالذبح، لا بيوم الطبخ والأكل "

☆☆☆ حلق شعر الرأس والتصدق بوزنه ☆☆☆

ومن حقوق الطفل بعد ولادته حلق شعر رأسه والتصدُّق بوزنه فضة، وفي ذلك فوائد صحِّيَّة واجتماعيَّة؛ فمن الفوائد الصحِّيَّة: تفتيح مسامِّ الرأس، وإماطة الأذى عنه، وقد يكون ذلك إزالةً للشعر الضعيف لينبت مكانه شعر قويٌّ، أما الفائدة الاجتماعية فتعود إلى التصدُّق بوزن هذا الشعر فضة، وفي ذلك معنَى التكافل الاجتماعي ومما يُدْخِل السرور على الفقراء، وفي ذلك ما روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَسَنِ بِشَاةٍ، وَقَالَ: (يَا فَاطِمَةُ، احْلِقِي رَأْسَهُ ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً) ، قَالَ: فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ "وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي "
وذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى اسْتِحْبَابِ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ ، وَالتَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّة ِ، وَفِضَّةً عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ : تَحَرَّى ، وَتَصَدَّقَ بِهِ ، وَيَكُونُ الْحَلْقُ بَعْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ " انتهى .

☆☆☆☆ حقه في الرضاعة التامة ☆☆☆☆☆

ايها الأحبة : لقد أوجب لله تعالى على الأم أن ترضع صغيرها حولين كاملين وهي مدة الرضاعة التامة، قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة ].
وقد اتفق الفقهاء على أن الرضاعة واجب على الأم ديانة تسأل عنها أمام الله تعالى، حفاظاً على حياه الرضيع سواء كان ذكراً أم أُنثى وسواء أكانت الأم متزوجه بأبي الرضيع، أم مطلقه منه وانتهت عدتها ].
☆☆☆ ولقد أثبتت البحوث الصحيَّة والنفسيَّة في الوقت الحاضر أن فترة عامين ضروريَّة لنمو الطفل نموًّا سليمًا من الوجهتين الصحيَّة والنفسيَّة، بَيْدَ أن نعمة الله وكرمه على الأمَّة الإسلاميَّة لم تنتظر نتائج البحوث والتجارِب التي تُجْرَى في معامل علم النفس وخلافها من قِبَلِ العلماء النفسيِّين والتربويِّين، بل سبقت ذلك كله، ونلاحظ مدى اهتمام الشريعة بالرضاعة وجعلها حقًّا من حقوق الطفل إلا أن ذلك الحق لم يكن مقتصرًا على الأمِّ فقط، إذ إن هناك مسئولية تقع على كاهل الأب، وتتمثل هذه المسئولية في وجوب إمداد الأم بالغذاء والكساء حتى تتفرَّغ لرعاية طفلها وتغذيته، وبذلك فكل منهما يؤدِّي واجبه ضمن الإطار الذي رسمته له الشريعة السمحة، محافظًا على مصلحة الرضيع المسندة إليه رعايته وحمايته، على أن يتمَّ ذلك في حدود طاقتهما وإمكانيتهما، قال تعالى: "لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا".

☆☆ الإنفاق على أُمه أثناء حمله ☆☆☆

ومن الحقوق للطفل ، أن الله أوجب على أبيه أن ينفق عليه حتى يقوى ويشتد عوده
ولعل هذا الحق هو أسمى وأجل الحقوق التي كفلها الاسلام للطفل فحاشا لله أن يغفل عن إظهار حق من حقوق الطفل حتى وهو في بطن أُمه، حتى وإن كانت مطلقة.
قال تعالى ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق ].
وذلك هو تكريم للأم ورحمة منه سبحانه بهذا الصغير، حتى لا يكون فشل الوالدين في حياتهم وعدم التوافق بينهما نكبة على الصغير .

☆☆☆☆ ومن حقوق الطفل في دينِنا الحنيف: ملاعبته وملاطفته؛ أوْرد الإمام البخاري في صحيحه: قبَّل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمَّ قال: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))؛ ولذلك قال العرب: لاعب ابْنَك سبعًا، وأدِّبْه سبعًا، وصاحِبْه سبعًا.

☆☆☆☆ أيُّها المؤمنون والمؤمنات، ومن أهمِّ حقوق الطفل في إسلامنا العظيم: حقُّه في التربية، وأساس التربية أن نرعى فيه من أيَّامه الأولى بذرةَ "لا إله إلا الله محمَّد رسول الله" صلَّى الله عليه وسلَّم، الَّتي جعلها الله - تبارك وتعالى - في فطرة كلِّ مولود؛ جاء في الصحيحَين قولُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواهُ يهوِّدانِه أو ينصِّرانه أو يُمجِّسانه)).
فكل مولود يأتي إلى دنْيا الناس مسلمًا موحِّدًا، يأْتي محبًّا لله ولرسوله، وعلى الأبويْن رعاية تلك الفطرة؛ يقول الله - جلَّ وعلا -: ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم ].
وعن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وإنه لمسئول عن برك وطواعيته لك" رواه البيهقي.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع))؛ رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني.
ولا ننسى هنا بعد هذا وصيَّة الأب الشفوق الناصح لولده، المهذِّب لعقيدته وأخلاقه، ذلكم هو لقمان الحكيم وقد ذكَرها الله - تعالى - في كتابه؛ لتكون خيرَ مُعينٍ على البرِّ والتربية، فقال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان ].

☆☆☆ ومن الحقوق العدل بينهم ☆☆☆

لا يميز بين الأبناء ولا يفضل الذكور علي الإناث فهذا يؤدي إلي إحداث جو من الشحناء والبغضاء داخل البيت لذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد في الأمور المادية والمعنوية، وكذلك لا يجوز تمييز أحدهم في العطاء والوصية ولا يجوز حرمان أحد من حقه في الميراث فهذا حق فرضه الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قطع ميراثا فرضه الله ورسوله قطع الله به ميراثا من الجنة "رواه البيهقي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أبو داود والبيهقي.

وقد أخرج أبو داود في سننه، عن النعمان بن بشير قال: أنحلي أبي نحلاً أو نُحلةً غلاماً له. عنده عبد أعطاه لولده، قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائتي رسول الله صلى الله عليه فأشهده، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: إني نحلت ابني النعمان نُحلاً، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألك ولد سواه؟) قال: قلت: نعم، قال: (فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟)، فقال: لا، فلما قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام (فأرجعه). وفي رواية: (فرده)، وفي رواية: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرجع أبي في تلك الصدقة، وفي رواية: (فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور). ظلم، وفي رواية: (فأشهد على هذا غيري). وفي لفظ لمسلم: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".
وفي هذا تعليل واضح من النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب العدل والمساواة بين الأولاد.
وعليه، فإن ما يقوم به بعض الآباء من التمييز بين الأبناء هو أمر منهي عنه شرعاً، وذلك لما له من آثار نفسية على الأبناء.

☆☆☆الخطبة الثانية☆☆☆

الحمد لله علي إحسانه والشكر له علي توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وبعد :

أيها الآباء أيتها الأمهات : يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم ].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
قال الإمام ابن القيم: وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء ].
ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا".
☆☆☆☆ فاتقوا الله في فلذات أكبادكم وقرة أعينكم؛ فأطفالكم أمانة كبرى في أعناقكم، وسوف تُسْألون عنهم يوم القيامة، فإن كنتم أحسنتم التوجيه فبها ونعمت، وإن لم تكونوا، فالفرصة ما زالت أمامكم، فانتهزوا هذه الحياة ووجهوهم للخير، ودلوهم على عليه؛ ليعرفوا طريق الحق فيتبعوه، ويعرفوا طريق العلم فينهلوا منه، ويسلكوا طريق النور فلا يضلوا، واختاروا لهم الرفقة الطيبة؛ لأن الرفقة لها تأثير البالغ في حياة الإنسان، والمرء في معترك هذه الحياة؛ إما أن يؤثر، وإما أن يتأثر، فإن كان قوي الإيمان والعقيدة، حسن الأخلاق والسلوك، أثَّر في الناس بأخلاقه الطيبة، وإن كان ضعيف الإيمان، متذبذب الآراء والأفكار، تأثر من غيره بالخصال الذميمة.
وعلى الآباء والأمهات أن يتابعوا أبنائهم دائمًا، ويسألونهم عن أصحابهم، وماذا يفعلون، وماذا يقولون؛ حتى يقضوا على صفات وخصال هؤلاء الأصحاب؛ سواء أصحاب المدرسة أو الشارع، أو الحي أو النادي أو المسجد
وليضع الجميع نُصْب أعينهم في هذا المنهج قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه، أو تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحًا مُنْتنة))؛ رواه البخاري، ومسلم.
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل))؛ رواه الترمذي.
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إياك وقرين السوء؛ فإنك به تُعْرف))؛ رواه ابن عساكر.
وعلى الآباء والأمهات أن يعودوا أبنائهم منذ صغرهم على ذكر الله، فالذين مع الله لا يندمون، والذين مع الله فائزون، والذين مع الله يعيشون في سرور وحبور؛ كما يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أخلص دينك يكفيك القليل من العمل)).

كما يكون ذكر الله بكلمة طيبة، بإماطة الأذى عن الطري، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصلح بين اثنين، بالتعاون والتساند، كما يكون ذكر الله كذلك بصدقة لفقير أو يتيم أو محتاج، بالبشاشة في وجوه الناس، والمعاملة الكريمة في البيع والشراء، ويكون ذكر الله – جل وعلا – بكل ما يحبه الله ويرضاه.
أيها الإخوة الأفاضل: هذا ما فتح به علي العلي المتعال في بيان حقوق الأطفال ، وأسأل الله ان ينفعنا بكل ما نقول وما نسمع وأن يجعله حجة لنا لا علينا ,
كما أسأله جل وعلا أن يصلح لنا ولكم الذرية ،وأن يحفظ أولادنا من كل مكروه وسوء ، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات