حب الوطن د/محمد أحمد حواش
العناصر:
1-حب الوطن فطرة
2-حب الوطن نعمة
3-حب الوطن عقيدة
4-من لوازم الوطنية : الوحدة و الاعتصام
5-مصر وطن يستحق الفخر
الحمدُ للهِ المُنعِم علينا بالأمن ليل نهار ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له العزيزُ الغفَّار، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُختار،
1-حب الوطن فطرة :
وبعد :
فإن أصحاب الفطر السوية والقلوب النقية والافئدة الرشيدة متعلقون بالأرض التي ولدوا عليها ومدينون للوطن الذي ولدوا فيه ،وهذا الشعور يستوي فيه الإنسان والحيوان، فالحيوان يحن إلى وكره والطائر يشتاق لعشة والعصفور يكون اجمل تغريدا فوق أغصان دوحته والحيوان يعطى نتاجا اكثر ما يعطي إذا كان في بيئته ،بل إن النبات له تربة وطين ينتج فيه اكثر ويكون محصوله فيه اعظم . فسبحان القادر المقدر
ومِن أثمَن الأشياء عند أهل الفِطَر السليمة: حُبُّ البلاد التي وُلِدُوا فيها وعاشُوا على ثَراها، وأكلُوا مِن خيرات الله فيها.
ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه ، وقد كان اخراج الانبياء من ديارهم عقابا لهم على دعوتهم اقوامهم للحق أو هجرة للنجاة من تربص أقوامهم.
وهذه بعض الأدلة علي ذلك :ــ
أ-خروج إبراهيم ولوط عليها السلام قال سبحانه وتعالى قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ "
ب-خروج موسى عليه السلام قال تعالى "وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ".
ج-خروج يعقوب عليه السلام وأولاده من فلسطين إلى مصر للانضمام إلى يوسف عليه السلام قال تعالى :"فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"
ولذلك سجل القران الكريم الدعاء للوطن وتمنى الخير له على لسان أنبياء الله ورسله عليهم السلام.
أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله تعالى "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"
ودعاء إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله. ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة.
د-حب الوطن في سيرة الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم :
ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك فهو صلى الله عليه وسلم في مكة يحبها ويكره الخروج منها وعندما هاجر إلى المدينة واستوطنها ألفها ثم لما فتح مكة , وخاف الأنصار أن يقيم فيها قال لهم :" المحيا محياكم والممات مماتكم " بل كان يدعو الله إن يرزقه حبها:" اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد "رواه البخاري. فما الذي تغير في الأمر انه صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة يصرح بحبها وعندما سكن المدينة صرح بحبها أيضا ودعا إن يحبها أكثر من مكة . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في محبه المدينة مالم يرد مثله في مكة ….. وقد تكرر دعاؤه صلى الله عليه وسلم بتحبيب المدينة إليه ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها اللهم اجعل المدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة رواه البخاري ومسلم . وقال اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم أن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة , وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة ومثله معه رواه مسلم .
وقال تعالي إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" قال ابن العباس رضي الله تعالى عنهما: إلى مكة رواه الإمام البخاري قال القرطبي رحمه الله تعالى : قال مقاتل :خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة في غير الطريف مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفة وعرف الطريق الى مكة فاشتاق اليها فقال جبريل عليه السلام إن الله يقول إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي إلى مكة ظاهرا عليها
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :لما أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرئ مصبح في اهله والموت أدنى من شراك نعله.
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما ما مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقال :اللهم العن شبيبة بن ربيعة , وعتبة بن ربيعة , و أمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . فبلال رضي الله تعالى عنه يتمنى الرجوع إلى وطنه .
2-حب الوطن نعمة :
من أعظمِ نِعَم الله على العبدِ: استِقرارُه في بلدِه آمِنًا على نفسِه وأهلِه، عابِدًا ربَّه، مُطِيعًا لخالِقِه.
فقد امتن الله تعالى على قريش بالعيش في بلادهم امنين اكلين مطمئنين :"لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف"
يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: “مَن أصبَحَ مِنكم آمِنًا في سِربِه، مُعافًى في جسَدِه، عنده قُوتُ يَومِه فكأنَّما حِيزَت له الدنيا” رواه الترمذي.
إنّ وجود الوطن في حدّ ذاته نعمة من نعم الله على عباده، كما أنّ العقوبة بالنفي والطرد والتهجير من الوطن عقوبة ونقمة شديدة على الإنسان أيًّا كان!!
إنّ الدين الإسلاميّ لا يستنكر ولا يرفض حب الوطن، وأن يعيش الإنسان محبًّا لبلده؛ بل وجدناه يشجع أيّما تشجيع على حبّ الأوطان ويخلّد ذكر المحبين لأوطانهم؛ فهذا بلال لم يُعرف في تاريخ الإسلام إلا بنسبته إلى وطنه: بلال الحبشي، وصهيب الروميّ، وسلمان الفارسيّ، والطفيل الدوسيّ، فقد ظلّ كل هؤلاء بنسبتهم إلى أوطانه، ظل بلال حبشيًّا، وصهيب روميًّا، وسلمان فارسيًّا، والطفيل دوسيًّا، لكنهم ما نَسَوْا انتماءهم الأساس والأعظم إلى رسالة الإسلام، وما يتعارض هذا مع ذاك، وما طُلِب منهم لإثبات وطنيتهم للبلد الجديد أن يتنازلوا عن جنسيتهم الأصليّة!!
ولان النعمة لا يحس بها الا من فقدها ولا يشعر بقيمتها الا من حرم منها كان الميت خارج بلده في سبيل البحث عن رزقه شهيدا :" ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله " وفي حديث الطبراني :" «إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْبَطْنُ شَهِيدٌ، وَالْمُتَرَدِّي شَهِيدٌ، وَالنُّفَسَاءُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ وَالسُّلُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِيقُ شَهِيدٌ، وَالَغَرِيبُ شَهِيدٌ»
ومن ذلك ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وابن حبان من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ»، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ» والحديث حسنه الألباني، وصححه أحمد شاكر.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: قيس له ما بين مولده، إلى منقطع أثره في الجنة.
قَالَ الطَّيِّبِيّ: المُرَاد أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره مِقْدَار مَا بَين قَبره، وَبَين مولده، وَيفتح لَهُ بَاب الْجنَّة. اهــ.
وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين رواية أخرى توضح الجزاء أكثر: « وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: يَا لَهُ لَوْ مَاتَ غَرِيبًا، فَقِيلَ: وَمَا لِلْغَرِيبِ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ، إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ» اهـ.
3-حب الوطن عقيدة :
وقد جعل الإسلام حب الأوطان من الإيمان، فحب الوطن من الإيمان ويؤكّده تطبيق النبي وأصحابه الكرام يوم أُخْرِجُوا من مكة، وهاجروا –قسوةً من أهل مكة، وبحثًا عن أرض جديدة للدعوة- إلى المدينة..
ولقد كان أشد البلاء على النبي وأصحابه الاضطهاد في مكة وترك الوطن الذي عاشوا فيه وقد روى البخاري في صحيحه مما يدلل على مشروعية الشوق للوطن والحنين إليه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قدم من سفر فرأى دُرجات المدينة -وطنه الذي ناصره وأيّده- أوضع ناقته، أي أسرع بها. قال ابن حجر في فتح الباري: فيه دلالة على مشروعية حب الوطن، والحنين إليه
وإذا كان الإسلام يشجع على حب الوطن؛ فإنّه يوجب الدفاع عن الأوطان، ولذا شُرِع الجهـاد في سبيل الله تعالى؛ دفاعًا عن الدين والأهل والوطن والأرض والعِرْض، وجُعِلَ من مات أو قُتِل في سبيل نُصْرة الحق ونُصرة إسلامه ووطنه شهيدًا في سبيل الله تعالى؛ ففي الحديث، كما عند أحمد في المسند والحديث صحيح «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد». ولذا فإنّ من جملة الإيمان الدفاع عن الوطن واسترداد الحقوق فيه وله، ففي الحديث أيضًا كما روى أحمد والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون مَظْلَمته فهو شهيد»
ومسألة حب الوطن فيها تفصيل: "فإن قصد به الحنين الفطريّ إليه باعتباره شهد ذكريات الطفولة والشباب فهو مباح ما لم يدفع إلى معصية أو يقعد عن واجب، وإن قصد به العمل على تحريره من أيدي مغتصبيه إن كان محتلا من الكفار فهو واجب، وإن قصد به بر أبناء وطنه باعتبارهم جيرانه وأقاربه فهو مشروع، وأما إن قصد به جعل الوطن محورًا للولاء والبراء والعصبية الجاهلية بحيث يكون ذلك سببًا في قطيعة الإنسانية، وبحيث يوالي أهل وطنه ولو كانوا كفارًا أو فساقًا ويعادي الغرباء عن وطنه ولو كانوا مؤمنين صالحين فهي عصبية جاهلية منتنة محرمة".
4-من واجبات المسلم نحو وطنه:
أ-الاعتصام :
فليس شيء أفسد للمجتمعات وأكثر إضعافاً لها، وإغراءً لأعدائها بها، من الفتن والنزاعات الداخلية، وربما يلبسونها لبوس الدين والغيرة عليه والدفاع عنه، وبه يخدعون الجهلة والمتعجلين من أبنائنا، ويسخرونهم لخدمة أهدافهم الخبيثة، وخططهم وسياساتهم الماكرة، كيف والله تعالى يقول: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين" ويقول سبحانه: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا" ويحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك فيقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" رواه مسلم.
ولذلك يجب ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، يُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا. ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينه كان من أول أعماله صلى الله عليه وسلم لقيام الكيان المؤمن الأمن و نشر الدعوه وصلاح أحوال المجتمع واستقراره والمؤاخاه بين المهاجرين والانصار وهي تعني أداء مسؤوليه التكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع والتآزر لصلاح الدين والوطن . قال ابن قيم الجوزيه رحمه الله تعالى ثم آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وكانوا تسعين رجلا , نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار،وآخي بينهم بالمواساه … ومع أن المؤاخاه كانت على المواساة فإن الأنصار رضوان الله تعالى عليهم لم يكتفو بها فقد قاموا بالمساواه فكان الأنصاري يقسم ماله نصفين يأخذ نصفها له ويعرض على المهاجري النصف الآخر كما في قصه سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما , وقد قابل عبدالرحمن رضي الله تعالى عنه هذا العرض السخي بالتعفف. وهذه صفات المجتمع المسلم التازر والتعاون فيما بينهم ولم يجد العدو حينئذ ثغره ينفذ منها في ايقاع الشحناء , والفرقه والنزاع بينهم. ولن نجد أنكى في العدو من التلاحم , والتكاتف ووعي أبناء الوطن لتربص العدو وترقبه في إضعاف جانب التكاتف فيما بينهم
وفي حديث أبي هريرة (إن اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ، قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السؤال، وإضاعة المال) رواه مسلم
الخلاصة :
إن الوطن الذي يعيش فيه الإنسان يجب أن يعيش فيه بالحب والعمل والإنتاج والإصلاح حتى يعمره كما أمر الله ويجني ثمار تلك العمارة، قال تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب».
أما المفسدون الذين يفسدون الأوطان ويهلكون الحرث والنسل ويروعون الآمنين ويقتلون النفس التي حرم الله فقد غلظ الله عقابهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب شديد، ولو كان فاعل ذلك الفساد يفعله باسم الدين ويراه حسنا، فإنه ظالم لنفسه وللدين، ولو ادعى أنه يخدم الوطن بذلك، فإنه مفسد يسعى لحظ نفسه.
إن الوطن كالسفينة التي يجب على الجميع الحفاظ عليها حتى تنجو وينجو معها أهلها ولو ترك من يعبث فيها لهلكت السفينة وهلك كل من فيها.
والواجب عدم الاعتداء على المنشآت ومؤسسات الدولة والمال العام، وقد ضل بعض الناس السبيل عندما اعتبروا أن هدم مؤسسات الدولة عبادة وضرب أمنها شهادة وهؤلاء أبعد ما يكونون عن الدين.
إن حماية الوطن وتقديم مصلحة الوطن فوق كل مصلحة خاصة وهذا واجب على المجتمع كله
إن زرع قيمة حب الوطن في نفوس الناشئة مطلب شرعي، يجب الحرص عليه وتعميمه من خلال وسائل الإعلام والتعليم والمساجد لتوعية أبناء الوطن بقيمة الوطن.
والواجب على الجميع السعي في الأرض والعمل والاجتهاد كل في مهنته أو موقعه فالفلاح في حقله والعامل في مصنعه والأستاذ في جامعته والمدرس في مدرسته وهكذا يتنافس الجميع ويتعاونون في البناء والإصلاح......
.
5-مِصْرُنا في القرآن وعبر التاريخ:
إذا ذكرنا حب وفضل الوطن فلا ننسي أن نذكر فضل أمنا مصر، مصر وما أدراكم ما مصر ؟ ؟؟ ـ مصر كنانة الله في أرضه ،بلد أمَّنها الله، فقال سبحانه على لسان يوسف: " ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " ـ مصر التي جعلها الله تعالى بلد الخير والعطاء، فذكرسبحانه وتعالى " اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ " ووصفها ربنا بقوله تعالى" كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ".
قال سعيد ابن هلال إن مصر أم البلاد وغوث العباد , إن مصر مصورة في كتب الأوائل وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلدان ، قال الجاحظ : إن أهل مصر يستغنون بما فيها من خيرات عن كل بلد حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور ما ضرهم . ـ مصر التي وصى بها حبيبنا المصطفي صلي الله عليه وسلم أصحابَه، فقال لهم إنكم ستفتحون مصر،وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأَحسِنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا.رواه مسلم. ـ هي أم البلاد وهي أم المجاهدين والعباد قهرت قاهرتها الأمم ووصلت بركاتها إلى العرب والعجم , وطئ أقدامها الأنبياء و المرسلون والصحابة المجاهدون . ـ إن مصر فيها خزائن الأرض بشهادة ربنا جل وعلا لما قال عن يوسف عليه السلام:" قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر والتى تعد خزائن الأرض كما ذكر ربنا فقيمة مصر فى ذلك الوقت تعادل الكوكب الأرضي بأسره. ـ فمصر هي سلة الغذاء للأمم كلها نذكر يوم أن حدثت مجاعة في عهد سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أكلت الأخضر واليابس عام الرمادة وقال عمر والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهارا نزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال. وأخذ يقول:يا ليت أم عمر لم تلد عمر .. يا ليتني ما عرفت الحياة.. آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين ،لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة . وفي الأخير تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية ، وكان والي مصر عمرو بن العاص الداهية العملاق، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْـد: فوا غوثاه… وا غوثاه… والسلام وأخذها عمرو بن العاص ، وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم ،ولما قرأها عمرو ؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة، وقال: لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر. وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام. ودعا لهم عمر ، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر . ** مصر بلد المروؤة والشهامة والنجدة ونصرة المظلوم والوقوف بجوار الحق وقد ضرب الله تعالى مثلا بمؤمن آل فرعون البطل الثابت على الحق الذي قال الله جل وعلا عنه وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ"وهو مصري . وذكر ذلك الرجل المؤمن الذي حذر موسى عليه السلام وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ"مصر قاهرة الصليبيين في حطين.. ولا ننسي جهادهم أهل مصر ضد الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين في موقعة حطين في شهر رمضان. مصر قاهرة التتار في عين جالوت :ـ وأيضا لا ننسي يوم أن دخل التتار العالم الإسلامي فدمروه.. هدموا المساجد، ومزقوا المصاحف، وذبحوا الشيوخ، وقتلوا الأطفال، وعبثوا بالأعراض، بل دمروا عاصمة الدنيا بغداد ،وزحفوا إلى مصر ليحتلوها، وخرج المصريون وراء الملك المسلم قطز الذي يحمل لافتة: لا إله إلا الله محمد رسول الله وكانت عين جالوت والذي حث الناس على الجهاد هو العالم سلطان العلماء العز بن عبد السلام ،والتقى التتار الأمة البربرية البشعة، التي لم يعلم في تاريخ الإنسان أمة أشرس ولا أقوى ولا أشجع منها، التقوا بالمسلمين المصريين؛ بجيل محمد عليه الصلاة والسلام ولما حضرت المعركة والتقى الجمعان، قام قطز فألقى لأمته من على رأسه، وأخذ يهتف في المعركة: وا إسلاماه… وا إسلاماه… وا إسلاماه. فقدموا المهج رخيصة، وسكبوا الدماء هادرة معطاءة طاهرة، وانتصر الإسلام وسحق التتار، ومنيوا بهزيمة لم يسمع بمثلها في التاريخ . ولا ننسي العدوان الثلاثي علي مصر بريطانيا وفرنسا واسرائيل يوم أتى العدوان الثلاثي الغاشم يريد اجتياح مصرفي عام 1956م ، وخرج المؤمنون بعقيدتهم وتوحيدهم يدافعون الدول الثلاث، خرجوا يهتفون مع صباح مصر :
أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة أرض الأبوة والسؤددا
فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا
وسحقوا العدوان الثلاثي، واندحر العميل الغادر الغاشم بنصر الله ثم بضربات المؤمنين، وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً.. قدمت آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين، والدماء، والآراء.
ولـمصر في قلب الزمان رسالة مكتوبة يصغي لها الأحياء من مصر تبدأ قصة في طيها تروي الحوادث والعلا سيناء ولـمصر آيات الوفاء ندية أبناؤها الأصداء والأنداء هي مصر إن أنشدتها متشوقاً طرب الزمان وغنت الورقاء ما مصر إلا الفجر والدمع السخي وإنها سر المحبة حاؤها والباء
العنصر الرابع : حق الوطن في الإسلام:ــ هذا الوطن محل عبادتنا لربنا , فيه مساجدنا , ومدارسنا وجامعتنا ،وأهلنا ،وعلماؤنا , وأموالنا ،حيث تعلمنا أمور ديننا ودنيانا ، فكان لزاما علينا أن نؤدي واجبنا نحوه ونعرف أن أداؤنا للواجب ليس منة ولا تفضلا وإنما واجب ودين في رقبتنا نسأل عنه أمام الله
وتبقى مصر في قلب الأوطان التي ينبغي أن تُحَبّ؛ فإذا كانت مكة والمدينة من البلاد التي يجب على المسلم أن يحبّها ويشتاق إليها، فإنّ مصرنا بلد الله في أرضه جعلها لنا كمصريين نعيش على أرضها، ويؤمّن أهلها؛ لما لها من فضل كبير في القرآن الكريم، وفي السنة، وعبر التاريخ البشري القديم والحديث.
إنها مصر:
مصر الوارد ذكرها في القرآن الكريم صراحة وتعريضًا مرات عديدة؛ فلم يُذكر اسمها فقط؛ بل ذكر أشخاص منها، وأماكن، وأشياء، وخلافه.. كما عُبر عنها في القرآن بلفظ (الأرض)؛ وما ذلك إلا لعلوّ شأنها ورِفْعة مكانتها...
مصر التي قضى الله فيها على فرعون الطاغية الظالم بالغرق والهلاك..
مصر التي سجنت يوسف عليه السلام، لكنه خرج ليحميها ويدافع عنها ويحقق لها الرخاء والاستقرار..
مصر التي حمت موسى وعيسى وآوت الصالحين والمصلحين دهرًا من الزّمان...
مصر بوابة الانتصار لبيت المقدس وتحرير الأقصى كما حدث في زمن صلاح الدين الأيوبي...
اللهم الطف بأهل مصر .. اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك واحفظ بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم تول أهل مصر برعايتك..اللهم احقن دمائهم … اللهمّ بدّل خوفهم أمنا ، اللهم ول عليهم خيارهم ،اللهم احقن دماءهم واحفظ أعراضهم و سلم ذراريهم و أموالهم. نسألك اللهم أن تعصم دماء المسلمين وأموالهم وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وان تصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين .