من خصائص أمة محمد في الدنيا والآخرة للشيخ محمود حسن كمال



من خصائص أمة محمد ‘ في الدنيا والآخرة:
‏الجمعة‏، 22‏ ربيع الأول‏، 1440 هـ - ‏30‏/11‏/2018 م.
إعداد: محمود حسن كمال، إمام وخطيب ومدرس ثالث بمديرية أوقاف المنيا:
عناصر الخطبة:
1-      من خصائص أمة الإسلام في الحياة الدنيا.
2-      من خصائص أمة الإسلام في دار القرار.
3-      شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس: تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: جل عن شريك وولد، وعز عن الاحتياج إلى أحد، وتقدس عن نظير وانفرد، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، القائل في سنته المطهرة الغراء: مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ <سنن الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه>.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ خَصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ الأُمَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ -الَّتِي اصْطَفَاهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الأُمَمِ واخْتَارَها لِتُؤَدِّيَ رِسَالَةَ الأَنْبِيَاءِ- بِخَصَائِصَ عَظِيمَةٍ، ومَزَايَا كَثِيرَةٍ في الدُّنْيَا، تُنَاسِبُ الْوَاجِبَ المُلْقَى عَلَى عاتِقِهَا لِتُؤَدِّيَهُ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وكَانَتْ تِلْكَ الخَصَائِصُ بِمَنْزِلَةِ الشِّعَارِ المُعْلِنِ عَنْ حَقِيقَتِها ودَوْرِها وأَهْدَافِها، والإِعْلَانِ الوَاضِحِ لِلشَّرِيعَةِ الَّتِي سَتَحْكُمُ بِها، فَحَرِيٌّ بِنَا   أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنْ خَصَائِصِ أُمَّةِ الإِسْلَامِ في الدُّنْيا.
وإِنَّ مِنْ خَصَائِصِهَا :أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالَى قَدْ كَتَبَ لَهَا البَقَاءَ والنُّصْرَةَ علَى يَدِ الطَّائِفَةِ البَاقِيَةِ القَائِمَةِ عَلَى الحَقِّ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، قالَ تَعَالَى: )وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ([آل عمران:139].
وَإِنَّ مِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ أَهْلَ الإِسْلَامِ هُمُ الوَسَطُ والعَدْلُ وهُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرْضِ، وأَنَّ اللهَ سَمَّاهُمُ المُسْلِمِينَ، ورَضِيَ الإِسْلَامَ لَهُمْ دِيناً، كَما قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ([البقرة:143]. لِأَنَّ الإِسْلَامَ تَسْمِيَةُ كُلِّ الرِّسَالاتِ.
وفِي سُورَةِ الحَجِّ يَقُولُ رَبُّنا جلَّ جَلَالُهُ: )هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ([الحج:78]، وعَنْ أَنَسٍ tأَنَّ النَّبِيَّ rقالَ: «الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» [رواهُ البُخَارِيُّ] وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَنَسٍ tفِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» وقَدْ قالَ عزَّ وجلَّ: )وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا([المائدة:3] .
ومِنْ خَصَائِصِ أُمَّةِ الإِسْلَامِ: أَنَّها خَيْرُ الأُمَمِ، وأَكْرَمُهَا علَى اللهِ عزَّ وجلَّ كَما قالَ رَبُّنا سُبْحانَهُ وتَعَالَى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ([آل عمران:110] وقالَ رَسُولُ اللهِ r: «أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» [رواهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنادٍ حَسَنٍ والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ  وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ]، فإِنْ كانَتِ الأُمَّةُ تُؤْمِنُ وتَعْتَقِدُ أَنَّها الأَعْلَى، وأَنَّها مَنْصُورَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالَى، وأَنَّ سَبِيلَ نُصْرَتِهَا مَرْهُونٌ بِنُصْرَتِهَا لِرَبِّها جلَّ وعَلَا )إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ([محمد:7]- فَهِيَ أُمَّةٌ كَرِيمَةٌ عَظِيمَةٌ بَاقِيَةٌ خَالِدَةٌ، مُعْتَزَّةٌ بِدِينِهَا وذَاتِهَا ورِسَالَتِهَا، مَنْصُورَةٌ علَى أَعْدَائِهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا؛ وهذِهِ مِنْ سُنَّتِهِ سُبْحَانَهُ وتعالَى )فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ([فاطر:43].
ومِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَنَّ صُفُوفَ أُمَّةِ الإِسْلَامِ كَصُفُوفِ المَلَائِكَةِ؛ فَقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: »فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ » [رواهُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ t].
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:
إِنَّ مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ أُمَّةُ الإِسْلَامِ: أَنَّ اللهَ جَلَّ وعَلَا خَصَّهَا بِأَكْمَلِ دِينٍ ، وأَتَمِّ شَرِيعَةٍ ؛ كَمَا قالَ جَلَّ شَأْنُهُ: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ([المائدة:3] . لِأَنَّ أَدْيَانَ الأَنْبِيَاءِ كامِلَةٌ، وَنِعْمَةٌ تَامَّةٌ .
     وَ مِمَّا شَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ r: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى رَفَعَ الإِصْرَ والحَرَجَ عَنْها: )هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ([الحج:78] ، وقالَ تَعَالَى: )يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ([البقرة:185]، وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأَدْرَعِ tأَنَّ رَسُولَ اللهِ r قالَ: «إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ اليُسْرُ» [رواهُ أَحْمَدُ وصَحَّحَ إِسْنَادَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَ مِمَّا خَصَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهِ أُمَّتَنَا الإِسْلَامِيَّةَ أَيْضًا: أَنَّهُ جَلَّ وعَلَا شَرَعَ لَهَا صَلَاةَ العِشَاءِ، فَقَدْ تَأَخَّرَ ذَاتَ يَوْمٍ النَّبِيُّ rعَنِ العِشَاءِ، فَقالَ حِينَ خَرَجَ: «إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ» [رواهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وفي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ t عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ اللهَ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ».
عِبَادَ اللهِ:
ومِمَّا خَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أُمَّةَ نَبِيِّهِ ومُصْطَفَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: مَا وَرَدَ في قَوْلِهِ r: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ إِلَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ علَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» [رواهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t، وصَحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ]. والتَّجْدِيدُ: هُوَ عَوْدَةُ النَّاسِ إِلَى دِينِ اللهِ جَلَّ وعَلَا وسُنَّةِ نَبِيِّهِ r.
ومِمَّا اخْتَصَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِهِ أُمَّتَنا الإِسْلَامِيَّةَ: أَنَّها لَنْ تَهْلَكَ جَمِيعُهَا بِجُوعٍ، ولَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْها عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِها كَما قالَ r: »وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا» [رواهُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ t].
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ أُمَّةَ الإِسْلَامِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ في الدُّنْيَا؛ ذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّها قُبِضَ قَبْلَها، وهذَا سَبَبُ رَحْمَةٍ لَهَا؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ tعَنِ النَّبِيِّ rقالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» [رواهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
وإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ تَفَرُّدِ وتَمَيُّزِ أُمَّةِ الإِسْلَامِ: إِرْضَاءَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ نَبِيَّهُ r في أُمَّتِهِ؛ فَقَدْ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ rيَدَيْهِ وقالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِمَا قَالَ -وَهُوَ أَعْلَمُ-. فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ» [رواهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ rعَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» [رواهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
ومِنْ خَصَائِصِ أُمَّةِ الإِسْلَامِ: أَنَّها تُؤْمِنُ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ ؛ حَيْثُ قالَ اللهُ تَعَالَى: )آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ([البقرة:285].
إِنَّ أُمَّتَنَا الإِسْلَامِيَّةَ مَنْصُورَةٌ ظَاهِرَةٌ بَاقِيَةٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لَا تَضْعُفُ ولَا تَنْهَزِمُ، وإِنْ ضَعُفَتْ  في نَاحِيَةٍ فَهِيَ تَقْوَى وتَنْتَصِرُ في نَاحِيَةٍ أُخْرَى، ولَئِنْ تَدَاعَتْ عَلَيْهَا الأُمَمُ كُلُّهَا فَهِيَ صَامِدَةٌ عَزِيزَةٌ بِكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ.
 أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ أُمَّةَ الإِسْلَامِ هِيَ الأُمَّةُ البَاقِيَةُ المَنْصُورَةُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ولَا تَجْتَمِعُ علَى ضَلَالَةٍ أَبَداً، وهِيَ الَّتِي تَحْمِلُ مِيرَاثَ النُّبُوَّةِ، وهِيَ الأُمَّةُ الكَرِيمَةُ علَى رَبِّهَا، والعَظِيمَةُ عِنْدَ مَعْبُودِهَا، والمُفَضَّلَةُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ بَعْثِهَا، قَالَ تَعَالَى: )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (   [ فاطر: 32-35].
وأما عَنْ خَصَائِصِ وَمَزَايَا هَذِهِ الأُمَّةِ فِي الآخِرَةِ، فَمِنْهَا:
مَصِيرُ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ في الآخِرَةِ إِلَى الجَنَّةِ بَعْدَ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ قالَ رَسُولُ اللهِ r:«مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا بَعْضُهَا في الجَنَّةِ وبَعْضُهَا في النَّارِ إِلَّا أُمَّتِي، فَإِنَّها في الجَنَّةِ» [روَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
ومِنْ خَصَائِصِهَا في الآخِرَةِ: أَنَّهَا الأُمَّةُ الوَسَطُ والشَّهِيدَةُ علَى الأُمَمِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ([البقرة:143]، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّt قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ r: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ،فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ» [رَوَاهُ البُخارِيُّ].
ولَقَدْ خُصَّتْ هَذِهِ الأُمَّةُ في الآخِرَةِ: بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ مَعَ قِلَّةِ العَمَلِ، فَيُعْطِيهَا اللهُ جَلَّ وعَلَا مِنَ الثَّوَابِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي غَيْرَهَا مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، مَعَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ r أَقْصَرُهُمْ أَعْمَاراً، واللهُ تَعَالَى يَقُولُ: )وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ([البقرة:105].
ويُمَثِّلُ النَّبِيُّ rمُكْثَ أُمَّتِهِ، وَمُضَاعَفَةَ أَجْرِهَا؛ فَيَقُولُ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلًا، وَأَكْثَرُ أَجْرًا؟!، قالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:
وإِنَّ مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ أُمَّتُكُمْ فِي الآخِرَةِ: فِدَاؤُهَا بِغَيْرِهَا مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى وغَيْرِهِمْ، فَيقُولُ r: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّار» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وقالَ نَبِيُّ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t]. وَالْمُرَادُ : أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَنْزِلًا فِي الجَنَّةِ وَمَنْزِلًا فِي النَّارِ ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ الجَنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ فِي النَّارِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِكُفْرِهِ، كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
ومِمَّا كُرِّمَتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ في الآخِرَةِ: أَنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، وهُوَ النُّورُ والبَيَاضُ في الجَبْهَةِ وفي اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ مِنْ مَوَاضِعِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
وإِنَّ مِمَّا شَرُفَتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ: أَنَّهُمُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ؛ لِقَوْلِهِ r: »نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]  أَيِ: الآخِرُونَ زَمَانًا الأَوَّلُونَ مَنْزِلَةً، وَقَالَ r: «نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: «وَالمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُودُهَا فِي الدُّنْيَا عَنِ الأُمَمِ المَاضِيَةِ فَهِيَ سَابِقَةٌ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ، بِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، وَأَوَّلُ مَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمْ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ) ا.هـ.
وَمِنْ خَصَائِصِ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي الآخِرَةِ: كَثْرَةُ الشَّفَاعَاتِ فِي أُمَّتِهِ r، وَقَدْ بَشَّرَ النَّبِيُّrأُمَّتَهُ بِهَذَا فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلْفِئَامِ (وَهُمُ الجَمَاعَةُ الكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلْقَبِيلَةِ (وَهُمُ الجَمَاعَةُ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلْعَصَبَةِ (وَهُمْ قَوْمُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ أَيْ: أَهْلُهُ الأَقَارِبُ)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرَّجُلِ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ  حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t].
عِبَادَ اللهِ:
وَأَمَّا فِي عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَلِأُمَّةِ الإِسْلَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى الأُمَمِ، فَهِيَ أَوَّلُ مَنْ يَجْتَازُ الصِّرَاطَ المَنْصُوبَ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ مَعَ نَبِيِّهَا r، ويَصِفُ النَّبِيُّrهَذا المَوْقِفَ فَيَقُولُ: «... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
أَيُّها المُؤْمِنُونَ:
وإِنَّ مِمَّا فُضِّلَتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ فِي الآخِرَةِ: انْفِرَادَهَا بِدُخُولِ البَابِ الأَيْمَنِ مِنَ الجَنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ r: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» حَتَّى قَالَ: «فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي،ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ...» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ]. وهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الجَنَّةِ عَدَداً؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: « أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
ولَقَدْ خَصَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ هذِهِ الأُمَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ بِأَنْ جَعَلَهَا أُمَّةً مَرْحُومَةً، قَالَ r: »إِنَّ أُمَّتِي مَرْحُومَةٌ«[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبْانِيُّ]،وجَعَلَ مِنْهُمْ سَادَةَ أَهْلِ الجَّنَةِ، وأَوَّلُهُمْ رَسُولُنَا ونَبِيُّنَا مُحَمْدٌ r صَاحِبُ الوَسِيلَةِ والمَقَامِ المَحْمُودِ، ومِنْهُمْ: أَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ فِي الصَّالِحِينَ، وَجَمَعَنَا وَإِيَّاهُمْ وَإِيَّاكُمْ فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوب إليه، وأستعيذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى له طرفة عين عن رحمته.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلاوات ربي وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَفَضَّلَهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الأُمَمِ؛ لِقِيَامِهَا بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأَعْمَالِ وَالصِّفَاتِ, وَسَعْيِهَا لِأَدَاءِ مَا فَرَضَهُ عَلَيْهَا مِنَ الوَاجِبَاتِ, فَجَعَلَهَا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ لِأَمْرِهَا بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيِهَا عَنِ المُنْكَرِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ([آل عمران 110]. وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ( قَالَ: «إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
إِنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَهُوَ: مَا وَافَقَ شَرْعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ وَهُوَ: مَا خَالَفَ شَرْعَ اللهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا - أَصْلٌ عَظِيمٌ يَقُومُ عَلَيْهِ الدِّينُ, وَشَعِيرَةٌ فَاضِلَةٌ بِهَا صَلَاحُ الأُمَّةِ وَصِيَانَتُهَا مِنَ الاِنْحِرَافِ وَالتَّبْدِيلِ, وَهِيَ سَبِيلُ الأُمَّةِ لِلبَقَاءِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الهَلَاكِ وَالتَّدْمِيرِ؛ فَبِالْأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ تَكْثُرُ الفَضَائِلُ، وَتَظْهَرُ المَحَاسِنُ وَالطَّاعَاتُ وَالحَسَنَاتُ, وَبِالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ تَقِلُّ الرَّذَائِلُ وَتَنْدَثِرُ المَسَاوِئُ وَالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتُ, قَالَ تَعَالَى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([آل عمران:104]. وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» [رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الإِيمَانِ وَصِفَاتِهِمْ, وَلِأَهَمِّيَّتِهِ قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ, فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ([التوبة 71 ]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الأُمَّةِ؛ فَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الكِفَايَاتِ عَلَيْهَا.
وَلَقَدْ قَامَتِ الأُمَّةُ بِشَعِيرَةِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ مُنْذُ صَدْرِ الإِسْلَامِ, وَلَكِنَّ الأُمَّةَ اليَوْمَ أَكْثَرُ حَاجَةً لِلعِنَايَةِ بِهَا وَالقِيَامِ بِشَأْنِهَا؛ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا؛ لِكَثْرَةِ الجَهْلِ، وَقِلَّةِ العِلْمِ، وَغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ هَذَا الوَاجِبِ العَظِيمِ, فَفِي عَصْرِنَا هَذَا صَارَ الأَمْرُ أَشَدَّ, وَالخَطَرُ أَعْظَمَ؛ لِاِنْتِشَارِ الشُّرُورِ وَالفَسَادِ, وَكَثْرَةِ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ وَالبَاطِلِ, وَقِلَّةِ دُعَاةِ الهِدَايَةِ وَالخَيْرِ؛ فَالقِيَامُ بِوَاجِبِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ هُوَ قِيَامٌ بِوَظِيفَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تَعَالَى: )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ([الأعراف:157]، وَمَتَى مَا أَضَاعَتِ الأُمَّةُ هَذَا الوَاجِبَ, وَتَقَاعَسَتْ عَنْ أَدَائِهِ, وَغَفَلَتْ عَنِ القِيَامِ بِهِ, لَحِقَهَا شَرٌّ كَثِيرٌ, وَفَسَادٌ عَرِيضٌ, وَقَسَتِ القُلُوبُ, وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ وَالبَاطِلُ، وَتَفَرَّقَتْ شَذَرَ مَذَرَ, وَلَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ كَذَلِكَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ([المائدة:78]، ثُمَّ فَسَّرَ هَذَا العِصْيَانَ، فَقَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: )كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ([المائدة:79]، فَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ عِصْيَانِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ, وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعِظَمِ الخَطَرِ فِي تَرْكِ هَذَا الوَاجِبِ الْعَظِيمِ.
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
 إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى أَهْلِ الإِسْلَامِ: أَنْ يَمْتَثِلُوا مَا أَمَرَتْ بِهِ شَرِيعَتُنَا السَّمْحَةُ بِقَدْرِ الاِسْتِطَاعَةِ مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَذَرًا مِنَ الوُقُوعِ فِي عِقَابِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّرَضِيَ اللهُ عَنْهُقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَاتِبَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ الثَّلَاثَ: - المَرْتَبَةُ الأُولَى: الإِنْكَارُ بِاليَدِ مَعَ القُدْرَةِ, وَذَلِكَ بِإِزَالَةِ المُنْكَرِ إِنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِلْحَاكِمِ وَنَائِبِهِ، وَمَنْ لَهُ سُلْطَةٌ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، كَالْوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ القُدْرَةِ وَإِلْزَامِ النَّاسِ بِحُكْمِ اللهِ الوَاجِبِ اتِّبَاعُهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى المَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ الإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ, فَيَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ بِكَلَامِهِ وَلِسَانِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ, وَيُذَكِّرُهُمْ بِدِينِ اللهِ وَشَرْعِهِ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ مَعَ اللِّينِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا]. فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى المَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ: وَهِيَ الإِنْكَارُ بِالقَلْبِ, وَهِيَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، وَأَقَلُّ الأَعْمَالِ فِي الإِنْكَارِ, وَلَا يَنْبَغِي لِلعَبْدِ أَنْ تَضْعُفَ هِمَّتُهُ وَتَقِلَّ قُوَّتُهُ عَنِ القِيَامِ بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ؛ حَتَّى لَا يَتَسَلَّطَ أَهْلُ الشَّرِّ وَالفَسَادِ.
وَقَدْ أَثْنَى اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: )لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ([ال عمران 113- 115]، فَنَحْنُ أَوْلَى -يَا عِبَادَ اللهِ- بِالقِيَامِ بِهَذَا الوَاجِبِ العَظِيمِ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الكِرَامُ:
وَالْآمِرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ المُوَفَّقُ يَتَحَلَّى بِصِفَاتِ الدَّاعِيَةِ الحَكِيمِ الصَّابِرِ المُحْتَسِبِ: فَيَتَحَرَّى الرِّفْقَ وَالْحِكْمَةَ، وَالعِبَارَاتِ المُنَاسِبَةَ وَالطَّيِّبَةَ, مَعَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بِالْمَنْصُوحِ عِنْدَ نُصْحِهِ وَوَعْظِهِ, آخِذًا بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَدِرَايَةٍ بِمَا يَقُولُ, مَعَ الصَّبْرِ فِي دَعْوَتِهِ عَلَى أَذَى النَّاسِ وَمَا يَأْتِيهِ مِنْهُمْ, كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( [النحل:125]، وَقَالَ تَعَالَى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ([يوسف:108]، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «يَنْبَغِي لِلْآمِرِ وَالنَّاهِي: أَنْ يَكُونَ رَفِيقًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ, رَفِيقًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ, عَدْلًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ, عَدْلًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ, عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ, عَالِمًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ». وَلْيَكُنْ نَظَرُ الْآمِرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ فِي ذَلِكَ إِلَى قَاعِدَةِ الشَّرِيعَةِ: وَهِيَ جَلْبُ المَصَالِـحِ وَتَكْثِيرُهَا, وَدَفْعُ المَفَاسِدِ وَتَقْلِيلُهَا, حَتَّى لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى أَمْرِهِ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِ عَنِ المُنْكِرِ مُنْكَرٌ أَعْظَمُ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ, فَيَقَعَ خِلَافُ مَقْصِدِهِ بِالقِيَامِ بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ, وَعَلَى المَنْصُوحِ: قَبُولُ النَّصِيحَةِ مِنَ النَّاصِحِ, وَالتَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى؛ قَالَ تَعَالَى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ([المائدة:2].
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
وَهَكَذَا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ عَلَى عُلَمَائِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ وَفُقَهَائِهِمْ: أَنْ يَتَعَاهَدُوا النَّاسَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ, وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ, وَتَعْلِيمِ الجَاهِلِ, وَإِرْشَادِ الضَّالِّ, وَإِقَامَةِ العَدْلِ، وَإِلْزَامِهِمْ بِالحَقِّ حَتَّى يَسْتَقِيمَ النَّاسُ, وَيَمْنَعُوهُمْ مِنِ ارْتِكَابِ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ, أَوْ أَنْ يَنْتَهِكُوا مَحَارِمَ اللهِ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالقُرْآنِ».



اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا. اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَاجْعَلْ مِصْرَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِالعَدْلِ وَالإِيمَانِ، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات