عالمية الإسلام ( تنزيل من رب العالمين ) د. محمد عامر
العناصر
1- المقدمة
2- الإسلام دين للعالم كله .
3- الحمد لله الذي أنقذه بي من النار .
4- أعظم محاكمة في التاريخ .
5- الدليل على عالمية الإسلام .
6- الله تعالي رب العالمين .
7- النبي محمد رسول العالمين .
8- الكعبة قبلة للعالمين .
9- رسائل النبي محمد إلي الرؤساء والملوك.
10- تبشير النبي بعالمية الإسلام .
11- ماذا قال الغرب عن الإسلام .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما بعد
عباد الله إن الإسلام لم يكن يوماً للعرب ولا للعشيرة والأهل ، ولم يكن القرآن يوماً لبني هاشم ولا لقريش ولا لمكة فهو منذ اليوم الأول يخاطب العشيرة الأقربين ويخاطب قريشاً و يخاطب العرب أجمعين و يخاطب الناس كافة
قال تعالي
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ وقال
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ الحجرات: 13.
إن الإسلام دين عالمي فلا فضلَ لعربيٍّ على أعجمي، ولا لأبيضَ على أسود، ولا على أحمرَ إلا بالتقوى، هذه العالمية لم يَسبقه إليها أيٌّ من الأديان، أو حتى النظريات، أو الدعوات.
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: )) أيها الناس، إنَّ ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمُكم عند الله أتقاكم، ليس لعربيٍّ فضلٌ على عجمي إلا بالتقوى، ألاَ هل بلغت؟ اللهم اشهد، فلْيُبلِّغِ الشاهدُ منكم الغائب)).
فالتَّقوى عند الله هي أساس المفاضلة، وليس اللونَ ولا الجنسَ ولا العِرق ولا الطَّبقة الاجتماعيَّة.
فالإسلام دين عالَمي، ونَبيُّه أُرسِل للناس كافة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سبأ: 28.
انطلاقًا من هذا المبدأ وهذا التكليف بعالميَّة الإسلام؛ انطلق المسلمون الأوائلُ حاملين مَشاعل الهدى؛ ليُضيئوا الدنيا بسَناها، وأيضًا مِن همِّهم استنقاذُ إخوانهم في البشرية مِن الظُّلمات، ومنحُهم النُّورَ المبين سبيلاً؛ فذلك الهمُّ استَقَوه من قدوتهم ونبيِّهم صلى الله عليه سلم، الذي كان يحملُ همَّ البشر جميعًا، ويريد لهم النجاة، الذي عاد غلامًا يهوديًّا مرَّة في مرضه الأخير، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم ذلك الغلام، فخرج صلى الله عليه وسلم مستبشرًا قائلاً: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار))
عباد الله
____
لقد جابَ المسلِمون الأرض؛ شرقَها وغربها إلى سمرقند، وبُخارى، وخوارزم، وسِجِسْتان، والهند، والصين، وغيرها شرقًا وإلى بلاد المغرب العربي وطُليطِلة، وغَرْناطة في الأندلس وقُرطبة التي كانت دُرَّتَها بل ودرَّةَ الدنيا كلِّها، وغيرها حتى المحيط الأطلسي غربًا.
كان ذلك هو هدفَهم الأسمى، وهو شعارهم ودَيدَنهم، وهناك الكثيرُ من القصص التي سُطِّرت بمِدادٍ من نور في صفحات التاريخ الدالَّة على نُبل مَسعاهم ومقاصدهم، ولم يكن الاستيلاء على البلاد أو العباد ولا القتال في حدِّ ذاته هو دافِعَهم كما يُصوِّر البعض.
أهل سمرقند وأعظم محاكمة في التاريخ
______________________
وهنا وقفةٌ مع قصة منها؛ حدثَت مع أهل سمرقند، وقد فتحها قتيبةُ بنُ مسلم، وكانت قد فُتِحت بعد أن صالَح قتيبةُ أهلَها،وولَّى عليها سُليمانَ بنَ أبي السَّرِيِّ، فلما قَدم سليمانُ إلى سمَرْقند قال له أهلُها: إن قتيبةَ ظلَمَنا، وغدَر بنا، وأخذ بلادَنا، وقدأظهر الله العدلَ والإنصاف، فأذَنْ لنا لِيَقدَم وفدٌ منَّا على أمير المؤمنين، فأَذِن لهم، فوجهوا وفدًا منهم إلى عمرَ بن عبدالعزيز، وشكَوْا إليه أمرهم، فكتب عمرُ إلى سليمانَ بنِ أبي السريِّ يقول له: إنَّ أهل سمرقند شكَوْا ظلمًا وتَحامُلاً من قُتيبة عليهم حتَّى أخرجَهم مِن أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلِسْ لهم القاضيَ؛ لِيَنظر فيأمرهم، فإن قَضى لهم فأخرِجِ العربَ مِن مُعسكَرِهم كما كانوا قبلَ أن يَظهَر عليهم قُتيبة، في عصر عمر بن العزيز رضي الله عنه عند فتح سمرقند على يدِّ قائد عظيم قتيبة بن مسلم.
بدأت المحاكمة؟ نادِ الغلام: "ياقتيبة" (هكذا بلا لقب)، فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جَميْعُهم. قال القاضي: "ما دعواك يا سمرقندي؟" قال: "اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويُمهِلنا حتى ننظر في أمرنا". التفت القاضي إلى قتيبة وقال: "وما تقول في هذا يا قتيبة؟". قال قتيبة: "الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية". قال القاضي: "يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟" قال قتيبة: "لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك". قال القاضي: "أراك قد أقررت. وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل". ثم قال: "قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تُترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبقى في سمرقند أحد، على أنْ يُنذِرهم المسلمون بعد ذلك!" لم يُصدِّق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه ؛ فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم. وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبةٍ تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا. فقيل لهم: "إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب"، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به. وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجوّل بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ونتيجةً لهذا الانتشار الهائل للإسلام بين الأمم، وبجانب سطع نجمُ الكثير من الشخصيات غير العربيَّة التي كان لها أثرٌ كبير في تاريخ الإسلام وحاضرِه ومستقبَلِه، فنذكر البخاريَّ من بخارى، صاحبَ أصحِّ كتابٍ بعد القرآن الكريم؛ وهو "صحيح البخاري"، والنَّسائي من نَسا في إقليم خُراسان، والمؤرِّخ والمفسِّر العظيم محمد بن جرير الطبري من طبرستان، و الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وعماد الدين زنكي، وهم أكراد.
وفاتح الأندلس طارق بن زياد، والفيلسوف المؤرخ عالم الاجتماع البحَّاثة ابن خَلدون صاحب "المقدِّمة" الشَّهيرة، والعالم عبَّاس بن فرناس، والرَّحَّالة المؤرِّخ والفقيه ابن بَطوطة صاحب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وهُم من أهل المغرب أو البربر.
كما مزَجت الدولة الإسلامية مختلِفَ الأجناس والأعراق في مُواطنيها، فقد مزَجت أيضًا في أُمرائها وملوكها وحكَّامها بين مختلِف الأجناس والأعراق، فكان منهم العربُ وهم الأمويُّون والعباسيُّون، والمماليك الذين هم أجناسٌ مختلفة، والسَّلاجقة وهم أتراك، والأيوبيُّون الذين هم أكراد، والطولونيون والإخشيديون وهم أتراك، والمرابطون وهم من البربر، والعثمانيون وهم أيضًا أتراك.
ومما يدلل ويؤكد على عالية الإسلام وعلى أنه الدين الذي ارتضاه الله تعالى لجميع الخلق أن :
1- الله تعالى رب العالمين
____________
فلقد جاءت أول آيات المصحف لتؤكد تلك العالمية , وأن الله تعالى رب لكل الناس , وليس رباً للعرب أو المسلمين فقط ,قال تعالى : \" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) سورة الفاتحة .
والعجيب أن سورة الفاتحة التي بدأها الله تعالى بتقريره للحقيقة الكبرى بأنه رب العالمين , تلك السورة أوجب الإسلام على المسلم قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة فرضاً كانت أم نفلاً , وجعلها ركناً من أركان الصلاة تبطل الصلاة بتركه
بل جعل الله قراءة الفاتحة من أسمى سبل المناجاة بين العبد وربه , فعن أبي هريرة رضي الله عنه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : \"الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : "الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.). أخرجه ((أحمد)) 2/241(7289)
.
وقال تعالى : " تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) سورة الحاقة .
ولأن الذي أنزل القرآن هو رب العالمين فقد أنزله هداية ونورا لكل العالمين , قال تعالى : " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) سورة الفرقان.
قال تعالى : " إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) سورة القلم .
قال الزجاج: معنى العالمين كل ما خلق الله
وقال ابن عباس في قوله تعالى )الحمد لله رب العالمين( رب الجن والإنس وقال قتادة رب الخلق كله
.
فالتشريعات والتوجيهات القرآنية جاءت لإصلاح حال جميع الناس مسلمين وغير مسلمين , ولو أن كل أهل الأرض طبقوا منهج القرآن في حياتهم لسعدت البشرية جمعاء .
2- النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول للعالمين
____________________________
كما أن الله هو رب العالمين ’ والقرآن كتاب جاء بالخير والصلاح لكل الناس فإن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم جاء رحمة ونورا لجميع الخلق , قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) سورة الأنبياء .
كما أكد صلى الله عليه وسلم على أنه جاء بالرسالة الخاتمة الهادية لجميع الناس , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ . قِيلَ مَا هُنَّ أَىْ رَسُولَ اللهِ قَالَ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى قَصْرًا فَأَكْمَلَ بِنَاءَهُ وَأَحْسَنَ بُنْيَانَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى الْقَصْرِ فَقَالُوا مَا أَحْسَنَ بُنْيَانَ هَذَا الْقَصْرِ لَوْ تَمَّتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ. أخرجه أحمد 2/411(9326)
3- الكعبة المشرفة قبلة للعالمين
_________________
والكعبة المشرفة كذلك هي قبلة لجميع الخلق ,وبركة وهداية لكل الناس , قال تعالى : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) سورة آل عمران .
ومن رحاب مكة وبجوار البيت الحرام كانت المبادئ الإنسانية التي ودع بها النبي صلى الله عليه وسلم الناس في خطبة الوداع , والتي سبق بها جميع المبادئ والقوانين والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان , ولا عجب إذا بدأها بقوله ( أيها الناس ) , فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ؛قال :سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، قَالُوا : يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ ، وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ ، أَلاَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا ، وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَيَرْضَى بِهَا ، أَلاَ وَكُلُّ دَمٍ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ مَا أَضَعُ مِنْهَا دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي لَيْثٍ ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ، لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ، أَلاَ يَا أُمَّتَاهُ ، هَلْ بَلَّغْتُ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه أحمد 3/426(15592)
4- رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء
________________________________
ومما يدلل كذلك على عالمية هذا الدين رسائل النبي صلى الله عليه وسلم سنة 6 هـ إلى الملوك والرسائل الذين كانوا يحكمون البلاد في عهده صلى الله عليه وسلم , مثل رسالته إلى الملك المقوقس..
( إلى جُرَيْج بـن مَتَّى الملقب بالمُقَوْقِس ملك مصر والإسكندرية، والتي جاء فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط.. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ\" ( سورة آل عمران : 64 ) . انظر : البيهقي : دلائل النبوة، ج 5، ص 4.
وتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حملته العالمية ، فطفق ينتقي أفصح الخطباء والشعراء والدبلوماسيين من أصاحبه، ويبعثهم رسلاً وسفراء إلى الممالك والإمارات والدول والقبائل في آسيا وأفريقيا وأوربا يدعو العالَم المظلم إلى الله:
(1) فبعث دحية بن خليفة الكلبي – وكان أنيقًا وسيمًا -، إلى قيصر ملك الرومان، واسمه هرقل.
(2) وبعث عبد الله بن حذافة السهمي – وكان راسخ الفكر والإيمان متحدثًا بليغًا - إلى كسرى ابرويز بن هرمز، ملك الفرس.
(3) وبعث عمرو بن أمية الضمري – وكان لبقًا ذكيًا-، إلى النجاشي ملك الحبشة، ثم بعثه النبي– صلى الله عليه وسلم – مرة أخرى إلى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ مدعي النبوة ، برسالة، وَكَتَبَ إلَيْهِ بِكِتَابٍ آخَرَ مَعَ السّائِبِ بْنِ الْعَوّامِ أَخِي الزّبَيْرِ فَلَمْ يُسْلِمْ .
(4) وبعث - فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ عمرو بن العاص – داهية العرب -؛ إلى جَيْفَرٍ وَعَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ الجُلَنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ ، ملكي عمان.
(5) وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي، الملك على اليمامة، وإلى ثمامة بن أثال، الحنفيين.
(6) وبعث العلاء بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ.
(7) وبعث شجاع بن وهب الأسدي، من أسد خزيمة، إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني، وابن عمه جبلة بن الأيهم، ملكي البلقاء من عمال دمشق للرومان.
(8) وبعث الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ الْحِمْيَرِيّ أحد زعماء اليمن، وقال : سأنظر.
(9) وبعث العلامة الفقيه معاذ بن جبل إلى جملة اليمن، داعياً إلى الإسلام، فأسلم جميع ملوكهم، كذي الكلاع وذي ظليم وذي زرود وذي مران وغيرهم.
(10) وَبَعَثَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ، إلَى ذِي الْكَلاعِ الْحِمْيَرِيّ وَذِي عَمْرٍو يَدْعُوهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَا وَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ.
(11) وَبَعَثَ عَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ برسالة إلَى الْحَارِثِ وَمَسْرُوحٍ وَنُعَيْمٍ بَنِي عَبْدِ كُلَالٍ زعماء من حِمْيَرَ .
(12) وَبَعَثَ إلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ . وكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِقَيْصَرَ بِمَعَانَ فَأَسْلَمَ وَكَتَبَ إلَى النّبِيّ – صلى الله عليه وسلم – بِإِسْلَامِهِ وَبَعَثَ إلَيْهِ هَدِيّةً مَعَ مَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ وَهِيَ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ وَبَعَثَ أَثْوَابًا وَقَبَاءً مِنْ سُنْدُسٍ مُخَوّصٍ بِالذّهَبِ فَقَبِلَ – صلى الله عليه وسلم – هَدِيّتَهُ وَوَهَبَ لِمَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنِشًا . انظر: السيرة : ابن هشام 4/ 25،وابن سعد : الطبقات 1 / 2.
ولقد أسلم سائر هؤلاء الزعماء العالميين حاشا قيصر وكسرى وهوذة والحارث بن أبي شمر.
5- تبشير النبي صلى الله عليه وسلم بعالمية الإسلام
____________________________
ومن عالمية هذا الدين وانتشاره حتى يعم الأرض كلها بشارته صلى الله عليه وسلم وتبشيره بانتشار الإسلام وفتحه للبلاد والعباد , عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه \"أحمد\" 5/109(21371) وحينما ينتشر الإسلام ويعم أرجاء الكون يصبح الناس جميعاً أخوة لا تفاضل بينهم ولا تمايز إلا بالتقوى والعمل الصالح , ولله در من قال :
إذن فعالمية الإسلام ضرورة من ضرورات هذا الدين , ودليل آكد على تشريعه القويم الصالح لكل زمان ومكان, وما على المسلمين الآن إلا أن يفهموا معنى عالمية الإسلام وأن يسعوا لتبصير الناس بها , حتى تتغير تلك الصورة المشوهة التي أخذها الآخرون عن الإسلام حتى ظنوا أنه دين لا يصلح إلا لأهل البادية فقط , وأنه دين يعادي الحضارة والتقدم ويجافي الرقي والازدهار .
عباد الله
_____
أقول ماتسمعون واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما أعطى واجزل نحمده تبارك وتعالى حمد العارفين الشاكرين الطالبين لمزيد فضله والصلاة على إمام العارفين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ماذا قال الغرب عن الاسلام
_______________
وقد أكَّد على فكرة عالمية الإسلام العديدُ من الغربيِّين
1- فقد قال برنارد شو عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم رسول الإسلام: "لو كان محمدٌ بيننا لحلَّ مشاكل العالم وهو يتناول فنجان قهوة، لا بد أن نُطلِق عليه لقب منقذ الإنسانية، وأعتقد لو وُجد رجلٌ مثله وتولى قيادة العالم المعاصر لنَجح في حلِّ جميع مشاكله بطريقة تجلب السعادة والسلام المطلوبين".
2- قال غينو ( لقد كانت الثقافة الإسلامية منبع نور وهداية، ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظل الغربيون يتخبطون في دياجير الجهل والظلام).
3- وقال ( دريبر: (إن جامعات المسلمين كانت مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا إليها من بلادهم لطلب العلم، وكان ملوك أوربا وأمراؤها يَفِدُون على بلاد المسلمين ليعالجوا فيها.
4- يقول (مهاتما غاندي) في حديث لجريدة (ينج إنديا): (أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.
5- ويقول (مايكل هارت) في كتابه (مائة رجل في التاريخ): (إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي، فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة ولكنهم ماتوا دون إتمامها كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته، ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً وحَّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم، أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها).
6- ويقول الدكتور (شبرك) النمساوي: (إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنه رغم أُميته، استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمته).
وقد أُنزِل القرآن بلسمًا للزمان، فأخرج الناس من غياهب وتيه الظلمات إلى النور المبين، انتشلهم من جاهليةٍ جهلاء، إلى شريعة عَصماء؛ شفاءً لعِلَلِهم، وبُرءًا لأرواحهم وعقولهم وقلوبهم، وأُرسل نبيُّ الإسلام هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ضمَّخ أرجاءَ وفسحات الزمان والمكان بالرَّحمات؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107.
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.