أمانة الكلمة للشيخ أحمد أبو عيد









الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع، ويخفض ويرفع ويضر وينفع، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار، ويقبل الأعذار، وكل شيء عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
يا أيها الماء المهين من الذي سواك

**
ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا

ومن الذي غذاك من نعمائه

**
ومن الكروب جميعها نجاكا

ومن الذي شق العيون فأبصرت
      
**
ومن الذي بالعقل قد حلاكا

ومن الذي تعصي ويغفر دائما

**
ومن الذي تنسى ولا ينساكا

أإله مع الله تعالى الله عما يشركون

وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، خير البريَّة أقصاها وأدناها وهو أبرُّ بني الدُّنيا وأوفاها صاحب الحوض المورود واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرَّة والتحجيل، المذكور في القرآن التوراة والإنجيل.
صلى الله عليه وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين وارض اللهم عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولا: تعريف الكلمة                                           ثانيا: مكانة الكلمة الطيبة
ثالثا: مجـالات الكلمــة                                       رابعا: عاقبة الكلمة الخبيثة
خامسا: نماذج على الكلمة الطيبة والخبيثة
الموضـــوع
أولا: تعريف الكلمة
هي التي تسر السامع وتؤلف القلب
هي التي تحدث أثرا طيباً في نفوس الآخرين
هي التي تثمر عملاً صالحاً في كل وقت بإذن الله
هي التي تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر....
والكلمة الخبيثة على العكس من ذلك
ثانيا: مكانة الكلمة الطيبة
أمر الله بها: قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء/8].
وقال تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء/28].
وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة/83] .
وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء/23]
قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿43﴾ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه/43، 44].
عظم الله من مكانة الكلمة الطيبة : قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾ ابراهيم
 بها يتفاضل المسلمون: وعن أَبي موسى -t-قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ أَيُّ المُسْلمِينَ أفْضَلُ؟ قَالَ ﴿مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ﴾ ﴿[1]
بها تستقيم الاعضاء أو تعوج: وعن أَبي سعيد الخدري -t-، عن النبيِّ -r-قَالَ: ﴾إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا، فَإنَّما نَحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإنِ اعوجت اعْوَجَجْنَا﴾ ﴿[2]، معنى: ﴿تَكْفُرُ اللِّسَانَ﴾: أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ
الكلمة الطيبة شعبة من شعب الإيمان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: ﴿مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ  بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ﴾ ﴿[3]
الكلمة الطيبة سمة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم : قال تعالى: ﴿وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما﴾ الفتح.
الكلمة الطيبة صدقة: عن أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَو يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ﴾ ﴿[4]، قال ابن عثيمين رحمه الله: ﴿الصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل﴾﴿[5]
أنها تؤلف القلوب وتصلح النفوس: وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعر بالرضا والسعادة لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة ، فعن أبي ذر قال قال رسول الله r﴿ تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة...﴾ ﴿[6]
تلين القلب القاسي: قال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت/335].  فمما يتحقق به الرد الحسن: الكلمة الطيبة.
أنها توافق الشرع الحنيف: فتدعو إلى ما يعزز التوحيد وينافي البدع والمنكرات والشهوات والشبهات ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فصلت
بالكلمة الطيبة تتحقق المغفرة: قال r: ﴿إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ﴾﴿[7]
تصعد إلى السماء:  فتفتح لها أبواب السماء، وتقبل بإذن الله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فاطر.
إنها من هداية الله وفضله للعبد :  قال تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴿24﴾فاطر.
البعد عن النار: وعن أَبي الدرداء -t-، عن النبيِّ -r -قَالَ: ﴾مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَومَ القيَامَةِ﴾ ﴿[8]
توجب رضوان الله: وعن أَبي عبد الرحمن بِلالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ -t-: أنَّ رسول الله -r -قَالَ: ﴿إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَومِ يَلْقَاهُ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ الله لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ﴾ ﴿[9]﴾.
الكلمة الطيبة سبب دخول الجنة:  عن عبد الله بن عمر t عن النبي r قال ﴿إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام﴾ ﴿[10]
وعن سهل بن سعد، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ -r-: ﴾مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ﴾ ﴿[11] ، وعن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قلت يا رسول الله حدثني بشيء يوجب لي الجنة. قال: ﴿موجب الجنة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الكلام﴾ ﴿[12] والجزاء من جنس العمل، فلما كانت الكلمة الطيبة سجية لهم دخلوا الجنة فلم يسمعوا فيها إلا الطيب الذي لا يؤذيهم. قال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴿25﴾ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ [الواقعة/25، 26]، أي: لا يسمعون في الجنة كلامًا لاغيا، أي: غثا خاليا عن المعنى، أو مشتملا على معنى حقير أو ضعيف، ولما كانت خمر الدنيا حاملة على بذيء الكلام قال تعالى في نعت خمر الآخرة: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ ﴿الطور/23
الكلمة الطيبة انتصار على الشيطان:
قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء/53].
 أي: وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام. إن الشيطان كان للإنسان عدوًا ظاهر العداوة. فالشيطان حريص على إفساد ذات بيننا
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -r-يَقُولُ ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِى التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ﴾ ﴿[13]، والتحريش: الإفساد بينهم، فمن رد بالكلمة الطيبة أخزى الشيطان.
سبيل للنجاة من الفتن: وعن عقبة بن عامرٍ -t-قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ:
 ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ﴾ ﴿[14]
عن عدي بن حاتم قال ذكر رسول الله r النار فأشاح بوجهه وتعوذ منها ذكر شعبة أنه فعله ثلاث مرات ثم قال اتقوا النار ولو بشق التمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة﴾ ﴿[15]
بها تكون النجاة من النار: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ r النَّارَ فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿اتَّقُوا النَّارَ﴾، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ ﴿[16]
اخيرا: كل ما أمر الله به من الكلم يعد طيبا فلابد من الالتزام به ....
ثالثا: مجـالات الكلمــة
أيها المسلمون، ما أجمل أن يكون الإنسان ذا كلمة طيبة مع الناس جميعاً، من عرف ومع من لم يعرف، ولكن أجمل الجميل أن تكون مع أخص الناس به.
الكلمة الطيبة مع الوالدين : ولو قسواْ وأغلظا في الكلام والتعامل؛ فإن لهما حقاً في حسن الخطاب، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ [الإسراء: 23].
الكلمة الطيبة بين الزوجين:  أفضل من التراشق بالألفاظ الجارحة، والكلمات النابية التي قد توصل إلى ما لا تحمد عقباه.
الكلمة الطيبة بين الإخوة والأخوات والأقارب والأرحام: والكلمة الطيبة بين الجيران في المنازل والأسواق والوظائف وأماكن العمل. والكلمة الطيبة بين المدير وموظفيه والمعلم وتلاميذه، والكلمة الطيبة بين السائقين والراكبين، وبين الباعة والمشترين. والكلمة الطيبة من الغني للفقير ومن رب المال للسائل بدلاً من النهر والمنِّ ورفع الأصوات بالطرد.
قال تعالى: قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 10]. وقال: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 263].
الكلمة الطيبة حتى مع الكافر:  قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 344]، قيل: تصدى رجل للرشيد فقال: إني أريد أن أغلظ عليك لي في المقال، فهل أنت محتمل؟ قال: لا؛ لأن الله تعالى أرسل من هو خير منك إلى من كان شراً مني! فقال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً  لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44].
الكلمة الطيبة مع الحيوان: عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأسلمي قَالَ بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ إِذْ بَصُرَتْ بالنبي -r-وَتَضَايَقَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَقَالَتْ حَلْ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. قَالَ فَقَالَ النَّبِىُّ r ﴿لاَ تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ﴾ ﴿[17]، قَوْله: ﴿حَلْ﴾: وَهِيَ كَلِمَةٌ لِزَجْرِ الإبِلِ.
الكلمة الطيبة مع الجماد: عن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند النبي r فقال: ﴿ لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ﴾ ﴿[18]
إذن أيها المسلم، ليس هناك مجال للكلمة الخبيثة في حياة المسلم

رابعا: عاقبة الكلمة الخبيثة
لا أصل لها: يقول الله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴿26﴾﴿إبراهيم﴾ فصوَّر الكلمة الخبيثة بأنها شجرة خبيثة في هيئتها ومنظرها وطعمها ومذاقها، ومع ذلك فلا أصل ثابت لها، وليس لها فرع في السماء، وإنما هي مقوضة الجذور، لا قرار لها ولا استقرار، فقد اقتلعت من فوق الأرض، لأن الذي يثبت من له جذور ممتدة، وأغصان ثابتة، ومن هنا افترقت الشجرتان، فلا تنفع في أي مكان قيلت فيه.
يقول ابن القيم: ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة، فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فلا عرق ثابت، ولا فرع عال، ولا ثمرة زاكية، فلا ظل ولا جني ولا ساق قائم، ولا عرف في الأرض ثابت، فلا أسفلها مغدق، ولا أعلاها مونق، ولا جني لها ولا تعلو بل تعلى، وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكسبهم، وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه.
حذر الله من الكلمة السيئة باي وسيلة: قال تعالي﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿11﴾ الحجرات.
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبيّ -r -: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا. قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً، فقالَ: ﴾لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ!﴾ قالت: وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَاناً فَقَالَ: ﴿مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْساناً وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا﴾ ﴿[19]  ، ومعنى: ﴾مَزَجَتْهُ﴾ خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ ننتنها وَقُبْحِهَا.
من علامات الجاهلية: عن المعرور بن سويد t قال﴿ رأيت أبا ذر بالربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله قال فقال القوم يا أبا ذر لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة كسوت غلامك ثوبا غيره قال فقال أبو ذر إني كنت ساببت رجلا وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكاني إلى رسول الله r فقال يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية فقال إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ﴾ ﴿[20]
توجب سخط الله: عن بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ ﴿إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
 بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ﴾ ﴿[21]
من أكبر الكبائر : قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ الفرقان.
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -r-فِى الْكَبَائِرِ قَالَ﴿الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَقَوْلُ الزُّورِ﴾﴿[22]
وعده الله بالويل: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ ﴿أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ﴾. قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ﴿ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ﴾. قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ ﴿إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ﴾ ﴿[23]، وقال تعالى ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ الهمزة
سواد الوجه يوم القيامة: قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿60﴾ الزمر.
سبب لدخول النار: وعن مُعَاذٍ -t-قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ؟ .............. ثُمَّ قَالَ: ﴾ألاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ!﴾ قُلْتُ: بلَى يَا رَسولَ اللهِ، فَأخَذَ بِلِسانِهِ وقال: ﴾كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا﴾ قُلْتُ: يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: ﴾ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟﴾ ﴿[24].
واخيرا: ان كل ما نهي الله عنه من الكلام يعد خبيث فلابد من اجتنابه....
خامسا: نماذج على الكلمة الطيبة والخبيثة
الملائكة: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿30﴾ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿33﴾
عيسى u: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ﴿117﴾ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿118﴾ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿119﴾ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
النبي r: قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿24﴾ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿25﴾ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴿26﴾ سبأ.
نوح u: قال تعالي﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿25﴾ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴿26﴾ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴿27﴾ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴿28﴾ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴿29﴾ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿30﴾ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿31﴾ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿32﴾ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴿33﴾ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿34﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ﴿35﴾ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿36﴾ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴿37﴾هود.
عبد الله وصاحب النخلة: مر ذات يوم وهو في طريقه للمسجد لأداء صلاة الظهر مر برجل صاعد على النخل فناداه وأمره بالصلاة فقال له خيراً فانشغل فناداه مرة أخرى وقال له أما سمعت الآذان انزل يا حمار ، فما كان من الرجل إلا أن نزل وما كان من عبد الله إلا أن حط رجله وولى هارباً ،ثم جاء العصر ورأى الرجل على النخلة فقال لماذا لا أغير أسلوبي معه، فناداه وسلم عليه وسأله عن أحواله ثم قال له: لعلك لم تسمع صلاة العصر ، فنزل وشكره وقال له : لست مثل ذلك الحمار الذي جاءني في صلاة الظهر، وسبحان الله الرجل هو نفسه ولكن الأسلوب تغير، فطبيعة النفوس تحب المدح.
بلقيس : كانت بلقيس ملكة كافرة لها عرش عظيم وتسجد وقومها للشمس من دون الله؛ لكنها
مع هذا الكفر كانت صاحبة أدب ومنطق حسن، هذا الأدب يظهر جليا في وصفها للكتاب الذي أُلقي
إليها :﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
فوصفت هذا الكتاب بأنه كريم، فانظر بماذا عاد عليها هذا الأدب وحسن اختيار الألفاظ والعلم عند الله :﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿النمل﴾
آسيا امرأة فرعون : في وجه زوجها الطاغية الذي أضناه البحث عن موسى حتى إذا وقع بين يديه قالت له كما حكى الله تعالى عنها :﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. فسلم الرسول بإذن الله وتم أمر الرسالة وفق حكمة الله، وكان جزاء هذا المرأة أن ضربها الله مثلا للذين آمنوا :﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
مصعب بن عمير t: خرج إلى المدينة داعياً إلى الله تعالى، وفي يوم من الأيام بينما كان جالساً مع أسعد بن زرارة جاءهما أسيد بن حضير فقال لهما: ﴿ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره، فقال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام، وتلا عليه القرآن. قال أسيد: فو الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! ثم جاء سعد بن معاذ فقال مثل ما قال أسيد، فقالا له: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال: قد أنصفت، ثم ركز حربته فجلس. فعرض عليه الإسلام فأسلم، ثم أخذ حربته فأقبل إلى نادى قومه، فلما رأوه قالوا: نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة﴾. لقد كلمة مصعب الطيبة آسرة لهذين الخيِّرين رضي الله عنهما حتى أسلما، ثم سمعتم كيف كانت نتيجة إسلامهما بين قومهما.
الملك وزارع الزيتون: يحكى أن ملكا أعلن في دولته أن من يقول كلمة طيبة فسيمنحه أربعمائة دينار، وفي يوم كان الملك يسير بحاشيته في المدينة ورأى فلاحاً عجوزاً في التسعينات من عمره وهو يغرس شجرة زيتون، فقال له الملك لماذا تغرس شجرة الزيتون وهي تحتاج إلى عشرين سنة لتثمر وأنت عجوز في التسعين من عمرك، وقد دنا أجلك !!
فقال الفلاح العجوز: ...السابقون زرعوا ونحن حصدنا ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون.
فقال الملك أحسنت فهذه كلمة طيبة فأمر أن يعطوه أربعمائة دينار فأخذها الفلاح العجوز وابتسم.
فقال الملك: لماذا ابتسمت؟ ، فقال الفلاح: شجرة الزيتون تثمر بعد عشرين سنة وشجرتي أثمرت الآن، فقال الملك: أحسنت أعطوه أربعمائة دينار أخرى، فأخذها الفلاح وابتسم.
فقال الملك: لماذا ابتسمت، فرد الفلاح: شجرة الزيتون تثمر مرة في السنة وشجرتي أثمرت مرتين.
فقال الملك: أحسنت أعطوه أربعمائة دينار أخرى ثم تحرك الملك بسرعة من عند الفلاح
فقال له رئيس الجند: لماذا تحركت بسرعة؟
فقال الملك: إذا جلست إلى الصباح فإن خزائن الأموال ستنتهي وكلمات الفلاح العجوز لا تنتهي
وكذلك الكلمات الطيبة لا تنتهي ولها أبواب كثيرة، فاغتنموا أوقاتكم، واحفظوا ألسنتكم.
الإمام أحمد بن حنبل: يقول أبو عبد الله بن خزيمة قال: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداً  فبت من ليلتي فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له: يا أبا عبد الله أي مشية هذه؟ قال: مشية الخدام في دار السلام. قال قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب وقال لي: يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي غير مخلوق. ﴿[25]
الكلمة السيئة تعود على أهلها بالسوء والشر فبل أن تعود على غيرهم وتؤثر في سواهم.
انظر ماذا قال اليهود عليهم من الله ما يستحقون وتعالى الله عما يقولون :﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ فانظر كيف رد الله عليهم ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ المائدة، وقال بعض المنافقين في غزوة تبوك ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ فكانت النتيجة ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿49﴾ التوبة.
فالحروف هي الحروف تستخدمها نفسها عند الكلام فشتان بين من ألف بين حروفه وجمع بين كلماته وأخرج للكون كلمة طيبة نافعة وطيبا مطيبا يعود أثرها عليه قبل أن يعود على غيره وبين من ربط بين حروفه وكلماته برباط سوء فكانت كلماته شرا مستطيرا وريحا عقيما يذوق شرها وتلفحه سمومها قبل أن تنال غيره.
اللهم وفقنا للطيب من القول واصرفنا وأصرف عنا سيء الأقوال والأعمال والنيات.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
%%%%%%%%


([1]) متفق عليه   
([2]) صحيح سنن الترمذي   
([3]) متفق عليه   
([4]) صحيح البخاري   
([5])شرح رياض الصالحين 1/290
([6]) السلسلة الصحيحة   
([7]) صحيح مسلم  
([8]) صحيح سنن الترمذي   
([9]) صحيح الترغيب والترهيب   
([10]) صحيح الترغيب والترهيب   
([11]) متفق عليه   
([12]) صحيح الترغيب والترهيب   
([13]) صحيح مسلم  
([14]) صحيح سنن الترمذي   
([15]) صحيح سنن الترمذي   
([16]) متفق عليه   
([17]) صحيح مسلم  
([18]) صحيح مسلم  
([19]) صحيح سنن الترمذي   
([20]) صحيح الترغيب والترهيب   
([21]) صحيح سنن الترمذي   
([22]) صحيح مسلم  
([23]) صحيح مسلم  
([24]) صحيح سنن الترمذي   
([25]) حلية الأولياء  

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات