الميثاق الغليظ وضرورة الحفاظ عليه لوزارة الاوقاف




 الحمد لله رب العالمين ، القائل في كتابه الكريم : {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم مين الطيبات أفالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما بالغا يناسب مكانتها ودورها في بناء المجتمع، فهي اللبنة الأولى في بنائه ، بها قوامه وقوته ، وفي ظلها تتلاقی مشاعر المحبة والمودة، والسكن والرحمة ، وهي ركيزة البناء وعمارة الأرض ، فصلاح الأسرة واستقرارها يعني صلاح المجتمع واستقراره ، وضياعها يعني ضياع المجتمع وانهياره.
لذا حرص الإسلام حرصا شديدا على سلامة الأسرة وحمايتها ، فحث على بنائها بناء سويا من خلال الزواج الشرعي ، الذي هو آية من آيات الله (عز وجل) ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، بل جعله سنة من سن الأنبياء ، فقال سبحانه: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية، وهو كذلك سنة من سنن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ففي الحديث : (... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
وإذا كان الزواج هو الطريق الشرعي لاستمرار الحياة البشرية فإن عقد الزواج من العقود المهمة في الإسلام ، ولأهميته وصفه الحق سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ، فقال تعالى : {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأځذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا }، والمراد بالميثاق الغليظ هنا : هو العهد الذي أُخذ للزوجة على زوجها عند عقد النكاح ، وما يتضمنه من حق الصحبة والمعاشرة بالمعروف ، وغير ذلك مما أقر به الرجل .
إن وصف العلاقة الزوجية ب" الميثاق الغليظ" يدل دلالة واضحة على قوته وعظمته وأهمية الحفاظ عليه والوفاء به ، فعقد النكاح ليس عقدا عاديا ، إنما هو میثاق ، وليس ميثاقا عادیا ، إنما هو میثاق غليظ ، حيث يقول الحق سبحانه : {وأخذن منكم ميثاقا غليظا}، أي أنه بعقد النكاح يحصل هذا الميثاق الذي يقضي بحسن العشرة والمعاملة الطيبة ، وفي موضع آخر أطلق القرآن الكريم على الزواج {عقدة النكاح ، فهو أمر محکم شديد الإحكام ينبغي الحفاظ عليه ، وعدم حل عقدته أو نقض میثاقه إلا بحقه ، وفي الضرورة القصوى التي يستحيل معها استمرار الحياة الزوجية ، حفاظا على الأسرة وكيانها ، وحفاظا على الأبناء وحقوقهم ، والمجتمع وتماسكه.
والمتأمل في وصف عقد النكاح بالميثاق الغليظ يجد أنه هو الوصف ذاته الذي وصف الله به الميثاق الذي أخذه على النبيين ، يقول سبحانه : {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسی وعیسی ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا. ولكي يؤتي هذا الميثاق الغليظ في النكاح ثمرته المرجوة لا بد من مراعاة عدة أمور :
* حسن العشرة ودوام المودة بين الزوجين ، واحترام كل منهما الآخر ، فإن المودة والألفة هي قوام الأسرة ، ومن مظاهرها حسن العشرة ، ولزوم الطاعة فيما يرضي الله تعالى ، والتواصي بين الزوجين بالخير ، وحسن الخلق ، واحتمال كل من الطرفين للطرف الآخر، فالحياة الزوجية لن تستقر على دعائم متينة من الحب والألفة إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين الزوجين ، فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخير الناس خيرهم لأهله.
والعلاقة الزوجية المستقرة هي التي تبني على سن العشرة والمودة ، قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا }؛ لذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم : (ما يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كرة منها خلقا رضي منها آخر) ، فالعشرة الطيبة معيار مهم يجب ألا ينساه الزوجان ، وهذا ما أكد عليه قوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، ونبينا (صلی الله عليه وسلم يقول : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، ويقول (صلی الله عليه وسلم) : (دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودینار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك) ، ويقول (صلی الله عليه وسلم) لسيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) : ( وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك) ، فالميثاق الغليظ يقتضي حسن العشرة بين الزوجين وأن تقوم حياتهما على الصدق والوفاء ، وعلى الحب والتفاهم.
* المحافظة على أسرار الحياة الزوجية ، فبما أن الزواج رباط مقدس بين الزوجين، قائم على المودة والرحمة ، فلا بد أن تظل أسرار البيوت طي الكتمان ، لا يطلع عليها الأهل والأصدقاء ، وقد حرص الإسلام على حفظ أسرار الحياة الزوجية ، وعدم الحديث عنها من أي منهما في مجالسهما الخاصة أو بين أصدقائهما ، صونا للعلاقة بين الزوجين ، ورعاية للأسرة ، وصيانة لكرامتها وتقوية لدعائمها حتى تستقر على أسس سليمة ، فالأسرار الزوجية أمانة ، وإفشاؤها خيانة .
وقد أمر الإسلام كلا الزوجين أن يحفظ سر الآخر، وأن يكون ساترا لعيوبه ، محافظا على خصوصياته ، حيث وصف الحق سبحانه وتعالى العلاقة بينهما باللباس ، فقال سبحانه : {هن باس لكم وأنتم لباس لهن)، ذلك أن كلا الزوجين يسكن إلى صاحبه ، ويكون من شدة القرب منه كالثوب الذي يلبسه ، لذا لا يجوز لأي من الزوجين أن يفشي سر صاحبه ، فنبينا (صلی الله عليه وسلم يقول : (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)، ويقول (صلی الله عليه وسلم) : (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها). فعلى كل من الزوجين أن يحافظ على أسرار بيته ، حتى لا يترتب على إفشائها ضرر على الأسرة كلها ، حيث يقول نبينا (صلی الله عليه وسلم) : (لا ضرر ولا ضرار)؛ لأجل ذلك يتطلب الميثاق الغليظ أن يحفظ كل من الزوجين أسرار الحياة الزوجية ، لأنها رباط مقدس به بني الأسرة ، ومن ثم يبني المجتمع السليم.
* الإحساس بالمسئولية تجاه الأبناء ، وأنهم أمانة يجب الحفاظ عليها ، وإدراك أن الطلاق قد يتسبب في ضياعهم وتشردهم ، يقول نبينا : (صلی الله عليه وسلم) :
كلكم راع ومسئول عن رعيته الامام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته) ، كما أن الإسلام يحمل الوالدين مسئولية حفظ الأبناء، حيث يقول (صلی الله عليه وسلم : (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) ، فإنه قد جعل العناية بهم والإنفاق عليهم باب خیر کبیر ، فقد مر على النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل، فرأي أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) من جلده ونشاطه ما عجبهم، فقالوا: یا رسول الله، وكان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم : ( إن كان خرج سعي على ولد صغارا فهم في سبيل الله ، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى على نفسع يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان ).
وحين لا يقدر الإنسان مسئوليته تجاه أبنائه فيهملهم أو يضيعهم أو يتوانى في الوفاء بحقهم في التربية والإنفاق فإنه يبوء بذنب عظيم ، حيث يقول نبينا (صلی الله عليه وسلم) : (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول).
* إدراك خطورة الطلاق بنقض الميثاق الغليظ ، وعدم التهديد بالطلاق والتلاعب به وعدم التسرع في طلبه أو التسبب فيه ، فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح ، والطلاق ، والرجعة)، وقال أيضا: (أيما امرأتي سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، وقال (صلی الله عليه وسلم): (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده) وخبب: خدع وأفسد ، فإذا وقع الطلاق من غير ضرورة انهارت الأسرة ، وتشرد الأبناء.
فالميثاق الغليظ يتطلب المحافظة عليه ، وأن يدرك كل من الزوجين خطورة الطلاق ، فالطلاق ليس لعبة يلعب بها أحدهما ويهدد بها الآخر في كل كبيرة وصغيرة ، كما يتطلب الميثاق الغليظ أيضا أن يتحمل كل من الزوجين الآخر، وأن يصبر عليه ، ويرضى بما قسم الله تعالی له .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
************************
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سیدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإسلام:
إذا كان الزواج هو الطريق المشروع الاستقرار الأسرة فإنه قد تحدث بعض المشكلات التي تهدد استقرار الأسرة وبنيان المجتمع ، وعلى رأسها ظاهرة الطلاق ، التي قد ينتج عنها آثار سلبية أخطرها تشرد الأبناء وضياعهم ، لذا يجب أن نأخذ الحذر من الأسباب المؤدية إليه ، ومن أهمها :
الاختيار غير المناسب ، فالإسلام قد وضع ضوابط وأسسا يجب أن يقوم عليها اختيار كل من الزوجين للآخر، في مقدمتها الدين والخلق، يقول نبينا (صلی الله عليه وسلم) : (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدین تربت يداك) ، ويقول (صلی الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ، فعندما يضعف الدين والخلق تختل الموازين وتضطرب أمور الحياة .
ومنها : إكراه المرأة أو الفتاة على الزواج ؛ لتحقيق مصلحة مادية ، أو بلوغ مطمع دنیوي ، فقد جاءت فتاة إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) فقالت : ( إن أبي زوجني ابن أخيه يوقع بي خسیسته ، وإني كرهت ذلك ، فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكرت ذلك له، فجعل أمرها إليها ، فقالت : إني أجزت ما صنع والدي ، إنما أردت أن أعلم هل النساء من الأمر شيء أم لا؟).
ومن الأمور التي تسهم في ارتفاع نسبة الطلاق : زواج القاصرات ، اللاتي لا يعرف شيئا عن مفهوم الزواج ، وحقيقته ، وأهدافه ، والحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين ، فهذا النوع من الزواج معول هدم للأسرة ، حيث ينتشر الطلاق بسبب فقدان المودة والمحبة والسكن بين الزوجين، وتتمزق أواصر الأسرة ، كما أنه يعمل على إعاقة تقدم المجتمع بما ينتج عنه من أطفال وأجيال تهدم ولا تبني ، وتفسد ولا تصلح ، وتخرب ولا تعمر .
ومنها: غياب الدور التوجيهي الصحيح للآباء والأمهات ، فإن ابتعاد الآباء عن رعاية أبنائهم وإلقاء كل طرف اللوم والمسئولية على الطرف الآخر يتسبب في ضياع الأبناء وتشرد الأطفال ، وحينئذ تنهار الأسرة وينحل رباطها ، مما يؤثر سلبا على المجتمع وتماسك لبناته .
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يصون العهد ويفي بالوعد ، وانشر على بيوتنا السعادة والسكينة
والأمان والمودة والرحمة والاطمئنان ، وهيئ لنا من أمرنا رشدا.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات