أوقفوا نزيف الطلاق للشيخ ماهر خضير
وقفات الخطبة
الوقفة الأولى :- شرع
الله جاء رحمة للعباد (يريد الله بكم اليسر)
الوقفة الثانية :-
المشاكل الزوجية وكيف عالجها القران الكريم
الوقفة الثالثة :-
نداء وكلمة الى من يريد الطلاق
الحمد لله الذي خلق
لنا من أنفسنا أزواجاً , وأدخلنا في دينه أفواجاً , وارتضى لنا الإسلام شريعة ومنهاجا
. وأشهد أن لا إله إلا الله المضل الهاد... المنزه الذات عن الأشباه والأنداد... خلق
سبع سموات طباقًا بغير عماد...ومن الأرض مثلهن وأرسى الجبال كالأوتاد... وأشهد أن سيدنا
محمدًا عبده ورسوله سيد الأسياد...سيد الأولين والآخرين من حاضرٍ وبادٍ، خير من دعا
وهدى وبالخير العظيم جاد... أما بعد
عبدالله هل ذهبت يوما
من الأيام الى احدى المحاكم ؟ وتفحصت عدد القضايا في احدى القاعات؟
ياترى ما هو اول شيئ
لفت نظرك وشد انتباهك ؟وأخذ بلب عقلك وفكرك؟
واسمح لى أن اجيب على
هذا السؤال ..أكثر وأول ما يشد انتباهك هو كمية القضايا وعددها المهول ولكن المؤسف
أن أكثر القضايا الان هي قضايا الطلاق
فهناك 240 حالة طلاق
يوميا بما يعادل عشر حالات طلاق في الساعة في مصر على حسب مركز معلومات مجلس الوزراء
في 2016 وهى إحصائية مرعبة والمحزن ان النسبة في ارتفاع حيث ارتفعت بنسبة 15% من
2016 وحتى 2017
نعم عباد الله إن من
رحمة الله تعالى بنا وحكمته أن شرع الطلاق بين الزوجين، وجعله حلاًّ إذا تعسَّرت مسيرة
الحياة بينهما وإذا أراد كل منهما أن يُبْقي على ما بينهما من بقايا احترام متبادل،
بأن يقع التفريق بينهما بالمعروف؛ ذلك أن الاستمرار في حياة أسرية فاشلة -يَفْقِد كل
منهما فيها احترامه للآخر- من شأنه أن يهدم دعائم الأسرة وأن يقضي على الأبناء قضاءً
متحتمًا في ظل حياة لا تستقيم فيها العلاقة بين أبيهم وأمهم.
إلا أن عددًا غير قليل
من المسلمين لا يلقي بالاً لأمر الطلاق، ولا يتعامل معه على هذا الأساس، ولا يراه آخر
العلاجات التي يلجأ إليها الزوجان في سبيل حلّ شؤونهم الأسرية، فالطلاق -رغم أنه رحمة
كبرى للأسرى في بعض الأحيان- إلا أنه قد يكون معولاً من معاول الهدم في أحيان كثيرة
إن أسيء استخدامه
وما من شك أن الطلاق
حكم شرعي ننظر إليه على أنه حكم شرعي بالرضا والتسليم فحكم الله حق وحكم الله خير وحكم
الله أحسن الأحكام وأقومها وأعدلها ولكن الشرع الحكيم جعله أخر الحلول وسبقه بتوجيهات
عظيمة يكفل تطبيقها ندرة الطلاق وقلته ، فأمر بالعشرة بين الزوجين بالمعروف والإحسان
بكلام حسن وعفّة لسان ، وفعلاً : بمعاملة كريمة . لقوله تعالى : " وعاشروهنّ بالمعروف
فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ، وقد كَثُرَ
الطَّلاَقُ حِينَمَا صَارَ الأَزْوَاجُ لاَ يَغْفِرُونَ الزَّلَّةَ، وَلاَ يُقِيلُونَ
الْعَثْرَةَ، وَلاَ يَسْتُرُونَ الْعَوْرَةَ؛ فَإِنَّ بَقَاءَ الْبُيُوتِ بِأَهْلِهَا
يَحْتَاجُ إِلَى الإِغْضَاءِ عَنْ بَعْضِ الْهَفَوَاتِ، وَالصَّفْحِ عَنِ الزَّلاَّتِ،
وَالتَّغَافُلِ عَنْ جَانِبٍ مِنَ الْهَنَاتِ، فَلَئِنْ عَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ
فِي الآخَرِ خُلُقاً فَفِيهِ أَخْلاَقٌ أُخْرَى يَرْتَضِيهَا قال النبي – صلى الله
عليه وسلم - : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، أن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر
" أخرجه مسلم . وروى أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه عن النبي
–صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع ،
وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا
بالنساء " . وقال عليه الصلاة والسلام : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم
لأهله " صححه الألباني
وحث على التغاضي والصفح،
وأمر بالحلم والصبر، وأمر بعدم التمادي مع الغضب أو اتخاذ القرارات في فورة الغضب.
وأمر بصون الزوجة والغيرة
عليها واحترامها : والغيرة على الزوجة أمر فطري في النفوس ، سأل سعد بن عبادة – رضي
الله عنه – رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال : " لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته
بالسيف غير مُصْفَح ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم : " أتعجبون من غيرة سعد
، لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله ، حرم الفواحش ما ظهر منها وما
بطن " . أخرجه البخاري .
قال الإمام ابن القيم
- رحمه الله – في كتابه روضة المحبين ، بعد أن ذكر أنواعاً من الغيرة منها المحمود
والمذموم : وملاك الغيرة وأعلاها ثلاثة أنواع :
1 – غيرة العبد لربه أن تنتهك محارمه وتضيع حدوده .
2 – وغيرته على قلبه أن يسكن إلى غيره وأن يأنس بسواه .
3 – وغيرته على حرمته أن يطّلع عليها غيره .
فالغيرة التي يحببها
الله ورسوله دارت على هذه الأنواع الثلاثة وما عداها فإمّا من خدع الشيطان ، وإمّا
بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوج عليها.
أيها المسلمون: الإسلامُ
كرِه الطلاق ونفَّر منه، وفي الحديثِ: "ما أحلَّ اللهُ شيئًا أبغض إليه من الطلاقِ".
رواه أبو داود بإسنادٍ متصلٍ صحيحٍ عن معروف بن واصِل، عن مُحارِبٍ، عن دِثارٍ، عن
ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا.
ولكن حين تكون الحاجةُ
إليه فهو داءٌ مُرٌّ، أباحَه الإسلام بضوابطه؛ إذ الحياة الزوجية والمعيشة الأُسرية
لا بُدَّ لها من أحد طريقين صالحين ناجِحين: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]، (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)
[النساء
وتعالوا بنا لننظر
الى القرآن الكريم وكيف عالج المشاكل الزوجية فى مهدها
أيها المسلمون: الزوجان
شريكان لا غريمان، ما كان في مصلحة الزوج فهو في مصلحة الزوجة، وما كان في مصلحة الزوجة
فهو في مصلحة الزوج، ومن بعدهما مصلحة الأُسرة والأقارب والمُجتمع، فتعاوُنهما تبادُلٌ
للمصالح بينهما يخوضان مُعترَكَ الحياة، يُحقِّقان أهدافَهما الهدفَ تلوَ الآخر، والزواج
ليس رابطةً بين شخصين فقط؛ بل هو علاقةٌ وثيقةٌ بين أُسرتين وميثاقٌ غليظٌ بين زوجين:
(وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)
[النساء: 21].
والمرأةُ والرجلُ شقيقان
قرينان لهما دورهما المُشترك، والتمازُجُ في الأسرة والمُجتمع، فهما الزوجان والأبَوان
والأخ والأخت، يعملان ويكدَحان ويُكافِحان من أجلِ عيشٍ كريمٍ، وحياةٍ سعيدةٍ مُستقرة:
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا
حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)
[البقرة: 35]، (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا) [طه: 123].
ولكى تعلم مكانة الاسرة
فقد جاء الحديث عنها في القران في قرابة ثمانين وثلاثمائة موضع الحديث عنها وفى سورة
النساء جاء علاج القران لمشاكل الاسرة في بيان محكم ولفظ معجز وبيان مبهر قال تعالى
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ
بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا
إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
خَبِيرًا (35))
فقد نزلت في سعد بن
الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبى زهير فلطمها فقال أبوها: يا
رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها. فقال صلى الله عليه وسلم (لتقتص من زوجها) . فانصرفت
مع أبيها لتقتص منه. فقال- عليه الصلاة والسلام- «ارجعوا هذا جبريل أتانى» فأنزل الله
هذه الآية .
وقوله قَوَّامُونَ
جمع قوام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء وحفظه فالرجل يقوم على المرأة
ويرعها ويحفظها وينفق عليها ثم ذكر- سبحانه- سببين لهذه القوامة.
أولهما: وهبى وقد بينه
بقوله: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.
وأما السبب الثاني:
فهو كسبي وقد بينه- سبحانه- بقوله: وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.
والمراد بالتفضيل في
قوله بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل
الآحاد على الآحاد. فقد يوجد من النساء من هي أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال.
ثم شرع- سبحانه- في
تفصيل أحوال النساء. وفي بيان كيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، فقسمهن إلى
قسمين: فقال في شأن القسم الأول: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما
حَفِظَ اللَّهُ.
وهنا قال فالصالحات
ولم يقل فالنساء الصالحات وانما اطلق الصالح عليهن وكأنه صار علم لهن وهذا غاية التكريم
للمرأة .. قانِتاتٌ أى مطيعات لله- تعالى ولأزواجهن عن طيب نفس واطمئنان قلب، ومن صفاتهن
كذلك أنهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ أى حافظات لمواجب الغيب. إذا كان
الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والأموال
والبيوت. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. «خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك،
وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها» ، ثم تلا الآية الكريمة .
هذا هو القسم الأول
من النساء، أما القسم الثاني فقد قال- سبحانه- في شأنه: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
وتأمل هنا قول الحق
تخافون ((الخوف هو الشعور الناجم عن خطر وتهديد في المستقبل)) فالقران هنا يوجه الزوج
ان يبادر في حالة شعوره بان هناك شيء سيحدث في المستقبل ولا ينتظر حدوث المشكلة ووقوعها
وتأمل آخر في قوله
نشوزهن ولم يقل والناشزات فلم يجعلها علم وكأن الحق سبحانه يقول النشوز امر عارض وليس
صفة ثابته للمرأة
والمراد بقوله نُشُوزَهُنَّ
عصيانهن وخروجهن عما توجبه الحياة الزوجية من طاعة الزوجة لزوجها. يقال: نشزت الزوجة
نشوزا أى: عصت زوجها وامتنعت عليه. وأصل النشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع في وسط
الأرض السهلة المنبسطة ويكون شاذا فيها. فشبهت المرأة المتعالية على طاعة زوجها بالمرتفع
من الأرض.
قال ابن كثير: وقوله-
تعالى-: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ أى النساء اللاتي تخافون أن ينشزن على
أزواجهن فعظوهن. والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة
لأمره، المعرضة عنه المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب
الله، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لماله عليها من الفضل،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة
أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» .
وتأمل هنا كلمة فعظوهن
... الوعظ قيل: هو التّذكير بالخبر فيما يرقّ له القلب ويجب على الزوج حال وعظه أن
يكون كما قال الرّاغب: حقّ الواعظ أن يتّعظ ثمّ يعظ، ويبصر ثمّ يبصّر، ويهتدي ثمّ يهدي،
ولا يكون كدفتر يفيد ولا يستفيد، ويجب ألا يجرح مقاله بفعاله، وألّا يكذّب لسانه بحاله
فالوعظ له آدابه منها
الصبر واختيار افضل الأوقات ولا بأس ان يقدم على وعظه هدية ليفتح قلب المرأة وان يقدم
الابتسامة ويستميل القلب بقصة تارة وترغيب تارة وترهيب أخرى وتذكر ان الخطاب موجه للزوج
والزوجه وليس هناك اى طرف ثالث في الامر حتى الان
وفى حالة عدم الاستجابة
يلجأ الى الحل الثانى
قوله وَاهْجُرُوهُنَّ
فِي الْمَضاجِعِ أى وعليكم إذا لم تنفع الموعظة والنصيحة معهن أن تتركوهن منفردات في
أماكن نومهن.
فالمضاجع جمع مضجع-
وهو مكان النوم والاضطجاع. روى أبو داود بسنده عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال:
يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت
ولا تضرب الوجه ولا تقبح. ولا تهجر إلا في البيت»
وفى حالة عدم الاستجابة
يلجأ الى الحل الثالث
قوله وَاضْرِبُوهُنَّ
معطوف على ما قبله. أى إن لم ينفع ما فعلتم من العظة والهجران فاضربوهن ضربا غير مبرح-
أى غير شديد ولا مشين- فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال في حجة الوداع» : واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم- أى أسيرات عندكم- ولكم
عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح» .
وقد فسر العلماء الضرب
غير المبرح بأنه الذي لا يكسر عظما، ولا يشين جارحة، وأن يتقى الوجه فإنه مجمع المحاسن
ولا يلجأ إليه إلا عند فشل العلاجين السابقين.
وهنا حكم شرعى ماتع
نافع (( لا يجوز للرجل الاقدام على ضرب المرأة بالوصف السابق الا بعد الوعظ والهجر))
قال الفخر الرازي: متى حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام
على الطريق الأشق. وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب.
أقول قولى هذا واستغفر
الله لى ولكم
...............
الخطبة الثانية .............
الحمد لله
.............. أما بعد
ما هو الحل ان تفاقمت
الأمور عن ذلك وزاد الامر ولم ينفع الوعظ ولا الزجر ولا الضرب ؟
بين- سبحانه- ما يجب
عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال- تعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
والمراد بالخوف هنا
العلم. والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة. وقيل لأهل الزوجين.
والمراد بالشقاق ما
يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة. وسمى الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشق على
صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه.
والمعنى: وإن علمتم
أيها المؤمنون أن هناك خلافا بين الزوجين قد يتسبب عنه النفور الشديد، وانقطاع حبال
الحياة الزوجية بينهما، ففي هذه الحالة عليكم أن تبعثوا حَكَماً
أى رجلا صالحا عاقلا
أهلا للإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أى من أهل الزوج وأقاربه وَحَكَماً
مِنْ أَهْلِها أى من أقارب الزوجة بحيث يكون على صفة الأول: لأن الأقارب في الغالب
أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للإصلاح، وتسكن إليهم النفس أكثر من غيرهم.
وعلى الحكمين في هذه
الحالة أن يستكشفا حقيقة الخلاف، وان يعرفا هل الإصلاح بين الزوجين ممكن أو أن الفراق
خير لهما؟.
وظاهر الأمر في قوله
فَابْعَثُوا أنه للوجوب، لأنه من باب رفع المظالم ورفع المظالم من الأمور الواجبة على
الحكام.
فالايات رسمت العلاج
الناجع الذي يجب على الرجال أن يستعملوه إذا ما حدث نشوز من زوجاتهم، وحذرت الرجال
من البغي على النساء إذا ما تركن النشوز وعدن إلى الطاعة والاستقامة فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ
فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً.
وختاماً يَا مَنْ حَدَّثَتْكَ
نَفْسُكَ بِالطَّلاَقِ؛ تَذَكَّرْ لَوْعَةَ الْفِرَاقِ، وَلَحْظَةَ الاِفْتِرَاقِ،
تَذَكَّرْ أَنَّكَ تَكْسِرُ قَلْباً، وَتَجْرَحُ شُعُورًا، وَتُخَرِّبُ بَيْتًا قَامَ
بِأَمَانَةِ اللهِ وَعَلَى كَلِمَةِ اللهِ. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الَخطَّابِ رضي
الله عنه يَسْتَشِيرُهُ فِي طَلاَقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ تَفْعَلْ. فَقَالَ:
وَلَكِنِّي لاَ أُحِبُّهَا. قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيْحَكَ أَوَكُلُّ الْبُيُوتِ تُبْنَى
عَلَى الْحُبِّ؟! فَأَيْنَ الرِّعَايَةُ وَالتَّذَمُّمُ؟!.
إِذَا أَنْتَ لَمْ
تَصْبِرْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى ♦♦♦ ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
يَا مَنْ تُرِيدُ الطَّلاَقَ!
تَدَرَّجْ فِي الْحَلِّ وَلاَ تَتَسَرَّعْ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّاتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا
كَبِيرًا ﴾. وَيَا أَيُّهَا الرَّاغِبُ فِي الْفِرَاقِ جَرِّبِ النُّصْحَ لِزَوْجَتِكَ،
وَحَاوِلِ الصُّلْحَ بِحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِكَ؛ ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ
يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
﴾. وَلتذكر مَنْ تُرِيدِينَ الطَّلاَقَ؛ نِعْمَةَ الزَّوَاجِ ومقارنتها بِحَيَاةِ الْعُنُوسَةِ
وَمَا بَعْدَ الْفِرَاقِ، و حَالَ الأَوْلاَدِ بَعْدَه، و مَآلِ الأَرْحَامِ إِذَا
قُطِّعَتْ، وَالْعَلاَقَاتِ إِذَا فُصِمَتْ. وَأنْ زوجها وإن أَسَاءَ اليها يَوْماً
فَقَدْ سَرَّها أَيَّاماً، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّها زَمَناً فَقَدِ اسْتَقَامَ
لها أَزْمَاناً.قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ
اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ ولتحذر كل الحذر أَنْ تَطْلُبِ الطَّلاَقَ مِنْ
زَوْجِها مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ؛فَذَلِكَ شَرٌّوَأَيُّ شَرٍّ؟!؛ عَنْ ثَوْبَانَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ
زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ))
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً
﴾.
الخاتمة
............................ الدعاء