العمل التطوعي في الإسلام للشيخ السيد مراد سلامة







عناصر الخطبة:

العنصر الأول: تعريف العمل التطوعي.

العنصر الثاني: حث القران الكريم والسنة النبوية على العمل التطوعي.

العنصر الثالث: ثمرات العمل التطوعي.



الخطبة الأولى

أمة الإسلام، حياكم الله تعالى وبياكم وجعل الله الجنة مأونا ومأوكم: حديثنا في هذا اليوم عن عمل من أجل الأعمال التي حثت عليها الشريعة الغراء، إنه ((العمل التطوعي في الإسلام)).

فما هو العمل التطوعي؟ كيف حث عليه القران الكريم والسنة النبوية؟ وما هو الواقع التطبيقي للعمل التطوعي؟

وما هي ثمراته؟

أعيروني القلوب والأسماع...



العنصر الأول: تعريف العمل التطوعي:

التطوع لغة: تَنَفَّلَ، أي تَكَلَّفَ الطاعة. يقال: قام بالعبادة طائعًا مختارًا دون أن تكون فرضًا لله وفى التنزيل الحكيم: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ [سورة البقرة: آية 184].

اصطلاحًا: العمل التطوعي هو عمل يقوم به فرد أو مجموعات سواء كان ذلك العمل بدني أو فكري أو اجتماعي أو مادي أو ديني الباعث له هو احتساب الأجر والثواب من الكريم الوهاب.



العنصر الثاني: حث القران الكريم والسنة النبوية على العمل التطوعي:

أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم: القران الكريم كتاب انزله الله تعالى ليصلح به أحوال العباد والبلاد،كتب دين ودنيا وآخرة، كتاب يدعو إلى الإصلاح وإلى الرقي وإلى الترابط بين أفراده.

لذا حثنا الله تعالى على العمل التطوعي وضرب لنا أروع الأمثلة على ذلك يقول الله - عز وجل مرغبا في ذلك: ﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].



ويعدد لنا الله تعالى صور العمل التطوعي ويقرنها بالإيمان والتقوى فيقول سبحانه ويقول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].



ويقول الله تعالى: ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115].

ومن صور العمل التطوعي الإيثار قال الله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]، أي: يقدمون خدمة الآخرين ومصلحتهم العامة على المصلحة الشخصية الخاصة.



الواقع التطبيقي للعمل التطوعي في القران الكريم:

المثال الأول: قصة ذي القرنين:

ذو القرنين ملك من الملوك الذين ملكوا الدنيا كلها فدانت له البلاد وخضع له العباد ذكره الله تعالى لنا في القران الكريم ليقدم للامة مثالا للحاكم العادل الذي يجوب الأرض ويمشي في قضاء حوائج الخلق ولقد كان للعمل التطوعي دورا بارزا في حياته ودعوته نذكر منها ما ذكره الله تعالى لنا في كتابه.



ذو القرنين وبناء السد:

بيمنا ذو القرنين يجوب في الأرض إذ وقف على يأجوج ومأجوج وهم قوم طبيعتهم الإفساد في الأرض وعندها طلب منه من يجاروهم أن يبني بينهم وبينهم سدا يقول الله تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 93 - 98].



فكان بناء السد نعمة عظمى للبشرية وسببًا من أسباب هناء العيش على الأرض " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا " قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: " خرجًا ": أي أجرًا عظيمًا يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالًا يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سدا.



فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير:

" ما مكّني فيه ربي خير " أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه كما قال سليمان عليه السلام: " أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم " وهكذا قال ذو القرنين الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء " أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد " والزبر: جمع زبرة وهي القطعة منه.



المثال الثاني: موسى عليه السلام - وتطوعه لسقي الأنعام:

ومن أمثلة العمل التطوعي الذي قصه علينا الرب العلي - جل جلاله - ما قام به نبي الله موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين مشهد يفيض بالمروءة والشفقة.. يقول تعالى:

﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 23، 24].



يقول سيد قطب - رحمه الله - لقد انتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين. وصل إليه وهو مجهود مكدود. وإذا هو يطلع على مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة، كنفس موسى عليه السلام وجد الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء؛ ووجد هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء. والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة، أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولًا، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما.



ولم يقعد موسى الهارب المطارد، المسافر المكدود، ليستريح، وهو يشهد هذا المنظر المنكر المخالف للمعروف. بل تقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب:

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ .. ﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23].

فأَطلعتاه على سبب انزوائهما وتأخرهما وذودهما لغنمهما عن الورود. إنه الضعف، فهما امرأتان وهؤلاء الرعاة رجال. وأبوهما شيخ كبير لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال! وثارت نخوة موسى عليه السلام وفطرته السليمة. فتقدم لإقرار الأمر في نصابه.



تقدم ليسقي للمرأتين أولًا، كما ينبغي أن يفعل الرجال ذوو الشهامة.

وهو غريب في أرض لا يعرفها، ولا سند له فيها ولا ظهير. وهو مكدود قادم من سفر طويل بلا زاد ولا استعداد. وهو مطارد، من خلفه أعداء لا يرحمون. ولكن هذا كله لا يقعد به عن تلبية دواعي المروءة والنجدة والمعروف، وإقرار الحق الطبيعي الذي تعرفه النفوس: ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ﴾.. مما يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت على عين الله...كما يشي بقوته التي ترهب حتى وهو في إعياء السفر الطويل. ولعلها قوة نفسه التي أوقعت في قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه. فإنما يتأثر الناس أكثر بقوة الأرواح والقلوب.



المثال الثالث للعمل التطوعي قصة الخضر وموسى عليهما السلام وبناء الجدار

ومن مشاهد العمل التطوعي الذي يقوم به المسلم وهو يرجو به وجه الله ما قام به الخضر وموسى عليهما السلام - عندما دخلا القرية وطلب الضيافة ولكن القوم كانوا بخلاء لم يقدموا لهم واجب الضيافة وبينما هما يسيران إذ بجدار اوشك إلا الانهدام فقام الخضر ليصلحه يعاونه في ذلك موسى الكليم - عليهما السلام يقول الله تعالى ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ [الكهف: 77] ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].



فهذا الجدار الذي أتعب الرجل نفسه في إقامته، ولم يطلب عليه أجرًا من أهل القرية وهما جائعان وأهل القرية لا يضيفونهما كان يخبئ تحته كنزًا، ويغيب وراءه مالًا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحًا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما، ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.



دعوة السنة النبوية للعمل التطوعي:

أما السنة: فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية العمل التَّطوعي منها:

أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْسا، أو يَزْرَعُ زَرْعا، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة». أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.



قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «بينما نحن في سفر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءَ رجل على رَاحِلَة له، قال: فجعل يَصْرِفُ بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان معه فضلُ ظهر فلْيَعدُ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليَعُد به على من لا زاد له، وذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضل» أخرجه مسلم وها هو رجل يتنعم في نعيم الجنة بسبب عمل تطوعي بسيط انه رفع شجرة وفي رواية غصن شوك عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين"؛ [رواه مسلم].



ويا لها من منزلة وما أعظمه من أجر وثواب لكل من قام بعمل تطوعي في أي مجال من مجالات الحياة، حتى الإصلاح بين الناس اسمع.

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين" [رواه أبو داود والترمذي].



عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: ((يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ، وَيَتَصَدَّقُ)). قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: ((يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ)). قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: ((يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ بِالْخَيْر)). قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: ((يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ)).



الواقع التطبيق في السنة النبوية

لقد ذخرت السنة النبوية بالمواقف التطوعية التي تشهد للامة بمحبة الخير والمنافسة فيه نذكركم ببعض منها:

المثال الأول: مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة:

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم –محبا ومسارعا للخير حيث كان ومن ذلك تطوعه وعمله في بناء الكعبة.

من حديث أبي الطفيل رضي الله عنه قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ( الصخور ) وكانت غير مسقوفة إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل سدلًا، وكان الركن الأسود موضوعًا على سورها تأدبًا، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة.... إلى أن قال: فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها، فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه فترى عورته من صغر النمرة، فنودي يا محمد خمر عورتك فلم ير عريانًا، وكان يرى بين الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنيانها خمس عشرة سنة. أخرجه الطبراني في الكبير وأحمد طرفًا منه ورجالهما رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.



المثال الثاني: شمولية العمل التطوعي في حياة الحبيب النبي-صلى الله عليه وسلم-:

لم يترك النبي بابا من أبواب الخير إلا دخله وساهم فيه يدل على ذلك حديث نزول الوحي ورد السيد خديجة-رضي الله عنها

وذلك أنه لما رأى جبريل عليه السلام ونزل عليه بقول الله تعالى: " اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق.

اقرأ وربك الأكرم " رجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي.

فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. الحديث (متفق عليه).



الثالث المرأة التي كانت تقم المسجد:

و لقد كان للمرأة المسلمة دورا بارزا في العمل التطوعي في حياة النبي-صلى الله عليه وسلم-فها هي امرأة تطوعه لتنظيف السجد وصيانته اسمعوا وتأملوا عباد الله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت فقال: " فهلا أذنتموني فأتي قبرها فصلى عليها " سنن ابن ماجه (1/ 489).



المثال الرابع حلب الخليفة الراشد أبي بكر الصديق لجواري الحي مائحهم:

أما خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان لم يستنكف ولم يستكبر عن القيام بالعمل التطوعي فقد كان يحلب لأهل حية أنعامهم

أخرج ابن سعد عن ابن عمر وعائشة وابن المسيب وغيرهم رضي الله عنهم دخل حديث بعضهم في حديث بعض وكان مما جاء في الحديث:

((وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبوبكر رضي الله عنه فقال: بلى والله لأحلبنها لكم، وإني لأرجوا أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أرغي لك ( من الإرغاء: الحلب بحيث يأتي عليه الزبد ) أو أصرّح ( من التصريح: الحلب بدون الزبد ) فربما قالت: أرغ وربما قالت: صرح فأي ذلك قالت فعل.قال ابن كثير هذا سياق حسن،



المثال الخامس: عمر الخليفة وزوجته:

عمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وزوجته أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم أجمعين في مساعدة امرأة في المخاض:

كان عمر رضي الله عنه على عادته يتفقد الناس ليلًا ونهارًا فإذا ببيت شعر ينبعث منه أنين امرأة وعلى بابه رجل قاعد فسلم عليه عمر وسأله من هو، فأجابه بأنه رجل من البادية جاء يصيب من فضل الله: فقال عمر ما هذا الصوت الذي أسمعه في البيت، قال الرجل: انطلق رحمك الله لحاجتك ولا تسأل عما لا يعنيك فألح عليه عمر يريد معرفة الأمر فأجابه: امرأة تمخَض أي على وشك الولادة وليس عندها أحد فعاد عمر رضي الله عنه إلى منزله وقال لامرأته أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما: هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ قالت: وما هو؟ فأخبرها الخبر وأمرها أن تأخذ معها ما يحتاج إليه الوليد الجديد من ثياب وما تحتاج إليه المرأة وقدرًا وحبوبًا وسمنًا. فجاءت به فحمل القدر ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت وقال لامرأته ادخلي إلى المرأة وجلس هو مع الرجل وأوقد النار وطبخ ما جاء به والرجل جالس لا يعلم من هو. وولدت المرأة فقالت أم كلثوم من داخل البيت: بشر يا أمير المؤمنين صاحبك بغلام، فتهيب الأعرابي، وأطعم عمر الرجل من الطعام الذي أعده وأعطى زوجته أم كلثوم فأطعمت المرأة النفساء وقال للرجل: إذا كان غدًا فأتنا نأمر لك بما يصلحك فلما أصبح أتاه ففرض لابنه في الذرية وأعطاه.



المثال السادس: علي رضي الله عنه يكنس بيت المال:

أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال: جاءه ابن النبّاج فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من كل صفراء وبيضاء، فقال: الله أكبر وقام متوكئًا على ابن النبّاج حتى قام على بيت مال المسلمين فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين حتى ما بقى منه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين.

أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه أن يمنّ علينا بالاستجابة له ولرسوله، وبالثبات على ما يرضيه إلى أن نلقاه تعالى، وأن يغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلوات الله وسلامه على خاتم المرسلين أحمده سبحانه وأتوب إليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحابته إلى يوم الدين.



العنصر الثالث: ثمرات العمل التطوعي:

أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن للعمل التطوعي من الثمرات ومن الفوائد التي تعود على الفرد وعلى المجتمع ثمرات لا تحصى ولا تعد في الدنيا والآخرة نذكر منها:

الفائدة الأولى: الفلاح:

قال تعالى: -﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج:77].



الفائدة الثانية: الجنة بما فيها من نعيم مقيم:

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإنسان: 9 - 22].



الفائدة الثالثة: المعونة من الله تعالى:

عن سالم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة ً فرج الله عنه كربة ً من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم رواه أحمد.



الفائدة الرابعة: وكلاء الله تعالى في خلقه:

روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عند أقوام نعمًا أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوهم فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم"؛ رواه الطبراني في صحيح الترغيب.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال" رواه الطبراني صحيح الترغيب.



الفائدة الخامسة: أن ينال ثواب الصدقة:

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد قال يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال أرأيت إن لم يستطع قال يعين ذا الحاجة الملهوف، قال قيل له أرأيت إن لم يستطع قال يأمر بالمعروف أو الخير، قال أرأيت إن لم يفعل قال يمسك عن الشر فإنها صدقة " رواه البخاري ومسلم.

روي عن عمر رضي الله عنه مرفوعا " أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت له حاجة "؛ رواه الطبراني (صحيح الترغيب).



الفائدة السادسة: أن تنال أجر المجاهد في سبيل الله:

قال صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار)؛ متفق عليه.

قال صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )؛ رواه أحمد ومسلم.




الدعاء....
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات