احذروا النفاق والمنافقين للشيخ بركات سيد البخاري
الحمد لله رب العالمين . اللهم
لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة
والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته
: ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ
دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال
– الآية 49
وقال تعالى: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ
أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا
إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) التوبة – الآية 64
وقال تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) التوبة – 67
وقال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
إِلَّا غُرُورًا ) الأحزاب – الآية 12
وقال تعالى : ( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) الأحزاب
– الآية 60
وقال تعالى: ( يَوْمَ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ
قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ
بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) الحديد
– الآية 13
وقال تعالى : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) المنافقون – الآية 1
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ
كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري ومسلم
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ
خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ
كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) .رواه البخاري ومسلم
إخوة الإسلام
النفاق : هو إظهار الإسلام وإبطان
الكفر والشر. وسمي بذلك لأن المنافق يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر.
وعلى ذلك نبه اللّه تعالى بقوله:
( ِإنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [ التوبة: 67 ]، أي الخارجون من الشرع.
وجعل اللّه المنافقين شرا من الكافرين
فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [ النساء:
145 ]،
وقال تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) [ النساء: 142 ]،
وقال تعالى: ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9 ) فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ ) [ البقرة: 9 – 10].
واعلموا إخوة الإسلام ، أن النفاق
نوعان :
النوع الأول: النفاق الاعتقادي،
وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر – وهذا النوع مخرج من الدين
بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار –
وقد وصف اللّه أهله بصفات الشر
كلها: من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية
إلى أعداء الدين لمشاركتهم في عداوة الإسلام –
وهؤلاء موجودون في كل زمان. ولا
سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فإنهم يظهرون الدخول
فيه لأجل الكيد له ولأهله في الباطن.
ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا
على دمائهم وأموالهم. فيظهر المنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به.
وقد هتك اللّه أستار هؤلاء المنافقين،
وكشف أسرارهم في القرآن الكريم، وجلَّى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر.
والمنافقون بلية الإسلام بهم بلية
شديدة جدا ، لأنهم منسوبون إليه ، وإلى نصرته وموالاته ، وهم أعداؤه في الحقيقة، ويخرجون
عداوته في كل قالب، ويظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد .
ونفاق الاعتقاد : يتمثل في : تكذيب
الرسول صلى الله عليه وسلم أو تكذيب بعض ما جاء صلى الله عليه وسلم ، أو بغض الرسول
صلى الله عليه وسلم ، أو بغض بعض ما جاء به صلى الله عليه وسلم ، أو المسرة بانخفاض
دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الكراهية لانتصار دين الاسلام
ومن صفاتهم أيضا مظاهرة أعداء
الله ومناصرتهم ، وهذه خصلة شنيعة من خصال أهل النفاق. قال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ
جَمِيعًا } النساء 138 ، 139 .
وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ
وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} المجادلة 14.
وقال عز وجل: {فَتَرَى الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}
المائدة 52 .
وهكذا يكون النفاق الأكبر: مظاهرة
المشركين ضد المسلمين، وقد يكون استهزاءً بالله وآياته ورسوله، وتارة يكون إعراضًا
عن حكم الله ورسوله.
قال الله تعالى: {لَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا
بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا . فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا
وَتَوْفِيقًا} النساء 60 : 62.
ومن صفات المنافقين وعلاماتهم
أيضا : التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد، كما في قوله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا
كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) (142) النساء
ومن صفاتهم أيضا كراهية الانفاق
في سبيل الله ، كما في قوله تعالى (وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)
(54) التوبة
ومن صفات المنافقين عدم التحاكم
إلى كتاب الله وشرعه وكراهية ذلك قال ابن تيمية: “ذم الله المدعين الإيمان بالكتب كلها،
وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون
الله..
قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا
وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) النساء
(61): (63) فهم إذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضًا،
وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم،
قالوا إنما أردنا أن نوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة
ظنون وشبهات”.
وقال محمد رشيد رضا: “والآية ناطقة
بأن من صدّ وأعرض عن حكم الله ورسوله عمدًا، لا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه
يكون منافقًا لا يعتدّ بما يزعمه من الإيمان”.
أيها المسلمون
أما النوع الثاني: فهو النفاق
العملي – وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج من
الملة – لكنه وسيلة إلى ذلك. وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر صار بسببه منافقا
خالصاَ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ
مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ
مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا
عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » وفي رواية في الصحيحين وفيها ( …..وَإِذَا
وَعَدَ أَخْلَفَ ».
ومن أنواع النفاق الحديث في عصرنا
السعي إلى تضليل الآخرين بتوصيل معلومات غير حقيقية عن النفس وعن الآخر، و يقوم هذا
النوع من النفاق على إرسال معلومات مزيفة عن شخص ما، أو موقف ما ،أو دولة ما، بغرض
إرضاء طرف معين على حساب طرف آخر فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت
فيه نعوت المنافقين. ومن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق – فإنه قد يجتمع
في العبد خصال خير وخصال شر وخصال إيمان وخصال كفر ونفاق. ويستحق من الثواب والعقاب
بحسب ما قام به من موجبات ذلك،
ولقد وصف أحد الشعراء من يُظهر
صداقته ووداده لك؛ فيُسمعك معسول الكلام، ولكنه يكن لك الحقد والغل في قلبه، ويتمنى
لك في نفسه الشر
لا خيرَ في وُدِ امـــــرئ مُتــــلونٍ
حــــُلو اللسانِ وقلبـــــُهُ يَتلـهّبُ
يَلقــــاكَ يُقســـِمُ أنهُ بِك
واثـــِقٌ و إذا تَــــــوارى عَنك فهو العقرَبُ
يُعطيك مِن طرفِ اللسانِ حلاوةً
ويَــرُوغُ مِنكَ كما يَـــــرُوغُ الثعلب
– فالنفاق شر خطير ، وكان الصحابة
يتخوفون من الوقوع فيه.
قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين
من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
وليعلم المسلم أن هناك فرقا بين
النفاق العقائدي ( الاكبر ) والنفاق العملي ( الاصغر ) ، فما الفروق بين النفاق الأكبر
والنفاق الأصغر؟ :
1 – أن النفاق الأكبر يخرج من
الملة، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة.
2 – أن النفاق الأكبر اختلاف السر
والعلانية في الاعتقاد. والنفاق الأصغر اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.
3 – أن النفاق الأكبر لا يصدر
من مؤمن، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.
4 – أن النفاق الأكبر في الغالب
لا يتوب صاحبه، ولو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم. بخلاف النفاق الأصغر،
فإن صاحبه قد يتوب إلى اللّه فيتوب اللّه عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وكثيرا
ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه. وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب
النفاق ويدفعه الله عنه.
والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان
وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره.
ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلُوهُ إِنَّا
نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ.
قَالَ « وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ
». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ ».
وفي مسند أحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا بِالشَّىْءِ لأَنْ
يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتكَلَّمَ بِهِ. قَالَ فَقَالَ
أَحَدُهُمَا « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إِلاَّ عَلَى الْوَسْوَسَةِ
». وَقَالَ الآخَرُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ
»
أيها المسلمون
ويقول سيد قطب رحمه الله عند الحديث
عن المنافقين ، يقول :
“المنافقون والمنافقات من طينة
واحدة، وطبيعة واحدة، المنافقون في كل زمان وفي كل مكان تختلف أفعالهم وأقوالهم، لكنها
ترجع إلى طبع واحد، وتنبع من معين واحد؛ سوء الطويّة، ولؤم السريرة، والغمز والدسّ،
والضعف عن المواجهة، والجبن عن المصارحة”.
ولئن كانت طينة المنافقين واحدة،
فإنهم ليسوا سواءً، فهم يتفاوتون في المكر والخداع، ولؤم الطباع؛ ففيهم منافقون مردوا
على النفاق، ومنهم من صار منافقًا خالصًا، وهناك من يغلب نفاقه على إيمانه، فالنفاق
يتبعض ويتشعب، كما أن الإيمان يتبعض ويتشعب، فالإيمان بضع وستون شعبة.
ومن ذلك أن منافقي هذا الزمان
أخبث من المنافقين الأولين، فإن الأولين يخفون نفاقهم بخلاف المنافقين الذين جاؤوا
من بعدهم، فإنهم يجاهرون بنفاقهم وزندقتهم، كما جزم به الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان
رضي الله عنهما والخبير بالمنافقين وأمين سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
“المنافقون الذين فيكم شر من المنافقين
الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم”. فقيل له: “وكيف ذاك؟”، فقال: “إن
أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء يعلنون”.
ومعرفة المنافقين القدامى ثابتةٌ
إذا تكلموا ونطقوا، كما قال عز وجل:
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ
الْقَوْلِ} ، فمعرفتهم متحققة في لحن الكلام، أما المنافقون المتأخرون فإنهم يُعرفون
بصريح المقال والفعال، وخبيث الكلام وشنيع الأعمال.
وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة، وهي:
هل يقال عن الشخص أنه منافق إذا أظهر علامات النفاق؟
قال بعض العلماء : “من ظهرت من
علامات النفاق الدالة عليه كارتداده عند التخريب على المؤمنين، وخذلانهم عند اجتماع
العدو، كالذين قالوا لو نعلم قتالًا لاتبعناكم، وكونه إذا غلب المشركون التجأ إليهم،
ومدحه للمشركين بعض الأحيان، وموالاتهم من دون المؤمنين، وأشباه هذه العلامات التي
ذكر الله أنها علامات للنفاق، وصفات المنافقين؛ فإنه يجوز إطلاق النفاق عليه، وتسميته
منافقًا”.
أيها المسلمون
ولقد أمر الله تعالى بجهاد المنافقين
والغلظة عليهم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}التوبة 73
ومجاهدتهم تحتاج إلى جهد وعناء،
وتضحية وإعداد، وشدة مراس، وقوة حجاج؛ فالمنافقون يتظاهرون بالإصلاح وهم المفسدون،
وهم أصحاب تذبذب وتقلب، وأرباب تلبيس وتلوّن، ويتكلمون بفصيح الخطاب، وبديع البيان،
فلربما انخدع بهم الفئام من العامة والخاصة، فأصغوا إلى قولهم، واستجابوا لهم،
قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ
لَهُمْ} التوبة 47 ، أي مستجيبون لهم.
وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَى أُمَّتِى كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ ».
وقال المناوي في التيسير: “كل
منافق عليم اللسان: أي عالم للعلم منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة،
مغر الناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام”. فإن مجاهدة المنافقين بعلم وبصيرة، ومجالدتهم
بالحجة والبرهان؛ تعقبها تهافت النفاق، واندثار أهله، ومثال ذلك أن الخليفة العباسي
القادر بالله كتب سنة 402هـ محضرًا يكشف حقيقة الباطنية المنافقين، ويهتك أستار العبيديين
الذين حكموا مصر والمغرب آنذاك واستفحل نفوذهم، وانتشرت دعوتهم.. ففي هذا المحضر:
(بيان أن الحاكم العبيدي وأسلافه زنادقة منافقون، يستحلون الخمور، ويسبّون الأنبياء،
ويلعنون السلف الصالح)..لقد فضح هذا المحضر هؤلاء الزنادقة، حتى اضطر الحاكم العبيدي
في سنة 403هـ -وهي السنة التي تلت كتابة المحضر- إلى إظهار منع الناس من سبّ الصحابة
رضي الله عنهم ومعاقبة من يفعل ذلك!
ومما يجدر التنبيه إليه ،أن أئمة
السلف كابن المبارك ومالك وأحمد وغيرهم، يطلقون لفظ (الزنادقة) على المنافقين، ويقرّرون
أن النفاق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فيمن بعده.
وليس هذا عدولًا منهم عن لفظ
(النفاق) الذي ورد ذمه في نصوص الوحيين، فالسلف لم ينكروا الألفاظ المستجدة لأجل حدوث
ألفاظها، فلا مشاحة في الاصطلاح، وإنما لأجل اشتمالها على باطل وضلال،
فإظهار الإسلام وإبطان الكفر واقع
مشاهد عبر العصور، سواء سمّي نفاقًا أو زندقة، وسواء أثبتنا وجود النفاق والمنافقين
في الماضي والمستقبل -كما عليه أهل السنة والجماعة-، أو أُنكر وقوع النفاق بعد عهد
النبوة – كما عليه المرجئة-
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر من النفاق
والمنافقين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم
لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة
والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون والفكرة
الشائعة أن المنافقين قلة من البشر؛ لا يتحركون إلا حول الشخصيات القوية إما بالمال
أو بالسلطة، وأنهم يمارسون النفاق لمصلحة معينة تخصهم وحدهم،
لكن الواقع يثبت كل يوم أن المنافقين
في كل مكان، وأنهم يمارسون النفاق ليس بقصد مصلحة خاصة فقط ، بل يمارسون النفاق كهواية
، ويستخدمونه أسلوب حياة حتى وإن أدى نفاقهم إلى ظلم الأبرياء ،وتهميش العظماء، ويجدون
متعتهم في الإضرار بالآخرين حتى ولو لم يكونوا من أعدائهم..
فإن المنافقين يلبسون كل الألوان
، ويتقمصون كل الأدوار.. فهم جادون في دراسة الواقع وفحص شخصيات من حولهم، وقادرون
على تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة في كل من يريدون التأثير فيه،
يبدأون بناء العلاقة مع غيرهم
باستخدام وسائل منطقية للحصول على ثقة من يريدون التركيز عليه أولا، ثم يتدرجون إلى
استخدام وسائل نفسية مرغوبة إلى أن يكسبوا ثقته، ويتأكدوا أنه صار جاهزا للاستماع إلى
كل ما يريدون، وتنفيذ ما يتوقعونه، وعند ذلك يتفننون في تضليله..
ويجمعون المعلومات عن كل شيء وأي
شيء يتصلون به، وحينما يريدون ممارسة النفاق إما أن ينفخوا البالونات الفاضية، أو يهدموا
الجبال الراسية، وتراهم يقتنصون الفرص لتسويق مهاراتهم في النفاق عند من يظنون أنه
قادر على اتخاذ القرار غالبا…
والمنافقون يتميزون بالذكاء والمكر،
لأنهم يظهرون لمن حولهم أنهم طيبون، وحريصون على سيادة الخير في كل مكان، لكن عندهم
القدرة على قلب الحقائق، وإقناع من يتواصلون معه بعكسها؛ فيمكن أن يقنعوك بأنك فارع
الطول وأنت ترتعد من البرد ولا تستطيع إقفال النافذة التي تنام تحتها، وأن يثبتوا لك
أن نظرك ستة على ستة وأنت لا ترى حتى صورتك في المرآة، ويبدون لك أنك من أذكى الأذكياء
وأنت لا ترى من العالم إلا ما يسمحون لك برؤيته..
واعلم أخي : أنت دائما محاط بالمنافقين؛
وعندما يحاصرك المنافقون لا يسمحون لك بتنفس هواء نقي ولا يتركون لعينيك الحرية لترى
أبعد من أجسادهم وأفكارهم، ولا يتيحون لك الفرصة للاتصال بغيرهم، يصورون لك ما يريدون
من الواقع المحيط بك فيزينون ما يريدون ويشوهون ما يريدون ويطمسون ما يريدون، وأنت
تستمع إليهم لأنك لا تعرف إلا أنهم أهل ثقة وأنهم هم المصادر الموثوقة لديك..
أيها المسلمون
النفاق مرض فتاك ، فكم بسبب نفاق
المنافقين تنافر الأحباب، وتفرق الأصحاب، وهدمت بيوت مستقرة، وتقاتلت أسر، وتعادت دول
…وبسبب النفاق يمكن أن يضحي الوالد بولده والزوج بزوجته و القائد بالمخلصين من حوله..
وبسبب النفاق يعاني المجتمع الإنساني
من الظلم وأمراض الحقد والكراهية؛ لأن المنافقين يتسببون في حجب الحقائق عن الناس و
بناء قرارات خاطئة قد ترفع من لا يستحقون، بل وتمكن من يضرون البلاد والعباد،
وبسبب المنافقين يتم إقصاء العاملين
الشرفاء و المخلصين، بل و قد يتسببون في قتلهم بتهم ملفقة تجردهم من قيمهم النبيلة
التي عاشوا بها ولأجلها ،
وفي التاريخ أحداث جمة لم يعرف
أثرها إلا بعد حدوث الكوارث، لكنها كانت نتاج قرارات مبنية على معلومات المنافقين
…
لم يستح المنافقون حتى من محمد
رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهم يعرفون أن الله لن يمكنهم من خداعه، لكنهم مارسوا
نفاقهم معه، وحاولوا التفريق بينه وبين سيدة نساء المؤمنين (عائشة) بحديث الإفك لكنه
(صلى الله عليه وسلم ) عزف عن الكلام ولم يتخذ القرار حتى جاء الوحي من الله سبحانه
وتعالى يكشف نفاقهم ويعيد إلى قلبه الأمن والثقة بزوجته…
وفي هذه الأيام يجب أن تتوقع أن
المنافقين لا يغادرونك مهما كانت مكانتك؛
فإذا وجدت في أي حديث معك نكهة
إضرار بنفسك أو بالآخر فلا تتخذ أي قرار حتى تجمع المعلومات من مصادر أخرى ومتعددة
ليست لها علاقة بالمنافقين، وقبل اتخاذ القرار تذكر أن الله يراك من حيث لا تراه، وأنك
قد تفقد كل المحبين بسبب قرار خاطئ
أيها المسلمون
وإن كثيراً من الناس اليوم أخذوا
يتهاونون في خصال النفاق العملي حتى أن الكثير من الناس لا يبالي بالكذب أو بإخلاف
الوعد أو الخيانة أو غيرها من صفات المنافقين عملياً.
فكن أيها المسلم صادقاً في حديثك
– وكوني أيتها المسلمة صادقة في حديثك – واحذرا من الكذب ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (119) التوبة فاجعلوا
ذلك نصب أعينكم واتركوا الكذب في الحديث أو غيره واعلموا أنكم إن كنتم كاذبين ففيكم
خصلة من خصال النفاق حتى تتركوها
ولا تخلف الوعد – وليعلم كل منكم
أنه إن كان مخلفاً الوعد فإن عنده خصلة من خصال النفاق وقد استكثر بعض الناس من أخلاف
الوعد بدون أعذار حتى أن بعضهم قد يعطي وعداً و يخلف الوعد لأتفه الأسباب
أيها المسلم واتقِ الله في الأمانة
فما أكثر الخونة اليوم فإذا كنت خائناً في أمانتك فأنت لديك خصلة من خصال النفاق
واحذرا من الفجور في الخصومات،
وإذا خاصم بعضكم فليقل الحق واحذرا من الغدر إذا عاهدتم
الدعاء