النفاق خطورته وعلاماته د محمد حواش






العناصر
1- تعريف مفهوم النفاق وخطره على الفرد والمجتمع
2- شرح حديث أربع من كن فيه...
3- علامات المنافين.
4- المستفاد من الخطبة
الحمد لله كما علمنا ان نحمد والصلاة والسلام على نبيه وخاتم رسله سيدنا محمد
وبعد : فقد بعث الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلوات الله وسلامه عليه، وجعله رحيماً بأمته، حريصاً على هدايتهم، محباً لهم، يقول جل في علاه: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" بعثه الله مبشراً ونذيراً: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً" فبشر أمته بكل خير جعله الله لأهل الإيمان، وبشرهم بما أعدَّه الله لأهل البر والطاعات، وأنذرهم وحذرهم من عاقبة أهل السوء، وصفات أهل السوء، وطريق أهل السوء. وكان مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته ذلك الداء العضال الذي استشرى في زماننا، وانتشر بين أبناء أمتنا، وتوسعت دائرته، وكثر منتسبوه، وتعددت طرقه، وتنوعت سبله، وتشكلت مظاهره، واختلفت أساليبه، وتفاقمت آثاره...إنه مرض النفاق الخطير الذي طالما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأنذرها، وذكر لهم بعض ما يُعرف به،
ولأجل ذلك فقد كان صحابة رسول الله رضوان الله عليهم من أشد الناس خوفاً من هذا المرض يقول ابن رجب رحمه الله: "كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه، وسئل أبو رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ فقال: نعم، إني أدركت منهم بحمد الله صدراً حسناً، نعم شديداً، نعم شديداً، وقال البخاري في صحيحه: وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
1-مفهوم النفاق في اللغة والاصطلاح وخطورته على الدولة والمجتمع المسلم.
من جمال اللغة العربية ان معنى الالفاظ فيها يقرب المعاني ويوضح المفاهيم ويقربها للأذهان بصورة عجيبة حتى يتفق اللفظ والمعنى في ايضاح المراد
ومادة النفاق في اللغة تدور حول الاختباء والهروب والفرار والتلون وتغيير الجلد وصعوبة الضبط والامساك وهذا هو عين صفات المنافقين
أما النفاق في الاصطلاح الشرعي فهو: القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد وهو ان تختلف سريرة الإنسان عن علانيته وظاهره عن باطنه، والاسلام يطالب الانسان ان يكون سره مثل علانيته وظاهره مثل باطنه وداخله مثل خارجه ولذا فالإيمان والنفاق لا يلتقيان ولا يجتمعان في انسان .ففي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة :" تجِدونَ النَّاسَ معادِنَ ، خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقُهوا ، وتجِدونَ خيرَ النَّاسِ في هذا الشَّأنِ أشدَّ له كراهيةً ، وتجِدونَ شرَّ النَّاسِ ذا الوجهينِ ، الَّذي يأتي هؤلاءِ بوجهٍ ، ويأتي هؤلاءِ بوجهٍ
وخطر النفاق ان صاحبه مستتر غير ظاهر فربما عاش مع جماعة وهو مبغض لهم كاره لهم بل ومدبر المكائد لهم وربما يتحالف مع الاعداء ويكون خنجرا في ظهر الدولة الاسلامية ساعات الشدة وكذلك المنافق خطر على المجتمع المسلم ذلك انه متلون محسوب على الجميع تحسبهم كل جماعة انه معهم ويحسبهم كل واحد انه معه وهو ضده
2-ومن اشهر الاحاديث التي تتناول المنافقين وصفاتهم وعلاماتهم
ما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خُلَّة منهن كانت فيه خُلَّة من نفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا وعَدَ أخلف، وإذا خاصم فَجَر)) رواه البخاري وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) رواه مسلم
ولأهمية هذين الحديثين وشهرتهما على السنة الناس واعتباراهما العمدة في الموضوع نبسط القول فيهما
ومعنى كون هذه الصفات من علامات النفاق الكذب ، وإخلاف الوعد ، والخيانة ، والغدر ، والفجور عند المخاصمة : من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا ، وهم إنما عرفوا بها ، والله عز وجل يقول : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات : فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل ، وعمل أعمالهم ، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل .
ولكن ذلك لا يستلزم أن يكون هذا المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية ؛ لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق ، ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة ، ولذلك يسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ : " النفاق العملي "، يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة ، ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .وهو نفاق الاعتقاد .
ولذلك ذهب العلماء في تأويل هذا الحديث إلى أقوال :
المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق ، فالحديث على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة ،
المقصود بالنفاق هنا النفاق العملي ، وليس النفاق الاعتقادي
وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال
والمراد : من اعتاد هذه الصفات حتى أصبحت له سجية وخلقا دائما ، حتى تهاون بها، واستخف أمرها ، فهذا كأنه مستحل لها ، ومثله يغلب عليه فساد الاعتقاد .
أو المقصود بالحديث ليس المسلمين ، وإنما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ومعنى الفجور عند المخاصمة
" إذا خاصم فجر " يعني بالفجور : أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) ، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل ، كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق ،
" إذا خاصم فجر " الخصومة : هي المخاصمة عند القاضي ونحوه ، فإذا خاصم فجر . والفجور في الخصومة على نوعين :أحدهما : أن يدعي ما ليس له .والثاني : أن ينكر ما يجب عليه . وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا ؛ لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله ، وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " وفي هذا الحديث دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر وفيه فيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق ، لقوله : ( كان فيه خصلة من النفاق ) هذا مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق ، وخصلة عدالة ، وخصلة عداوة ، وخصلة ولاية ، يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا ، أو مؤمنا خالصا ، بل قد يكون فيه خصال من الكفر ، وهو مؤمن ، وخصال من الإيمان "
3- من صفات المنافقين : لماذا الحديث عن صفات المنافقين ؟
لقد فصل الله تعالى صفات المنافقين في كتابه الكريم وسنة نبيه الامين عليه افضل الصلوات والتسليم وذلك لأمور منها:
أن ينتبه المسلم اليها ويحذر ان يغره الشيطان فيتصف بها او بإحداها فيهلك ويضل
أن يحذر منهم أهل الايمان ولا ينخدع بهم ولا يطمئن اليهم اهل الصلاح وكذلك ان تنتبه الدولة المسلمة منهم لانهم بمثابة الطابور الخامس او الجواسيس داخل الدولة الإسلامية
ان يتوب من اتصف بها او بأحدها ويسال الله قبول التوبة وحسن الخاتمة

ومن صفات المنافقين الكثيرة التي ذكرت في قران ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم :
أـ لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين. والاستهزاء والسخرية بالقرآن والسنة والرسول صلى الله عليه وسلم: يقول سبحانه وتعالى: (قل أبالله وءايته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
روى المفسرون في تفسير الآيات الكريمة :
روى الإمام احمد بسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بالبقيع ، وهو يقول : من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة ؟ قال : فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين ، وأنا أريد أن أتصدق بهما ، فأدركني ما يدرك ابن آدم ، فعقدت على عمامتي . فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا ولا أصغر منه ولا أدم ، ببعير ساقه ، لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها ، فقال : يا رسول الله ، أصدقة ؟ قال : نعم ، فقال : دونك هذه الناقة . قال : فلمزه رجل فقال : هذا يتصدق بهذه فوالله لهي خير منه . قال : فسمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات ، ثم قال : ويل لأصحاب المئين من الإبل ثلاثا . قالوا : إلا من يا رسول الله ؟ قال : إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا : المزهد في العيش ، المجهد في العبادة .
وقيل : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام ، فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء . وقالوا : إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع .
وعن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الناس يوما فنادى فيهم أن اجمعوا صدقاتكم . فجمع الناس صدقاتهم ، ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا صاع من تمر بت ليلتي أجر بالجرير الماء ، حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما ، وأتيتك بالآخر . فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينثره في الصدقات . فسخر منه رجال ، وقالوا : إن الله ورسوله لغنيان عن هذا . وما يصنعان بصاعك من شيء . ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل بقي أحد من أهل الصدقات ؟ فقال : لا ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : فإن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات . فقال له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أمجنون أنت ؟ قال : ليس بي جنون . قال : فعلت ما فعلت ؟ قال : نعم ، مالي ثمانية آلاف ، أما أربعة آلاف فأقرضها ربي ، وأما أربعة آلاف فلي . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت . ولمزه المنافقون فقالوا : والله ما أعطى عبد الرحمن عطيته إلا رياء . وهم كاذبون ، إنما كان به متطوعا ، فأنزل الله - عز وجل - عذره وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر ، فقال تعالى في كتابه : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ) الآية .
ب- الوقوع في اعراض الصالحين والاستهزاء بهم قال تعالى في بعض صفاة المنافقين" سلقوكم بالسنة حداد " فالمنافق همه أن ينقب في أخطاءِ الصالحين، همه أن يبخس من قيمة أي عمل صالح، همه أن يطعن في إخلاص المخلصين، همه أن يشير إلى خطأ قد لا ينتبه الناس له في أهل الديـن،,حداد أي كأنها سيوف، قد يمدحون الصالحين في وجوههم.
فكلما رأيت رجلا مغرماً بالخوض والوقوع في أعراض الصالحين فهذه علامة نفاق، ذلك أن المنافق قد اختل توازنه، النفاق يناقض الفطرة، إذاً المنافق مختل توازنه، كيف يستعيد هذا التوازن؟ في الوقوع في أعراض الصالحين كي يوهم نفسه أن كل الناس سيئون.
لو قلت لإنسان ما قولك بفلان؟ يظهر الصلاح، يقول: غفر الله لنا وله، ما قولك بفلان؟ عافانا الله مما ابتلاه، ما قولك بفلان؟ هداه الله، إنه طعن بأسلوب ذكي، بل ذكر أحد الرجال عند بعض السلاطين الأشداء فقال أحد وزرائه: سبحانه الله! سبح الله ليشير إلى أن هذا الإنسان ليس كما تريد، ليس له ولاء كما تريد، انتبه منه، وقد يسلك الإنسان في الطعن بالصالحين أساليب يحار فيها إبليس.
جاء رجل إلى أحد الصالحين فاغتاب أخاً له، فقال هل قاتلت الروم؟ قال: لا، قال: هل قاتلت الفرس؟ قال: لا، قال: أفتسلم منك فارس والروم ولا يسلم هذا المسلم؟! وقد تجد إنساناً لا يفكر أبداً في الحديث عن الفجار والعصاة والمنحرفين لكن همه أن يقع في أعراض الصالحين، ترك الزناة، ترك البغاة، ترك شاربي الخمر، ترك المحتالين، ترك السارقين، ترك أهل الفجور، ترك أصحاب الفساد، وهمه تتبع سقطات الصالحين، الوقوع في أعراض الصالحين، علامة كبرى من علامات النفاق
ج- مخالفة الظاهر للباطن :
فالمنافق ذكي، إن كان في جو ديني يتحدث عن الدين والقرآن والصلاة وأن الدين هو عصمتنا، لا بد من أن نرجع إلى ربنا، فإذا جلس مع طرف آخر تحدث كلاماً آخر، حدثهم بكلام آخر." وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " فذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً، بعض العلماء يقول: "أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الأعضاء ساكنة وهادئة والقلب ليس بخاشع"، وقد ورد عن بعض أصحاب رسول الله: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
رجل كان يطوف حول البيت في عهد عمر، رأى لوزةً قال: من صاحب هذه اللوزة؟ صاح حتى ملأ الناس صياحاً، فقال له عمر: كُلْها يا صاحب الورع الكاذب، يتظاهر بالصلاح، يسألك عن أدق الأشياء، حبة سمسم بين أسنانه بلعها أأفطر أم لم يفطر؟ وكان البارحة في خيمة رمضانية انتهت بالرقص، يسأل عن حكم سمسمة بين سنيه دخلت إلى جوفه، ولا يسأل عن سهرة فيها من المعاصي ما لا يعد ولا يحصى.الخوف الشديد من الحوادث :
د- من علامات النفاق: الخوف الشديد من الحوادث." يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ "
المنافقون دائماً خائفون، إن ارتفعت الأسعار قليلاً اضطربوا، طمأنينتهم بدنياهم، فإذا اضطربت دنياهم اختل توازنهم، أما آخرتهم فلا يعلقون عليها كبير أهمية، عقولهم بحاجاتهم، بأدواتهم، بمركباتهم، ببيوتهم، بمظهرهم، بأسعارهم.
أيها الأخوة الكرام، يقذف الله الخوف في قلب كل مشرك، الهلع الشديد، والخوف المرضي من الحوادث علامة من علامات النفاق.
"عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له "أخرجه مسلم .
نعيمهم في الطعام والشراب، وفي البيوت، وفي المركبات، وفي الأسعار، وهذا حديثهم، اجلس مع المنافقين ساعات طويلة لا يزيد حديثهم عن الأسعار، والبيوت، والتجارات، والمركبات، والمطاعم، هذا حديثهم، أما إن حدثته عن الله فأدركه النعاس واعتذر وقام من المجلس، إن أردت أن تنومه حدثه عن الله عز وجل، أما حديث المال والأسعار، وحديث البيوت والمركبات، والأخبار فتتبع الأخبار فارس في ميدانه، أما في أمور الدين فلا يفقه شيئاً.
هـ -ومن علامات النفاق: الاعتذار كذباً، يعتذر وهو كاذب، قيل لرجل: اخرج جاهد معنا، قال: يا رسول أنا رجل أخاف من الفتنة، أخاف على سمعي وعلى بصري، أخاف أن أقع في معصية في هذا البلاد، نساؤهم جميلات، أنا أخاف أن أفتن يا رسول الله، الله أكبر ما هذا التقى؟
" وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ "
أيها الأخوة، منافق في الحديبية يبحث عن جمل له فقالوا له: تعال يستغفر لك رسول الله، قال: والله لأن أجد جملي الأحمر أحسن عندي من أن يستغفر لي محمد، فيلحون عليه، فيلوي رأسه معانداً، فقال الله فيه ناقلاً الصورة:
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ *سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، فقال عليه الصلاة والسلام من شدة رحمته: "والذي نفسي بيده لو أعلم أن الله يغفر لهم بعد السبعين لاستغفرت لهم "
رواه [ البخاري
يعتذر كاذباً، إذا دعي إلى درس علم، إذا دعي إلى عمل صالح، إذا دعي إلى حضور محاضرة، إذا دعي إلى مساهمة بفعل خير يعتذر كاذباً.
و-ومن علامات النفاق، قبض الأيدي شحاً، ينفقون أموالهم جزافاً، إن أنفَقوا أنفَقُوا إسرافاً وتبذيراً، وإن مَنعوا منعوا بخلاً وتقتيراً، في مكان يشاد للمنافق ينفق المئات بل الألوف وهو مغتبط في هذا الإنفاق، لأن الناس أعجبوا به، أما فيما بينه وبين أحد أقربائه لو استنجد به بألف ليرة فلا يدفعها له، يتعذر بأعذار واهية ومضحكة.
" الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ " ولا ينفقون من أموالهم شيئاً، ينفقون على أنفسهم أموالاً فلكية، ويضنون على فقير بما يقيم صلبه، هذه المفارقة الحادة في إنفاق المال على شهواتهم وأهوائهم وفي إمساكه عن الفقراء والمساكين، هذه علامة من علامات النفاق.يان الله عز وجل :
ز-ومن علامات النفاق، نسيان الله عز وجل، يذكر كل شيء، خبير بكل شيء، يتفهم أعماق كل شيء، إلا قضايا الدين، لا يفقه منها شيئاً، لا يعرف في الدين الأشياء التي علمت بالضرورة، لا يعرف في الدين ما علم منه بالضرورة، ويعلم أدق التفاصيل، قد يعرف عن الساقطين والساقطات ما لا يعرفه عن الصحابة والصحابيات. " نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ " في أمور الدنيا متفوقون:
" يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ "
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ " يقول أحد العلماء: من أحبّ شيئاً أكثر من ذكره، وكل إنسان يتمتع بذاكرة قوية نحن نقول: هو يتمتع باهتمام قوي، فيما يبدو فيه ذاكرته قوية، ولو اهتم الإنسان بأمر الدين لقويت ذاكرته، ولحفظ كل الذي يتلى عليه ويلقى عليه، هناك علاقة وشيجة بين الاهتمام وبين التذكر، لأنه لا يهتم بالدين، ينسى العبادات، ينسى أحكام العبادات، ينسى ما علم من الدين بالضرورة، ويعلم أدق التفاصيل في شؤون الدنيا، يعلم أدق الميزات في المركبات بشكل لا يصدق، أما في شأن الدين فلا يعرف بوعه من كوعه.
4-المستفاد من الخطبة:
دقق فيها فإن انطبقت في بعضها على بعض تصرفاتك فبادر إلى إصلاح ذلك، وإن لم تنطبق فاشكر الله أن نجاك من النفاق، هذه علامات النفاق بعضها علامات نفسية، بعضها علامات قولية، بعضها علامات سلوكية،

أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات