تقديم المصلحة العامة على الخاصة للشيخ السيد مراد سلامة





الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنعم فأجزل، وأعطى فأغنى، وكل شيء عنده بمقدار، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وجوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن سار على هديهم، وسلك سبيلهم إلى يوم المعاد.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته، فإن تقواه سبحانه شعار المؤمنين، ودثار المتقين، ووصية الله للناس أجمعين، فاتقوا الله تعالى في كل ما تأتون وتذرون، واتقوا الله لعلكم تفلحون
أحباب رسول الله – صلى الله عليه و سلم إن الشريعة الغراء التي جاء بها سيد الأصفياء –صلى الله عليه وسلم –جاءت لتقرر قاعدة عظيمة يعود نفعها على الأمة أفرادا و جماعات إن تلك القاعدة هي قاعدة :تقديم المصلحة العامة على الخاصة – و المشاهد المحسوس في واقع كثير من المسلمين اليوم يجدهم يغفلون عن تلك القاعدة و يقدمون المصلحة الخاصة على العامة ،المصلحة القاصرة على المصلحة المتعدية
فتجد من يضر بغيره من أجل تحقيق نفع ذاتي
• فهذا يرتكب الذنوب والمعاصي التي يعم ضررها على الجميع ويتنزل بسببها البلاء بحجة الحرية الشخصية
• وهذا يتاجر في المخدرات و المسكرات من أجل تحقيق نفع ذاتي و إن ضر ذلك بالمجتمع ودى إلى انهيار و ضياع شبابه
• وأخر يقدم مصلحة جماعته وحزبه على مصلحة الأمة فيوالي ويعادي من أجل حزبه وجماعته وإن أضر بالوطن والأمة
• وأخر يحتكر السلع الغذائية والدوائية من أجل تحقيق ربح قاصر على ذاته
• وأخر يحتكر الكرسي والمنصب وإن أفسد وأضر بالأمن العام من أجل تحقيق مكسب سيادي ..........الخ
لـــــــــذا
كان لزاما وأجل مسمى أن نتحدث بشفافية ووضوح في ذلك الموضوع حتى نرقى بالأمة و نحقق لها الرفعة و المكان فأعيروني القلوب والأسماع:
تعريف المصلحة: المصلحة هي جلب المنفعة ودفع المفسدة
وتشمل جميع مقومات الحياة المادية (الجسمية أو الشهوانية)، والمعنوية (العقلية أو الروحية)،
أما المصلحة العامة فهي المنافع التي يتحقق بها صلاحُ عموم الأمة أو الجمهور، ولا التفاتَ منه إلى أحوال الأفراد إلّا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة.
ويدخل في المصلحة العامة معظم ما جاء فيه التشريع القرآني، ومنه معظم فروض الكفايات، كطلب العلم الديني والجهاد وطلب العلم الذي يكون سبباً في حصول قوة للأمة
المصلحة الخاصة هي الأمور التي تحقق نفع آحاد المجتمع مثل أعمال العبادات من صلاة وصيام وتقوى
ثانيا تقديم المصلحة العامة على الخاصة في الدعوة إلى الله
إخوة الإسلام إن من الأمور المهمة إلى عامة الأمة إن نقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الدعوة إلى الله تعالى فالداعية لابد أن يتجرد من المصلحة الذاتية إلى المصلحة العامة فهو لا يخدم فراد أو جماعة أو حزبا يريد له الاستحواذ أو يريد له النفوذ وإنما يخدم الدعوة التي يحملها والتي حمله الله تعالى إياه فهو يريد الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلا
ولنأخذ صورة مشرقة لتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الدعوة إلى الله
جاء في السيرة النبوية لابن هشام ( ت 318هـ ) هذه القصة :
((اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب وغيرهم من رؤساء قريش وقالوا: ابعثوا إلى محمد، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا بك ليكلموك. فأتهم، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً، وهو يظن أن قد بدأ لهم فيها كلمهم فيه بداء. وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له : يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة ، وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة ، فما يعنى أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تكون تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيْاً تراه قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ما تقولون ، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ... )( )
فقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم لجميع مغريات مشركي قريش لترك الدعوة وذلك مقابل المال والجاه والملك ولكنه فضل المصلحة العامة على مصلحته الخاصة ورفض كل هذه المغريات
وتحتوي هذه القصة التي تتناول سلوك النبي عليه الصلاة والسلام على مبادئ تربوية جليلة يأتي في مقدمته:
1ــ الثبات على المبدأ في مواجهة المغريات الدنيوية مهما تعاضمت .
2ــ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عندما تتعارض الأولى مع الثانية.
فقد رفض النبي تلك المغريات التي عرضت عليه وكان بالإمكان أن يقول عندما أصل إلى السلطة سأتحكم في الناس وسأفرض عليه الدعوة بالإكراه كما نرى من بعض التيارات الإسلامية التي اختارت طريق السلطة على طريق الإصلاح والدعوة فباءت بالفشل
3ــ رفض السلطة أو الثراء خشية معصية الله ومخافة الوقوع تحت تأثير سوء استغلال هاتين الوسيلتين الدنيويتين.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إخوة الإسلام و من مجالات تقديم المصلحة العامة على الخاصة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قطب الدين الأكبر و سبيل السعادة و الراحة و الأمن و السلام الذي أهملته الأمة و ضيعته و الله تعالى يقول {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110]
فالمشاهد يرى البعض يقدم مصلحته فيما يزعم على المصلحة العامة
فالعصاة والمذنبون التي يجاهرون بالمعصية هؤلاء يقدمون نزواتهم وشهواتهم وإن كان في ذلك إضرارا بالمجتمع والأمن العام فإذا ذكرت أو أنكرت تسمعهم يقولون: حرية شخصية وحرية فكرية .... فانتشر التبرج والسفور ولا منكر لذلك فانتشر الاغتصاب و التحرش الذي عم و طم ،و نزلت و حلت بنا العقوبات الربانية كما اخبرنا خير البرية –صلى الله عليه وسلم-
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»( )
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَخْرُجُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ وَيَشُقُّونَ عَلَى الَّذِي فِي أَعْلاَهَا ، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا : لاَ نَدَعُكُمْ تَمُرُّونَ عَلَيْنَا فَتُؤْذُونَا ، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا : إِنْ مَنَعْتُمُونَا فَتَحْنَا بَابًا مِنْ أَسْفَلِهَا ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ ، نَجَوْا جَمِيعًا ، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ هَلَكُوا جَمِيعًا.
رابعا إقامة الحدود الشرعية:
ما ظُلمت الشريعة الإسلامية في فترة من الفترات مثلما ظلمت في الفترة الأخيرة التي تمر بها الأمة فهُوجمت الحدود التي حده الله تعالى وعدها البعض ظلما و تعسفا و عدها البعض رجعية و تخلف
فانتشرت الجرائم دون رادع أو حاجز
فإذا قلنا بقطع يد السارق تجد البعض يتهكم من ذلك ويقول أليس هذا من الظلم ؟!!
و لو تدبروا الحكم العلية و الغايات السنية من ذلك الحد لعلموا أن الشرع راعى مصلحة العامة على مصلحة الخاصة فمصلحة العامة حفظ الأموال و الممتلكات من النهب و السرقة و حماية لمدخرات الوطن و الأمن من تلك الجريمة التي تضر بالأمن الاقتصادي و الاجتماعي فهناك مليارات تم سرقتها و نهبها دون عقاب رادع لهؤلاء و كما يقولون من أمن العقاب أساء الأدب
أظهرت تقارير أمنية مصرية ومؤشرات دولية، أن معدلات الجريمة في مصر تضاعفت منذ عام 2011 حتى الآن، حيث احتلت مصر المركز الثالث عربيًا في تقرير مؤشر الجريمة العالمي لعام 2016.
وأكدت تقارير أعدتها وزارة الداخلية المصرية، أن جرائم القتل العمد ارتفعت بنسبة 130%، والسرقة بالإكراه زادت بنسبة 350% بينما ارتفعت سرقة السيارات إلى 500%.
وأشارت إلى أن عدد المجرمين “البلطجية” في مصر ارتفع إلى 92 ألفًا وعدد المسجلين خطرًا ارتفع بنسبة 55%، وجرائم الخطف من أجل الفدية ارتفع من 107 حالات إلى 400 حالة العام الماضي، كما ارتفعت معدلات السرقة 4 أضعاف من 5 آلاف سرقة إلى أكثر من 21 ألف حالة
إخوة الإيمان الله تعالى عزيز حكيم في تشريع ذلك الحكم و الحد قال الله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 38، 39]
يقول القرطبي –رحمه الله -فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة لقوام الخلق، لا زيادة عليها، ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها، فلم يرتدع الخلق بها، ولو حكموا بالعدل، وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور ، وصلح الجمهور. ( )
ومن ذلك قوله تعالى ({وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] فتشريع القصاص مصلحة مؤكدة للناس , لأن فيه زجرا وردعا لمن تسول نفسه الاعتداء على أرواح الناس , فتحفظ حياتهم بذلك , وقول الله تعالى في تعليل النهي عن الخمر والميسر {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة: 91] فالنهي عن الخمر والميسر يحقق مصلحة مؤكدة هي دفع ما يريد الشيطان إيقاعه بين المسلمين من عداوة وبغضاء وصد عن ذكر الله وعن الصلاة .....
تقديم النبي – المصلحة العامة على الخاصة في تطبيق الحدود
ومن الأمثلة التطبيقية في حياة رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء في الحديث الشريف: عن عَائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِى عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا، إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا( )
ويقول الدهلوي رحمه الله تعالى في كتابه حجة الله البالغة: ( اعلم أن من المعاصي ما شرع الله فيه الحد وذلك كل معصية جمعت وجوهًا من المفسدة ، بأن كانت فسادًا في الأرض واقتضابًا على طمأنينة المسلمين ، وكانت لها داعية في نفوس بني آدم لا تزال تهيج فيها ، ولها ضراوة لا يستطيع الإقلاع منها بعد أن أشربت قلوبهم بها وكان فيه ضرر لا يستطيع المظلوم دفعه عن نفسه في كثير من الأحيان ، وكان كثير الوقوع فيما بين الناس ، فمثل هذه المعاصي لا يكفي فيها الترهيب بعذاب الآخرة ، بل لا بد من إقامة ملامة شديدة عليها وإيلام ليكون بين أعينهم ذلك فيردعهم عمّا يريدونه . ثم مَثَّلَ ببعض المعاصي ، إلى أن قال: وكالسرقة ؛ فإن الإنسان كثيرًا ما لا يجد كسبًا صالحًا فينحدر إلى السرقة
ومن الأمثلة المشرقة في حياة سلف الأمة، ما قام به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المحافظة الشديدة على المصالح العامة، فمن مواقفه المعروفة: إن ابنه عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: اشترى إبلاً وأرسلها إلى الحمى حتى سمنت، فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ... بخ... ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين. ( )
تقديم المصلحة العامة على الخاصة في الاقتصاد
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
تقديم المصلحة العامة على الخاصة في باب الحكم والولاية
إخوة الإسلام و من باب مراعاة المصلحة العامة على المصلحة الخاصة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الحزبية أو السياسية عند التنازع على الحكم و السلطة، و هذا من باب درء المفسدة و جلب المصلحة فما عانته الأمة في الماضي من تشرذم و تمزق و من محن قضت على الإسلام في بلاد الأندلس و اندثر رمسه إلا بتغليب المصلحة الخاصة على العامة من أجل كرسي زائل
وما تعانيه الأمة في العراق وسوريا وليبيا وغير هم من دول الأمة الإسلامية هذه الأيام إلا بسبب تغليب بعض الأشخاص المصلحة الفردية والحزبية على مصلحة العامة للوصول إلى سدة الحكم
وفي تاريخ الأمة الإسلامية صور رائعة لمن قدموا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة نأخذ في ذلك مثالا رائعا
تنازل الحسن بن علي-رضي الله عنهما-عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه-تغليبا للمصلحة العامة على الخاصة وحقنا لدماء المسلمين
عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها.
فقال له معاوية: فكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟
فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز فقال: إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه.
فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه.
فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها.
قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك.
قال: فمن لي بهذا؟
قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به فصالحه.
فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله ﷺ على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ».( )
وهكذا وقع الأمر كما أخبر به النبي ﷺ سواء، فإن الحسن بن علي لما صار إليه الأمر بعد أبيه وركب في جيوش أهل العراق وسار إليه معاوية فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصري فمال الحسن بن علي إلى الصلح وخطب الناس، وخلع نفسه من الأمر وسلمه إلى معاوية وذلك سنة أربعين فبايعه الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة فسمي ذلك العام عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد
وهذا الإصلاح الذي حصل بين فريقي الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهما مما يحبه الرب -جل وعلا – ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر مناقب الحسن رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذا الحديث يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان ممدوحاً يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان القتال واجباً أو مستحباً لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم بترك واجب أو مستحب)
تضحية الخاصة من اجل بقاء العامة
إخوة الإسلام : و من أروع صور تقديم المصلحة العامة على الخاصة هو التضحية من أجل بقاء العامة و سلامة الأمة ففي تلك الفترة العصيبة نحن بحاجة ماسة الى ذلك النوع من التضحية من اجل رقي و بقاء الامة في وسط تلك الظروف الهوجاء التي تعانيها الامة فالتضحية سبيل البقاء و هيها لنتأمل تلك المشاهد :
تضحية نبي الله يونس عليه السلام – من اجل سلامة ركاب السفينة
يقول الله تعالى { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 139 - 144]
وفي قصَّة يونس - عليه السلام -: دليلٌ على القاعدة الأصولية المشهورة، وهي: ارتكاب أخف الضررين لدفْع أعلاهما، فإلقاء بعض أفراد السفينة، وإن كان فيه ضررٌ متحقِّق، إلا أنَّ فيه دفعًا لضرر أعلى، وهو هلاكهم جميعًا.
الدعاء ........................................................

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات