خدمة المجتمع بين العمل التطوعي والواجب الكفائي والعيني للشيخ فوزي محمد أبو زيد



الحمد لله رب العالمين خلق الخلق وهو اعلم بهم، وبين فى كتابه وعلى لسان نبيه ما يصلح به شئونهم، ويجعل به أحوالهم فى الدنيا فى سعادة وارفة وفى الآخرة فى جنة عالية قطوفها دانية،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إلهٌ تعالى فى كبريائه وسما فى طوره وعلوه وبهائه ، وتولىّ بولايته وحفظه وصيانته الصالحين والمتقين من أوليائه .
واشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله أقام الله عزوجلّ به الملة العوجاء، وأخرج به الأمة من ظلمات الجاهلية والعصبية إلى نور كتاب الله وإلى العمل النافع فى الدنيا والرافع يوم لقاء الله،
اللهم صلى وسلمّ وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا جميعا للأخذ بسنته والعمل بشريعته يالله نحن وإخواننا المسلمين اجمعين ..
آمين آمين يا رب العالمين ..
وبعد فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين :

ما الواجب علينا فى هذا الوقت والحين الذى نأخذه من هدى سيد الأولين والآخرين ليُعزّ الله عزوجل حالنا فى الدنيا إلى أحسن حال، ويجعل لنا العزّة فى الكون على الكافرين أجمعين،
هل فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلمّ وهديه ما يوصلنا إلى ذلك ؟
نعم .. فإن الله عزوجلّ كتب لنا وللمسلمين أجمعين فى كل زمان ومكان العزّة على جميع كائنات ومخلوقات الله فى أى زمان ومكان :
"وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " (المنافقون:8)
كيف نبلغ هذه العزة فى هذا الزمان الذى تجمّع علينا فيه الكافرين وتألب علينا من الخارج المشركين ومن الداخل المنافقيتن والمغرضين، يريدون أن يقضوا على حرمة وعزّة هذا الدين، ويجعلونا أذلاء مستضعفين لمن لا يؤمنون بالله ولا رسوله ولا يتخذون كتاب الله نهجاً لهم فى هذه الحياة ؟
كيف نبلغ هذا المقام يا إخوانى ؟
ان نأخذ من سنة رسول الله ما وضحه لنا فى مواجهة هذه الحياة، فإننا جميعاً اخذنا من سنته : كيفية إقامة الصلاة وكيفية إخراج الزكاة وكيفية صيام رمضان، وكيفية الحج إلى بيت الله وكيفية أداء النوافل التى نظن انها تقربنا إلى الله، وتركنا الأساس الذى عوّل عليه الحبيب الصطفى فى عزّة هذه الأمة فى هذه الحياة .
لقد وضع لنا صلى الله عليه وسلمّ ورسم لنا كل طريقٍ للإصلاح، فى أي ناحية من نواحى المجتمع تخطر على فكرنا،
ووضع الأساس لذلك كله فى إخلاص العمل، وفى إتقان العمل و احسان العمل فى مراقبة الله فى أى حركة أو سكنة،
فى العدالة التى يتوخّاها المؤمن فى كل مواقعه
فى المساواة بين المسلمين، بل فى المساواة بين المسلمين وغير المسلمين،
فى الإحسان إلى من أساء إليك : ( أحسن إلى من أساء إليك تكن مسلما )
فى عدم إضاعة الوقت إلا فى عملٍ نافع فى الدنيا او عمل رافع فى الآخرة .
وضع النبى صلى الله عليه وسلمّ هذه الضوابط وغيرها وجعلها سرّ سعادة الدنيا ورفع الإنتاج وتقديم الأعمال الصالحة والأعمال الدنيوية الناجعة الرابحة .

أنظر يا اخى إلى غير المسلمين من أهل اوروبا أو سكان أميركا أو اليابان أو شرق آسيا لا يدينون بدين الله عزوجلّ لكنهم أخذوا الضوابط التى وضعها الحبيب المختار، وأسّسُوا حياتهم وبنوا عليها صروحهم ويذهب أبناء المسلمين أصحاب هذه المبادئ إليهم سائحين او زائرين أو متعلمين
ويرجعون ويقولون :
وجدنا عندهم إتقان العمل والحرص على الوقت والإخلاص فى أدائه، وكانها بضاعتهم ولا يدرون أن هذه بضاعتنا أخذوها واسّسُوا عليها نهضتهم ففازوا وجازوا وتحكموا فينا بإقتصادهم وبأموالهم وصرنا عالة عليهم ونمُد أيدينا إليهم كلما أحتجنا إلى شيء من متاع الدنيا الفانى .

ذهب الإمام محمد عبده رحمة الله عليه لزيارة فرنسا فرأى هذا الحال فترجم للمسلمين فقال : أخذوا اخلاقنا وقيمنا فسادوا وأخذنا قيمهم واخلاقهم فزللنا، لم نأخذ منهم هذه القيم والمبادئ بل نأخذ منهم ما يضُرنا وما لاينفعنا، لا نأخذ منهم إلا الهزل، لا نقتبس منهم إلا الحرية فى الجنس، لا نأخذ منهم إلا المسلسلات الهابطات والأخلاق المُرديات والطباع السافلات وتركنا ماهم عليه مما نهضوا به وقد أخذوه من ديننا ومن هدى نبيّنا ومن قيم قرآننا، فإنه هو الذى قال لنا ولم يقل لهم :
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ " ( التوبة:105 )
والنبى صلى الله عليه وسلمّ لم يقل لهم وإنما قال لنا :
( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه ) (رواه ابو يعلى والطبراني عن عائشة رضي الله عنها)
فعلينا بهذا الهدى الكريم فى هذه الأيام،
نرجع إلى هدى نبينا نجعل الصدق رائدنا ونجعل الإخلاص فى أى عمل طريقنا ونجعل إتقان العمل هو الدافع لنا ونجعل الرغبة فى زيادة الإنتاج هى ديدننا .
إذا سرنا على ذلك ومشينا على ذلك فعسى الله أن ينظر إلينا فيغير حالنا إلى احسن حال
وكما قال شيخنا الشعراوى رحمة الله تبارك وتعالى عليه :
[ إن المادة كلها صماء لا يوجد كيمياء إسلامية وكيمياء اوروبية ولايوجد فيزياء أميريكية وفيزياء روسية، فهى تتعامل مع الذى يتقن التعامل معها ويُخلص فى العمل معها وتعطيه، وها أنتم تروا الأرض تعطى من يتقن زراعتها ويُخلص فى العمل لها، الإنتاج الوفير ] .
أما من يذهب إلى أرضه متكاسلا وينظر إليها شذرا ويقول أنا متوكل على الله، وما قدّره الله لى فسيخرج بإذن الله نقول له هذا ليس من سنة رسول الله هذا تواكل وليس توكلٌ نهى عنه رسول الله صلوات ربى وتسيماته عليه .
عندما جاء رجل إلى حضرته وترك جمله الذى يركبه خارج المسجد وظن فى نفسه أنه مادام ذاهب إلى رسول الله فإن الجمل لن يتحرك لأنه فى ضيافة رسول الله فلم يعقله فقال للنبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ
"يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل ؟ قال (بل اعقلها وتوكل" (رواه الترمذي عن انس رضي الله عنه)
ونحن جماعة المسلمين الآن تبدوا بيننا شائعة يقول كثير منا :
نحن مسلمون ونؤمن بالله ونقرأ كتاب الله، ونحافظ على الصلاة ونصوم أيام النوافل غير رمضان لله، ونحاول ان نتمسك بهدى الله ونطمع بسبب ذلك ان تأتينا الأرزاق من الرزاق بغير سعى فى هذه الحياة،
أو أن الله عزوجلّ يمطر فى حجورنا ذهبا وفضة،
أو ان الله عزوجل يُسخر لنا من يزرع مزارعنا ويسّخر لمصانعنا من يديرها، وتأتينا الأرزاق من هنالك .
نظن اننا سيكون لكل رجل منا رصيدٌ فى البنك يأتيه آخرون من غير ذويه يضعون فى هذا الرصيد ليعلوه من غير سعى من صاحب هذا الرصيد .
يا إخوانى هذا ليس من دين الله ولا من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إن رسول الله صلى الله عليه وسلمّ عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود هم اصحاب السوق ويسيطرون على البضاعة وخاصة تجارة السلاح وتجارة الذهب وتجارة الأقوات، بل معهم آبار المدينة أي يتحكّمون فى سكان المدينة
فماذا فعل النبى الروف الرحيم الذى يستمد من مولاه وأمره كله يقول فيه الله : "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) "( النجم )
نظر فى المدينة فوجد مكاناً فخططه وجعله سوقا للمسلمين وقسمّه بين التجار وقال لهم : لابد لكم من سوق فاستغنوا به عن اليهود وعن الشراء منهم وعن البيع لهم وقد ورد في الأثر (هذه سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج )
لأنهم إذا استقلوا إقتصاديا فقد زاد إيمانهم وقد زاد تعلقهم بربهم ويستطيعون ان يفعلوا ويصنعوا ما يشاءون لأنهم لا يحتاجون إلى غيرهم .
ثم أراد أن يحررهم من الماء، فجاء إلى بئر عظيم يكفى جماعة المسلمين ورغّب فيه وقال :
(مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ في الجنة ) (رواه البخاري عن عثمان رضي الله عنه)
ترغيبا فى شراء البئر، ليُغنى المسلمين عن حاجتهم للماء إلى اليهود ومكرهم وسوء تدبيرهم، فذهب عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى صاحب البئر اليهودى، يساومه على شراء البئر فرفض فعرض عليه مبلغا كبيرا فأبى وفى النهاية قال له اقتسمه معك يكون لك النصف ولى النصف
قال وكيف نستخدمه قال لك يوم ولى يوم
وانبأ المسلمن أجمعين بأن أيّامه هى أيام كذا وكذا ليذهبوا فى هذه الأيام وليأخذوا حاجتهم من الماء حتى لا يحتاجوا إلى الماء فى يوم اليهودى لأن اليهودى كان يبيع الماء .
ولما فعل المسلون ذلك واستمروا على ذلك وجد اليهودى أنه لايجد من يشترى منه الماء ويومه فيه كساد لبيع الماء فعرض على عثمان أن يشترى النصف الثانى فرفض واخذ يساومه وعثمان يُنّزل الثمن ــ أى يخفض الثمن ــ حتى إشتراه بثمن بخث لأنه حرّر المؤمنين من هذا اليهودى الذى يتحكم فى الماء للمسلمين .

هكذا يا إخوانى كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمّ أخذوا هدى الله الذى جاء به فى كتاب الله والذى بينه بفعله وقاله رسول الله فتقدموا حتى صارت للمسلمين دولة تمتد من الأندلس غربا إلى الصين شرقاً إلى روسيا شمالا وإلى اندونيسيا جنوباً، وكانت لها حضارة زاهرة رآها اهل أوروبا فتدبروا أسرارا هذه الحضارة فوجدوها فى إخلاص العمل وإتقان العمل، والسعى بلا كلل ولا كسل والعمل بالقيم الفاضلة الصدق والأمانة والمروءة والعدل والمساواة،

تلك قيم الإسلام يا بنى الإسلام فأ حيوها واسمعوا إلى الحبيب وهو يقول :
«مَنْ أحْيا سُنَّةً من سُنَّتِي قدْ أُمِيتَتْ بَعدِي فإنَّ لهُ من الأجرِ مِثلَ مَنْ عَمِلَ بِها من غَيرِ أنْ يَنْقُصَ من أُجُورِهِمْ شيءٌ)( (رواه الإمام الترمذي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلمّ : (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد".(الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه)
أو كما قال : ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة ...

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذى هدانا به إليه، وعرفنا به عليه، وأنزل لنا كتاباً هادياً جامعاً فيه كل ما يقربنا إليه
وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد ان سيدنا محمداً عبد الله ورسوله النبى المختار الذى بعثه الله عزوجلّ فجعل الأمة التى هى .. كان أفرادها حفاة عراة جوعى لا يستظلون بظل ولا يسكنون فى بيت ساسة العالم وامراء الوجود

اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الغُرّ الميامين وصحابته الهادين المهديين وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد .. فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين
.صنع النبي صلى الله عليه وسلم مدرسة إلهية نورانية خرّجَت تلاميذ ليس لهم مثيل من قبل ولا من بعد فى الوجود،
لم يرى العالم كله حاكماً عادلاً كعُمر الذى تخرّج من مدرسة النبى صلى الله عليه وسلم
لم يجد العالم كله رجلا صادقا فى صدقه فى وعده رحيما على بنى جنسه كأبى بكر رضى الله عنه،
لم يجد العالم كله ما لانستطيع عدّه من هؤلاء الأبطال الذين خرّجهم النبى صلى الله عليه وسلم فى مدرسته .
وهل أغلقت هذه المدرسة أبوابها ؟
وهل هذه المدرسة لا تفتح أبوابها لجيل جديد من المسلمين ؟
يا جماعة المسلمين لمَ لايكون فينا الآن ألف عمر وألف أبى بكر وألف على وألف عثمان ؟
لم لا يكون فينا جماعة المسلمين نفراً على مثل هؤلاء ؟
فى هديهم وفى إيمانهم بربهم وفى اخلاقهم وفى قيمهم وفى احوالهم التى كانوا عليها واعلموا أن الذى ذكرته الآن لا يستطيع أن ينهض به شخص واحد لكن لابد لنا من الإجتماع جميعا وأن نكون على قلب رجل واحد نعاهد الله جل وعلا على أن نكون معنيين فى قوله :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (التوبة:119)
وهل يوجد فى مجتمع المسلمين فى أى وقت وحين كاذب ؟
لا يوجد أبدا فى أى زمان ومكان، وإذا وجد الآن فهذا هو الذى لطخ مجتمع المسلمين وهذا الذى أفقد العالم الثقة فى المسلمين وهذا الذى دمّر حياة المسلمين لأنه لم يعد أحد يثق فى أحد مع أن مجتمع المسلمين مجتمع الصادقين الرجل كلمته كأنها عقد مُوثق فى التوراة والإنجيل والقرآن لأنه لا يقول إلا صدقا .
الرجل منهم امين فى كلامه امين على المجلس الذى يجلس فيه أمين على العمل الذى يسند إليه امين على أي امر يوكل إليه أنتم الأمناء الذين اختارهم الله عزوجل وأولاهم عناية السماء وجعلهم أمناء على وحى الله وافضل كتاب انزله الله فإذا كانوا أمناء على كتاب الله فهم امناء فى هذه الحياة 
أيكون المرء أمينا على كتاب الله إذا أخطأ واحد فى حرف يُقومه ويرده ويصحح له ولا يكون امينا على المال لعاعة الدنيا الفانية التى سيتركها ويذهب للقاء الله ؟
ولا يكون أمينا على إمرأة إن كانت اخته فى الإيمان أو مساوية لأمه لأنها نظيرة لها فى السن ؟
ألا يكون امينا على كل شيء فى هذه الحياة لأنه أمينا على شرع الله عزوجل،

نحن نحتاج إلى صحوة إيمانية لنتخلق بأخلاق الحبيب، ونأخذ بقيمه فى حياتنا لا نتأسى بهديه فى العبادات ونترك هديه فى المعاملات ونترك أخلاقه فى التعامل مع الناس ونقول نحن نتأسى برسول الله ونطمع فى شفاعة رسول الله .
إن هذا الدين لابد وان يؤخذ كله نتأسى به فى اخلاقنا فى بيعنا فى شرائنا فى زواجنا فى طلاقنا فى كل شيء فى حياتنا كما نتأسى به فى صلاتنا وصيامنا، .... ثم الدعاء
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات