خطورة النفاق وعلاماته للشيخ عبدالناصر بليح
الحمدلله رب العالمين والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما بعد فيقول تعالي:"إن
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً"
ويقول: " وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ" (البقرة:8-10).
اخوة الإسلام:"النفاق مرض
فتاك ، فكم بسبب نفاق المنافقين تنافر الأحباب، وتفرق الأصحاب، وهدمت بيوت مستقرة،
وتقاتلت أسر، وتعادت دول …وبسبب النفاق يمكن أن يضحي الوالد بولده والزوج بزوجته..
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر
النفاق في أكثر من سبع وثلاثين آية، وفي عدة سور منها سورة آل عمران، والحشر، والتوبة،
والأحزاب، والفتح، والحديد، والأنفال، والنساء، والعنكبوت، والتحريم، بل سميت سورة
بإسم المنافقون وهذا دليل أيها الأخوة على خطر هذه الفئة.
ولذلك يقول الحسن البصري
:"ماكره النفاق إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق"أي: ما خاف النفاق إلا مؤمن,
فالمؤمن دائماً يخاف النفاق, وأما من يأمن النفاق فهو المنافق.
قال عمر لـحذيفة في الصحيح:
"أسألك بالله يا حذيفة! أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال:
لا. ولا أزكي أحداً بعدك"سأل هذا السؤال لخوفه وورعه وخشيته من الله..
وقد ذكر الله المنافقين في أكثر
من سورة, بل خصص لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى سورة كاملة، هي: سورة التوبة، تسمى: الفاضحة
لأنها فضحتهم, ذكر فيها خمس مرات: ومنهم ومنهم ومنهم..! وخصهم الله بسورة المنافقين,
فابتدأها سُبحَانَهُ وَتَعَالى بقوله: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " (المنافقون:1).
أحدهم أتى إلى الرسول عليه الصلاة
والسلام، فقال: يا رسول الله! لن أخرج معك في غزوة تبوك؛ لأني رجل إذا رأيت بنات بني
الأصفر لا أصبر عن النساء, فعذره عليه الصلاة والسلام, فأنزل الله قوله: " وَمِنْهُمْ
مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِين"َ (التوبة:49). ترك الجهاد ووقع في الفتنة, فرّ من
الموت وفي الموت وقع:"وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ "
(التوبة:49). هذا الجد بن قيس أتى في الحديبية فضاع جمله, قالوا: تعال يستغفر لك رسول
الله صلى الله عليه وسلم, قال: والله لئن أجد جملي الأحمر أحسن لي من أن يستغفر لي
محمد، قالوا: تعال يستغفر لك؟! يلوي رأسه كذا.., فنقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصورة
والحديث حيث قال: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ
اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون سَوَاءٌ
عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَهُمْ
جاء ابن جميل فقال: يا رسول الله!
أنا فقير؛ فادعُ الله أن يغنيني من خزائنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فوالله يا رسول الله!
لئن أغناني الله لأتصدقن ولأعطين ولأبذلن, فدعا له, فلما أتت عليه الزكاة كفر بها،
ورفضها، ومنع وبخل وقبض يده, فأنزل الله قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا
آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ "االتوبة:75-76).
وهذا عبد الله بن أبي بن سلول
يلقبه المسلمون بكبير المنافقين ورأس المنافقين في المدينة المنورة، كان سيد قبيلة
الخزرج. وكان على وشك أن يكون سيد المدينة قبل أن يصلها الرسول . لديه ولد اسمه عبد
الله (على اسم أبيه) وأصبح لولده شأن كبير في الإسلام وقتل في معركة اليمامة.
خاض ابن سلول صراعاً مريراً علنياً
في قليل من الأحيان وسريا في أحايين كثيرة مع النبي محمد وأتباعه للسيطرة على مقاليد
الأمور في المدينة. وينسب له المؤرخون المسلمين الكثير من المواقف المعادية للإسلام
منها انسحابه هو ومجموعة من أصحابه المنافقين من غزوة أحد وكذلك ينقل عنه قوله عندما
رجع الرسول وجيشه من غزوة خيبر وقيل من غزوة بني المصطلق "ولله لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". وكان ابن سلول يقصد الرسول. ولما علم ابنه
عبد الله بما قال ذهب إلى الرسول وقال: "يا رسول الله قد علمت المدينة أنه لا
يوجد أحد أبر من أبيه مني فإن تريد قتله فأمرني أنا فإني لا أصبر على قاتل أبي".
وعندما دخل الجيش المدينة بعد
العودة من غزوة بني المصطلق تقدم ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الجيش ووقف
بسيفه على مدخل المدينة والكلُ مستغرب من عمله حتى إذا قدم أبوه داخلاً المدينة أشهر
السيف في وجه أبيه وقال والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله. ولم يدخل حتى اذن له
رسول الله صلى الله عليه سلم
. وتروي كتب السيرة تفاصيل اليوم
الأخير من حياة ابن سلول ، فقد دخل عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره ، فطلب
ابن سلول من النبي عليه الصلاة والسلام أن يعطيه ثوبه ليكون كفناً له ، وإنما فعل ذلك
ليدفع به العار عن ولده وعشيرته بعد موته – كما قال الإمام ابن حجر - ، ولم يكن من
عادة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يردّ سائلاً أبداً ، فأعطاه قميصه ، كرماً منه
وفضلاً ، و مكافأة له لما كان منه يوم بدرً ، فقد استعار النبي – صلى الله عليه وسلم
– من ابن سلول قميصه يوم بدر ليعطيه عمّه العباس رضي الله عنه ، وقد كان العباس طويلاً
فلم يكن يناسبه إلا قميص ابن سلول .
وجاء عبدالله بن عبدالله بن أبي
رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : " يا رسول الله ، أعطني
قميصك أكفنه فيه ، وصلّ عليه ، واستغفر له " ، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام
قميصه ، وقام ليصلّي عليه ، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك أسرع إلى النبي
– صلى الله عليه وسلم – وقال له : " أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ؟
" ، فقال له : ( إني خُيّرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له
لزدت عليها ) يعني قوله تعالى :" استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين
مرة فلن يغفر الله لهم" ( التوبة : 80) .فقد جاءت الآية بالتخيير بين الاستغفار
وعدمه ، فلما صلى عليه نزلت الآية الأخرى وهي قوله تعالى :" ولا تصل على أحد منهم
مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " ( التوبة
: 84 ) ..
"علامات المنافق "
النفاق داء خطير خاف منه الصالحون
والمخلصون، وأما الكاذبون فقد فضحهم الله وكشف سرائرهم ومكائدهم، ولهم علامات ذكرت
في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها:
الكذب، والغدر، والفجور، وخلف
الوعد، وقلة الذكر
أولها - " الكذب"
الكذب ركن من أركان الكفر والنفاق،
إن الله إذا ذكر النفاق في القرآن ذكر معه الكذب، وإذا ذكر الكذب ذكر معه النفاق، قال
تعالى:" يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون"( البقرة :9-10 ).
:"وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ"
وكذلك من كذب مازحاً، فإن بعض
الناس يتساهل في ذلك, وعند أحمد في المسند بسند جيد: "ويل له, ويل له, ويل له,
من كذب الكذبة ليضحك القوم).
والكذَّاب ملعون، سواء كان جاداً
أو مازحاً، فليتنبه لهذه الخصلة الذميمة، فإن مبنى النفاق وركن النفاق الأعظم وقطبه
ودائرته وبركانه وعموده هو الكذب, وما نافق المنافقون إلا بكذب في قلوبهم، وهو يبدأ
كالقطرة في القلب، ثم يتعمق ويتطور حتى يصبح فسطاطاً عظيماً, ويصبح حصناً من حصون النفاق
والعياذ بالله, فأحذركم ونفسي من الكذب, إياكم والكذب فإن الكذب مدد للنفاق, والله
وصف المنافقين بالكذب، فقد كذبوا في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم.
ثانيا - "الغدر"
والدليل على ذلك قوله صلي الله
عليه وسلم :"إذا عاهد غدر" من أعطى المسلمين بيمينه أو عاهده أو ولي الأمر
أو مسلماً أو كافراً في حرب في معاهدة ثم غدر؛ فقد أشهد على نفسه بالنفاق, ولذلك ثبت
في حديث بريدة يوم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يوم ولى الأمير
وقال: "وإذا سألك أهل حصن أن تنزلهم في ذمة الله، فأنزلهم في ذمتك أو ذمة أصحابك،
فإنكم أن تخفروا ذممكم أهون -أو أسهل- من أن تخفروا ذمة الله".
فمن أعطى عهده رجلاً أو امرأته
أو ولده أو صاحبه أو صديقه أو ولي أمر ثم خانه وغدره بلا سند إسلامي، فهذا علامة وركن
من أركان النفاق والعياذ بالله.
ثالثاً -" الفجور"
في الخصومات؛ لقوله صلى الله عليه
وسلم:"وإذا خاصم فجر".
قال أهل العلم: "من خاصم
مسلماً -لأن مخاصمة الكفار لها باب آخر يفصلونه عن مخاصمة المسلمين- ثم فجر في خصومته،
فقد أشهد الله على ما في قلبه أنه فاجر منافق".
رابعاً - " الخلف بالوعد
"
فمن وعد ثم أخلف وعده فقد ورث
شعبة من شعب النفاق, يذكر عنه صلى الله عليه وسلم في السير بأسانيد تقبل التحسين, أنه
وعد رجلاً عليه الصلاة والسلام أن يلاقيه, فأتى عليه الصلاة والسلام للموعد فأخلف ذاك
الرجل, فبقي صلى الله عليه وسلم في المكان ثلاثة أيام بلياليها, فتذكر الرجل فجاء,
فقال له صلى الله عليه وسلم: "لقد شققت عليّ" فمن أخلف في ميعاده ولم ينضبط
ففيه علامة من النفاق, من وعدك في ساعة أو في يوم أو في مكان, ثم أخلف ميعادك بلا عذر،
فاعلم أن فيه شعبة من النفاق, فاغسل يديك منه.
خامساً :" قلة الذكر والتكاسل
في أداء الصلاة"
سبحان الله! يذكرون الله لكن قليلاً,
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً "(النساء:142).ولم
يقل: لا يذكرون الله, يذكرون الله لكن قليلاً, ربما المنافق يذكر الله، ويسبح قليلاً,
لكن لسانه ميت، وليس عنده نشاط على الذكر, وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي
الدرداء {تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى تدنو
من الغروب -وفي لفظ: حتى تَصْفَر - ثم يقوم فينقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا
قليلاً سبحان الله! يصلي ويذكر الله قليلاً ومنافق.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على اشرف المرسلين..
أما بعد فياأيها المسلمون إن الفكرة
الشائعة أن المنافقين قلة من البشر؛ لا يتحركون إلا حول الشخصيات القوية إما بالمال
أو بالسلطة، وأنهم يمارسون النفاق لمصلحة معينة تخصهم وحدهم،
لكن الواقع يثبت كل يوم أن المنافقين
في كل مكان، وأنهم يمارسون النفاق ليس بقصد مصلحة خاصة فقط ، بل يمارسون النفاق كهواية
، ويستخدمونه أسلوب حياة حتى وإن أدى نفاقهم إلى ظلم الأبرياء ،وتهميش العظماء، ويجدون
متعتهم في الإضرار بالآخرين حتى و يكونوا من أعدائهم..
فإن المنافقين يلبسون كل الألوان
، ويتقمصون كل الأدوار
فاسأل نفسك هل أنت منهم؟ كلما
مررت على قوم وصفهم الله بوصف، كن جريئاً، واسأل نفسك هل أنت من هؤلاء؟ قد تمر على
قوم صادقين ، إن لم تكن منهم اسع أن تكون منهم، وقد تمر على قوم مجرمين، اشكر الله
على أنك لست منهم، و قد تمر على قوم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً لعلك تقول هذه
الآية تنطبق علي؟ ما الذي يمنع أن تخلص منها؟ أن تخلص من هذا الوصف، أن تتلافى التقصير،
أي إذا قرأت القرآن حاول أن تسأل نفسك دائماً أين أنت من هذه الآية؟ :"وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
"هل هي منطبقة عليك إذا كان فيها وصف حسن أو لا تنطبق عليك و هذا من فضل الله
عليك إن كان فيها وصف سيئ؟ أو أن آية تجمع بين حالة وسطى أنت فيها؟ اسأل نفسك أين أنت
من هذه الأوصاف؟ أين أنت من هذه النماذج؟ فهذا مما يجدر بالمؤمن أن يفعله ، فلعل الله
سبحانه و تعالى ينقي سراءرنا ويصلح نوايانا