سبل بناء الأمم ودور الفرد فيها للشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله
ربِّ العالمين، غفّار الذنوب، وستّار العيوب، ومقلِّب القلوب. اللهم يا مقلِّبَ القلوب
والأبصار ثبّتْ قلوبنا - وقلوب إخواننا المؤمنين - على خشيتك وتقواك، واجعلنا أجمعين
من الذين يراقبونك آناء الليل وأطراف النهار، حتى ترضى عنا فتُبدِّل حالنا إلي خير
حال.
وأشهد أن
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، خلق العباد المؤمنين المتقين بيديه، وجعل قلوبَهم
بين يديه، لا تتقلب ولا تتحرك إلا بإذنٍ من حضرته، وجعل الخلق أجمعين رهن إشارته وفي
كفّ قبضته وقدرته.
وأشهد أن
سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، النبيِّ الأميِّ الذي أحيا به الله عزَّ وجلّ القلوبَ
من العدم، وأسمع بما أُنزل عليه من كتاب الله العُرب والعجم، وجعل الناس جميعاً أخوةً
متآلفين، وأسوياء متكافئين، حقَّق فيهم ولهم وبِهم قول ربِّ العالمين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ) (10الحجرات).
اللهم صل
وسلّم وبارك على سيِّدنا محمد، الذي ألفَّتَ به بين القلوب المتنافرة، وقضيتَ بدعوته
العادلة على القياصرة والأكاسرة، وجعلت أمته خير أمة أخرجت للناس.
صلَّى الله
عليه وعلى آله وصحبه، وكل مَنْ مشي على دربه إلي يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين ..
آمين ..
آمين .. يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة
جماعة المؤمنين:
لا تُجالس
في هذه الأيام مؤمناً، ولا تماشي مسلماً، ولا تتبادل الحديث مع موحدّاً - في بلدنا
- إلا وكان الحديث عن الهموم والنكبات التي حلَّتْ بمجتمعنا!!
كيف نحوِّل
حال مجتمعنا إلي حالٍ قويم؟!! ونُكوِّنُ منه مجتمعاً سليماً؟!!!
لا حلّ لنا
إلا إذا رجعنا إلي الحلّ الذي أوجده الله، ونفّذه حبيب الله ومصطفاه.
فإن النبيَّ
صلى الله عليه وسلّم لما وَجَدَ مثل الذي ذكرناه في مكة وغيرها من بلاد العرب، هاجر
إلي المدينة وأسَّسَ فيها مجتمعاً مثاليًّا!! كل مَنْ أراد أن يُصلح أى مجتمعٍ يرجع
إلي هذا النهج، يقتدي بهذه الأساليب التي فعلها النبيُّ السعيد، يهتدي فوراً إلي الأمر
الرشيد.
مهما تحدثنا
عما نراه ونشاهده الآن، فلم يصل إلي المجتمع الجاهلي الذي بُعِثَ فيه النبيُّ العدنان،
لكثرة ما كان فيه من الجَوْرِ والظُلم وهتك الأعراض وسفك الدماء وغيرها من الأخلاق
التي أنكرها الله!!
كيف ألان
الله عزَّ وجلَّ هؤلاء في يد سيِّد الرسل والأنبياء؟!!
وتحوَّلوا
في طرفة عينٍ أو أقلّ إلي مجتمع لا تجد فيه شكاية من واحدٍ لأخيه!! ولا شكوى من أبٍ
على بنيه!! ولا خصومة بين ذويه، ولا غشٌّ ولا كذبٌ، ولا خداعٌ، ولا خيانة!! ولم يذهبوا
إلي جامعات!! ولم يقرأوا كتباً ولا صُحفاً ولا مجلات!!!
ما الذي
فعله بهم النبيُّ حتى حقَّق هذا المجتمع الصفيَّ التقيّ!! المجتمع الذي عيَّن له خليفة
رسول الله قاضياً واحداً، وهو عمر - رضي الله عنه - بن الخطاب!! واستمر عاماً في وظيفته،
ثم ذهب إلي الخليفة ليُنهي وظيفته، لأنه لم يُعرض عليه في خلال العام قضيةً واحدة
.
المجتمع
كان إذا كذب واحدٌ منهم على أخيه يعرفونه بعلامة تظهر في وجهه، لأنهم ينظرون بنور الله،
الذي يقول فيه حبيب الله ومصطفاه :
( اتقوا
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)[الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]!!
كيف أضاء
النبيُّ قلوب أصحابه؟!!
جعل الله
عزَّ وجلّ في دستوره الكريم، وفي قرآنه العظيم، أسُسَ بناء هذا المجتمع المستقيم -
في كل زمان ومكان - فقال عزَّ شأنه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالايمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
(9الحشر).
كان أول
مشروع لحضرة النبيِّ في إقامة المدينة الفاضلة المنورة هو تأليف المؤمنين، وجعل الألفة
هي الرباط الذي يربط بين المسلمين، وزرع المحبَّة في قلوب الموحدين - ولا تُزرع المحبَّة
في قلوب الأحبَّة إلا إذا أخرجنا من القلوب ما ينافيها من البغضاء والشحناء والكراهية،
وغيرها من الصفات التي لا ينبغي أن توجد في قلوب الأحبَّة.
ألّف بينهم
على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغتهم، جعل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا،
أول مرَّة
في التاريخ يؤاخي النبيُّ بين رجلين ليسا من أبٍ وأمٍ، وليس من قبيلة واحدة ولا من
جنسية واحدة، وإنما الرابطة هي قول الله:
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (10الحجرات)، وشرط هذه الأخوة قول الله:
(ونزعنا
ما في صدورهم من غلّ إخوانا على سرر متقابلين) (47الحجر)
كان بداية
هذا الصرح نزع الشحناء والبغضاء، والشُح، والأثرة، والأنانية، من قلوب المؤمنين، وملؤها
بحبِّ الله وحبِّ رسول الله وحبِّ الخير لجميع المؤمنين من عباد الله عزَّ وجلَّ. وكان
صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك عملياً، فكان المهاجر يأتي من مكة - أو غيرها من أرض
العرب - فيجمع الأنصار فيقول:
(من يُؤاخي
هذا في الله ولله؟).
ولما رغِبَ
الأنصار في ذلك، وبين لهم فضل ذلك، كانوا يتنافسون في ذلك، حتى رُوى أنه عندما كان
يأتي الرجل المهاجر كان يحاول أخذه ما لا يقلّ عن خمسين من الأنصار!! والكُل يتشبَّث
ويحرص على أخذه، حتى كان النبي يُجري القرعة بينهم حتى يفوز به واحدٌ منهم بأخوة أخيه
.
ولما ملأ
الله قلوبهم بحبِّ الله وحبِّ رسوله، هانت الدنيا عليهم، فكانت في أيديهم، وكانت الأخوة
في قلوبِهم، فكان الأخ بصدرٍ منشرح وبقلبٍ سليم - يقتسم مع أخيه كل ما يملكه من حُطام
الدنيا الفاني، وهو منشرح الصدر وفرحٌ بذلك.
حتى رُوى
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما غزا بني قُريظة من يهود المدينة وأجلاهم عن المدينة
وسيطر على أملاكهم، جمع الأنصار وقال لهم: (هؤلاء إخوتكم من المهاجرين قد اقتسموا معكم
أموالكم، وأنا أترك لكم الخيار: إما أن تقتسموا معهم غنائم بني قريظة ويظلون مستمسكين
بما تنازلتم عنه لهم، وإما أن أوزعها على فقراء المهاجرين ويتركون لكم ما أخذوه منكم).
فانظر يا
أخي إلي روح الإيمان التي قذفها الله في قلوب أهل الإيمان!! والتي يقول فيها عزَّ وجلّ
في القرآن:
(وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) (52الشورى).
قالوا: يا
رسول الله بل وزّع عليهم الغنائم، ونحن لا نريد منها شيئاً، ولا نأخذ ما آتيناه، لأننا
أعطيناه لله ولا نرجع في أمرٍ خرج منا لله جلّ في عُلاه .
أين هؤلاء
من الأخوة الذين يملأون المحاكم على ميراثٍ قليلٍ الآن؟!!
أين هؤلاء
من الأب الذي يضطر أن يلجأ إلي المحاكم ليأخذ النفقة من أبنائه الذين لا يريدون أن
يردُّوا له بعض الجميل؟!! ويظنون أنهم مكلفون بالزوجة والأولاد ونسوا وصيَّة ربِّ العباد
بالأب والأم والإحسان إليهما!!
ولكن هؤلاء
كانت الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم، وأحبُّوا الخير لإخوانهم المؤمنين أجمعين.
كان النبي
صلّى الله عليه وسلّم يحضُّهم على ذلك بأمثلة حٍّسية!!
فقد روى
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
فقال : (يدخل علينا الآن رجلٌ من أهل الجنة)، فجاء رجلٌ من الأنصار ينطف - يعني ينزل
منه قطرات ماء من أثر الوضوء -ونعله في يده اليُسرى. فلما كان اليوم الثاني، قال:
(يدخل عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة)!! فكان هو الرجل!! فلما كان اليوم الثالث قال:
( يدخل عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة) فإذا هو الرجل!!
قال عبد
الله بن عمرو رضي الله عنهما فأردت أن أعرف ماذا يصنع هذا الرجل؟ وما طاعاته التي يقدمها
لله، والتي جعلت الرسول يُخبر عنه أنه من أهل الجنة؟!! - وكان عبد الله يقوم الليل
ويصوم النهار، ويقرأ القرآن في كل ثلاثة أيام مرة!! - قال: فذهبت إليه وقلت: يا عمَّاه
حدث بيني وبين أبي أمرٌ فأصررت على أن أترك البيت من أجله ثلاثة أيام، فهل تُضيِّفني
عندك؟ قال: لا بأس. قال: فذهبت معه فنظرت إليه فوجدته لا يقوم الليل إلا إذا اقترب
الفجر وتوضأ وقال: هيا بنا للصلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه كان إذا
تعارَّ - يعني استيقظ بالليل - يذكر الله عزَّ وجلّ، ووجدته غير صائمٍ بالنهار، غير
أنّي رأيته لا ينطق إلا بخير، لا يخوض ولا يسبُّ ولا يشتم، ولا يغتاب ولا ينمّ، ولا
يمشي مع الماشين في هذه الأعمال التي نهي عنها الله، بل كلامه كما قال حبيبه ومصطفاه:
(رحم الله امرأً قال خير فغنم، أو سكت فسلم)[رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد حسن
وروي من طرق أخرى.].
قال: فقلت
له يا عماه ليس بيني وبين أبي شيء، ولكني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُحدِّثُ
عنك في ثلاثة أيامٍ متتالية أنك من أهل الجنة، فأردت أن أرى ماذا تصنع من أجل ذلك؟
قال: والله لا أزيد عما رأيت. وسكتَ بُرهة ثم قال: غير أنَّي أبيتُ وليس في قلبي غلٌّ
ولا غشٌّ لأحد من المسلمين . قال: فبذلك!! فهذه هي التي أوصلتك إلي هذا المقام)[عن
عبد الله بن عمرو بن العاص في الصحيحين.].
فإن الله
عزَّ وجلّ جعل دخول الجنة ونيل الدرجات العُلى عند الله عزَّ وجلّ في الدنيا والآخرة
معلَّقة بقول الله:
(إِلا مَنْ
أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (89الشعراء). لابد وأن يكون القلب سليماً لجميع عباد
الله.
من الذي
يريد أن يكون مع رسول الله في درجته في الجنة ؟ كلُّنا!! اسْمَعْ إلي وصية الحبيب لمن
أراد أن يبلغ ذلك، يقول سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسيدنا أنس بن مالك رضي
الله عنه:
(يا بنيّ
إن استطعت أن تبيت وليس في قلبك غلٌّ ولا غشٌّ لأحدٍ من المسلمين فافعل، فإن ذلك من
سنتي ومن فعل سنتي كان معي في الجنة)[رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه]
أو كما قال،
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
:
الحمد لله
ربِّ العالمين، الذي هيأ لنا الخير ووفقنا إلي عمل البرِّ وجعلنا من عباده المسلمين،
وأسأله عزَّ وجلّ أن يُثبِّتنا أجمعين على طريق الاستقامة، ويجعلنا في الآخرة من أهل
الكرامة، ويُغنِّمنا جميعاً السلامة من هذه الحياة الدنيا وشرورها وآثامها .
وأشهد أن
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يُحبُّ من عباده الحُنفاء الذين حفظوا قلوبهم مِنْ
لَمَمِ النَّفْسِ ومن هواجس الشياطين، وجعلوا القلب مملوءاً بالإخلاص والمودّة والمحبِّة
لربِّ العالمين، وحُبِّ الخير للخلق أجمعين.
وأشهد أن
سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، طيِّب الذكر في الدنيا ورفيع الشأن في الآخرة.
اللهم صل
وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وارزقنا هُداه، ووفقنا للعمل بما تُحبُّه وترضاه، واجعلنا
في الدنيا من الموفَّقين للعمل بشريعته، وارزقنا أجمعين في الآخرة لواء شفاعته، وجواره
في الجنة يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة
جماعة المؤمنين:
ولذا جعل
الله عزَّ وجلّ بعد الحبِّ سلامة الصدور!! فأول أساس للمجتمعات القويمة المستقيمة:
الحبُّ بين الناس وبعضهم: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)، حتى كان أصحاب النبيِّ
من شدة حبِّهم لبعضهم يحرص الواحد منهم على منافع أخيه قبل منافع نفسه، لأن النبيَّ
قال لهم: (واللهِ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)[رواه البخاري
ومسلم عن أنس رضي الله عنه]
فكان الرجل
منهم إذا جاءه خير يبحث عمن هو أحوج إلي هذا الخير منه!!
ذهب إلي
بعضهم رأس شاةٍ مشوية فجلس مع زوجه وقال : تعلمين يا أم فلان، أن أخي فلان - أخوه في
الله -أحوج إلي هذه الرأس منِّي، قالت له: اذهب إليه وأعطها له، فذهب إليه. وحدث مع
الثاني ماحدث مع الأول، حتى دارت الرأس على سبعة بيوت ورجعت للأول مرة أخرى.
ما هؤلاء
القوم؟!! أهم ملائكة الرحمن؟!! كانوا والله كالملائكة وهم في هذه الأرض، من حبِّهم
لبعضهم، وحرصهم على منافع إخوانِهم، بل إيثارهم لبعضهم حتى في أدّق مراحل حياتهم .
ذهب رجلٌ
منهم في واقعة اليرموك يبحث عن ابن عمه ومعه ماءٌ ليسقيه - وكان جريحاً - وعندما ذهب
قريباً منه قال: أتريد ماءً ؟ فأشار إليه: أن نعم، وإذا بجريحٍ آخر يُشير إلي الماء،
فأشار إليه : أن اذهب إلي هذا، فذهب إلي الثاني، فإذا بثالث يطلب الماء فأشار إليه:
أن اذهب إلى هذا، فذهب إلي الثالث فوجده قد مات، فرجع إلي الثاني فوجده قد مات، فعاد
إلي الأول وهو ابن عمِّه فوجده قد مات. مات الثلاثة ولم يشربوا الماء لكنهم فازوا بوسام
السماء!!! (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، ومع
شدة حاجتهم للماء جادوا بالماء لينالوا رضا الله عز وجلَّ.
(وَلا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)،
لن ينصلح
حالنا إلا إذا انشرحت الصدور وامتلأت بالنور، وخرج منها المكر والكيد والخنا والنفاق
والفجور، وصرنا جميعاً نحبُّ بعضنا بعضاً في الله، ونبغي المنفعة لجميع خلق الله، ونؤثر
إخواننا على أنفسنا لننال رضا الله .
هذا يا إخواني
هو المنهج الذي وضعه لنا الله في كتاب الله، وطبقه في حياته رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم على المدينة المنورة، ليكون عنواناً لكل المجتمعات .
فإذا أردنا
أن نجتاز كل هذه العقبات، وأن يكون مجتمعنا مجتمعاً فاضلاً، فيه الأمن وفيه الخير الرخاء
وفيه الهناء، لا نحتاج في ذلك إلي كثرة المال، ولكن نحتاج إلي نفوسٌ خلت من حب الدنيا
وزينتها رغبة في رضا الواحد المتعال.
فتجملوا
بالإيثار!!
نفوس لا
تحمل شحناء ولا بغضاء، ولا تسعى في الفُرقة، ولا في زعزعة النفوس، ولا ترويع المؤمنين،
بل الكُلُّ يحرص على كلِّ المؤمنين، لأن كل مؤمن أخٌ لكل مؤمن. وهذا هو المجتمع الذي
يقول فيه الحبيب صلّى الله عليه وسلّم: ( ترى المؤمنين في توادُّهم وتراحمهم وتعاطفهم
كمثل الجسد الواحد إذا إشتكي عضوٌ منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى)[البخاري
ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه]
جعل الله
عزَّ وجلَّ في مجتمعنا خيرات تكفينا وتفيض عن حاجاتنا إذا عمَّتها البركات، ولا تنزل
البركات إلا بالألفة بين المؤمنين، والمحبَّة بين المسلمين، وتقوى ربِّ العالمين، فإذا
نزلت البركة من السماء تحوَّل مجتمعنا في طرفة عينٍ إلي غنيً ورخاء، كمجتمع سيِّد الرسل
والأنبياء صلّى الله عليه وسلّم:
﴿وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾ (96الأعراف). لم يقل الله لفتحنا عليهم (خيرات)، فالخيرات موجودة
ولكن تنقصها البركات.
لو تحرينا
الحلال الذي أمرنا به الله في قوله عزّ شأنه في كتاب الله:
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ (172البقرة) لولَّتْ
عنا الأمراض والأسقام إلي غير رجعة، ولانتشر بيننا الذكاء حتى لا يحتاج أبناؤنا إلي
معلمين يعلمونهم، وتنخفض المصروفات، وتزداد الخيرات والبركات. كل ذلك يا إخواني يحتاج
إلي القلوب السليمة، التي يقول فيها المعلم الأعظم صلّى الله عليه وسلّم:
( إن في الجسد لمضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا
وهي القلب)(البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه) ...... ثم الدعاء