فضل الـعَشْرَ الأواخِرَ مِنْ رَمَضَانَ للشيخ ابراهيم مراسي بركات
أمَّا بَعْدُ، فَيِا عِبَادَ اللهِ :
مَشَاعِرُ إِيْمَانِيَّةٌ مَلأَتْ قُلُوبَنَا
وَنَحْنُ نَستَقبِلُ هَذَا الشَّهْرَ المُبَارَكَ، وَكُلُّ رَجَائِنَا فِي أنْ يُوَفِّقَنَا
اللهُ لِلْْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَشَمَّرَ المُجِدُّونَ، واجتَهَدَ المُخلِصُونَ، فَوجَدُوا
رَبًّا رَحِيمًا، وَشهرًا فِيهِ الخَيْرُ والبَرَكَاتُ، ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))(1)،
فَمَا أَطْيَبَ سَاعَاتِكَ يَا رَمَضَانُ، وَمَا أَرْوَعَ أيَّامَكَ وَلَيالِيَكَ،
عَهدُنَا بِالشَّيءِ يَخْتَلُّ مَعَ النُّقصَانِ، وَيُمَلُّ مَعَ تَعَاقُبِ الأزمَانِ،
إلاَّ أنتَ يا شَهْرَ الإحسَانِِ، فَقَدْ ألفَينَاكَ تَزدَادُ حُسنًا كُلَّمَا نَقَصَتْ
حَبَّاتُ عِقْدِكَ، تَسِيرُ إلى الشَبَابِ حِينَ تَرْجِعُ الأزمَانُ لِلمَشِيبِ، وَتُزهِرُ
شَمسُكَ عِندَ الغُرُوبِ وَحِينَ المَغِيبِ، فَهَا هِيَ صَفْوَةُ أيَّامِكَ قَدْ أهَلَّتْ،
وَجَواهِرُكَ قَدْ أَقبَلَتْ، وَشَمْسُ العَشْرِ الأواخِرِ قَدْ أَشرَقَتْ، لَيالٍ
تَعظُمُ فِيهَا الهِبَاتُ، وَتَنزِلُ فِيهَا الرَّحَمَاتُ، وتُقالُ فِيهَا العَثَراتُ،
وتُرفَعُ فِيهَا الدَّرَجَاتُ، وَتَعظُمُ فِيهَا أُجُورُ الطَّاعَاتِ، وتَتَزَيَّنُ
فِيهَا الجِنَانُ، لا تُكَافِئُها لَيَالِي العَامِ مَنزِلَةً، ولا تُوازِيهَا فَضْلاً،
فَهنيئًا لَكُمْ أنْ بَلَغتُمُوهَا، وَحَمْدًا للهِ أنْ أَمَدَّ فِي آجَالِكُمْ حَتَّى
أدْرَكتُمُوهَا، فَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، وأَدْرَكَ عَظِيمَ فَضلِهَا، فَإنَّهَا
واللهِ لَنِعْمَةٌ كُبرَى، وإنَّ مِنْ تَمَامِ شُكرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ أنْ نَغتَنِمَهَا
بِالأعمَالِ الصَّالِحَةِ، فَأينَ أولُو الهِمَمِ؟ أينَ أربَابُ المَجْدِ والقِمَمِ؟
أينَ المُشَمِّرُونَ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ، السَّائِرُونَ بِالعَزمِ نَحْوَ الهُدَى
والرُّشدِ؟ إنَّ التَاجِرَ اللَّبِيبَ، والمُستَـثْمِرَ الأرِيبَ، مَنْ أحْسَنَ اغْتِنَامَ
المَوَاسِمِ، وَأجَادَ انتِهَازَ الفُرَصِ، وَطَاعَةُ اللهِ هِي أعظَمُ تِجَارَةٍ،
وَعِبَادَتُهُ خَيرُ مَكْسَبٍ وَمَطلَبٍ، بِلْ هِيَ سِرُّ وُجُودِنَا، وَقَبُولُهَا
عِندَ اللهِ هِيَ الرِّبْحُ الحَقِيقِيُّ، يَقُولُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ: ((وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))(2)، وَيَقُولُ عَزَّ قَائِلاً
حَكِيمًا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ))(3)،
إنَّكُمْ تُتَاجِرُونَ فِي سِلْعَةٍ ثَمِينَةٍ، وَبِضَاعَةٍ غَالِيَةٍ، إِنَّهَا الجَنَّةُ
وَكَفَى بِهَا مَغْنَمًا، يَقُولُ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ خَافَ
أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلاَ إنَّ سِلعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ
إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجنَّةُ))، إنَّ الإنسَانَ فِي خُسْرٍ مَا أعْرَضَ عَنِ الخَيْرِ،
وَهُو فِي رِبْحٍ مَا التزَمَ الصَّلاحَ والبِرَّ: ((وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))(4)، فَهَا هُوَ سُوقُ رَمَضَانَ قَدْ فَتَحَ لَكُمْ بَابَهُ،
فَاحْرِصُوا عَلَى كَسْبِ كُلِّ أَجْرٍ وَمَثُوبَةٍ.
أَيُّها المُؤمِنونَ :
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَبدَؤُونَ شَهْرَهُمْ
بِهِمَّةٍ وَنَشَاطٍ، تَرَاهُمْ فِي العِبَادَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الصُّفُوفِ، وَفَي
أرْوِقَةِ المُجتَمَعِ مِنَ المُسَارِعِينَ لِلخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ، يَعْكُفُونَ عَلَى
كِتَابِ اللهِ تِلاوَةً وَتَدَبُّرًا، وَيُقبِلُونَ عَلَى رَبِّهِمْ عِبَادَةً وَذِكْرًا،
فَإِذا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّهْرِ رَحَلَ بَعْضُ نَشَاطِهِمْ، تَتَنَاقَصُ هِمَّـتُهُمْ
بِتَنَاقُصِ لَيالِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ، حَتَى إذا وَصَلُوا إلى العَشْرِ الأَواخِرِ،
اعتَرَاهُمُ المَلَلُ، وَغَلَبَ عَليهِمُ الكَسَلُ، أَمَا عَلِمُوا أنَّها أيَّامُ
عِتْقٍ مِنَ النَّارِ؟ أَمَا سَمِعُوا قَولَ المُصطَفَى -صلى الله عليه وسلم- : ((أوَّلُهُ
رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ))، فَهَلْ يَزهَدُ
المُؤمِنُ فِي هَذَا المَكْسَبِ العَظِيمِ، وَيَرْضَى بِمَا دُونَهُ؟ لِنَتَامَّـلْ
سِيْرَةَ سَيِّدِ المُؤمِنِينَ وَإمَامِ المُرسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ
عَلَيهِ-، وَلْنَستَمِعْ إلى زَوْجِهِ عَائِشَةَ وَهِيَ تَحْكِي لَنَا كَيْفَ كَانَ
يَقْضِي -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الأيَّامَ المُبَارَكَةَ؟ تَقُولُ - رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا -: ((كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ
وَأَحْيَا لَيلَهُ، وَأيقَظَ أهلَهُ))، هَكَذَا كَانَ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم-
وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَهَلاَّ اقتَدَينَا
بِهِ؟ إنَّنَا بِحَاجَةٍ فَعلِيَّةٍ إلى نَفَحَاتٍ رُوحِيَّةٍ نَتَفَيَّأُهَا فِي هَذِهِ
اللَّيَالِي المُبَارَكَةِ، فِي زَمَنٍ تَعَطَّشَتِ الأَفئِدَةُ فِيهِ إلى مَا يُلَيِّنُهَا،
وَيُضِيءُ جَوَانِبَهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِطَلَبِ رَحْمَةِ اللهِ وَاستِغفَارِهِ،
وَصِدقِ اللُّجُوءِ إِلَيهِ، صَحِيحٌ أَنَّ النَّاسَ تَتَجَهَّزُ لِقُدُومِ العِيدِ
السَّعِيدِ، وَتَوفِيرِ مُستَلْزَمَاتِهِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لا يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ
أوقَاتَ المُؤمِنِ الثَّمِينَةَ، أَوْ يَصْرِفَهُ عَنِ الثَّوَابِ العَظِيمِ، بَلْ
عَلَيهِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ وَقْتَهُ، فَهَكَذَا رَبَّانَا الإِسْلامُ، وَهَكَذَا
عَلَينَا أنْ نُرَبِّيَ أَبنَاءَنَا.
أيُّهَا المُسلِمُونَ :
سُورَةٌ نَحفَظُهَا صِغَارًا وَكِبارًا،
وَكَثِيرًا مَا نَقْرَأُهَا فِي صَلاتِنَا، سُمِّيَتْ بِاسْمِ لَيْلَةٍ عَظِيمٍ فَضلُهَا،
عَمِيمٍ خَيْرُهَا، كَثِيرَةٍ بَرَكَاتُهَا، طَيِّبَةٍ نَفَحَاتُهَا، إنَّهَا سُورَةُ
القَدْرِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ))(5)، يَقْرَأُ المُؤْمِنُ عَنْ لَيْلَةٍ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ،
أَيْ أَفْضَلُ مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً، فَتَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَى تَحَرِّيهَا واغتِنَامِ
فَضْلِهَا، وَالحُصُولِ عَلَى بِرَكَاتِهَا، يَقُولُ المُصطَفَى -صلى الله عليه وسلم-
: ((إنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ،
مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ خَيرًا كَثِيرًا، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إلاَّ مَحْرُومٌ))،
وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ بِبُلُوغِ هَذِهِ اللَّيَالِي العَشْرِ، وَلَيلَةُ القَدْرِ
هِيَ إِحْدَاهَا، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((اِلتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ
الأَواخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ))، فَهَلاَّ حَرَصْنَا عَلَى تَحَرِّيهَا
وَإِحْيَائِهَا، لِنَنَالَ بُشْرَى سَيِّدِ الخَلْقِ -صلى الله عليه وسلم- حَيثُ قَالَ:
((مَنْ قَامَ لَيلَةَ القَدْرِ إيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ))، وَقَدْ أخفَى اللهُ وَقْتَهَا تَحْدِيدًا، وَلَعَلَّ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ
أَنْ نَجتَهِدَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ اللَّيَالِي، وَنَحْرِصَ عَلَى إحْيِائِهَا بِالصَّلاةِ
وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَنَسَمَاتُ آخِرِ اللَّيلِ مَظِنَّةُ إِجَابَةِ الدَّعَواتِ،
قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قال: ((جَوفَ
اللَّيلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْـتُوبَاتِ))، وَقَدْ سَأَلَتْ أمُّ المُؤمِنِينَ
عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَمَّا تَدْعُو
بِهِ فِي لَيلَةِ القَدْرِ إِنْ هِيَ عَلِمَتْهَا، فَأَرشَدَهَا أَنْ تَقُولَ: ((اللهُمَّ
إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعفُ عَنِّي)).
فاتَّقُوا اللهَ - عِبادَ اللهِ -، وَاغتَنِمُوا
العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَاحْرِصُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُ شَهْرِكُمْ
خَيْرًا مِنْ أَوَّلِهِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ
العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،
وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ
أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ
وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ
عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ
الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى إِحيَاءِ هَذِهِ
اللَّيَالِي العَمَلَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهَدْيِهِ فِي تَنْظِيمِ
الأَكْلِ وَالغِذَاءِ، حَيثُ كَانَ يَستَعِينُ عَلَى قِيَامِ اللَّيلِ وَعِبَادَةِ
رَبِّهِ بِقِلَّةِ الطَّعَامِ، فَكَانَ يَقُولُ -عَلَيهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وأزكَى
التَّسلِيمِ -: ((مَا مَلأَ ابنُ آدمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابنِ
آدَمَ لُقَيمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَاعِلاً فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ
وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ))، إنَّ التَّقلِيلَ فِي الطَّعَامِ يُسَاعِدُ
عَلَى خِفَّةِ الجِسْمِ، وَسُهُولَةِ حَرَكَتِهِ، وَصَفَاءِ الفِكْرِ، وَكُلُّ هَذَا
يُعِينُ عَلَى العِبَادِةِ وَالقِيَامِ، وَقَدِ اعتَنَتِ السُّنَةُ المُطَهَّرَةُ بِتَنظِيمِ
الغِذَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالذَّاتِ، يَقُولُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
: ((لا تَزَالُ أُمَّـتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الإفطَارَ وأخَّرُوا السُّحُورَ))،
وإنَّ تَنظِيمَ عَمَلِيَّةِ النَّوْمِ وَأَخْذَ الإنسَانِ كِفَايَتَهُ مِنَ الرَّاحِةِ
نَهَارًا، وَفِي بِدَايَةِ اللَّيلِ، يُعْطِيهِ نَشَاطًا وَحَيَوِيَّةً تُعِينُهُ عَلَى
التَّهَجُّدِ والاجتِهَادِ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، فَقَدْ أوصَتِ السُّنَةُ النَّبَوِيَّةُ
المُطَهَّرَةُ بِنَوْمِ القَيلُولَةِ نَهَارًا، وَنَهَتْ عَنِ النَّومِ قَبْلَ العِشَاءِ،
وَقَدْ كَانَ هَدْيُهُ -صلى الله عليه وسلم- أنْ يَنَامَ أوَّلَ اللَّيلِ لِيَتَمَكَّنَ
مِنَ اغتِنَامِ سَاعَاتِ السَّحَرِ المُبَارَكَةِ، إنَّ تَنْظِيمَ الوَقْتِ أسَاسُ
النَّجَاحِ فِي كُلِّ أمْرٍ عَظِيمٍ، وَمَنْ أَحْسَنَ تَنظِيمَ وَقْتِهِ نَالَ المُبتَغَى
وَأدْرَكَ المَأمُولَ، وإنَّ صَفَاءَ القُلُوبِ مِنْ خَيْرِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى
عَلاَّمِ الغُيُوبِ، وَمِنَ أكْبَرِ مَا يُعِينُ عَلَى حُسْنِ عِبَادَةِ اللهِ، فَإنَّ
صَافِيَ القَلْبِ قَرِيبٌ مِنْ رَبِّهِ حَبِيبٌ إليهِ، يَجِدُ مِنَ اللهِ كُلَّ عَونٍ
وَتَوفِيقٍ، وَيِجِدُ مِنَ الاستِعْدَادِ النَّفْسِيِّ وَالفِكْرِيِّ مَا لا يَتَأَتَّى
لِمَنْ تَكَدَّرَ خَاطِرُهُ، وَغَلَبَ عَلَيهِ سُوءُ الظَّنِّ، أو خَامَرَ قَلبَهُ
حِقْدٌ أو حَسَدٌ، أو خَالَطَهُ كِبْرٌ أو غُرُورٌ، فَهَذِهِ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ أنْ
نَتَصَافَى فِيمَا بَينَنَا، وَنَجْعَلَ ذَلِكَ قُرْبَةً إلى اللهِ، واسْتِعْدَادًا
لِحُسْنِ اِغتِنَامِ العَشْرِ الأوَاخِرِ، وَتَمْهِيدًا لِعِيْدٍ سَعِيدٍ يُطِلُّ عَلَينَا
بَعْدَ أيَّامٍ.
فاتَّقُوا اللهَ - عِبادَ اللهِ -، وَجَدِّدُوا
عَزْمَكُمْ عَلَى مُوَاصَلَةِ العِبادَةِ، وَأرُوا رَبَّكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ خَيْرًا،
وَاستَعِينُوا عَلَى ذَلِكَ بِالوَحْدَةِ والائتِلافِ، وَانبِذُوا الفُرقَةَ والخِلافَ؛
فَبِذَلِكَ تَصفُو النُّـفُوسُ، وتُقْبَلُ الأعْمَالُ عِنْدَ اللهِ ذِي الجَلالِ والإكْرَامِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ
الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى
بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً
عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (6).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا
إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ
وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ،
وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ
المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ
وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا
مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ
فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى
وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ
كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً
صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا،
وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ
وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،
وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ
شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا
وَأَعِزَّرئيس جمهوريتنا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ
العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ
الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ
لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ
السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا
وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ
إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ
لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ،
وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ
سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).