الكذب مفتاح الشر للشيخ السيد مراد سلامة
الكذب مفتاح الشر
============
للشيخ السيد مراد سلامة
=========
الخطبة الأولى
==============
الحمد لله الذي أنعم فأجزل، وأعطى فأغنى،
وكل شيء عنده بمقدار، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وجوده المدرار، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده
ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن
سار على هديهم، وسلك سبيلهم إلى يوم المعاد.
وبعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه فهو
القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
عباد الله: سنقف وإياكم في هذه الدقائق
الغالية عن خلق ذميم ذمه الله تعالى في القران الكريم و ذمه النبي الصادق الأمين –صلى
الله عليه وسلم- في السنة النبوية المطهر
خلق يلقب الحقائق، خلق يزين الباطل ويلبسه
ثوب العلا، خلق لا يتصف به إلا من قل إيمانه ومرض قلبه وفسد ذوقه، إنه خلق الكذب
فما هو الكذب؟ وما هو جزاء الكذابين؟
و من هم أئمة الكذب في القران الكريم ؟
أعيروني القلوب والأسماع أيها الأحباب
تعريف الكذب:
الكذب هو : الإخبار عن الشيء بخلاف ما
هو عليه سواء تعمدت ذلك أم جهلته لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمد. ( )
[فالكذب: هو أن يخبر الإنسان بخلاف الواقع،
فيقول: حصل كذا وهو كاذب، أو قال فلان كذا وما أشبه ذلك فهو الإخبار بخلاف الواقع.
( )
ذم الكذب وعقوبات الكذابين
إخوة الإيمان: إن المسلم عندما يتصفح
كتاب الله تعالى يرى أن الله توعد الكذابين بعقوبات أليمة وشنيعة تنفر العبد أن يقع
في تلك الرزيلة أو أن يتصف بذلك الخلق الذميم وهاكم يا رعاكم الله بعض تلك العقوبات
والأثار :
أولا: الحرمان من نعمة الهداية:
فالله جل جلاله توعد و أخبر أنه اغلق
باب الهدية و التوفيق عن الكذابين قال تعالى: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب [غافر:
28]
فأي عقوبة أعظم من أن يكون العبد حائرا
في ظلمات تلك الحياة لا يصل إلى غايته ومبتغاه لأن الله تعالى عاقبه بسد باب التوفيق
في وجهه فقد حاد عن الصراط المستقيم واتبع سبيل الضالين المفسدين.
ثانيا الطرد من رحمة اللَّه تعالى: ومن
أشد العقوبات ألما وأثرا الطر من رحمة الرحيم الرحمن الذي وسعت رحمتها كل شيء إلا تلك
الفئة الضالة التي اختارت الكذب وأصرت عليه قال تعالى: لعنة الله على الكاذبين [آل
عمران: 61].
إذن فالكذاب من رحمة الله مطرود وباب
الهدية والتوفيق في وجهه مسدود
ثالثا انعدام الراحة والأمن، وعدم الشعور
بالطمأنينة:
إخوة الإيمان إن الكذب شك واضطراب قلق
وإزعاج وانعدام طمأنينة النفس عدم هدوء البال وانشراح الصدر
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: - يَعْنِي لِرَجُلٍ أَتَاهُ
- " دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الشَّرَّ: رِيبَةٌ،
وَالْخَيْرَ: طُمَأْنِينَةٌ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ، وَقَالَ: فِي
الْحَدِيثِ فَإِنَّ الصِّدْقَ: طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ: رِيبَةٌ ( )
رابعا: الكذب يُمرض القلب: الكذب أيها
الأحباب يؤدي إلى مرض القلب، قال تعالى: ﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 10]؛
خامسا: الكذب ينقص الرزق، ويمحق البركة:
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا
فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا
مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْعِهِمَا ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ وَحَمَّادٌ وَأَمَّا هَمَّامٌ فَقَالَ « حَتَّى يَتَفَرَّقَا
أَوْ يَخْتَارَ ». ثَلاَثَ مِرَارٍ.( )
سادسا الكذب يهدي إلى الفجور، وصاحبه
متوعد بالنار:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى
إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ
وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ
فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ
وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
صِدِّيقًا ». ( )
وفي الحديث إشعار بسوء خاتمة الكذَّاب،
الذي يتكرر منه الكذب وأصبح الكذب عادته، فهذا يُكتَب عند الله كذَّابًا، فإذا كان
ذلك كذلك، فالعاقبة وخيمة.
سابعا: الكذب مفتاح النفاق:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ
خَالِصٌ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ
حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ
وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ».( )
ثامنا: الكذب خيانة كبيرة: قال رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم :
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدٍ الْحَضْرَمِىِّ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَبُرَتْ خِيَانَةً
أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ
»( )
قيل في منثور الحكم: الكذب لص لأن اللص
يسرق مالك والكذب يسرق عقلك،
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: الكذاب
كالسراب.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي
سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه
إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
==============
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً
فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أئمة الكذب في القران الكريم
=============
الشيطان الرجيم- إن إمام أئمة الكذب في
الأولين و الأخرين هو ذلك الشيطان الرجيم صاحب أشهر كذبه عرفتها البشرية منذ خلق أدم
عليه السلام فهو اكبر مخادع و اكبر كذاب و مخادع قال الله تعالى { وَيَاآدَمُ اسْكُنْ
أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ
لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
(20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ
فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا
مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) }
[الأعراف: 19 - 22]
انظروا عباد الله إلى الكذب والتدليس
من ذلك الشيطان الرجيم كيف زين كذبه بالأيمان وبادعاء النصح والإرشاد وكم في الناس
من أمثال ذلك الشيطان في دنيا الناس يلبس الباطل والكذب ثوب الحق
فرعون وجنده
ومن تلامذة الشيطان فرعون اللعين الذي
استخف قومه ودلس عليهم وكذب كذبة وصدقها حيث ادعى أنه الله وأن موسى يريد الإفساد في
الأرض وأنه يريد الإصلاح فال الله تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ
رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى
(19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى
(22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ
نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى
} [النازعات: 15، 26]
اليهود والنصارى ومن نحى نحوهم ومشي على
دربهم
فإذا كان هناك أفراد كذبة فهناك أمم و
شعوب كذبة ينتهجون الكذب و الادعاء و لا يستطيعون أن يعيشوا بالصدق و الصراحة و الوضوح
قال الله تعالى {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ
بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } [الكهف: 4-5].
وقال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة: 30]
المنافقون
ومن أئمة الكذب والبهتان المنافقون الذين
يلبسون للامة جلود الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب فهم في كذبهم وافتراءاتهم أشد خطرا وأنكى
أثرا على الأمة من اليهود والنصارى فهم عدو خفي يظهر الإيمان والإسلام ويبطن الكفر
والإلحاد
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 8 - 10].
ألا وصلوا وسلموا رحمكم على أصدق الخليقة
شيمةً وخلةً وأجملهم مهابةً وحلةً كما أمركم الباري في أقوم كتاب وأعظم ملة، فقال
-تعالى-قولًا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]
صَلِّ عَلَيْهِ بَعْدَدِ الرَّمْلِ مُتفقَا
*** وَعَدَدِ نَبْتِ الثّرَى والوابلِ السّجمِ
عَلَيْهِ أَزْكَى صَلَاةٍ دَائِمًا أَبَدَا
*** وَالَآَلِ والصّحْبِ فِي بَدْءٍ وَمُخْتَتَمِ
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز
الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا
سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في
أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.