رمضان شهر المراقبة الذاتية للشيخ / محمد حســــن داود
العناصــــر :
1 - منزلة المراقبة ومكانتها .
2 - حرص النبي على غرس المراقبة في
القلوب وإيقاظ الضمائر.
3 - ثمرات المراقبة وفضائلها .
4 - دعوة إلى مراقبة الله تعالى في
السر والعلن .
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين،
القائل في كتابه العزيز(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك12-14)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل
في حديثه الشريف " اعبُدِ اللهَ كأنَّك تَراهُ ، فإن لَم تكُن تراهُ فإنَّهُ يَراكَ
،..." رواه الطبراني والبيهقى وغيرهما) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن الصيام عبادة وثيقة الصلة بالأخلاق،
فهو مدرسة عظيمة تربي في قلب المسلم وفى سلوكه اجل القيم وأعظمها، ومن ذلك مراقبة الله
تعالى؛ فالصائم بوسعه أن يدعي الصيام أمام الناس ثم هو يأكل ويشرب في الخفاء، لكن المانع
من ذلك هو مراقبة الله تعالى، فهو على يقين، أن الله تعالى مطلع على سره وعلانيته،
على يقين أنه إذا تخفى عن أعين الناس فلن يخفى أمره على الله، والله جل وعلا يقول
( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾النساء1) ويقول سبحانه(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ
أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك13/14) إن مراقبة الله تعالى دليل على صدق الإيمان،
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ ذَاقَ
طَعْمَ الإِيمَانِ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ
إِلا هُوَ ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَامٍ ،
وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ ، وَلَكِنْ مِنْ أَوْسَطِ
أَمْوَالِكُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهَا وَلَمْ
يَأْمُرْكُمْ بَشَّرِهَا ، وَزَكَّى نَفْسَهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَمَا تَزْكِيَةُ
النَّفْسِ ؟ ، فَقَالَ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ حَيْثُ
كَانَ " رواه أبو داود والطبراني والبيهقي ) وهى من أسمى الطاعات وارقي العبادات،
قال ابن عطاء رحمه الله " أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات " وهى
طريق الإخلاص في العبادات فمن راقب الله في أعماله، محال أن يبتغى بها غيره، والله
تعالى يقول (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا،
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف110) قال الحسن رحمه الله:
"رحم الله عبدا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر" وَقَالَ
الْجُنَيْدُ" مَنْ تَحَقَّقَ فِي الْمُرَاقَبَةِ خَافَ عَلَى فَوَاتِ لَحْظَةٍ
مِنْ رَبِّهِ إلَى غَيْرهَ" وهى من اجل خصال التوكل على الله قال حاتم بن الأصم
" بنيت توكلي على أربعة أمور: علمت أن الله ناظر إلي فأنا أراقبه ، وعلمت أن رزقي
لا يأخذه أحد غيري فأنا مطمئن به، وعلمت أن عملي لن يعمله أحد غيري فأنا مشغول به،
وعلمت أن الموت يطلبني فأنا مستعد له" أخرجه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في
الشعب ) بل عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأرفع المراتب واعلي المقامات، فعبر
عنها بالإحسان، ففِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ " أَنْ تَعْبُدَ
اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " رواه
البخاري من حديث أبى هريرة) إن هذا المقام، هو الذي منع يوسف نبي الله أن يقع في المعصية،
قال تعالى ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ
وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ
لَا يُفْلِحُ الظَّالمُونَ ﴾ يوسف 23) هذا المقام هو الذي منع ابن ادم، لما تملك من
قلبه، أن يعتدي على أخيه ،بينما تعدى الأخر لما فقده، قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا
وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا
بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)المائدة27/28)
هذا المقام هو الذي جعَل الفتاة التي أمرَتْها أمُّها أنْ تخلط اللبن بالماء قبل بَيعِه
للناس أنْ تُراجِع أمها قائلةً: يا أمَّاه، ألاَ تَخافِين من عمر؟ تعني: أمير المؤمنين،
فقالت لها أمُّها: إنَّ عمر لا يَرانا، فقالت الفتاة: إنْ كان عمر لا يَرانا فرَبُّ
عمر يَرانا؛ هذا المقام هو الذي جعل راعى الغنم، يتم صيامه، ولا يفرط فيما ائتمن عليه،
قَالَ نَافِعٌ : خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ
أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ ، فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ اللَّهِ : هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ ، فَقَالَ
: إِنِّي صَائِمٌ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الشَّدِيدِ
حَرُّهُ وَأَنْتَ بَيْنَ هَذِهِ الشِّعَابِ فِي آثَارِ هَذِهِ الْغَنَمِ ، وَبَيْنَ
هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ فَقَالَ الرَّاعِي
: أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ . فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ : هَلْ لَكَ
أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ ، نَجْتَرِزُهَا نُطْعِمُكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا
تُفْطِرُ عَلَيْهِ وَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي إِنَّهَا
لِمَوْلايَ . قَالَ : فَمَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ لَكَ مَوْلاكَ إِنْ قُلْتَ : أَكَلَهَا
الذِّئْبُ ؟ فَمَضَى الرَّاعِي وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَهُوَ
يَقُولُ : فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ . قَالَ : فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ
الرَّاعِي فَأَيْنَ اللَّهُ ! فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى
سَيِّدِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ ، فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ وَوَهَبَ
لَهُ الْغَنَمَ . فالمؤمن على يقين أن الله تعالى يرى فعله ويسمع كلامه ويعلم ما في
صدره " قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا
فِي السَّمَاءِ )آل عمران5) وقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا
أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) المجادلة 7) وقال تعالى
(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ
وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ﴾الحديد4)
إن من أجل وأعظم القيم التي غرسها
النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أمته وربى عليها أتباعه، هي مراقبة الله ، وإيقاظ
الضمائر، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ" يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ
احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ " ولما مَرَّ
عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا
، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ " ، قَالَ : أَصَابَتْهُ
السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ
كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي " . رواه مسلم) ولما جاءه
شابا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا , فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ
عَلَيْهِ , فَزَجَرُوهُ , قَالُوا : مَهْ مَهْ , فَقَالَ : " ادْنُهْ "
, فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا , قَالَ : فَجَلَسَ , قَالَ : " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ
؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : "
وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ " , قَالَ : " أَفَتُحِبُّهُ
لِابْنَتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ
فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ , قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ
لِأُخْتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ
: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ , قَال : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ
؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : "
وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ , قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟
" , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا
النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ , قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ , وَقَالَ
: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ , وَطَهِّرْ قَلْبَهُ , وَحَصِّنْ فَرْجَهُ
" , فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ "
إن درجة المراقبة من أعلى الدرجات
وأسمى القيم ، فبها يسمو العبد، وترقى النفس، ويصفو القلب، ويستيقظ الضمير، وينال العبد
الحسنات والرفعة في الدرجات ومغفرة الذنوب والسيئات فقد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهى طريق الجنة
وسبيلها قال تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )النازعات40/41) وقال سبحانه ( وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن 46) وقال جل وعلا (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ
مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا
نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)الانسان5-10) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلا
، قَالَ : " وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ ،
إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَنِي
فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "رواه ابن حبان والبيهقي وغيرهما)
كما أن من ثمارها الوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى ، فمن السبعة الذين يظلهم الله
بظله يوم لا ظل إلا ظله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "... رَجُلٌ طَلَبَتْهُ
امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ..." متفق
عليه) كما أن من ثمارها الرزق الحلال قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق2/3)ومن ترك شيئا مخافة
الله ومراقبة له عوضه الله خيرا منه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
"إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ
لَكَ مِنْهُ " رواه احمد) غير أن من فضائلها دوام النعم، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ
؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" إِنَّ
ثلاثَةَ نَفَرٍ في بَنِي إِسْرَائِيلَ : أَبْرَصَ ، وأَقْرَعَ ، وأَعْمَى ، بدَا للهِ
أنْ يَبْتَلِيَهُمْ فبعثَ إليهِم مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ
إليكَ ؟ قال : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وجِلْدٌ حَسَنٌ ، قد قَذَّرَنِي الناسُ ، فَمسحَهُ ،
فذهبَ ، وأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا ، وجِلْدًا حَسَنًا ، فقال : أيُّ المالِ أحبُّ
إليكَ ؟ قال الإِبِلُ ، فَأُعْطِيَ ناقَةً عُشَرَاءَ ، فقال : يباركُ لكَ فيها ، وأَتَى
الأَقْرَعَ ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ ؟ قال : شَعْرٌ حَسَنٌ ، ويذهبُ هذا عَنِّي
، قد قَذَّرَنِي الناسُ ، فَمسحَهُ ، فذهبَ ، وأُعْطِيَ شَعْرًا حَسَنًا ، قال : فَأيُّ
المالِ أحبُّ إليكَ ؟ قال : البَقَرُ ، فَأَعطَاهُ بَقْرَةً حامِلا ، وقال : يباركُ
لكَ فيها ، وأَتَى الأَعْمَى ، فقال : أيُّ شيءٍ أحبُّ إليكَ ؟ قال : يردُ اللهُ إلِي
بَصرِي ، فَأُبْصِرُ بهِ الناسُ ، فَمسحَهُ ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرَهُ ، قال : فَأيُّ
المالِ أحبُّ إليكَ ؟ قال : الغنمُ ، فَأعطاهُ شَاةً والِدًا ، فَأنتَحَ هذانِ ، ووَلَّدَ
هذا ، فكانَ لِهذا وادٍ من إِبِلٍ ، ولِهذا وادٍ من بَقَرٍ ، ولِهذا وادٍ من غَنَمٍ
، ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِه وهَيْئَتِه ، فقال : رجلٌ مِسْكِينٌ ،
تقطعَتْ بهِ الحبالُ في سَفَرِهِ ، فلا بَلاغَ اليومِ إلَّا باللهِ ، ثُمَّ بِكَ ،
أسألُكَ بِالذي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ والجِلْدَ الحَسَنَ ، والمالَ بَعِيرًا
أَتَبَلَّغُ عليهِ في سَفَرِي ، فقال لهُ : إنَّ الحقوقَ كثيرةٌ ، فقال لهُ : كَأَنِّي
أَعْرِفُكَ أَلمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يُقَذِّرُكَ الناسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ
؟ فقال : لقد ورِثْتُ لِكَابِرٍ عن كَابِرٍ ، فقال : إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ
اللهُ إلى ما كُنْتَ ، وأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِه وهَيْئَتِه ، فقال لهُ مِثل ما
قال لِهذا ، ورَدَّ عليهِ مِثْلَ ما رَدَّ عليهِ هذا . قال إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ
اللهُ إلى ما كُنْتَ ، وأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِه وهَيْئَتِه فقال : رجلٌ مِسْكِينٌ
وابْنُ سَبيلٍ ، وتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبالُ في سَفَرِي فلا بَلاغَ اليومَ إِلَّا باللهِ
، ثُمَّ بِك ، أسألُكَ بِالذي رَدَّ عليكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِها في سَفَرِي
، فقال : قد كُنْتُ أَعْمَى ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرِي ، وفقيرًا ، فَخُذْ ما شِئْتَ
، فوَاللهِ لا أحمدُكَ اليومَ لِشيءٍ أَخَذْتَهُ للهِ ، فقال : أَمْسِكْ مالكَ ، فإنَّما
ابْتُلِيتُمْ ، فقد رضيَ اللهُ عَنْكَ ، وسَخِطَ على صاحبَيْكَ" متفق عليه ) كما
أن من ثمراتها تفريج الكربات وإجابة الدعاء، ولا أدل على ذلك من قصة الثلاثة الذين
أصابهم المطر وهم في طريقهم فأووا إلى غار، فانحدرت صخرة بأمر الله, فسدت عليهم فم
الغار، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ
، فَقَالَ : بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ
إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ
فِيهِ ، فَقَالَ : وَاحِدٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ
لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، وَأَنِّي
عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ
مِنْهُ بَقَرًا وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى
تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا ، فَقَالَ لِي : إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ
، فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ
فَسَاقَهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ
عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ ، فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ
لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا
وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى
يَشْرَبَ أَبَوَايَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا
لِشَرْبَتِهِمَا ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ
الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ
كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي
رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَطَلَبْتُهَا
حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ
نَفْسِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا ، فَقَالَتْ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا
تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ
كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ
اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا " رواه البخاري) ومن ذلك أيضا قصة جريج العابد، فعن
أبى هريرة رضي الله ؛عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وفيه " َتَذَاكَرَ بَنُو
إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا
، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ، قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ
، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ
، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ
، قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ
، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ
الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ ، فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ فَجَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ
: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ
فِي بَطْنِهِ ، وَقَالَ يَا غُلَامُ : مَنْ أَبُوكَ ، قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي ،
قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا
: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : لَا ، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا
كَانَتْ ، فَفَعَلُوا ..." رواه مسلم)
إن مراقبة الله تعالى من اجل الأعمال
وأفضلها لذلك كانت من وصايا القران الكريم ، قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18) كما أنها من وصايا النبي صلى الله عليه
وسلم، فقد قال " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ
تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ " رواهُ التِّرْمذيُّ وقال حديثٌ
حسنٌ) ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الوصية قال له " أُوصِيكَ
بِتَقْوَى اللَّهِ ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ ، رواه احمد)كما أوصى بها سيدنا
أبا زر قائلا " أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ
" وإذا كان من أخص صفات الصائم المراقبة لله عز وجل فإن ذلك يقتضي مراقبة الله
في كل شيء، في جميع الأقوال والأفعال، فالذي يراقب صيام العبد هو من يراقب صلاته وهو
من يراقب جميع أفعاله، ولقد قال جل وعلا (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾
الاحزاب52) فالصائم الحق هو من يظهر صيامه في سلوكه وأخلاقه، في صدق مراقبته لله تعالى
في كل قول وفعل، حفاظا على الأجر، فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَنَّهُ قَالَ " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
هَبَاءً مَنْثُورًا " قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ،
جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ " أَمَا
إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ
وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا " رواه
ابن ماجه ) فاتقوا الله جل وعلا وراقبوه في السر والعلانية قال تعالى( إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾النساء1) وقال تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا
تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر 19)
وإذا خـلـوت بـريبــة فـي ظلمـــة
*** والـنفـس داعـية إلى الـطغيـان
فاستحي من نظـر الإلـه وقل لها
*** إن الـذي خـلق الـظـلام يـراني
( اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن
)