رمضان شهر المراقبة الذاتية وصناعة الضمير الحي للشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله ربِّ العالمين،
أكرمنا بنعمه الوافرة، وآلائه الباهرة، والحياة الإيمانية الطاهرة.
وأشهد أن لا إله إلا
الله، وحده لا شريك له، فرض علينا في شرعه ودينه ما يُصلح به شئوننا، ويُبهج به حياتنا،
ويسرُّ به قلوبنا وأفئدتنا، ويجعلنا به بعد ذلك يوم القيامة من الفائزين بدخول جنة
النعيم.
وأشهد أن سيدنا محمدًا
عبدُ الله ورسولُه، أعطاه الله عزَّ وجلَّ صلاحَ الدنيا والآخرة، وجعله وشرعه في الدنيا
هما النجاة، وفي الآخرة هما سبب الفوز برضا الله ودخول الجنة إن شاء الله.
اللهم صلِّ وسلِّمْ
وباركْ على سيدنا مُحَمَّدٍ الذي أنزلته للخلق جميعاً رحمة، وللمؤمنين خاصةً نعمة،
وجعلته في الدنيا مُذْهِبًا لكلِّ عناء، وفي الآخرة هو سبب الراحة لنا من كلِّ بلاء،
ونجاتنا من الشقاء والأشقياء، وفوزنا بالسعادة بدخول الجنة يوم العرض والجزاء.
صلَّى الله عليه وعلى
آله وصحبه، وكلِّ مَنْ اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين
يا ربَّ العالمين.
إخواني جماعة المؤمنين:
ونحن في شهر الصيام
، يتساءل كثيرٌ منا - ومن غيرنا – لِـمَ فرض الله عزَّ وجلَّ علينا الصيام؟
وأمرنا أن نجوع نهاراً،
وسنَّ لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن نقوم لله ليلاً؟
والله عزَّ وجلَّ غنيٌّ
عن جوعنا وقيامنا وطاعاتنا أجمعين، لأن الله عزَّ وجلَّ كما قال النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم في شأن صنف واحد من العابدين لله: {ما من موضع أربع أصابع في السموات السبع
إلا ولله تعالى فيه ملك ساجد أو راكع يسبح الله جلَّ في علاه}[1]. ناهيك عن أنَّ الكون
كلَّه يسبِّح لله؛ السموات والأرض والجبال، والبحار والأشجار والطيور والحيوانات والأنهار،
بل والجمادات وكل الكائنات: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [44الإسراء].
كلُّ مَنْ في الوجود
يسبِّح الحيَّ القيوم عزَّ وجلَّ - لا يحتاج إلى عنائنا وتعبنا وعباداتنا، وإنما فرضها
علينا لنفعنا.
والصيام فيه منافع
لا تعدُّ ولا تحدّ:
منافع جسمانية، ومنافع
نفسية، ومنافع قلبية، ومنافع معيشية، ومنافع دنيوية، ومنافع أخروية ومنافع جنانية،
ومنافع عند ربِّ البرية عزَّ وجلَّ. حِكَمٌ تحتار البرية كلُّها فيها،
نأخذ منها واحدة على
قدرنا اليوم، وكلُّنا في أمسِّ الحاجة إليها أجمعين في كل وقت وحين.
أنزل الله هذا الدين
لصلاح المجتمعات، وتحسين حال الأفراد وسلوكياتهم، والتأكيد على الحياة الطيبة في الجماعات،
فهو دِينُ الأُنْسِ، ودِينُ الألفة، ودِينُ الاختلاط الطيِّب، ولا سلاحَ يصلح المجتمعات
والأفراد في كلِّ وقت وحين إلَّا سلاح المراقبة لله عزَّ وجلَّ ربِّ العالمين، ولذا
قال الله لنا معشر المؤمنين:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [183البقرة].
الحكمة والغاية هي
التقوى، والتقوى هي الخوف من الله، وخشية الله جلَّ في علاه، ومراقبة المرء لمولاه
لعلمه أنه يطَّلِعُ عليه ويراه، يعلم سرَّه ونجواه، ويحيط بكلِّ خفاياه، ويطَّلع على
أدق نواياه: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ
اللّهُ﴾ [284البقرة].
إذا وصل العبد إلى
هذا المقام كان بردًا وسلامًا على جميع الأنام؛ لا يؤذي أحداً بلسانه، ولا يضرُّ أحداً
بيده، ولا يغشُّ أحدًا في قول أو فعل أو بيع أو شراء، ولا يعمل عملاً فيه خديعة لمؤمن
أو غير مؤمن، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فإذا قويت مراقبة الله
ذهبت الجريمة وولت إلى غير رجعة، ذهب السوء وولَّى إلى غير نهاية، وعاش الناس في أمان
واطمئنان كأنهم في جنة عالية، لأن الذي تضحك على نفسه أو يوسوس له شيطانه، مراقبةُ
الله عزَّ وجلَّ في قلبه تظلُّ توبِّخه وتؤنِّبه وتلومه حتى يعترف لله عزَّ وجلَّ بذنبه
ويطلب التوبة منه، أو يذهب إلى الحاكم ليقيم الحدَّ عليه ليُطَهِّرَهُ الله منه، فلا
يحاسبه عليه في الدنيا، ولا يعاقبه عليه في الآخرة.
وهذا كان مجتمع ﴿ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [84الفتح]. لم يكونوا يحتاجون إلى شرطة آداب، لأن
الشرطة في القلب وتراقب حضرة الكريم الوهاب، لا يخشون الناس وإنما يخشون ربَّ الناس
عزَّ وجلَّ،
فكانوا كما قال فيهم
الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه:
(شرورهم مأمونة، وأنفسهم
مصونة، وألسنتهم مخزونة، الناس منهم في راحة، وأنفسهم منهم في عناء). يحاسبون النَّفْسَ
على كل حركة وسكنه، وعلى كل هَمَّة وعلى كل لَمَّة، وعلى كل نيَّة يَهِمُّ بها، لأنهم
يعلمون:
(إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى)[ متفق عليه عن عمر رضي الله عنه].
قوم على هذه الشاكلة،
يعيشون كما قال الله:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[97النحل].
وقعت امرأة منهن في
الزنا وذهبت إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقالت: زَنَيْتُ يا رسول الله طَهِّرْنِي،
فنظر إلى قومها وقال: أبعقلها حاجة؟ قالوا: لا، قال: هل تشتكي من شيء؟ قالوا: لا، قالت:
يا رسول الله، إني حملت وحملي في بطني - وهذا أكبر دليل على الاعتراف بما اقترفته وجَنَتْهُ
– طهِّرْني. فقال صلى الله عليه وسلم: هل هنا قريب لها؟ قال رجل: أنا عمُّها، قال:
خُذْهَا وأكرمها حتى تضع ما في بطنها. قالت: يا رسول الله أتريد أن تدفعني كما دفعت
ماعزًا؟!! أريد أن تطهِّرَني حتى لا يحاسبني الله يوم القيامة على ذنبي ووزري. فأشار
النَّبِيُّ إلى الرجل أن امضِ بها، وأوصاه أن يكرمها، لا يقتلها، ولا يدفنها، ولا يصنع
معها ما يسيئها، لأنه اعترفت بذنبها والله عزَّ وجلَّ يقبل توبة التائبين ويحب التوَّابين
ويحب المتطهرين.
وجاءت بعد أن وضعت
ما في بطنها وقالت: يا رسول الله ها أنا وضعت - ولم تغيِّر أقوالها - مع طول المدة،
ومع كثرة المخالطة، لأنه لم يكن يوجد قرناء سوء يزينون لها أن تغيِّر أقوالها لتنفذ
بجلدها من هذا الأمر الهام، ومراقبة الله تدفعها إلى أن تفعل ما يلهمها به الله عزَّ
وجلَّ، لأن فيه نجاتها في الدنيا والآخرة،
فقال صلى الله عليه
وسلم للرجل: خذها وأكرمها حتى تتم رضاع طفلها، فأخذها الرجل وأكملت رضاع طفلها وجاءت
للنَّبِيِّ وأمسكتْ بيد الطفل برغيف خبز، وقالت: يا رسول الله، لقد فطمته وها هو يأكل
كما ترى، فأقم عليَّ الحدَّ وطهِّرني.
أيُّ مجتمعٍ هذا؟!!
﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [6التحريم].
فأمر النبيُّ صلى الله
عليه وسلم أصحابه أن يرجمونها ليطهِّرها، وقال في شأنها:
(لقد تابتْ توبةً لو
وزِّعت على أهل المدينة جميعًا لوسعتهم)[ رواه مسلم والدارمي وأحمد وأبو نعيم عن عبد
الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه].
هكذا كان حال مجتمع
المؤمنين.
ذهب رجل منهم إلى رسول
الله: وقال:
(يا رسول الله أوصني.
قال: لا تكذب. فذهب ثم عاد وقال: يا رسول الله أوصني. قال: لا تكذب، وكررها ثلاثاً؛
فذهب الرجل وَكُلَّما وَسْوَسَتْ له نفسه بمخالفة، أو هَمَسَ له شيطانه بمعصية، قال
لنفسه: ماذا أقول إذا سألني الله؟ وإذا سألني رسول الله؟ وإذا سألني إخواني المؤمنين،
وقد أخذ عليَّ النَّبِيُّ العهد ألا أكذب؟!!).
فكان هذا الدواء الوحيد
الفريد الزهيد هو سرُّ تبرأه من جميع المعاصي على اختلاف أنواعها، لأن هذا كان نَهْجُ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فإذا انغمس الناس في
الدنيا وتاهوا في شئونها، ومنهم من ذهب إلى اللهو، ومنهم من ذهب إلى اللعب، ومنهم من
جرَّه الجشع والطمع إلى ما يغضب الله، ومنهم من جرَّته الرغبة في الحصول على المال
إلى الغشِّ لعباد الله، ومنهم من جرَّته الرغبة في المنصب إلى الخداع لعباد الله، قَلَّتْ
المراقبة بينهم، فكثرت المشاكل وازدادت الفتن، وأطلت الإحن. فجعل الله عزَّ وجلَّ شهرًا
كلَّ عام يكون عَمْرَة لجهاز القلب، وإلجام النفس عن شهواتها، وإرجاعها إلى مراقبة
الله وخشية الله وتقوى الله عزَّ وجلَّ.
فيمتنع المؤمن في شهر
رمضان عن المعاصي والفتن، ويُقبِل على عمل الطاعات، وعلى التنافس في العبادات، ويُطهِّر
قلبه نحو جميع الكائنات؛ مِنْ الغِلِّ والحقد والحسد، والكُره والبغض، والأثرة والأنانية،
ويملؤه بالبضاعة القرآنية النبوية الرمضانية –
شنطة رمضان من النَّبِيِّ
العدنان؛
الألفة والمحبة، والمودة
والشفقة، والرحمة والحنان بإخواننا المؤمنين وبكل بني الإنسان،
فإذا فعل الإنسان ذلك،
ودام على ذلك، دخل في قول الله في القرآن:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [42الحجر].
ختم على جوارحه الحفيظ
بحفظه؛ فحفظ جوارحه من المعاصي والغفلة عن الله، وختم الفتَّاح على قلبه فمنع الدخول
فيه لأي شيء لا يحبُّه الله، وفتحه على كنوز فضل الله وإكرام الله وعطاء الله.
يعطيه الله عزَّ وجلَّ
بُرْجَ مراقبةٍ قرآني، يقول فيه الله:
﴿وَجَعَلْنَا لَهُ
نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [122الأنعام]. يمشي كالمؤمنين في كلِّ زمان ومكان
والصالحين معهم تيار نوراني رباني في القلب والفؤاد لا ينطفئ إلى يوم التناد، يعرفون
به الحقَّ من الباطل والطيب من الخبيث، والحسن من السيئ، يميزون به بين الأشياء، فيكون
فرقاناً يقول فيه الله:
﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ
يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ [29الأنفال].
وقد يعطيه الله عزَّ
وجلَّ نورًا يقول فيه حضرة النَّبِيِّ: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وينطق
بتوفيق الله}[ الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه].
وقد يعطيه الله عزَّ
وجلَّ إحساسًا إيمانيًا ربانيًّا، فَيُحَكِّمُ هذا الإحساس فيما يطَّلع عليه ويراه،
فيحسُّ أن هذا صادقٌ وأن هذا كاذب، وأن هذا خائنٌ وأن هذا أمين، ولا يستطيع أن يبرهن
بالقول لأن الذي يحسُّ هو القلب العامر بنور الله، والعامر بتقوى الله، والعامر بخشية
الله، والعامر بفضل الله جلَّ في علاه.
هذه التقوى يا إخواني
جعلها الله عزَّ وجلَّ جائزة عظمى، ووساماً راقيًّا لمن يصوم شهر رمضان، كما ذكر الله
في القرآن، وكما كان عليه النَّبِيُّ العدنان صلى الله عليه وسلم.
إذا أردت أن تأمن على
زوجك وبناتك فلا سبيل أرقى من هذا السبيل، إذا وصلنا إلى مراقبة الله لا تخشى عليهن
شيئاً حتى ولو كن وسط السباع الهائجة، لأن تقوى الله تحفظهن، وتقوى الله تنهاهن عما
يغضب الله جلَّ في علاه. إذا كان المجتمع بهذه الشاكلة فهو مجتمع المؤمنين، المجتمع
الطيب، والبلد كلها يكون بلداً طيباً، يقول فيه الله:
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا﴾
[58الأعراف].
أين نجد هذا الفضل؟!!
هل في صيدلية؟!! هل في جامعات دراسية؟!! هل في دول متقدمة ومتحضرة أوروبية أو أمريكية
أو يابانية؟!!
لا نجد هذا الفضل إلا
في شريعة الله وفي منهج رسول الله، ولذلك اسمعوا إلى حضرة النبيِّ وهو يقول - في المؤتمر
الصحفي الذي عقده للمؤمنين في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان في العام الثاني من
الهجرة - ليوضح لهم بعض مزايا شهر رمضان:
{أيها الناس، قد أظلكم
شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله، وهو
شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، وهو
شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه
وعتق لرقبته من النار، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً.
قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه، فقال صلى الله عليه وسلم - وهو
الرحمة العظمى: يعطى الله هذا الثواب لمن فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو على
مذقة لبن، ومن خفف عن مملوكه فيه أدخله الله الجنة وأعتق رقبته من النار، ومن أشبع
فيه صائما سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدًا حتى يلج الجنة.
فاستكثروا فيه من أربع
خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى لكم عنهما. أما اللتان ترضون بهما ربكم
فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله
تعالى الجنة وتتعوذون به من النار}[ ابن خزيمة والبيهقي عن سلمان رضي الله عنه.].
أو كما قال، ادعوا
الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله رب العالمين
الذي أكرمنا وكرمنا، وجعلنا من عباده المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له يعين من أحبه على ذكره وشكره وطاعته في كل وقت وحين.
وأشهد أن سيدنا محمداً
عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ووضح المحجة وأقام الحجة، وتركنا
على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.
اللهم صلِ وسلم وبارك
على سيدنا محمد، واحفظنا من المعاصي والسيئات، وأعنا على عمل الخير والبر والطاعات،
واكتبنا عندك في هذه الأيام المباركة من أهل الجنات، ورقينا إلى أعلى الرتب حتى نكون
مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
أيها الأخوة جماعة
المؤمنين:
يقول ربنا عزَّ وجلَّ:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [21 الأحزاب]. خير الهدي هدي سيدنا رسول الله،
نحن جميعًا والحمد لله نُقبل على الطاعات في رمضان؛ نصوم ونقوم ونقرأ القرآن، ونذكر
الله، ونسارع إلى أعمال البر والخير كلها، لكن هذه الأعمال الصالحة شرطها القبول، والقبول
لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ.
والنبي صلى الله عليه
وسلم وهو كما قال لنا فيه ربه:
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾
[128 التوبة]. حريص على أن نحصل على السعادة والحسنى والزيادة.
ما أسرع طاعة يغفر
الله بها الذنوب؟ ويقبل بها على حضرته بهذا العبد التائب إلى الله، ويجعل هذا العبد
في كنف الله ورعايته؟
بَيَّنَ النَّبِيُّ
ذلك بفعله وقاله، فقال صلى الله عليه وسلم: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار}[
النسائي والطبراني وأحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه].
أسرع أمر في إطفاء
الخطايا والتوبة هي الصدقات على الفقراء والمساكين.
أكثروا فيه من تلاوة
القرآن، وليكن القرآن فيه بتدبُّر وتمعُّن، لِنَفْقَهَ معنى هذا الكلام، ثم نقوم بتنفيذه
ونعقد العزيمة على العمل به، ونسأل الله أن يعيننا على ذلك على الدوام.
وحافظوا فيه على كفِّ
اللسان عن كلِّ ما يُؤذي بني الإنسان، واعلموا قول النبي العدنان صلى الله عليه وسلم
الذي رواه الإمام الترمذي عن جابر رضي الله عنه: {خمس يفطرن الصائم، الكذب، والغيبة،
والنميمة، واليمين الكاذب، والنظر بشهوة}.
واسمعوا إلى تحذيره
صلى الله عليه وسلم للخائضين في الباطل حيث يقول: {من لم يدع – أي: يترك - قول الزور
والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه}[ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي
الله عنه.
]
يعني يريح نفسه من
ذلك لأن الله لن يقبل منه هذا العمل.
كيف نصوم؟. يقول المعصوم
صلى الله عليه وسلم:
{إذا صمت فليصم سمعك
وبصرك ولسانك ويدك ورجلك عن الحرام}[ عن جابر رضي الله عنه]،
صيام الجوارح هو الذي
أمرنا به الله، وحضَّنا وحثَّنا عليه سيدنا رسول الله.
يا أمة خير الأنام:
كونوا في هذا الشهر الكريم مثالاً يُحتذى، قولوا للناس حسناً، قدموا الخير، أخِّروا
الأحقاد والأحساد، صلوا الأرحام وأعفوا عن الخصومات، واجعلوا الأمة كلها في هذا الشهر
كما قال النَّبِيُّ:
{ترى المؤمنين في تراحمهم
وتوادهم وتعاطفهم كمثل جسد واحد، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}[
البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.] ...... ثم الدعاء
*********************************
[1] أخرجه الترمذي
وابن ماجه في الزهد (قَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ
أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ
إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا).