نعمة الماء للشيخ ماهر السيد خضير




عناصر الخطبة

العنصر الأول / نعم الله لا تعد ولا تحصى علينا

العنصر الثاني /  الماء في القران الكريم والسنة

العنصر الثالث / الماء جند من جنود الله تعالى
العنصر الرابع / كيفية المحافظة على الماء ؟
.....................................................................أما بعد 
أيها المسلمون / إن نعم الله على علينا لا يحدها حد ولا يحصيها عد ولا يستثنى من عمومها أحد فهي نعم عامة سابغة تامة يقول سبحانه وتعالى (وإن تعدوا نعمة اللـه لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ), ويقول جل شأنه: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )
واستمع إلى هذا الخبر روى عن داود عليه السلام أنه قال) أي رب كيف لي أن أشكرك وأني لا أصل شكرك إلا بنعمتك قال فأتاه الوحي أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني قال بلى يا رب قال فإني أرضي بذلك منك )
ومن تلك النعم  علينا نعمة الماء الذي خلقه الله تعالى قبل العرش كما في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَــآءِ( هود وقد جاءت السنة مفسرة لهذه الآية ففي الحديث الذي رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض) وفي رواية (ثم خلق السماوات والأرض) يقول ابن حجر: معناه أن الله خلق الماء سابقًا ثم خلق العرش على الماء. أما ترتيب المخلوقات بعد العرش والماء فقد صرح بها الحديث (كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال: اكتب ما هو كائن، ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن). وقد روى الإمام أحمد والترمذي حديثا مرفوعا )أن الماء خلق قبل العرش(
عباد الله / ان من أجل نعم الله على الإنسان وأعظمها ـ وكلها جليلة وعظيمة ـ نعمة المــاء وكيف لا والماء مصدر الحياة ؟ يقول الله تعلى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل شيء خلق من ماء) إن الماء عصب الحياة وهو عنصر الحياة لجميع الكائنات الحية ومن العجيب ان الماء يمثل نسبة 70 % من مكونات الكائنات الحية وهى نفس نسبة الماء الموجودة تقريبا على كوكب الأرض من الماء 72% .
ولكى ندرك مدى نعمة الماء علينا فان هناك من لا يملك تلك النعمة فحسب  إحصاءات الأمم المتّحدة أنّ حوالي مليار شخص على سطح الأرض لا يزالون يفتقرون الوسائل المتاحة للوصول إلى مصدر آمن لمياه الشرب، وأنّ حوالي 2.5 مليار يفتقرون إلى وسيلة ملائمة من أجل تطهير المياه.
ويحظى الماء في الإسلام بمكانة كبيرة، إذ به يتمّ الوضوء قبل كل صلاة، وفي حال تعذّر وجوده يستعان يالتيمّم بالتراب الطاهر. كما يستعمل الماء للتطهّر من النجاسات بالغسل ولغسل الأموات قبل الدفن. وردت كلمة الماء في القرآن 63 مرة وغالباً ما كان ورودها بمعنى النعمة، لما للماء من أهمّيّة بالغة يقول الله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ). يقول جل شأنه ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ).
إنه لولا الماء ما كان إنسان وما عاش حيوان وما نبت زرع أو شجر, فمن الماء يشرب الإنسان ومنه يخرج المرعى, وبه تكسى الأرض بساطا أخضر. فتبدو للناظرين أجمل وأنظر, يقول الله تعالى: (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون, ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) . ويقول تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ).
عباد الله : إن من الناس من تعودوا وجود النعمة وألفوها, فلا يعرفون قدر هذه النعمة عليهم, لأنها دائما حاضرة بين أيديهم, ولأجل ذا فقد نسينا نعمة الماء. فليتخيل أحدنا فقد هذه النعمة ولو لزمن يسير, حينها يعلم أن فضل الله علينا بها عظيم وأن فقدها خطر جسيم . يقول الله تعالى (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين). أو دعونا نتصور الماء ملحا أجاجا, حينها نعلم أن عذوبة الماء نعمة إلهية, ومنحة ربانية تستوجب حمد الله وشكره, وتسبيحه وذكره, يقول الله تعالى ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون, لونشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) إن الماء في مكان الصدارة من النعم التي يسال عنها العبد يوم القيامة, وهو من النعيم المقصود في قول الله تعالى "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك بدنك ونروك من الماء البارد؟) حديث صحيح رواه الترمذي.
ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم حفيا بنعمة الله يعظمها ويشكرها, وما أكثر الدعوات التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ من طعامه إذا طعم وشرابه اذا شرب, فكان إذا فرغ من طعامه وشرابه قال: ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين ). وروي عنه صلى الله عليه وسلم إنه إذا شرب الماء قال: ( الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته, ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا). إن هذه البشاشة التي يستقبل بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعمة الماء وشكر مسديها الأعلى جل شأنه لها أعظم دلالة على أهمية هذه النعمة العظيمة[1]
وانظروا عباد الله الى فضل الماء فبه الوضوء للصلاة وبه الاغتسال وبه ازالة النجاسات والله سبحانه يحب المتطهرين وانظروا الى الاجر المترتب على سقى الماء
جاء في ( صحيح الترغيب والترهيب ، 964 ) أصابت الإمام الحاكم قرحة في وجهه ، قريباً من سنة ، فتصدق على المسلمين بوضع سقاية على باب داره ..فشرب منها الناس، فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وعاد وجهه أحسن ما كان.
وهذا امتثال لحديث (داووا مرضاكم بالصدقة) حسنه الألباني .
جاء في ( سير أعلام النبلاء ، 8 / 407) أن رجلاً سأل عبد الله بن المبارك عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج .... فقال له ابن المبارك :( اذهب واحفر بئراً في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء فإني أرجو أن تنبع هناك عين )
ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى.
عباد الله / اعلموا إن هذا الماء أحد جنود الله جعله الله عذابا لأمم مكذبين فغدا طوفانا عم الأرض وعلا قمم الجبال, ولم ينج منه إلا نوح عليه السلام وأصحاب السفينة ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ  ﲋ  ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ  ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ  ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ  ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ  ﲶ ﲷ ﲸ هود: ٤٢ - ٤٣
وفى الماء وبه غرق الله فرعون وجنده حينما طغوا وتجبروا وحاربوا الله تعالى ورسله ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ  ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ  ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ طه: ٧٧ - ٧٨
وكان لسبأ وأهلها الذين كانوا في نعمة عظيمة, أرزاقهم واسعة و زروعهم وافرة, وثمارهم طيبة, فأعرضوا عن الهدى ولم يوحدوا الله بالعبادة ويشكروا نعمه, كان عقابا عاجلا حين أرسل الله عليهم سيل العرم, فانهار السد واجتاح الماء بلادهم واجتث زروعهم وثمارهم وأتلف أموالهم ومحاصيلهم, فذلوا بعد عزة وضعفوا بعد قوة, وتفرقوا بعد اجتماع وإلفة, وخافوا بعد أمن ومنعة ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ  ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ  ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ  ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ  ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ  سبأ: ١٥ - ١٧
. وإن ما نشاهده ونسمع عنه من فيضانات تغرق الناس وتشردهم عن قراهم ويصبح الناس في العراء, ويزدادون فقرا إلى فقرهم في حين تشكو بلاد أخرى جفافا لسنين عدة حتى نفقت بهائمهم وهجروا قراهم طالبين السلامة وقطرة الماء إن هذا لدليل واضح على أن الماء مؤتمر بأمر الله تعالى يصرفه كيف يشاء؟. وأن شكر الله تبارك وتعالى على نعمة الماء لا يقتصر على الشكر باللسان بل يتعداه إلى الشكر بحسن التصرف فيه وحسن استغلاله, والاقتصاد والترشيد في استعماله, فأي إسراف في استعمال الماء هو تصرف سيء وكفر لهذه النعمة, جاء النهي عنه صريحا في القرآن المجيد, يقول الله تعالى ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) وإن الإسراف في الماء كما هو في مباحات الإنسان واستعماله له فهو كذلك في عبادته وما يتأكد فيها استعمال الماء
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا اغتسل اغتسل بالقليل, وإذا توضأ توضأ بالنزر اليسير, فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد, ويتوضأ بالمد ), والمد ملئ اليدين المتوسطتين. فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعلموا أن من الإساءة والانحراف هدر الماء عن طريق التبذير والإسراف. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
..................................................... الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على امام الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد النبي صلوات الله وسلامه عليه وبعد :-
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صحيح بمعناه أنه رأى أحد الصحابة وهو يتوضأ فقال له: ( لا تسرف في الماء ), فقال: وهل في الماء إسراف؟ قال: (نعم وإن كنت على نهر جار) . ويروى أيضا أنه قال : ( إن للوضوء شيطانا يقال له : الولهان , فاتقوا وسواس الماء ) وعندما يرى المسلم إخوانه المسلمين في أماكن الوضوء في المساجد يشاهد من الأمر عجبا في إهدار الماء وفتحه من محابسه إلى أعلى الدرجات فنجد الماء مهدرا نافذا إلى مجاري الصرف وكأنهم لا يعون ولا يعلمون شيئا من سنة رسولهم محمد حيث يتوضأ أحدهم بأكثر من القدر الذي عليه هدي رسول الله بعشرات المرات. وحالهم في الاغتسال أعظم وأكثر .
والواجب علينا جميعا كأفراد وحكومات ان يقوم كل واحدا بدوره للمحافظة على تلك النعمة التى خصنا الله بها  وكل فرد منا يحاسب نفسه ويتقي ربه, وإذا بدأت المحاسبة تأتي النتائج المثمرة بإذن الله, فالمؤمن يتعبد لله في أمره كله وإن عدم الرقيب البشري عليه.
فاحذران تتعدى على الماء بإلقاء المخلفات أو الأذى فيه فان هذا يعد من الافساد فى الارض ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱱ ﱲ ﱳ  ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ  ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ البقرة: ٢٠٥
 حيث يتّفق العلماء المعاصرون على أنّ تلويث الماء بشتّى طرق التلوّث المختلفة هو إفساد في الأرض لما يترتّب عليه من أضرار جسيمة لكلّ من يستخدم هذا الماء الملوّث من البشر إلى جانب بقيّة الأحياء الحيوانيّة والنباتيّة والمائيّة، وهو بالتالي أمر حرام نظراً لأنّ الإسلام نهى عن الإفساد في الأرض نهياً قاطعاً. 5] كما أجمع العلماء على أنّ التبوّل في المياه أو التغوّط فيها أمرٌ منهيٌّ عنه نظراً للمفاسد التي تترتّب على ذلك والأضرار التي تلحق بعامّة الناس وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول فى الماء فقال (لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجْرِي، ثم يَغْتَسِلُ مِنْهُ)
ومن المؤسف ان نطالع ان  قدّرت منظّمة الصحّة العالميّة مثلاً أنّ حوالي 1.4 مليون طفل يموتون سنويّاً سبب  الإسهال  الحاصل من الماء الملوّث . وعليك بتوعية أهل البيت من الصغار الذين نشؤا على عدم معرفة قيمة هذه النعمة فصار الإسراف في الماء طبعا لهم توعيتهم من آكد الأمور. وكذا العمال ومن يقومون بغسل المنازل والسيارات خصوصا أيام الغبار فليأخذ على أيديهم ويذكرهم  .
ومثل هذا من يقوم باهدار الماء على أشجار الزينة ونباتاتها والمسطحات الخضراء والأشجار غير المثمرة والتي لا فائدة من وراءها ..... ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﳇ ﳈ ﳉ  ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ  الفرقان: ٦٧
وعلى الحكومات
ü    القيام ببناء السدود و الخزانات حيث تقوم بالعمل على تخزين المياه الفائضة .
ü    العمل على توعية الناس بأهمية المياه و اهمية ترشيد إستخدامها .
العمل على إيجاد مصادر بديلة متنوعة للمياه مثل : –
ü    تحلية مياه البحر .
ü    مياه الصرف الصحي بعد العمل على معالجتها مما يجعلها صاله لعمليات الري و الإستخدامات الصناعي
ü    القيام ببناء الآبار التي يتم فيها جمع مياه الأمطار و العمل على إستخدام تقنيات الحصاد المائي .
ü    العمل على إصلاح أي اعطال او تسريبات في المواسير و الوصلات الخاصة بالماء .
وختاما عبدالله اعلم ان الماء نعمة من نعم الله تعالى فحافظ عليه ولا تسرف فيه فقد عده الرسول صلى الله عليه وسلم من افضل الصدقات فقال (أفضل الصدقة سقي الماء) رواه أحمد وأبو داود، صحيح الجامع
اللهم انا نسألك العفو والعافية ......
الدعاء ......................... وأقم الصلاة
أعدها الفقير إلى عفو ربه
ماهر السيد خضير
إمام وخطيب وزارة الأوقاف




[1] د عبدالرحمن داهمش
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات