الترغيب في الترشيد في الطعام والشراب والترهيب من الإسراف والتبذير فيهما للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله مدبر الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، الملك القدوس السلام،
المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، المتنزه عن النقائض ومشابهة الأنام.
وأشهد أن لا إله إلا الله، يرى ما في
داخل العروق وبواطن العظام، ويسمع خفي الصوت ولطيف الكلام، إله رحيم كثير الإنعام،
ورب قدير شديد الانتقام، قدر الأمور فأجراها على أحسن النظام، وشرع الشرائع فأحكمها
أيما إحكام، بقدرته تهب الرياح ويسير الغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالي والأيام.
أحمده على جليل الصفات وجميل الإنعام، وأشكره شكر من طلب المزيد ودام.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر
السابق إلى الإسلام، وعلى عمر الذي إذا رآه الشيطان هام، وعلى عثمان الذي جهز بماله
جيش العسرة وأقام، وعلى عليٍّ الخضم والأسد الضرغام، وعلى سائر آله وأصحابه والتابعين
لهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليمًا كثيرًا.
العناصر:
أولًا: أهمية الطعام والشراب وواجبنا
نحوهما
ثانيًا: بعض سُنَن الطعام والشراب
ثالثًا: حرمة الإسراف في الطعام والشراب
الموضوع
أولًا: أهمية الطعام والشراب وواجبنا نحوهما
أصل المعاش وسبيل الرزق: يقول عمر رضي الله
عنه: ( أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة)، فلا شراب إلا بماء،
ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء،
بل ولا صناعة إلا بالماء؛ ولم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت
أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها
ومنابعها.
اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم
فيهما: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل اغتسل
بالقليل، وإذا توضأ توضأ باليسير فعن انس رضي الله عنه قال ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ
أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ ) ([1])
و(الصاع أربعة أمداد، والمد ملء اليدين المتوسطتين)، فيعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بما يعادل ملء كفيه أربع أو
خمس مرات، ويتوضأ بما يعادل ملء كفيه مرة واحدة.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جده قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ
فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»([2])
وإذا كان هذا في شأن عبادة، فما ظنك بما دون العبادة ؟!!!
ويقول ابن القيم رحمه الله:
" وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم وسيرتُه في الطعام ، لا يردُّ موجوداً ،
ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافَه نفسُه
، فيتركَه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قطُّ ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه ، كما
ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ، ولم يحرمه على الأمة ، وأكل الحلوى والعسل
، وكان يُحبهما ، وأكل لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الحُبارى ، ولحم حِمار
الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر ، وأكل الشواء ، وأكل الرُّطبَ والتمرَ... ولم يكن يردُّ
طَيِّباً ، ولا يتكلفه ، بل كان هديه أكلَ ما تيسر ، فإن أعوزه صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ
على بطنه الحجر من الجوع ، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوقد في بيته نارٌ
" ([3])
انتهى باختصار .
وعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي «إِنْ كُنَّا
لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ،
وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ»،
فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: " الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ
وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا "([4])
(وما أوقدت. .) كناية عن طبخ شيء من اللحم
أو سواه. (يعيشكم) يقيتكم من الطعام. (الأسودان) غلب التمر على الماء فقيل أسودان وكان
الغالب في تمر المدينة الأسود. (منائح) جمع منيحة وهي الشاة أو الناقة التي تعطي للغير
ليحلبها وينتفع بلبنها ثم يردها على صاحبها وقد تكون عطية مؤبدة بعينها ومنافعها كالهبة.
(يمنحون) من المنح وهو العطاء].
المحافظة
عليها وعدم الإسراف في استعمالها: قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31)،
هذه آية في كتاب الله، جمعت علم
الغذاء كله في ثلاث كلمات. فإذا جاء شهر رمضان، والتزم الصائم بهذه الآية، وتجنب الإفراط
في الدهون والحلويات والأطعمة الثقيلة، وخرج في نهاية شهر رمضان، وقد نقص وزنه قليلا،
وانخفضت الدهون، يكون في غاية الصحة والسعادة، وبذلك يجد في رمضان وقاية لقلبه، وارتياحا
في جسده. فالكنافة والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم والدسم تتحول في الجسم إلى دهون،
وزيادة في الوزن، وعبء على القلب. وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام،
ثم يطفئ لهيب المعدة بزجاجات المياه الغازية أو المثلجات.
وقد أكد الباحثون أنه على الرغم
من عدم التزام الكثير من المسلمين، للأسف الشديد، بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان
ورغم إسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الدسمة والحلويات، فإن صيام رمضان قد يحقق
نقصا في وزن الصائمين بمقدار 2 - 3 كيلوجرامات في عدد من الدراسات العلمية.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل اغتسل
بالقليل، وإذا توضأ توضأ باليسير فعن انس رضي الله عنه قال ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ
أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ ) ([5])
و(الصاع أربعة أمداد، والمد ملء اليدين المتوسطتين)
فيعني أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يغتسل بما يعادل ملء كفيه أربع أو خمس مرات، ويتوضأ بما يعادل ملء
كفيه مرة واحدة.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جده قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ
فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»([6])
وإذا كان هذا في شأن عبادة، فما ظنك بما دون العبادة ؟!!!
حمد الله
وشكره: قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم 7)، وعَن أبي أيوبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ
لَهُ مخرجا» ([7])
وهذا النعيم سيسأل عنه
الإنسان يوم القيامة فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ - يَعْنِي العَبْدَ مِنَ
النَّعِيمِ - أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ
المَاءِ البَارِدِ ) ([8])
إعطاء الغير منه وعدم البخل به: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"
ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ:
رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ
كَاذِبٌ ؛ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ
بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ؛ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ
أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ " ([9])
أيها
المسلمون: إن الماء من أجل النعم وأعلاها قدرا ولا يمكن الاستغناء عنها بحال من
الأحوال لذلك وجب علينا شكر المُنعم جل جلاله عليها، وشكره سبحانه على هذه النعمة
العظيمة يكون بحسن استغلالها واستعمالها فيما ينبغي وعدم الإسراف فيها أو ضياعها
فيما لا يفيد....
بالقليل من
الطعام: عن أبي كريمة المقدام بن معد يكرب رضي الله عنهـ قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " ما ملأ آدمي وعاءا شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه
فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " ([10])
الإسراف هو مجاوزة الحد، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع، وهذا لا يتحدد بوجبة
أو وجبتين أو ثلاثة، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها. وقد يأكل ثلاث
وجبات بغير إسراف.
وحديث المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب،
وليس فيه تعرض لعدد الوجبات، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه وعشائه،
ويكون مقتصدا مقلا، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات - في وجبته - فليجعل ثلثا لطعامه،
وثلثا لشرابه، وثلثا لنفَسه، فإن احتاج إلى وجبة أخرى - كما هو غالب حال الناس - فلا
حرج في ذلك، ويراعي فيها ما سبق أيضا، وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع، وعدد
الوجبات يختلف باختلاف الشخص، ونوع الطعام، وطبيعة المجهود الذي يبذله، والمقصود هو
حفظ البدن، وعدم الإضرار به، سواء بالشبع أو بالجوع.
وعَن أبي أُمَامَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا ابْن آدم، إِنَّك أَن تبذل
الْفضل خيرٌ لَك، وَأَن تمسكه شرٌّ لَك، وَلَا تلام على كفافٍ، وابدأ بِمن تعول، وَالْيَد
الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى "([11])
(أن تبذل الفضل خير لك) معناه إن بذلت الفاضل
عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه وإن أمسكته فهو شر لك (ولا تلام على كفاف)
معناه أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه].
وقال تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ
إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)
(الفرقان:67).
دوام النظر في سيرة سلف هذه الأمة، من الصحابة المجاهدين
والعلماء العاملين فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم فكان عيشهم كفافاً، ولا هم
لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة.
ودخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - فرأى عنده
لحماً، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه! قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفى بالمرء
سرفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهاه)!
وأتى سلمان الفارسي أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - في مرضه الذي
مات فيه فقال: أوصني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: (إن الله
فاتح عليكم الدنيا فلا يأخذنَّ منها أحد إلا بلاغاً)
وكتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وهو على الكوفة
يستأذنُه في بناء بيت يسكنه فوقع في كتابه: (ابنِ ما يستركَ من الشمس، ويُكنُّك من
الغيث، فإنَّ الدنيا دار بلغة)
وحكى ميمون أنَّ رجلاً من بني عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-
استكساه إزاراً قائلاً: قد تخرَّق إزاري، فقال له عبد الله: (اقطع إزارك ثم اكتسه)
فكره الفتى ذلك، فقال له: ويحك اتق الله، ولا تكوننَّ من القوم الذين يجعلون ما رزقهم
الله تعالى في بطونهم وعلى ظهورهم) ......
إلى غير ذلك من الأخبار المودعة في بطون الكتب المنثورة هنا وهناك.
وأن المسلم العامل حين يقف على هذه الأخبار يتحرك من داخله فيتولد عنه
حب السير على نفس المنهج فتراه يطرح الترف والسرف ويعيش على الخشونة والتقشف ليكون
ناجياً مع الناجين.
ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف
([12])
، ومنها:
1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ
القريحة وإنفاذ البصيرة ، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب ، ولهذا جاءَ في
الحكمة ( مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه ) .
2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ
البَطَرِ والفرحِ والأشرِ ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى .
3- أن لا ينسى بلاءَ الله
وعذابه ، ولا ينسى أهلَ البلاء ، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع ، والعبدُ
الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة .
4- من أكبر الفوائد : كسرُ
شهواتِ المعاصي كلّها ، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء ، فإنَّ منشأَ المعاصي
كلِّها الشهواتُ والقوى ، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة . قال ذو النون
: ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية .
5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر
، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا ، ومن كثر شربُه كثرَ نومه ، وفي كثرةِ النومِ
ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القلب ، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ ،
وهو رأسُ مالِ العبدِ ، فيه يتجر ، والنومُ موت ، فتكثيره يُنقِصُ العمر .
6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض
، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة ، وقد قالَ الأطباء : البِطْنةُ
أصلُ الداء ، والحِميةُ أصلُ الدواء .
ثانيًا: بعض سُنَن الطعام والشراب
التسمية أول الطعام
والأكل باليمين ومما يليه: عن عمرَ بن أبي سلمةَ رضي الله عنه يقولَ: «كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ،
وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ ) ([13])
، وعن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا أكَلَ أحَدُكُم
فَلْيَذْكُرِ اسْمَ الله، فإنْ نَسي أنْ يَذْكُرَ اسْمَ الله في أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ:
بِسْمِ الله أوَّلَهُ وَآخِرَهُ» ([14])
وإياك والتكبر في أكلك
باليمين فعَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه: أَن رجلا أكل عِنْد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِشمَالِهِ، فَقَالَ: " كل بيمينك " قَالَ: لَا أَسْتَطِيع:
فَقَالَ: " لَا اسْتَطَعْت " مَا مَنعه إِلَّا الْكبر، فَمَا رَفعهَا إِلَى
فِيهِ) ([15])
أخذ اللقمة الساقطة،
وإماطة ما بها من أذى، وأكلها: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا
مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ
بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ
الْبَرَكَةُ» ([16])
الأكل بثلاث أصابع: والسُّنَّة
أن يأكل بثلاث أصابع، وهذا فيما يُحمل بثلاث أصابع كالتمر مثلاً.
عن كَعْبِ بْنِ مالك رضي
الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ،
وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا» ([17])
قال شـيخنا ابن عثيمين
ؒ: «ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاث أصابع: الوسطى، والسبابة، والإبهام؛ لأن ذلك أدلُّ
على عدم الشـره، وأدلّ على التواضع، ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاث أصابع،
أمَّا الطعام الذي لا يكفي فيه ثلاث أصابع مثل: الأرز، فلا بأس بأن تأكل بأكثر، لكن
الشـيء الذي تكفي فيه الأصابع الثلاثة يقتصـر عليها، فإن هذا سُنَّة النَّبي صلى الله
عليه وسلم» ([18])
التنفس خارج الإناء
ثلاثاً: مِن السُّنَّةِ شـرب الإناءِ على ثلاث دفعات، والتّنفس بعد كل واحدة.
فعن أَنَسٍ رضي الله عنه
قال: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشـرابِ ثَلاَثاً،
وَيَقُولُ: «إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَبْرَأُ، وَأَمْرَأ ُ»، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه:
«فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشـرابِ ثَلاَثاً» ([19])
والمقصود من التنفس في الإناء:
التنفس أثناء شـربه للإناء، بمعنى: أنه يتنفس خارج الإناء؛ لأنَّ التنفس في الإناء
مكروه؛ فعن أبي قَتادة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا
شـربَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ» ([20])
قال النَّووي ؒ: «وقوله صلى
الله عليه وسلم: «أروى» من الرِّيّ، أي: أكثر ريّاً، وأمرأ، وأبرأ مهموزان، ومعنى:
«أبرأ»، أي: أبرأ من ألم العطش، وقيل: «أبرأ»، أي: أسلم من مرض، أو أذى، يحصل بسبب
الشـرب في نفس واحد، ومعنى: «أمرأ»، أي: أجمل انسـياغاً -والله أعلم-»
حمد الله تعالى
بعد الطعام: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
اللّه لَيَرْضـى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا،
أَوْ يَشـربَ الشـربَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»([21])
، وتأمل أن حمدك الله بعد الشـرب أو الأكل يرضـي الله تعالى من فوق سبع سماوات، فأدم
شكره على نعمه، وحمده على فضله؛ لتكون ممن اصطفاهم الله بقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
الاجتماع على الطعام
وعدم التفرُّق فيه: عن حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه يقول: سِمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ
يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» ([22])
مدح الطعام إذا
أعجبه، ولا شكّ أنه لا يمدحه إلا بما فيه: عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ
أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ
يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: «نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ. نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ»([23])
، والخَلُّ من أنواع الإدام عندهم وهو حلو ليس حامض، كالخل الذي عندنا اليوم.
والمتأمل لواقعنا يجد كثيراً
ما يقع الناس في خلاف سُنَّة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فهم لم يكتفوا بترك السُّنَّة
بل خالفوها أيضاً، وذلك بعيبهم للطعام، وذمهم له في بعض الأحيان، وهذا خلاف هديه صلى
الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «مَا عَابَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» ([24])
الدعاء لصاحب الطعام: عن عبد اللّه بن بُسـر رضي الله عنه قال: «نَزَلَ
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي، قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً
وَوَطْبَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ، وَيُلْقِي
النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ أُتِيَ
بِشـرابٍ فَشـربَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ فَقَالَ أَبِي،
وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللّهَ لَنَا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ
لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَارْحَمْهُمْ»([25])
و(الوَطْبَة): هي الحيس الذي
يجمع التمر البرني، والأقط المدقوق، والسمن.
وإذا شرب فمن السُّنَّة أن
يعطي مَن على يمينه قبل شماله.
تغطية الإناء، وذكر اسم الله
تعالى عند قدوم الليل: يُسَنُّ تغطية الإناء المكشوف عند قدوم الليل، وإيكاء السقاء
- أي: إغلاقه- إن كان له غلقاً، وذكر اسم الله عند ذلك، فعن جابر بْنِ عبد اللّه رضي
الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «غَطُّوا الإِنَاءَ،
وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لاَ
يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ،
إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الْوَبَاءِ»([26])
وفي الحديث بيان العِلَّة التي من أجلها أُمر المسلم بإغلاق وتخمير - أي: تغطية- كل
إناء؛ وذلك أنه في أحدى ليالي كل سَنَة ينزل وباء، والوباء هو: المرض، فلا يترك إناء،
ولا سقاء مكشوفاً إلا نزل فيه، فكم من إنسان أصابه المرض بعد شـربه لإناء مكشوف أصابه
ما نزل من الوباء، ولا يعلم أنه بسبب تفريطه بهذه السُّنَّة! فيا الله ما أعظم شـريعتنا
فيها الخبر عن نفع العبد، وصحته، في الدنيا والآخرة!.
ثالثًا : حرمة الإسراف في الطعام والشراب
إن الإسراف في الماء من الأمور التي نهى الله
تعالى عنها وحذر منها وانظر إلى حال الناس في هذه الأيام وكيفية الإسراف في
استخدام الماء من ري الأرض وغسيل السيارات ورش الشوارع بالمياه، وغيل الأطباق في
المنازل وغيرها وغيرها، أوليس هذا اسراف ومبالغة كبيرة في الإستخدام.
ونرى كذلك كثيرا من ألوان
الإسراف في الأطعمة بأنواعها، وخاصة في العزائم والأفراح ، وكم من ألوان الطعام
التي تلقى في القاذورات دون فائدة منها، والسبب هو الفخر فيفتخر هذا بأنه أعَّ
طعامًا كثيرًا وبالغ فيه ، وأعدَّ أصنافًا متعددة وفي النهاية أغلب هذا الطعام مع
القاذورات أوليس هذا إسراف وتبذير أوليست هذه نعمة من الله علينا ينبغي أن نحافظ عليها
وإلا حرمنا الله منها
هل هذا سلوك يليق
بالمسلمين، وهل هذه هي الطريقة التي يتعاملون بها مع نعمة ربهم سبحانه وتعالى.
الحرمان منه
في الآخرة: إن من أسرف في طعامه في الدنيا حُرم منه في الآخرة، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ([27])
.
العذاب يوم
القيامة: قال عمر رضي الله تعالى عنه : والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا ، وأطيبكم
طعاما ، وأرَقِّكُم عيشا ، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال :
( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) الأحقاف / 20. ([28])
.
ضياع الأعمال
الصالحة: أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات، كقراءة القرآن الكريم، والتي ينبغي
أن تكون هي الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم، كما كانت عادة السلف.
فتجد المرأة تقضي جزءاً كبيرا
من النهار في إعداد الطعام، وجزءً كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات.
ومنها: أن الإنسان إذا أكل
كثيراً أصابه الكسل، ونام كثيرا، فيضيع على نفسه الأوقات.
ومنها: أن كثرة الأكل تورث
غفلة القلب.
قيل للإمام أحمد رحمه الله:
هل يجد الرجل من قلبه رِقَّةً وهو شَبع؟ قال: ما أرى. أي: ما أرى ذلك.
أعظم المهلكات
لابن آدم: شهوةُ البطن، فبها أُخرج آدمُ عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل
والافتقار، إذ نُهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما.
والبطن على التحقيق: ينبوع
الشَّهوات ومنبتُ الأدواء والآفات، إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات،
ثم تتبعُ شهوةَ الطعام والنكاح شدةُ الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع
في المنكوحات والمطعومات، ثم يتبع استكثارَ المال والجاه أنواعُ الرُّعونات وضروب المنافسات
والمحاسدات، ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء، ثم يتداعى
ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء، ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر
والفحشاء، وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء!
ولو ذلل العبد نفسه بالجوع،
وضيَّق به مجاري الشيطان؛ لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيلَ البطر والطغيان،
ولم ينجرَّ به ذلك إلى الانهماك في الدنيا، وإيثار العاجلة على العُقبى، ولم يتكالب
كلَّ هذا التكالب على الدنيا!
وإذا عظمت آفة شهوة البطن
إلى هذا الحد، وجب: شرحُ غوائلها وآفاتها تحذيراً منها، ووجب إيضاحُ طريقِ المجاهدةِ
لها والتنبيهُ على فضلِها ترغيباً فيها، وكذلك شرح شهوة الفرج فإنها تابعة لها!
من صفات
الكفار: فعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ
يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ:
يَا نَافِعُ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ
فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ) ([29])
لا يحبهم الله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31).
الإسرافُ مذموم في الأكل وغيره. قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31، وقال تعالى:
(وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141، وقال
سبحانه: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ
الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29، وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ
كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26،
27.
والفرق بين الإسراف والتبذير: "أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا
على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" قاله المناوي في "([30])
.
إخوان الشياطين: يقول تعالى: {إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} سورة الإسراء.
ضياع كل شيء: إن عدم الاهتمام
بذلك قد يكون سبباً للعقوبة وزوال الأموال، وإفقار الناس؛ حتى يتمنوا ما كانوا يُلقون
بالأمس في النفايات -عياذاً بالله- وكم يمر بالناس من عبر في ذلك ولكن قلَّ من يعتبر؛
فكم من أسر افتقرت من بعد الغنى؟! وكم من دول بطرت شعوبها وأسرفت على نفسها فابتلاها
الله بالحروب والفتن التي عصفت بها، فتمنَّى أفرادها بعض ما كانوا يملكون من قبل؟!
والتاريخ مليء بأحداث من هذا النوع؛ فالمعتمد بن عَبَّاد -رحمه الله- كان من ملوك الأندلس،
ويملك الأموال الطائلة، والقصور العظيمة، ولما اشتهت زوجتُه وبعضُ بناته أن يتخوَّضن
في الطين أمر بالعنبر والعود فوُضع في ساحة قصره، ورُشَّ عليه ماءُ الورد وأنواع من
الطيب، وعُجِن حتى صار مثل الطين؛ فتخوَّضت فيه أسرته المترفة, وما ماتت تلك الأسرة
المترفة حتى ذاقت طعم الفقر وألم الجوع؛ إذ استولى "يوسف بن تاشفين" على
مملكة ابن عباد، وكان النسوة اللائي تخوَّضن في العود والعنبر لا يجدن ما يأكلن إلا
من غزل الصوف بأيديهن الذي لا يسد إلا بعض جوعهن. وهذا أبو عبد الله الزغل من آخر ملوك
غرناطة الأندلسية باع أملاكه فيها بعد أن استولى عليها النصارى، وحمل مالاً عظيماً
قُدِّر بخمسة ملايين من العملة المعروفة آنذاك، ورحل إلى إفريقيا، فقُبِض عليه وصودرت
أمواله، وسُملت عيناه، ورمي في السجن بسبب بيعه غرناطة للنصارى وتخليه عنها، ولما خرج
من السجن لم يجد من يطعمه ويؤويه، فأخذ يستعطي الناس في الأسواق، ويطوف وعلى ثيابه
رق غزال مكتوب عليه: "هذا سلطان الأندلس العاثر المجد" لعل من يراه يرحمه
ويعطيه بعض المال.
لقد أبان لنا التاريخ عاقبة المسرفين كانت ذلاً وخسراً؛ فواجب علينا ألا
نطغى إذا أُعطينا؛ بل نشكر المنعم سبحانه بتسخير نعمه لطاعته والاقتصاد في الإنفاق؛
فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة، وهو سبب حفظ المال.
وصلِّ
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854