حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا للشيخ أحمد محمد أبو اسلام







عناصر الخطبة
1)             إياك وأن تتبع خطوات الشيطان
2)             حاسبوا أنفسكم ونماذج في محاسبة النفس
3)             تقضى الحوائج لمن يحاسب نفسه
4)             وفي الختام

الخطبة الأولى
الحمد الله كتب العزة والكرامة لمن أطاعه. وقضى بالذل والهوان على من عصاه، نحمده سبحانه ونشكره، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بما في الكون من حوادثٍ وخطوب، وبما ألم بالمسلمين من شدائدٍ وكروب، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وكل من سار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المسلمون المؤمنون الموحدون
نحن كلنا مذنبون  -وكلنا ذوو خطأ- المولود إذا ولد أُذِّن في أذنه اليمنى، وإذا مات صُلِّيَ عليه، فكأن الحياة ما بين الأذان إلى الصلاة، ولا إله إلا الله! ما أقصرها من حياة! إن للموت أَخْذَة تسبق اللمح بالبصر، إياكم والتسويف فإن (سوف) جندي من جنود إبليس
اذكروا أن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وإذا كانت نظرة الخلق إليك تمنعك من المعصية؛ فإن الله أولى بذلك، أَصْلح ما بينك وبين الله، وتقرَّب إليه بطاعته؛ عسى أن تكون ممن يبدل الله سيئاتهم حسنات؛ فإنك عما قريب تُحمل على أكتاف الرجال، ونفسك إن كانت صالحة تقول: قدموني قدموني، وإن كانت طالحة تصيح بصرخات تقض منها المضاجع: يا ويلها، أين تذهبون بها؟! أحبتي في الله! أسعد ساعة في العمر، وأصدق لحظة في الحياة؛ تلك الساعة التي يقف العبد فيها مع نفسه محاسباً، وقفة العتاب، وقفة الملامة، إنها ساعة المخطئين المنيبين إلى رب العالمين، إنها ساعة المنكسرين من خشية إله الأولين والآخرين، إنها ساعة العتاب، إنها ساعة الحساب التي يتذكر فيها العبد ما أصاب، أيام خلت وليالٍ مضت قد قصر فيها في جنب الله، إذا تذكر السيئات وما أصاب من الأوزار رق قلبه، وانكسر فؤاده من خشية الله، تذكر حقوقاً لله ضيعها، وحدوداً لله جاوزها، ومحارم لله انتهكها؛ فانكسر فؤاده من خشية الله، ورقَّ قلبه خوفاً من الله، إنها ساعة الحزن والندامة والأسى على التفريط في جنب الله، لكن سرعان ما يزداد الألم والندم إذا تذكر أنه إلى الله صائر وراجع ومسئول، وأنه مرتحل من هذه الدنيا ليقف بين يديْ جبار السماء والأرض، ثم يسأل نفسه، كيف ألقاه وحقوقه ضيعت؟! كيف ألقاه ومحارمه انتهكت؟! كيف ألقاه وحدوده تجاوزت؟! كيف ألقاه؟! بأيِّ وجه ألقاه؟! بأيِّ قدم أقف بين يديْه؟!
إياك وأن تتبع خطوات الشيطان
أحبتي في الله
يقول الله جل في علاه
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر: 17 - 19]
اياك أن تزل قدمك وتتبع خطوات الشيطان حتي لا تقع في المهالك فقد ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ الْآيَةَ قَالَ: كَانَ رَاهِبٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُحْسِنُ عِبَادَتَهُ، وَكَانَ يُؤْتَى مِنْ كُلِّ أَرْضٍ فَيُسْأَلُ عَنِ الْفِقْهِ، وَكَانَ عَالِمًا، وَإِنَّ ثَلاثَةَ إِخْوَةٍ لَهُمْ أُخْتٌ حَسْنَاءُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَإِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُسَافِرُوا وَكَبُرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْعُوهَا ضَائِعَةً فَعَمَدُوا إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدَ السَّفَرَ وَإِنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا أَوْثَقَ فِي أَنْفُسِنَا وَلا آمَنَ عِنْدَنَا مِنْكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ جَعَلْنَا أُخْتَنَا عِنْدَكَ فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الْوَجَعِ، فَإِنْ مَاتَتْ فَقُمْ عَلَيْهَا وَإِنْ عَاشَتْ فَأَصْلِحْ إِلَيْهَا حتى ترجع فَقَالَ: أَكْفِيكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَامَ عَلَيْهَا فَدَاوَاهَا حَتَّى بَرِئَتْ وَعَادَ إِلَيْهَا حُسْنُهَا، وَأَنَّهُ اطَّلَعَ إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا مُتَصَنِّعَةً، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ ثُمَّ نَدَّمَهُ الشَّيْطَانُ فَزَيَّنَ لَهُ قَتْلَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ إِخْوَتُهَا سَأَلُوهُ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَاتَتْ، فَدَفَنْتُهَا قَالُوا: أَحْسَنْتَ، فَجَعَلُوا يَرَوْنَ فِي الْمَنَامِ وَيُخْبَرُونَ أَنَّ الرَّاهِبَ قَتَلَهَا وَأَنَّهَا تَحْتَ شَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى الشَّجَرَةِ فَوَجَدُوهَا قَدْ قُتِلَتْ، فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَأَخَذُوهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: أَنَّا الَّذِي زَيَّنْتُ لَكَ الزِّنَا وَزَيَّنْتُ لَكَ قَتْلَهَا، فَهَلْ لك أن تعطيني وَأُنَجِّيَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً، فَسَجَدَ لَهُ ثُمَّ قُتِلَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ الآية  .
حاسبوا أنفسكم
المؤمن عندها ينكسر قلبه ويرقُّ فؤاده، ولا يجد إلا أن يدمع من خشية الله، ثم لا يملك إلا أن يرفع يديْه، ربَّاه أسأت، ربَّاه ظلمت، ربَّاه أسرفت، ربَّاه ذنوبي من أرجو لها سواك؟ من يفتح الباب إن أغلقتَه؟ من يعطي العطاء إن منعتَه؟ فيصلح الحال، وتُبدَّل السيئات -بإذن الرب- إلى حسنات؛فلا بد وأن تحاسب نفسك  قبل الحساب فقد ورد عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] "وانظر إلى الصالحين كيف كانوا يحاسبوا أنفسهم فقد ورد عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَزَعَ ثِيَابَهُ وَتَمَرَّغَ فِي الرَّمْضَاءِ وَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: ذَوقِي، نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ وَبَطَّالَةٌ بِالنَّهَارِ قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ: غَلَبَتْنِي نَفْسِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ يَكُنْ لَكَ بُدٌّ مِنَ الَّذِي صَنَعْتَ؟ أَمَا لَقَدْ فُتِحَتْ لَكَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَقَدْ بَاهَى اللَّهُ بِكَ الْمَلَائِكَةَ» ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «تَزَوَّدُوا مِنْ أَخِيكُمْ» فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لَهُ: يَا فُلَانُ ادْعُ لَي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُمَّهُمْ» فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ التَّقْوَى زَادَهُمْ وَاجْمَعْ عَلَى الْهُدَى أَمْرَهُمْ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ سَدِّدْهَ» فَقَالَ: اللَّهُمَّ وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ مَآبَهُمْ
سيدنا عمر بن عبد العزيز ومحاسبة النفس
وهاهو سيدنا عمر بن عبد العزيز يحاسب نفسه فقد ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقُلْتُ لَهَا: يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَخْبِرِينِي عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: " أَفْعَلُ وَلَوْ كَانَ حَيًّا مَا فَعَلْتُ، إِنَّ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ قَدْ فَرَّغَ نَفْسَهُ وَبَدَنَهُ لِلنَّاسِ كَانَ يَقْعُدُ لَهُمْ يَوْمَهُ فَإِنْ أَمْسَى وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ وَصَلَهُ بِلَيْلِهِ إِلَى أَنْ أَمْسَى مَسَاءً وَقَدْ فَرَغَ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ فَدَعَا بِسِرَاجِهِ الَّذِي كَانَ يُسْرَجُ لَهُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْعَى وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى يَدِهِ تَسَايَلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ يَشْهَقُ الشَّهْقَةَ فَأَقُولُ: قَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ وَانْصَدَعَتْ كَبِدُهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ لَيْلَتَهُ حَتَّى بَرَقَ لَهُ الصُّبْحُ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَتْ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِشَيْءٍ مَا كَانَ قَبْلَ اللَّيْلَةِ مَا كَانَ مِنْكَ؟ قَالَ: أَجَلْ فَدَعِينِي وَشَأْنِي وَعَلَيْكِ بِشَأْنِكِ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَتَّعِظَ قَالَ: إِذًا أُخْبِرُكِ إِنِّي نَظَرْتُ إِلَيَّ فَوَجَدْتُنِي قَدْ وُلِّيتُ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَأَحمْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتُ الْغَرِيبَ الضَّايِعَ وَالْفَقِيرَ الْمُحْتَاجَ وَالْأَسِيرَ الْمَفْقُودَ وَأَشْبَاهَهُمْ فِي أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَطْرَافِ الْأَرْضِ فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُسَائِلِي عَنْهُمْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجِيجِي فِيهِمْ فَخِفْتُ أَنْ لَا يُثْبَتَ لِي عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ وَلَا يَقُومَ لِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي خَوْفًا دَمَعَتْ لَهُ عَيْنِي وَوَجِلَ لَهُ قَلْبِي فَأَنَا كُلَّمَا ازْدَدْتُ لَهَا ذِكْرًا ازْدَدْتُ لِهَذَا وَجَلًا وَقَدْ أَخْبَرْتُكِ فَاتَّعِظِي الْآنَ أَوْ دَعِي "
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آل وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَامَرْدَ الْأَزْرَقَ الْعَدَنِيَّ ومحاسبة النفس
أخي الحبيب كن دائم الحساب لنفسك واتهم نفسك بالتقصير ,فقد ورد عن الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَامَرْدَ الْأَزْرَقَ الْعَدَنِيَّ وَكَانَ عَابِدًا يَقُولُ: «
وَيْلِي وَوَيْحِي مِنْ تَتَابُعِ جُرْمِي ... لَوْ قَدْ دَعَانِي لِلْحِسَابِ حَسِيبُ
وَالْوَيْلُ لِي وَيْلٌ أَلِيمٌ دَائِمٌ ... إِنْ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَخَذْتُ نَصِيبِي»
قَالَ: وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ:
وَاسْتَيْقِظِي يَا نَفْسُ وَيْحَكِ وَاحْذَرِي ... حَذَرًا يُهَيِّجُ عَبْرَتِي وَنَحِيبِي
هذا هو حساب النفس أيها الأحبة الذي يمنع من النوم وتسيل من أجله الدموع
عامر بن عبدالله ومحاسبة النفس
فقد ورد عَنْ عَامِرِ بْنِ يَسَافٍ، سَمِعْتُ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، يَقُولُ: كَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ فَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ جَلَسَ وَقَدِ انْتَفَخَتْ سَاقَاهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَيَقُولُ: «يَا نَفْسِي بِهَذَا أُمِرْتِ وَلِهَذَا خُلِقْتِ يُوشِكُ أَنْ تَذْهَبَ الْغَيَابِقُ» وَكَانَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: «قَوْمِي يَا مَأْوَى كُلِّ سُوءٍ فَوَعِزَّةِ رَبِّي لَأَزْحَفَنَّ بِكِ زَحَفَ الْبَعِيرِ وَإِنِ اسْتَطَعْتُ أَنْ لَا يَمَسَّ الْأَرْضَ مِنْ رُهْمِكِ لَأَفْعَلَنَّ» ثُمَّ يَتَلَوَّى كَمَا يَتَلَوَّى الْحَبُّ عَلَى الْمِقْلَى ثُمَّ يَقُومُ فَيُنَادِي: «اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ قَدْ مَنَعْتَنِي مِنَ النَّوْمِ فَاغْفِرْ لِي»
واعلم أيها الخ الكريم أنك محاسب على النعم التي أنعم الله بها عليك فنعم الله كثيرة تستوجب الشكر المصاحب لطاعة الله ورسوله فكان الصالحون يعاقبون أنفسهم إذا ارتكبوا خطأً فقد ورد عن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَتِهِ فَمَكَثَ بِذَلِكَ زَمَنًا طَوِيلًا فَأَشْرَفَ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ فَافْتُتُنَ بِهَا وَهَمَّ بِهَا فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ لِيَنْزِلَ إِلَيْهَا فَأَدْرَكَهُ اللَّهُ بِسَابِقَتِهِ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أُرِيدُ أَصْنَعُ؟ وَرَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَجَاءَتْهُ الْعِصْمَةُ فَنَدِمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ رِجْلَهُ فِي الصَّوْمَعَةِ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ رِجْلٌ خَرَجَتْ تُرِيدُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ تَعُودُ مَعِي فِي صَوْمَعَتِي لَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاللَّهِ أَبَدًا فَتَرَكَهَا وَاللَّهِ مُعَلَّقَةً مِنَ الصَّوْمَعَةِ تُصِيبُهَا الْأَمْطَارُ وَالرِّيَاحُ وَالشَّمْسُ وَالثَّلْجُ حَتَّى تَقَطَّعَتْ فَسَقَطَتْ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَذُو الرِّجْلِ يَذْكُرُهُ بِذَلِكَ "
رباح القيسي ومحاسبة النفس
وكان الصالحون يحاسبون أنفسهم على الكلمة التي يتلفظون بها, فقد ورد عن  مَالِكُ بْنُ ضُغَيْمٍ، قَالَ: جَاءَ رَبَاحٌ الْقَيْسِيُّ يَسْأَلُ عَنْ أَبِي بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْنَا: إِنَّهُ نَائِمٌ، فَقَالَ: «أَنَوْمٌ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ أَهَذَا وَقْتُ نَوْمٍ؟» ثُمَّ وَلَّى مُنْصَرِفًا فَأَتْبَعْنَاهُ رَسُولًا فَقُلْنَا: قُلْ لَهُ: أَلَا نُوقِظُهُ لَكَ؟ قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا الرَّسُولُ ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقُلْنَا: أَبْطَأْتَ جِدًّا فَهَلْ قُلْتَ لَهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْغَلُ مِنْ أَنْ يَفْهَمَ عَنِّي شَيْئًا أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَدْخُلُ الْمَقَابِرَ وَهُوَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ: " أَقُلْتِ: أَنَوْمٌ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ أَفَكَانَ هَذَا عَلَيْكِ؟ يَنَامُ الرَّجُلُ مَتَى شَاءَ وَقُلْتِ: هَذَا وَقْتُ نَوْمٍ؟ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ وَقْتَ نَوْمٍ، تَسْأَلِينَ عَمَّا لَا يَعْنِيكِ وَتَكَلَّمِينِ بِمَا لَا يَعْنِيكِ أَمَا إِنَّ لِلَّهَ عَلَيَّ عَهْدًا لَا أَنْقُضُهُ أَبَدًا لَا أُوَسِّدُكِ الْأَرْضَ لِنَوْمٍ حَوْلًا إِلَّا لِمَرَضٍ جَاءَ بِكِ أَوْ لِذَهَابِ عَقْلٍ زَائِلٍ، سَوْءَةً لَكِ سَوْءَةً لَكِ، أَمَا تَسْتَحِينَ كَمْ تُوَبَّخيِنَ وَعَنْ غَيِّكِ لَا تَنْتَهِينَ " قَالَ: وَجَعَلَ يَبْكِي وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِمَكَانِي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ وَتَرَكْتُه
أعظم الجهاد جهاد النفس
واعلم حبيبي في الله أن أعظم جهاد جهاد النفس , فقد ورد عن حَنَّانُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: كَيْفَ تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا فَإِنَّكَ إِنْ قُتِلْتَ فَارًّا بَعَثَكَ اللَّهُ فَارًّا وَإِنْ قُتِلْتَ مُرَائِيًا بَعَثَكَ اللَّهُ مُرَائِيًا وَإِنْ قُتِلْتَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا بَعَثَكَ اللَّهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا»
حاسب نفسك لتقضى حوائجك من رب العالمين
اخي عند محاسبة النفس يأتي لك الخير من حيث لاتدري فكم من أناس يحسبون أنهم طالما أنهم يصلون ويصومون ويحجون لله رب العالمين يظنون أنهم لوكانوا على هذا الحال من الطاعة لا يحاسبوا أنفسهم,’ ليس الأمر هكذا وإنما الصالحون دائماً كانوا يتهموا  أنفسهم بالتقصير ,فقد ورد  عَنْ وَهْبِ بْنُ مُنَبِّهٍ، " أَنَّ رَجُلًا تَعَبَّدَ زَمَانًا ثُمَّ بَدَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَصَامَ سَبْعِينَ سَبْتًا يَأْكُلُ كُلَّ سَبْتٍ إِحْدَى عَشْرَةَ تَمْرَةً ثُمَّ سَأَلَ اللَّهَ حَاجَتَهُ فَلَمْ يُعْطَهَا فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: مِنْكِ أُتِيتُ لَوْ كَانَ فِيكِ خَيْرٌ أُعْطِيتِ حَاجَتَكِ فَنَزَلَ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ مَلَكٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ سَاعَتُكَ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَتِكَ الَّتِي مَضَتْ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَكَ "
وفي الختام
أحبتي في إن محاسبة النفس تصلح الفرد والشعوب والمجتمعات تخيل لو أن كل واحد حاسب نفسه لانصلح الحال تخيل لو أن الموظف حاسب نفسه أو الطبيب حاسب نفسه أو المهندس أو العامل في المصنع هل تجد رشوة هل تجد بعدما يحاسب  المدرس نفسه عن تقصيرة في شرحة أن يكون هناك دروس خصوصية تكلف الأهل مالا يطيقون وكذالك الطبيب لو حاسب نفسه هل تجد من يضطر لإجراء عملية باهظة الثمن في مستفيات خاصة لا تراقب في المريض إلاً ولاذمة وكل ذالك لأن الطبيب لا يريد أن يمارس عمله بحجة أن مرتبه لا يكفيه وكذالك المهندس لو حاسب نفسه لما وجدت مبني يهدم على ساكنيه لانعدام الضمير وتخيل لو أن كل عامل أو موظف راعى الله في عمله لانقضت المصالح تخيل لو أن الأغنياء حاسبوا أنفسهم وقالوا مالي هذا مال الله ولا بد وأن اعطي الفقراء من مالي هل ستجد بعد ذالك فقيراً
أيها الأحبة  كلنا على ثغر أيها الأحبة فلا بد وأن يملأ كل منا مكانه فكلنا سنسأل فحاسب نفسك قبل الحساب أمام رب الأرباب وقل لنفسك :
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا ... واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

أمــا ترين المــنايا كيف تلقـــطنا ... لقــــطاً وتلحــق أخــرانا بأولانا

في كل يوم لــنا ميـت نشـــيعه ... نــرى بمصــرعه آثــــار موتــانا

يا نفس ما لي وللأموال أتــركها ... خلفي وأخرج من دنياي عريانا

أبعد خمسين قــد قضّيْتها لعـــباً ... قد آن أن تقصـري قد آن قد آنا

ما بالنا نتعامى عن مصـــائرنا ... ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا

نزداد حــرصاً وهذا الدهر يزجرنا ... كأن زاجـــرنا بالحــــرص أغــرانا

أين الملوك وأبنــاء الملوك ومـن ... كانت تخـــر له الأذقــان إذعـانا

صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا..مستبدلين من الأوطان أوطانا

خـلوا مدائن كان العــــز مفرشـها ... واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا

يا راكضاً في ميادين الهوى مرحـاً ... ورافــلاً في ثياب الغيِّ نشوانا

مضى الزمان وولى العمر في لعب ... يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا




التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات