حرمة التطرف للشيخ أحمد أبو عيد









الحمد لله رب العالمين المنفرد بالقدم والبقاء والعظمة والكبرياء والعز الذي لا يرام، الصمد الذي لا بصوره العقل ولا يحده الفكر ولا تدركه الأفهام، القدوس الذي تنزه عن أوصاف الحدوث فلا يوصف بعوارض الأجسام الغني عن جميع المخلوقات فالكل مفتقر إليه وهو الغني على الدوام، سبق الزمان فلا يقال متى كان، وخلق المكان فلا يقال أين كان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
واشهد أن  لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير إله عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن أمره ولقي الآثام.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
صلوا على خيـر الأنام محمـد


**
  إن الصلاة عليه نور يعقد


من كان صلى عليه قاعد يغفر له


**
  قبل القيام وللمتاب يجدد


وكذلك إن صلى عليه وهو قائما


**
يغفر له قبل القعود ويرشد


وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولًا: مفهوم التطرف             
ثانيًا: أسباب التطرف وعلاماته
ثالثًا: سماحة الإسلام وتحريمه للتطرف
رابعًا: نماذج على التطرف وعاقبته
خامسًا: كيفية مواجهة التطرف
                                                                    الموضوع
أولًا: مفهوم التطرف
من الناس اليوم من يطلق على من يمتنع عن شرب الدخان والخمر أنه متطرف، ومنهم من يطلقه على من يعفي لحيته ويرفع إزاره ، ومنهم من يطلقه على من يحرم سماع الموسيقى ، ومنهم من يطلقه على من يحظر التعامل بالربا والقمار، ومنهم من يطلق التطرف على الامتناع عن مصافحة الأجنبية والخلوة بها، ومنهم من يطلق التطرف على ترك محبة الكفار وترك موالاتهم وعدم مشاركتهم في أعيادهم، ومنهم من يطلق التطرف على الفتاة التي تلتزم الحجاب ولباس الحشمة، ومنهم من يعد التمسك بعقيدة السلف الصالح والحرص على اتباع السنة من التطرف.
وبالعكس من ذلك هناك من يستبيح فعل الأفعال المشينة التي ضررها ظاهر على المجتمعات والأفراد ويتأول في إباحتها ويرى أنها ليست من التطرف ويلبسها اللباس الشرعي فيقتل ويسفك وينتهك ويتعدى باسم الجهاد المشروع والمقاومة الشريفة، وهو في ذلك يسيء للإسلام وأهله، وهناك من ينتقص العلماء الكبار ويطعن فيهم ويحذر الخلق منهم باسم الغيرة على الإسلام والأمة ويرى أن هذا مشروعا ليس من التطرف.
إن مصطلح التطرف الديني لم يرد لفظه في الشرع وقد استعمله بعض العلماء كالنووي وابن تيمية
ومعناه لغة: الوقوف في طرف الشيء والخروج عن الوسط والاعتدال فيه وهو يشمل الذهاب إلى طرف التشديد وإلى طرف التسهيل فالغالي في الدين متطرف والجافي عنه متطرف. قال الجصاص : (طرف الشيء إما أن يكون ابتداءه أو نهايته ، ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا) ، لكن المشهور استعماله في التشدد والتعمق وهو المقصود في خطاب المتكلمين فيكون مرادفا للغلو.
 ومفهومه في الشرع : مجاوزة المسلم الحد الشرعي في كل شيء كما قال الإمام أحمد لابنه: (لا تغلو في كل شيء حتى الحب والبغض)، وقال ابن تيمية: (وقوله : « إياكم والغلو في الدين » عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال .
والغلو : مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ، ونحو ذلك ، والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف). وقال ابن حجر: (وأما الغلو فهو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد وفيه معنى التعمق يقال غلا في الشيء يغلو غلوا وغلا السعر يغلو غلاء إذا جاوز العادة). وهو عام له صور كثيرة فإذا بالغ الإنسان وتعدى حدود الشرع في الاعتقاد أو العبادة أو السلوك أو الأخلاق والمشاعر أو غير ذلك فقد وقع في مسلك التطرف المشين. وبالمثال يتضح المقال:
(1) ففي الاعتقاد: من يغلو في تعظيم الصالحين ويتبرك بهم ويتخذهم أندادا وشركاء لله يدعوهم ويستغيث بهم وينذر لهم ويفزع إليهم ويطلب منهم مالا يقدر عليه إلا الله. وكذلك من يغلو في التكفير والتبديع والتفسيق فيتجنى على المسلمين لأدنى شبهة ويستبيح دمائهم وأموالهم وأعراضهم بغير حق.
(2) وفي العبادة: من يبالغ في العبادة المشروعة فيحدث فيها عملا لم يشرعه الله فيجعل الاستنجاء من فرائض الوضوء. ويزيد في عدد الركعات والطواف والطهارة من باب الاحتياط. وكذلك من يحدث ويبتدع عبادة لم يأذن بها الله كالأذكار والصلوات والمناسبات التي ليس لها أصل في الشرع. والغلو والإفراط في تتبع الآثار التي لم يشرعها الرسول صلى الله عليه وسلم.
(3) وفي السلوك: من يبالغ في النسك والزهد فيحرم ما أباحه الله من الطيبات والنعم فيترك أكل اللحم أو الزواج أو لبس الحسن من الثياب وغير ذلك. وكذلك من يبالغ في التورع عن جميع المكاسب ويشدد على الناس في ذلك حتى يوقعهم في الحرج. وكذلك من يحرم استخدام الوسائل الحديثة التي ثبت نفعها وفائدتها في الدعوة والمصالح العامة. وكذلك من يغلو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحمله ذلك على حمل السلاح وقتال
المسلمين.
(4) في الأخلاق والمشاعر: من يغلو في حب بعض الأشخاص فينزله منزلة الرسول وربما بالغ فنزله منزلة
 الرب وخلع عليه أوصاف الرب كما فعلت النصارى مع عيسى بن مريم والرافضة مع علي بن أبي طالب. ومن يغلو في البغض والكره فيحمله ذلك على ظلم الكافر وانتهاك من كانت له حرمة والغدر به وخيانته ، ومن يبالغ في بغض الفاسق المسلم حتى يعامله معاملة الكفار والعياذ بالله. وكذلك الغلو في إظهار الفرح حتى يحمله ذلك على الإسراف والبذخ وفعل المحرمات. والمبالغة في الحزن عند المصيبة حتى يحمله ذلك على التسخط والجزع والاعتراض على القدر باللطم والعويل وغيرها من مظاهر الجاهلية. 
والأمثلة كثيرة على صور التطرف وأنواعه والمقصود التنبيه على أن ضابط التطرف هو المبالغة والزيادة على الحد المأذون فيه شرعا والتنبيه على أن الشرع هو المصدر الوحيد في تعيين مدلول التطرف وفي إطلاقه على أي فعل أو قول أو سلوك. والمتأمل في مناهي الشرع يجد أنها ترجع إلى أحد أصلين:
1- إما لكونها من باب التفريط والتساهل كترك الفرائض والعقوق والقطيعة وشرب الخمر والزنا.
2- وإما لكونها من باب الإفراط والتشدد كالظلم واستباحة الدماء والأموال المعصومة والخروج على الحاكم المسلم.
فمن زاد على الحكم الشرعي كان غاليا متطرفا ومن نقص عن الحكم الشرعي كان مفرطا متساهلا وكلا المسلكين مذموم شرعا مستحق فاعله للعقوبة والوعيد وإن كان في الغالب الإفراط أشد خطرا وأعظم وبالا على الأمة من التفريط. فالخوارج غلوا في الاعتقاد فكفروا أهل الكبائر من المسلمين وقابلهم المرجئة ففرطوا في الاعتقاد فأثبتوا الإيمان بمجرد القول دون العمل. والمتصوفة غلوا في الزهد فحرموا أكل بعض الطيبات والاستمتاع بالملذات المباحة وقابلهم المتحررة فأباحوا جميع المآكل والمشارب والملذات. والحق وسط بين الغلو والجفاء وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
ثانيًا: أسباب التطرف وعلاماته
الجهل:  فقد وجدنا جُلَّ هؤلاء الذين أصيبوا بذلك من صغار السن، الذين لم يحصلوا العلم الشرعي الذي يحصنهم من هذا البلاء العظيم، فتراهم ينقادون خلف حماسهم، أو ما تمليه عليه عقولهم، أو ما يفتيهم به بعض من يظنون أنه من أهل العلم، وهو ليس منهم، فيترخصون في أشياء منع منها الشرع، ويتكلمون في أمور أحجم عنها كبار العلماء، فقد تجد أحدهم يتكلم في تكفير المعيَّن لأسباب يراها هو مُكفِّرة، ونسي أو جهل أن هناك عذرا بالجهل، وعذرا بالشبهة، وعذرا بالتأويل، وأنه لا بد من إقامة الحجة على هذا الشخص المعيَّن، والذي يقيم الحجة لا بد أن يكون عنده من الأدلة التي تقابل كل شبهة عند المخالف بما يقضي على هذه الشُّبه، وليس مجرد إبلاغ الحجة وحده كافيا في كل الأحيان، فهناك فرق بين إقامة الحجة وإبلاغها.
ولو درى هذا خطورة ما يفعله لكفَّ لسانه عن الخوض في ذلك، كيف لا، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال :
قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ : يَا كَافِرُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، فَإنْ كانَ كَمَا قَالَ وَإلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ )) ([1])، إن هناك أدوات لا بد للعالم أن يحصلها، فلا بد أن يكون على دراية واسعة بالقرآن وعلومه، من تفسير ووجوه قراءات، وأسباب نزول، وناسخ ومنسوخ، وغير ذلك، كما أنه يجب أن يكون ذا باعٍ كبير بالسُّنة وعلومها، صحيحها وسقيمها، ما تواتر منها، وما لم يتواتر، والمرفوع والموقوف، إلى آخر ما هو معروف لدى أهل هذا الفن.
وكذلك لا بد أن يكون متبحرا في علوم العربية، نحوها وصرفها وآدابها، ودلالات الألفاظ، وكيف نفهم النصوص، إلى آخر ما هو معروف، هذا بخلاف معرفة القواعد الفقهية والأصولية، وغير ذلك من أدوات العلم الشرعي.
ونحن نرى أن هؤلاء الشباب المندفعين وراء حماسهم لم يحققوا شيئا من ذلك، وهم مع ذلك يتكلمون في أمور،
ربما لو عُرضت على أبي بكر الصديق، أو عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- لجمعا لها أهل بدر، ولله في خلقه شئون.
سوء الفهم: وهو آفة ابتُلي بها كثير من الناس، ويزداد الطين بِلَّة إذا كان الأمر متعلقا بالأمور العظام، كالدِّين والدماء والأعراض.
إن التعامل مع النصوص الشرعية يحتاج إلى إعمال العقل بطريقة صحيحة، كما كان يفعل علماء الأمة، وأئمة الإسلام، وهذا ما يسمى بالاجتهاد، وهذا الاجتهاد لا يسوغ لكل أحد، إنما هو للعلماء الذين حصَّلوا أدوات الاجتهاد، وهذا الاجتهاد لا يكون مع وجود النص، كما تقول القاعدة الشهيرة: لا اجتهاد مع النص، لكن الاجتهاد يكون في فهم النصوص، وفي جمع الأدلة، والنظر في الأدلة التي ظاهرها التعارض، كيف يكون الجمع بينها؟ وهل هناك سبيل للجمع أو لا؟ أو هل هناك ناسخ ومنسوخ أو لا؟ وكيف يُحمل العام على الخاص، والمطلق على المقيَّد، وغير ذلك، كل هذه أدوات وطرائق تساعد على الفهم الصحيح.
فما بال هؤلاء الذين لم يُحصِّلوا شيئا من ذلك، يتصدرون للفتوى، والتقول على الله بغير علم، ليس لأحدهم ذخيرة إلا الخوض في العلماء، والحط من شأنهم، حتى يلتف الناس حوله، فينقادوا له.
ومما يجذب كثيرا من الناس الذين ليس لهم نصيب من العلم لمثل هؤلاء المدعين أن كثيرا منهم قد أوتي جَدلا، فيجيد فن الكلام والحوار، ويجيد فن التلبيس والتدليس والمراوغة في الحوار، فينخدع بكلامه كثير من الناس، فيلتفون حوله، فيظن الجاهل أنه ما اجتمع حوله هذا الجمع من الناس إلا لفضل علمه، وإلى الله المشتكى.
 اتباع المتشابه: إن اتباع المتشابه من سمات الذين في قلوبهم زيغ من أهل البدع، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا
 يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}﴿آل عمران﴾
قال ابن كثير –رحمه الله-: يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد مِن الناس، ومنه آيات أُخَر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمَن رَدَّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكَّم مُحكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومَن عكس انعكس، ولهذا قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: أصله. 
فمن يتبع ال( متشابهات ) أي المحتملات في معانيهن للتأويل . ( ابتغاء ) طلب . ( الفتنة ) أي يفتنوا الناس عن دينهم ويوقعوهم في الشك . ( تأويله ) تفسيره حسبما يشتهون . ( سمى الله ) أي ذكرهم في كتابه بأنهم في قلوبهم زيغ فاتباع المتشابه من أهم أسباب التطرف الفكري، ذلك أن هناك بعض النصوص تحتاج إلى الراسخين من العلماء ليفهموها فهما صحيحا، فإذا ما نظر فيها من ليس من أهل العلم، فقد يقع في المحظور، ويخرج عن حد التوسط الذي هو من أهم صفات هذه الأمة، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ ([2])
اليأس: وهو من أكبر علامات الهزيمة النفسية، والشخص اليائس لا يفعل شيئا، فهو دائما في انتظار الشر وتوقعه، لا يرى شيئا يبعث على التفاؤل، وإن وجد شيئا يدعو إلى التفاؤل، حمله أيضا على محمل سيء، فظن فيه شرًّا، وهذا ما يحمل كثيرا من الشباب إلى الإفراط أو التفريط، فيتطرف في أقواله وأفعاله وطريقة تفكيره واعتقاده، ولذلك وجدنا القرآن الكريم يحارب هذه الصِّفة الذميمة، بل ويدعو إلى عكسها، يدعو إلى التفاؤل، وتوقع الخير، قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
قال ابن جرير –رحمه الله-: يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه {إلا القوم الكافرون} يعني:
القوم الذين يجحدون قدرته على ما شاء تكوينه، فالمسلم المنضبط بضوابط الشرع لا يعرف اليأسُ طريقا إلى قلبه، فهو دائما واثق في نصر الله –جل وعلا- أما الذي يسيطر عليه اليأس، فإنه يتخبط في ظلمات من الإحباط، وفقد الأمل، فربما يتطرف في سلوكه، فيقع فيما حرمه الله.
الظلم: من أقبح الصفات التي يمكن أن يتصف بها شخصٌ، أن يكون ظالما، لا سيما إذا كان ذا منصب، أو سلطان، لأن هذا يستجلب غضب الناس عليه، فيحملهم ذلك على التطرف، وعدم الإنصاف، فعن أبي ذر جندب بن جُنادة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي ، عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : (يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا....﴾([3]) .
ويقول ابن القيم –رحمه الله-: لما كان الظلم والعدوان مُنافِيَين للعدل الذي قامت به السموات والأرض، وأرسل له سبحانه رُسله -عليهم الصلاة والسلام- وأنزل كُتبه ليقوم الناس به، كان مِن أكبر الكبائر عند الله، وكانت درجته في العظمة بحسب مفسدته في نفسه.
تقاعس كثير من أهل العلم عن القيام بدورهم:  إن العلماء هم صمام أمان هذه الأمة، وهم مصابيح الدُّجى، الذين يُهتدَى بهم في ظلمات الجهل والفتن، فإذا ما تقاعس العلماء عن القيام بدورهم في بيان الحق، أو داهنوا الظالمين، وكفُّوا عن بيان أحكام الشريعة، كان ذلك دافعا لأن يظهر الأغمار، وأنصاف المتعلمين، ليفتوا الناس في الحلال والحرام، وفي قضايا الساعة، فيكون التطرف.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران: 187].
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-: الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله –تعالى- على كل من أعطاه الله الكُتب وعلَّمه العِلم، أن يبيِّن للناس ما يحتاجون إليه مما علَّمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل مَن عنده عِلم يجب عليه في تلك الحال أن يُبَيِّنه، ويُوضِّح الحق من الباطل، فأما المُوفَّقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلَّموا الناس مما علَّمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقةً على الخَلق، وخوفا من إثم الكتمان.
وأما الذين أوتوا الكتاب، مِن اليهود والنصارى ومَن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبئوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤًا على محارم الله، وتهاونًا بحقوق الله، وحقوق الخَلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل مِن بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المُقَدِّمين شهواتهم على الحق، {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}، لأنه أَخَسُّ العِوض، والذي رَغِبُوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأَجَلُّها، فلم يختاروا الدنيء الخسيس، ويتركوا الغالي النفيس، إلا لسوء حَظِّهم وهَوَانِهم، وكَوْنِهم لا يَصْلُحون لغير ما خلقوا له ([4]) .
علامات التطرف:
العَجَلة: السرعة والعجلة في الحكم على الأشخاص، أو الأحداث غالبًا ما تؤدي إلى نتائج خاطئة، دون النظر إلى عواقب الأمور فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {التأني من الله والعجلة من الشيطان وما أحد أكثر معاذير من الله وما من شيء أحب إلى الله من الحمد}([5]) ويزداد الأمر خطورة عندما يكون الأمر متعلقا بعظائم الأمور
عدم الثقة في أي شخص: إن الشخص الذي يحمل في عقله أفكارا متطرفة لا يكاد يثق في أحد، فتراه يشُكُّ في كل شيء، وفي كل شخص، فيعيش قلِقًا مضطربا، يعاني من هذا الشعور الرهيب الذي لا يكاد المرء يغمض عينيه من أجله.
الانفعال الشديد لأتفه الأمور: فمن علامات وجود التطرف، أنك تجد الشخص سريع الغضب، شديد الانفعال، ليس عنده حكمة في التعامل مع الأمور، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أوْصِني . قَالَ {لاَ تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ}([6])
عدم النظرة الموضوعية للأمور: فهو دائما يدور بين الإفراط والتفريط، لا ينضبط بضوابط الشرع.
النفاق: وهو اظهار الإسلام وكتم الكفر او اظهار المحبة وكتم العداوة وهؤلاء هم العدو الحقيقي لأنهم بين المسلمين يعرفون خفاياهم ويطلعون على كل عوراتهم وكل أمورهم فيكونون أشد عليهم من الكافرين ولذلك قال تعالى :(هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون.
هؤلاء القوم حذَّر الله عزَّ وجلَّ النبي وأصحابه منهم، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم يحرصون كل الحرص على أن ينزهون أنفسهم من الوقوع في هذا الجُرم العظيم وفى هذا الإثم الكبير، فكانوا يحرصون أشد الحرص حتى كان أحدهم إذا سُئل هل أنت مؤمن؟ يقول: مؤمنٌ إن شاء الله ولا يجزم لنفسه بالإيمان، لأنه يعلم أن الإيمان يلزم لكي يشهد لنفسه به أن يعلم أنه معه حتى حُسن الختام حتى يتوفاه الله مسلماً ويلحقه بالصالحين.
ثالثًا: سماحة الإسلام وتحريمه للتطرف
الإسلام دين الوسط والاعتدال: فوسطية هذا الدين في كل جوانبه، في العقيدة والعبادة والمعاملة والسلوك وغيرها، وهو امتثال لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ﴿البقرة﴾
رفع الحرج: قال تعالى ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ الحج، وقال أيضًا ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة:185، وقوله ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ ﴿إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ﴾ ﴿[7] ، وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ r عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ﴾ ﴿[8]
النهي عن التشدد في العبادة: قال تعالى:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا ﴾[النساء:]
وعن أَبي هريرةَ t عن النَّبيّ r قَالَ : ﴾إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ﴾ ﴿[9]﴾.
وفي رواية لَهُ: ﴿سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا﴾، ﴾إلا غَلَبَهُ﴾: أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ. وَ ﴾الغَدْوَةُ﴾: سير أولِ النهارِ. وَ ﴾الرَّوْحَةُ﴾: آخِرُ النهارِ. وَ ﴾الدُّلْجَةُ﴾: آخِرُ اللَّيلِ، وهذا استعارة وتمثيل، ومعناه: اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ -عز وجل -بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب، واللهُ أعلم ﴿[10].
وعن ابن مسعود -t -: أنّ النَّبيّ -r -، قَالَ: ﴾هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ﴾ قالها ثَلاثاً ﴿[11]،
(المُتَنَطِّعونَ﴾: المتعمقون المشددون في غير موضِعِ التشديدِ، وعن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: مَنْ هذِهِ قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ﴾ ﴿[12]
لا يؤاخذ المكره ما دام القلب مطمئنا بالإيمان: قال تعالى ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ النحل.
السماحة واليسر في الدعوة إلى الله :  قال تعالى ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل 125.
وقال تعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى﴾ ﴿طه 44﴾.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ،  ثُمَّ قَالَ :  اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا،  فَقَالَ النَّبِيُّ r: ﴿  لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ﴾ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ r وَقَالَ : ﴿  إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ ﴾ أَوْ قَالَ: ﴿  ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ﴾﴿[13]. وصدق سيدي رسول الله r حين قال:﴿ إن الله لم يبعثني مُعنفاً ولكن بعثني مُعلماً مُيسراً﴾﴿[14].
وقال الإمام الشافعي           
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا


**
وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ 
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا


**
وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ 
  
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْبٍ


**
يُغطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ
 
ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ


**
فَما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ


التمتع بالطيبات التي أحلها الله دون اسراف أو تبذير: قال تعالى:﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾[الأعراف: 31، 32].
السماحة مع غير المسلمين: قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة 8.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو t عَنْ النَّبِيِّ r قال ﴿ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ﴾﴿[15].
إن تقرير مبدأ المسامحة والتيسير في الدين لا يعني الإخلال بمقاصد الشريعة والدين : فلا يفهم من مبدأ التيسير أنه تفريط أو تسيب في تطبيق أحكام هذا الدين وتنفيذ أوامره، لأن هذا اليسر لا يكون في إثم أو معصية.
ولا يعني هذا المبدأ تجاوز الحلال والحرام أو الإخلال بالمفاهيم الإسلامية والآداب العامة، لأنه مبني أصلا على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الواضحة، فليس في تقرير هذا المبدأ ابتداع أو إدخال أمر جديد في الدين، لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة ، قال تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾
ولا يعني إقرار هذا المبدأ تحكيم الأهواء والرغبات، وتحقيق المصالح الشخصية من وراء ذلك، فقد يستغله ضعاف الإيمان لتحكيم أهوائهم ورغباتهم ويجعلون هذا يسرًا أو سماحة، بل اليسر والسماحة يجب أن تكون مبنية على مصادر التشريع الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة والنبوية والإجماع.
عدم التكليف بما لا يطاقإن أي تشدد زائد في تطبيق أحكام هذا الدين وتكاليفه، وأي تجاوز للخط الذي رسمه الله – تعالى – لعباده، سيعرض صاحبه للوقوع في الحرج والمعصية، وقد بيّن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام لأولئك النفر الذين حاولوا أن يكلفوا أنفسهم ما لا تطيق، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ:﴿ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ r، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؛ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا؛ وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ؛ وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ r، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي﴾ ﴿[16]
النهي عن نشر هذا الأفكار أو الرضا بها : قال تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)هود
الأمر بالتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان: قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )المائدة
لا يأتي عليك زمان إلا الذي بعده شر منه: عن الزبير بن عدي ، قَالَ : { أتينا أنسَ بن مالك - رضي الله عنه - فشكونا إِلَيْه مَا نلقى مِنَ الحَجَّاجِ . فَقَالَ: ( اصْبرُوا ؛ فَإنَّهُ لا يَأتي زَمَانٌ إلاَّ والَّذِي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ حَتَّى تَلقَوا رَبَّكُمْ ) سَمِعتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -} ([17])
حرمة الغلو: قال تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ) النساء، وقال تعالى: (قُلْ يَا
 أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا َضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) المائدة.
أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تُطْروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه، حتى تخرجوه عن حَيّز النبوة إلى مقام الإلهية، كما صنعتم في المسيح، وهو نبي من الأنبياء، فجعلتموه إلهًا من دون الله، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخ الضلال، الذين هم سلفكم ممن ضل قديمًا، { وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } أي: وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال، إلى طريق الغواية والضلال([18]).
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)([19])
النهي عن الإطراء والمبالغة  الزائدة عن الحد: عن ابن عباس سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله )([20]) ، ( لا تطروني ) من الإطراء وهو الإفراط في المديح ومجاوزة الحد فيه وقيل هو المديح بالباطل والكذب فيه . ( كما أطرت النصارى ابن مريم ) أي بدعواهم فيه الألوهية وغير ذلك ].
النهي عن الفساد : قال تعالى ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ الأعراف 56
قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ البقرة
من السنن الربانية أن الطغاة والمتكبرون وأهل الظلم لا بقاء لهم، بل إن نهايتهم أقبح نهاية ، وفي كتاب ربنا عدة شواهد ، فتأمل تدرك : قال تعالى: ( فُقطع دابر القوم الذين ظلموا ) الأنعام ، وقال تعالى: ( وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) الأعراف ، وقال تعالى:  ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) الشعراء
ولئن نجا الظالم من عقوبات الله في الدنيا لحكمة يعلمها الله تعالى ، فكيف سينجو يوم القيامة ؟
قال تعالى ( وقد خاب من حمل ظلما ) طه ، وقال تعالى: ( وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ) الفرقان
رابعًا: نماذج على التطرف وعاقبته
تطرف بنو قينقاع وإجلائهم من المدينة ([21]):
لما فتح الله للمسلمين في بدر اشتد طغيان بنو قينقاع ، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازهم للمسلمين، فكانوا يثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين حتى أخذوا يتعرضون بنسائهم، وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدي، وحذرهم مغبة البغي والعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم .
وازداد اليهود ـ من بني قينقاع ـ جراءة، فقلما لبثوا أن أثاروا في المدينة قلقاً واضطراباً، وسعوا إلى حتفهم بظلفهم، وسدوا على أنفسهم أبواب الحياة .
وجاءت امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـ وهي غافلة ـ فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وكان يهودياً ـ فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .
وحاصرهم المسلمون في ديارهم إلى ان تم إجلاءهم من المدينة وإخراجهم منها.
تطرف بنو النضير وإجلائهم من المدينة([22])
خرج صلى الله عليه وسلم إليهم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْرِي ـ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا : نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك . فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلى وطائفة من أصحابه .
وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : أيكم يأخذ هذه الرحي، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ . . . فقال أشقاهم عمرو بن جحاش : أنا . فقال لهم سَلاَّم بن مِشْكَم : لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه . ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم .
ونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا : نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود .
وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم : ( اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه ) . ولم يجد يهود مناصاً من الخروج، فأقاموا أياماً يتجهزون للرحيل، بيد أن رئيس المنافقين ـ عبد الله بن أبي- بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } [ الحشر : 11 ]
وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، وهناك عادت لليهود ثقتهم، واستقر رأيهم على المناوأة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك .
ولا شك أن الموقف كان حرجاً بالنسبة للمسلمين، فإن اشتباكهم بخصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم لم يكن مأمون العواقب، وقد رأوا كَلَب العرب عليهم وفتكهم الشنيع ببعوثهم، ثم إن يهود بني النضير كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال، وتجعل فرض القتال معهم محفوفاً بالمكاره، إلا أن الحال التي جدت بعد مأساة بئر معونة وما قبلها زادت حساسية المسلمين بجرائم الاغتيال والغدر التي أخذوا يتعرضون لها جماعات وأفراداً، وضاعفت نقمتهم على مقترفيها، ومن ثم قرروا أن يقاتلوا بني النضير ـ بعد همهم باغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ـ مهما تكن النتائج .
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب حيي بن أخطب كبر وكبر أصحابه، ثم نهض لمناجزة القوم، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلى بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهي إليهم فرض عليهم الحصار، حتى تم إخراجهم من المدينة صاغرين.
تطرف الخوارج شر الخلق والخليقة: عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ فَقَالَ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَم أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنَقَهُ فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة، .....﴾ ([23])
وقد اعترض الخوارج طريق عبد الله بن خباب وهو يسوق بامرأته على حمار، فدعوه وتهددوه وأفزعوه، وقالوا له من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرفوه طلبوا منه أن يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قالوا : فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثنى عليهما خيراً، ثم قالوا فما تقول في عثمان في أول خلافته وآخرها ؟ فقال : إنه كان محقاً في أولها وآخرها، ثم قالوا : فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده ؟ فقال : إنه أعلم بالله منكم وأشد توقياً على دينه وأنفذ بصيرة، فقالوا : إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً، فأخذوه فكتفوه ثم أضجعوه وذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا على المرأة وهي حبلى ففزعت وقالت : إني إنما أنا امرأة ألا تتقون الله ؟ فقتلوها وبقروا بطنها عليهم من الله ما يستحقون([24]).
تطرف الخوارج وقتلهم لسيدنا عثمان  : ثبات عثمان رضي الله  نه لما تحرك الثوار وفرضوا حصارًا حول دار سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يريدون قتله يحكي لنا الحسن رضي الله تعالى عنه ما حدث فيقول: انبأني وثاب قال: بعثني عثمان فدعوت له الأشتر -من أمراء الثوار الذين خرجوا على عثمان رضي الله تعالى عنه- فقال: "ما يريد الناس؟"، قال: "ثلاث ليس من أحدهم بد"، قال: "ما هن؟". قال: "يخيروك بين أن تخلع لهم أمرهم, فتقول: هذا أمركم فاختاروا من شئتم، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإن القوم قاتلوك"، فقال رضي الله عنه: "أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله، وأما أن أقتص لهم من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يدي -يقصد عمر، وأبا بكر رضي الله عنهما- وقد كانا يعاقبان وما يقوم بيتٌ بالقصاص وأما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي ولا تصلون بعدي جميعًا، ولا تقاتلون بعدي
جميعًا عدوًا أبدًا"، وهكذا ثبت رضي الله تعالى عنه وقدم نفسه فداء لثباته ومنع أنصاره من الدفاع عنه لحقن
 دماء المسلمين وقدم دمه فداءًا ،ولعدم تفرقهم وقتالهم بعضهم بعضًا.
تطرف المعتزلة ودعواهم أن القرآن مخلوق: في عهد الإمام أحمد بن حنبل ظهر من ادعى أن القرآن مخلوق وهم ما يسمون بالمعتزلة، جاء المأمون إلى الحكم فبدأ المعتزلة يتسلقون إلى سدة الحكم وصاروا بطانة السوء للمأمون، وبرز منهم ابن أبي داود الذي قام بتحريك الفتنة وأقنع بها المأمون، فصارت فكرًا رسميًا معلنًا من الدولة إذ طلب المأمون أن ينشر في كل مكان أن القرآن مخلوق، فرفض الإمام هذا الفكر المختل، وأعلن رفضه له فتعرض للسجن وللضرب بالسياط ليرجع عن فتواه ويقر هذا الفكر الشاذ، فرفض وتصدى لهم ومن يناصرهم حتى قضى على هذه الفكرة الغريبة على الدين حتى قيل: "لولا سياط على ظهر ابن حنبل ما كان إمام أهل السنة".
وهكذا أيها المسلمون في كل زمان ومكان تجدوا كثيرا من المتطرفين ممن يثيروا الفتن لغرض خبيث في نفوسهم لا يرقبون ربا ولا دينا ولا خلقا كل ما يهمهم هو مصلحتهم، ولو فكروا في العواقب لوجدوا ان ما يفعلوه هو سبب شقائهم وتعاستهم في الدنيا والاخرة ، فمن يقدم على الانتحار أو الإرهاب وترويع الآمنين وإلحاق الضرر بالآخرين تكون النتيجة الحتمية التي لا مهرب منها ان يمكر الله به في الدنيا كما مكر بغيره غير ما ينتظره من العقاب الأليم يوم القيامة.
خامسًا: كيفية مواجهة التطرف
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لقد دعانا الإسلام إلى محاربة الفساد والإرهاب، وعدم السّكوت عن هذه الأفعال المشينة أو تبريرها، فالتصدي لها فيه نجاة للمجتمع كله ، وإهمالها وعدم التصدي لها فيه الهلكة للمجتمع كله ، فعن النعمان بن بشير t: عن النبي r﴿ مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ﴾﴿[25]
الاعتصام بحبل الله تعالي: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ آل عمران
فلابد أن تقف جميع مؤسسات الدولة بل والدول كلها جنب إلى جنب للقضاء على هذه الظاهرة.
العدل: قال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المائدة:8]. ، وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)[الأنعام:152]
تربية النشء على المبادئ الإسلامية: فهناك فرق كبير بين مَن يغرس في ولده مسئولية إصلاح المجتمع، ومَن
يغرس عكسه مِن حب المنكرات وإشاعتها.
هذا لقمان -u-يواصل بناء بنيانه على أعظم أسس؛ فبعد التوحيد، وبر الوالدين، وإصلاح النفس بالصلاة، انتقل إلى مسئولية المسلم في إصلاح الغير: قال الله -تعالى-عنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ لقمان:17
فالواجب على العبد كما انه يسير على نهج المصلحين ويرفض طرق المفسدين وأن يعتني بتنشئة أولاده على كل ما كان من شأنه الإصلاح ونبذ الفساد والإهمال فقد قال النبي -r﴿ إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ﴾ ﴿[26]
نشر العلم الشرعي الصحيح المستمد من نصوص الكتاب والسنةوفق فهم سلف الأمة، من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، والإعانة عليه، وتسهيل سبله، وإصلاح مناهج التعليم بما يتوافق مع عقيدة الأمة وثوابتها.
لزوم التوبة والاستغفار والإكثار من التسبيح والدعاء: قال تعالى: { فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:43]
وقال علي رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
لزوم جماعة المسلمين وإمامهم:  « عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ .قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ .قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا .قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » ([27])
الاجتهاد في إصلاح دين الناس الذي هو قوام حياتهم :  وغاية وجودهم، ونفي كل ما يتعارض معه، أو يقدح فيه، لتطمئن النفوس، وتتحد الكلمة، ويجتمع الصف
العمل الجاد على إصلاح أحوال الناس الدنيوية : وتلبية مطالبهم الضرورية، وعلاج مشكلاتهم، وتيسير أسباب الحياة الكريمة لهم، ليزداد التواصل الإيجابي بين الناس وولاتهم، وتتعاظم الثقة بينهم.
أن تأخذ الدول الإسلامية بأسباب القوة المادية، بما يحقق لها السيادة والعزة، ويمنحها القدرة على الاستقلال في سياساتها، وقراراتها وتوجهاتها.
التحذير من خطر التطرف والإرهاب  والإفساد وبيان عاقبتهم: وذلك من خلال التوعية الدينية في المساجد
ووسائل الإعلام جميعها لبيان ما قد تنحدر إليه الأفراد والمجتمعات جراء أفعال المفسدين؛ وأيضا نشر صحيح
الإسلام وبيان سماحته ووسطيته وتجريمه وتحريمه لكل أنواع الإفساد والإرهاب والتطرف وغيرها.
التصدي للفساد والمفسدين : وذلك بتفعيل القوانين الرادعة لكل من سولت له نفسه فارهب الناس وأفسد في الأرض ورضي الله عن عثمان ابن عفان إذ يقول ﴿ إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ﴾
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ المائدة.
عدم تبرير الجريمة أياً كان شكلها ومنفذوها، ومنهُ وعليه فالدعوة لتجفيف منابع التطرف يجب أن تنطبق على ممارسات الحكومات إزاء شعوبها وممارسات الدول العظمى إزاء دول العالم الضعيفة، وإذا بقينا في منهج تبرير الجريمة والجريمة المشروعة فسوف نعمق أصل التطرف بل ونعطيه صبغة شرعية.
تجفيف منابع التطرف الإعلامية: وهي: قنوات وصحف وإذاعات ومواقع انترنت وكل وسيلة إعلامية تدعو إلى الإرهاب ﴿الشيعي أو السني أو المسيحي أو اليهودي﴾ ومنعها من ممارسة عملها منعاً قاطعاً، ومنها الصحف التي أساءت للخاتم الأمين سيدنا محمد r.
الإخلاص والصدق والشعور بالمسؤولية :  للحفاظ على أرواح الناس وإيقاف سفك الدماء من خلال التحلي بالشجاعة، وعدم الانقياد وراء مخططات دول إقليمية أو عالمية تريد الفتك بشعوبنا وزهق أرواحنا وأماتت أحبتنا ﴿سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وايزيديين ويهود وغيرهم﴾.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854





([1]) متفق عليه
([2]) صحيح مسلم
([3]) صحيح مسلم
([4]) تفسير السعدي
([5]) السلسلة الصحيحة
([6]) صحيح البخاري
([7]) صحيح البخاري
([8]) متفق عليه
([9]) صحيح البخاري
([10]) رياض الصالحين
([11]) صحيح مسلم
([12]) صحيح البخاري
([13]) صحيح سنن أبي داود
([14]) صحيح سنن أبي داود 
([15]) صحيح البخاري
([16]) صحيح البخاري
([17]) صحيح البخاري
([18]) تفسير ابن كثير
([19]) السلسلة الصحيحة
([20]) صحيح البخاري
([21]) الرحيق المختوم
([22]) الرحيق المختوم
([23]) متفق عليه
([24]) تاريخ الطبري
([25]) صحيح البخاري    
([26]) السلسلة الصحيحة   
([27]) متفق عليه 


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات