اغتنامُ الأوقاتِ ومخاطرُ إضاعتِهَا للشيخ أحمد أبو عيد

 




pdf


word


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إلاه إلا الله ولى الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله إمام النبيين

وبعد

العناصر:

أولًا: أهمية اغتنام الوقت                                       ثانيًا: أقوال السلف في الوقت

ثالثًا: من أسباب ضياع الوقت                                 رابعًا: احذر قبل فوات الأوان

الموضوع

أولًا: أهمية اغتنام الوقت

أقسم الله به: قال تعالى: ]وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) [ ، وقال تعالى:] وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) [ ، قال تعالى: ] وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) [

ومعروفٌ أنّ اللهَ إذا أقسمَ بشيءٍ من خلقِهِ دلَّ ذلك على أهميتِهِ وعظمتِهِ، وليلفتَ الأنظارَ إليه وينبّهَ على جليلِ منفعتِهِ.

من خصائص الوقت: أن الوقت قصير؛ لأنه ثلاثة أيام (أمس واليوم والغد)، وأنتَ لا تملك إلا يومك: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) (لقمان:34).

- أن الوقت ينقضي سريعًا: وأكثر ما يظهر فيه قصر الوقت: أوقات الغفلات، ومثاله: سل الذين يمكثون الساعات مع النت وصفحات التواصل والفضائيات عن ذلك يجيبونك! (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (المؤمنون:113)، ولذلك قالوا: "الوقت كالسيف، إذا لم تقطعه قطعك".

- أن الوقت لا يعود: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:100).

- أن الوقت أغلى مِن الذهب: (تأمل قيمة اللحظات التي دخل بها قاتل المائة نفس إلى أرض التوبة). وقال الحسن -رحمه الله-: "أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دنانيركم ودراهمكم".

الوقت نعمة كبيرة: قال تعالى: ] وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [ (الفرقان: 62)

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنه: ]نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ [ ([1])

فسلْ نفسَكَ ماذا قدمتَ من طاعاتٍ للهِ ربِّ العالمين؟ سلْ نفسَكَ قبلَ فواتِ الأوانِ فمِنَّا مَن بلغَ الستينَ والخمسينَ والأربعينَ والثلاثينَ ولم يقدمْ عملًا صالحًا يتقربُ بهِ إلى اللهِ.

فأفقْ من غفلتِكَ، وانتهزْ الفرصةَ واستثمرْ وقتَكِ بعملِ الخيراتِ والطاعاتِ بدلًا مِن أنْ تجلسَ بالساعاتِ أمامَ الأفلامِ والمسلسلاتِ والمصارعةِ والمبارياتِ.

اجلسْ كي تقرأَ جزءًا من القرآنِ اجلسْ مع أولادِكَ تعلمُهُم سنةَ النبيِّ المختارِ استثمرْ وقتَكَ في الدعوةِ إلى اللهِ، استثمرْ وقتَكَ في الإصلاحِ بين الناسِ، استثمرْ وقتَكَ في الإكثارِ مِن الصلاةِ ومن التسليمِ على سيدِ الأنامِ، استثمرْ وقتَكَ في كلِّ طاعةٍ تقربُكَ من مولَاك

وقُلْ: يا نفسُ إنّ العمرَ هو بضاعتِي إذا ضاعَ عمري ضاعَ رأسُ مالِي ولا أربحُ أبدًا

يا نَفسُ قَد أَزِفَ الرَحيلُ            وَأَظَلَّكِ الخَطبُ الجَليلُ

فَتَأَهَّبي يا نَفسِ لا                  يَلعَب بِكِ الأَمَلُ الطَويلُ

فَلَتَنزِلِنَّ بِمَنزِلٍ                     يَنسى الخَليلَ بِهِ الخَليلُ

وَلَيَركَبَنَّ عَلَيكِ في                   هِ مِنَ الثَرى ثِقلٌ ثَقيلُ

قُرِنَ الفَناءُ بِنا فَما              يَبقى العَزيزُ وَلا الذَليلُ

 

أمر الله بالمسابقة لفعل الطاعات: قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد21)

سرعة انتهاء الوقت: قال تعالى: ] قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ .فَتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ .وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [ (سورة المؤمنون)

 فالوقت يمرُّ مرَّ السحابِ ويجرِى جرىَ الرياحِ، فالأيامُ تمرُّ، والأشهرُ تجرِى وراءَهَا تسحبُ معها السنينَ وتمرُّ خلفَهَا الأعمارُ وتُطْوَى حياةُ جيلٍ بعدَ جيلٍ، ثم بعدَهَا يقفُ الجميعُ بين يدي الكبيرِ المتعالِ وسيعلمُ الخاسرونَ الذين خسرُوا أنفسَهّم وضيعُوا أوقاتَهُم وأعمارَهُم وكأنَّهُم ما لبثُوا في هذِهِ الدنيا إلا ساعةً.

مسؤولية الانسان عن وقته يوم القيامةعن أَبي برزة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: ]لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ؟[ ([2])

قوله: «لا تزول قدما عبد» ، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصًا أو رياء وسمعة.

وعن ماله من أين اكتسبه، أَمِنْ حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ .

وجوب اغتنام الوقت: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" ([3])

إذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى      وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي

الحياة دقائق وثواني: نحنُ نضيعُ الأوقاتِ بالساعاتِ أمامَ الهواتفِ والأفلامِ والمبارياتِ بعيدينَ عن كتابِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّنَا صلى اللهُ عليه وسلم ، وخاصةً أنّ الوقتَ  هو الحياةُ وأنّ الوقتَ أغلى من الذهبِ والفضةِ وأغلى مِن جميعِ الأموالِ، فإنّ المالَ إذا فُقِدَ يمكنُ أنْ يعوضَ، أمّا الوقتُ إذا فُقِدَ فلا يمكنُ أنْ يعوضَ.

يقول عمر بن عبد العزيز:" إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا". أي إن الليل والنهار يعملان فيك ضعفا في بدنك، وانحناء في ظهرك، وشيبا في رأسك، وضعفا في قوتك، وعشى في بصرك، وثقلا في سمعك، إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.

دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له***إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني

فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتكَ ذكرَهَا ***فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثاني

اغتنم في الفراغ فضل ركوع ***فعسى أن يكون موتك بغته

كم صحيح مات من غير سقم*** ذهبت نفسه الصحيحة فلته

خير الناس وشرهم: فعن أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ" ([4])

فإذا كان الإنسان مصلياً صائماً عابداً لله سبحانه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، فطول العمر له فيه ثواب عظيم ودرجات عالية.

إِنَّا لَنَفْــــــــــــــرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا *** وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَـــلِ

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ

العمرَ الحقيقيَّ للإنسانِ لا يقاسُ بالسنواتِ: إنّما يُقاسُ بالأعمالِ والطاعاتِ لا يقاسُ بالسنواتِ انظرْ إلى نبيّ اللهِ نوحٍ عليه السلامُ كم عاشَ؟ وما مدةُ دعوتِهِ؟ قضى ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا في الدعوةِ إلى اللهِ ومع ذلك وما آمنَ معه إلا قليلٌ.

 وانظرُوا إلى عُمْرِ المصطفى محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم كم عاشَ؟ وكم عددِ سنواتِ دعوتِهِ؟ تزيدُ عن العشرينَ قليلاً جدًا، ومع ذلك قدرَ اللهُ له في هذا العمرِ القليلِ أنْ يقيمَ للإسلامِ دولةً من فتاتٍ متناثرٍ.

بل هذا هو صديقُ الأمةِ الأكبرِ في مدةِ ولايتِهِ التي لا تزيدُ على سنتينِ ونصفٍ حَوَّلَ المحنَ التي أصابتْ الأمةَ إلى منحٍ.

فقضى على فتنةِ الردةِ !! وجمعَ القرآنَ الكريمَ وَرَدَّ الأمةَ إلى منهجِ النبيِّ الكريمِ !!

وهذا فاروقُ الأمةِ عمرُ رضى اللهُ عنه في عشرِ سنواتٍ وستةِ أشهرٍ هذه الفترةُ القليلةُ التي لا تساوى في حسابِ الزمنِ شيءً ومع ذلك رُفعتْ رايةُ الإسلامِ والمسلمين في كلِّ مكانٍ في عهدِهِ.

ثانيًا: أقوال السلف في الوقت

يقولُ ابنُ الجوزيِّ رحمَهُ اللهُ تعالى: ]ينبغي للإنسانِ أنْ يعرفَ شرفَ زمانِهِ وقدرَ وقتِهِ، فلا يضيعُ منه لحظةً في غيرِ قربةٍ، ويقدمُ فيه الأفضلَ فالأفضلَ من القولِ والعملِ، ولتكنْ نيتُهُ في الخيرِ قائمةً مِن غيرِ فتورٍ بما لا يعجزُ عنه البدنُ من العملِ [

يقولُ الحسنُ البصريُّ: “يا ابنَ آدمَ، إنّما أنت أيامٌ، إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ”. وقال: “يا ابنَ آدمَ، نهارُكَ ضيفُكَ فأحسِنْ إليهِ، فإنّك إنْ أحسنتَ إليهِ ارتحلَ بحمدِكَ، وإنْ أسأتْ إليه ارتحلَ بذمِّكَ، وكذلكَ ليلتُكَ”. وقال: “الدنيا ثلاثةٌ أيامٍ: أمّا الأمسُ فقدْ ذهبَ بما فيهِ، وأما غدًا فلعلَّكَ لا تُدركُهُ، وأما اليومُ فلكَ فاعملْ فيهِ”.

وقال رحمَهُ اللهُ: ما مِن يومٍ ينشقُّ فجرُهُ إلا وهو ينادى بلسانِ الحالِ يا بنَ أدمَ أنا خلقٌ جديدٌ وعلى عملِكَ شهيدٌ فاغتنمنِي، فإنِّي لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ.

يقولُ علىٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ:" مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ"

وقال أيضا: اعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبدًا واعملْ لأخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غدًا

قال ابنُ مسعودٍ: “ما نَدمتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غَربتْ شمسُهُ، نقصَ فيه أجلِي، ولم يزددْ فيه عملِي”.

يقول الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ: أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتِهِم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمِكُم ودنانيرِكُم.

قيل لسفيانَ الثوريِ: اجلسْ معنا نتحدثُ. قال: كيف نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَهُ، ما طلعتْ الشمسُ إلا كانتْ شاهدةً على العبادِ فيما فعلُوا ؟!!

يقولُ ابنُ عقيلٍ رحمَهُ اللهُ: إنّي لا يحلُّ لي أنْ أضيعَ ساعةً مِن عمرِي، حتى إذا تعطلَ لسانِي عن مذاكرةٍ ومناظرةٍ، وبصرِي عن مطالعةٍ، أعملتُ فكرِي في حالةِ راحتِي وأنا مستطرحٌ، فلا أنهضُ إلّا وقد خطرَ لي ما أسطرُهُ. (ذيل طبقات الحنابلة). فانظرْ كيف يستغلُ وقتَ راحتِهِ في إعمالِ فكرِهِ فيسطرهُ بعدَ قضاءِ حوائِجِه الشخصيةِ؟!

سألُوا الخليلَ بنَ أحمدَ الفراهيدِي -رحمَهُ اللهُ -: ما هي أثقلُ الساعاتِ عليكَ؟ قال: ساعةٌ آكلُ فيها.

كَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً

يقولُ عبدُ الرحمنِ ابنُ الإمامِ أبي حاتمٍ الرازيِ " ربَّمَا كان أبي يأكلُ وأقرأُ عليه، ويمشي وأقرأُ عليه، ويدخلُ الخلاءَ وأقرأُ عليه، ويدخلُ البيتَ في طلبِ شيءٍ وأقرأُ عليه ".

يقولُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمَهُ اللهُ:" إنّ الليلَ والنهارَ يعملانِ فيكَ فاعملْ فيهمَا "

قال بعضُهُم: "مَن أمضَى يومًا مِن عُمرهِ في غيرِ حقٍ قضَاهُ، أو فرضٍ أدَّاهُ، أو مجدٍ أصلَهُ، أو حمدٍ حصّلَهُ، أو خيرٍ أسسَهُ، أو علمٍ اقتبسَهُ، فقد عقَّ يومَهُ وظلمَ نفسَهُ".

كان لقمانُ يقولُ لولدِهِ: أي بُنَىّ إنّك مِن يومِ أنْ نزلتَ إلى الدنيا استدبرتَ الدنيا واستقبلتْ الآخرةَ فأنتَ إلى دارٍ تُقبِلُ عليها أَقربُ من دارٍ تَبتعدُ عنها.             

قال الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ:" صحبتُ الصوفيةَ انتفعتُ منهم بكلمتينِ. يقولونَ: الوقتُ سيفٌ، فإنْ قطعتَهُ وإلا قطعَكَ، ونفسُكَ إنْ لم تشغلْهَا بالحقِّ شغلتْكَ بالباطلِ".

قال سيدُنِا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: إنّي لأمقتُ الرجلَ أنْ أراهُ فارغًا ليس في شيءٍ من عملِ الدنيا ولا عملِ الآخرةِ".

قال ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: إضاعةُ الوقتِ أشدُّ من الموتِ؛ لأنّ إضاعةَ الوقتِ تقطعُكَ عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، والموتَ يقطعُكَ عن الدنيا وأهلِهَا.

وقال أيضًا: السنةُ شجرةٌ، والشهورُ فُروعُهَا، والأيامُ أغصانُهَا، والساعاتُ أوراقُهَا، والأنفاسُ ثمرُهَا، فمَن كانتْ أنفاسُهُ في طاعةٍ فثمرتُهُ طيبةٌ، ومَن كانتْ أنفاسُهُ في معصيةٍ فثمرتُهُ حنظلٌ، فأيُّ الثمارِ تريدُ يا مسكينٌ؟

قيل لعامرُ بنُ قيسٍ لما نامَ على فراشِ الموتِ وهو يبكي قالوا: ما يُبكيكَ؟ قال ثلاثةَ أشياءٍ ليلةً نمتُها، وساعةً غفلتُ عنها، ويومًا أفطرتًه.

قالوا لحسانِ بنِ سنانٍ لما نامَ على فراشِ الموتِ: كيف تَجِدُكَ؟ قال: بخيرٍ أنْ نجوتُ من النارِ، فقال ماذا تشتهِي؟ قال: ليلةً أُحيي ما بين طرفَيهَا بذكرِ اللهِ تباركَ وتعالى.

ثالثًا: من أسباب ضياع الوقت

العجزُ والكسلُ: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ   وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" ([5]).

الغفلةُ: هي أنّ الإنسانَ يغفلُ عن ذكرِ اللهِ ،ويغفلُ عن  ذكرِ الموتِ وبين لحظةٍ وأخري  وبين عشيةٍ وضحاهَا يجدُ الإنسانُ نفسَهُ في معسكرِ الأمواتِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ  قال تعالى: ] اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ  مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون َلَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ[ (الأنبياء :1 ،2)

كلماتٌ تهزُّ الغافلينَ هزًا، كلماتٌ تهزُّ الساقطينَ هزًا ،كلماتٌ تهزُّ اللاعبينَ هزًا،كلماتٌ تهزُّ العاقلينَ ، الحسابُ يقتربُ والساعةُ تقتربُ،والقيامةُ تقتربُ والناسُ في غفلةٍ،  والناسُ معرضون لماذَا ؟ لأنّهم في اللهوِ والباطلِ والشهواتِ والمادياتِ

غارقون ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .

اتباعُ الهوى: فالهوى ملكٌ ظلومٌ غشومٌ جهولٌ يهوى بصاحبهِ إلى الشرِّ في الدنيا والهلاكِ في الآخرةِ.

يقولُ ابنُ عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ   : ما ذكر اللهُ الهوى في موضعٍ من كتابهِ إِلّا وذمَّهُ قال تعالى :  (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثـية:23]  بل خاطبَ اللهُ نبيَّهُ المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولِهِ :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً  ([الكهف: 28] فالهوىَ يهوِى بصاحبِهِ إلى الهلاكِ  في الدنيا والآخرةِ.

شدة الحرص وطولُ الأملِ: الإنسانُ مفطورٌ على حبِّ الحياةِ ، ولا ينكرُ ذلك إلا جاهلٌ بالقرآنِ والسنةِ، لكنْ إياكَ  أنْ يحولَ طولُ الأملِ بينك وبين طاعةِ مولاكَ حينئذٍ ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) لذا حذرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم منه فعن ابنِ عمرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )وَكَانَ ابْنُ عُمَرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ   يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) ([6])

وعَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِبُّ مِنْهُ اثْنَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ " ([7])

تاللهِ لو عاشَ الفتى من دهرهِ  ***     ألفًا من الأعوامِ مالِكَ أمرِه

متلذذًا فيها بكلِّ نفيسةٍ           ***     متنعمًا فيها بنُعمى عصرِه

لا يعتريه السقمُ فيها مرةً       ***       كلا ولا تردِ الهمومُ ببالِه

ما كان ذلكَ كلّه في                ***     أنْ يفِي بمبيتِ أول ليلةٍ في قبرِه

الفراغُ : والفراغُ ثلاثةُ أنواعٍ : الفراغُ القلبيُّ  ، والفراغُ النفسيُّ ، والفراغُ العقليُّ  .

الفراغُ القلبيُّ : وهو أنْ يكونَ القلبُ فَرِغًا مِن الإيمانِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، وعلاجُ الفراغُ القلبيُّ بزيادةِ الإيمانِ ، فالإيمانُ يزيدُ وينقصُ ، يزيدُ بالطاعاتِ وينقصُ بالمعاصيَ والزلاتِ .يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ : تَفَقَّدْ قلبَكَ في ثلاثةِ مواطنٍ عندَ سماعِ القرآنِ وفى مجالسِ الذكرِ والعلمِ وفي وقتِ الخلوةِ بينك وبين ربِّكَ ، فإنْ لم تجدْ قلبَكَ في هذه المواطنِ فابحثْ عن قلبِكَ فإنّه لا قلبَ لك  !!فإنّ القلبَ يمرضُ والإنسانُ لا يدري، وإنّ القلبَ يموتُ والإنسانُ لا يدرِي.

 والفراغُ النفسيُّ : النفسُ إنْ لم تشغلْهَا بالحقِّ شغلتْكَ بالباطلِ إنْ لم تفطمْهَا بالطاعاتِ قادَتْكَ إلى المعاصي والزلاتِ .كما قال الشافعيُّ. والنفسُ أمارةٌ :  وهي التي قال عنها ربُّنَا: ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ  ربي غفور رحيم )إذا لم يجدْ الشابُّ عملاً يقومُ به ورأى نفسَهُ في فراغٍ انشغلَ بالمعاصي .. انشغلَ بالفتنِ والشهواتِ .. انشغلَ بالأفلامِ والمبارياتِ والمسلسلاتِ ..!!!

والفراغُ العقليُّ : حياتُهُ دمارٌ وآخرتُهُ بوارٌ بدليلِ تصايحِ أهلِ النارِ في النارِ بين يدى الواحدِ القهارِ قال اللهُ جلّ وعلا عن هؤلاءِ : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10]

يَا سَاهِيا لاهيا عَمَّا يُرَادُ بِهِ ... آنَ الرحيلُ وَمَا قدمتَ من زَادٍ

ترجو الْبَقَاءَ صَحِيحًا سالمًا أبدًا ... هَيْهَاتَ أَنْتَ غَدًا فِيمَن غَدا غادٍ

رابعًا: احذر قبل فوات الأوان

 الأجل لا يتأخر: قال تعالى: ] فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾(الأعراف:34)

تزوَّدْ مِن التقوى فإنّك لا تدري    ***    إذا جنَّ ليلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجــرِ

فكم مِن سليمٍ ماتَ من غير عِلَّةٍ    ***    وكم مِن سقيمٍ عاش حِينًا مِن الدهرِ

وكم مِن فتىً يُمسي ويُصبحُ آمنًا    ***    وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يـدري

قال الفضيلُ بنُ عياضٍ لرجلٍ: "كم عمرُكَ؟ فقال الرجلُ: ستون سنةً، قال الفضيلُ: إذًا أنت منذُ ستينَ سنةً تسيرُ إلى اللهِ تُوشِكُ أنْ تَصِلَ، فقال الرجلُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيلُ: يا أخي، هل عرفتَ معناها، قال الرجلُ: نعم، عرفتُ أنِّي للهِ عبدٌ، وأنِّي إليه راجعٌ، فقال الفضيلُ: يا أخي، مَن عرفَ أنّه للهِ عبدٌ وأنّه إليه راجعٌ، عرفَ أنّه موقوفٌ بين يديِه، ومَن عرفَ أنّه موقوفٌ عرفَ أنّه مسؤولٌ، ومَن عرفَ أنّه مسؤولٌ فليُعدَّ للسؤالِ جوابًا، فبكى الرجلُ، فقال: يا فضيلُ، وما الحيلةُ؟ قال الفضيلُ: يسيرةٌ، قال الرجلُ: وما هي يرحمُكَ اللهُ؟ قال الفضيلُ: أنْ تتقيِ اللهَ فيما بقِيَ، يَغفِرُ اللهُ لك ما قد مضَى وما قد بقِيِ.

إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِنْكَبي، فَقَالَ: «كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، يقول: إِذَا أمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أصْبَحتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ([8])

الإنسان في الدنيا غريب ووطنه الحقيقي الجنة، وهي التي أنزل الله بها الأبوين ابتداء، وإليها المرجع إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته، وهو مسافر في الدنيا بالأعمال الصالحة، وترك الأعمال السيئة، والمسافر لا يأخذ من المتاع إلا ما تدعوا إليه ضرورته، فإن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار.

إذا أمسيت فابتدئ الفلاحا             ولا تهمله تنتظر الصباحا

وتب مما جنيت فكم أناسًا                 قَضَوا نحبًا وقد باتوا صحاحًا

هل تملك لنفسك نفسًا تتنفسه: جلسَ نفرٌ من الصالحينَ يتسألونَ ويتذاكرونَ حولَ قصرِ الأملِ فقال أحدُهُم : بلغَ

مني قصرُ الأملِ أنِّي إذا رفعتُ اللقمةَ إلى فمِي هل أتمكنُ مِن أكلِهَا أم لا؟ وقال الثاني مثلَ ما قال الأولُ وقال الثالثُ : بلغ مني قصرُ الأملِ أنّي إذا خرجَ مني النَّفَسُ لا أدري أيعودُ إلىَّ أم لا ؟

يا مَن بدنياهُ اشتغلْ ... وغره طولُ الأمل

ولم يزلْ في غفلةٍ ... حتى دنَا منه الأجل

الموتُ يأتي بغتةً ... والقبرُ صندوقُ العمل

فإياكَ ثمّ إياكَ أنْ يحولَ طولُ الأملِ بينك وبينَ طاعةِ مولاكَ فتكون من الخاسرين.

نهى الله تعالى عن الإغترار بالدنيا: قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ (المنافقون8-11)

قال تعالى: ] يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) [

دَعْ عَنْكَ ما قَدْ فات في زَمَنِ الصِّبا              واذكر ذنوبكَ وابكها يا مذنب

لم يَنْسَهُ المَلِكانِ حين نَسِيْتَه             بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلْعَبُ

و الروح فيك وديعة أودعتها            سنردّها بالرغم منك وتسلب

وَغُرورُ دُنْياكَ التي تَسْعَى لها           دارٌ حَقِيقَتُها متاعٌ يَذْهَبُ

والليل فاعلم والنهار كلاهما            أَنْفَاسُنا فيها تُعَدُّ وَتُحْسَبُ

تذكر قبل فوات الأوان: حفر الربيع بن خثيم في بيته قبرا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة أو استهوته الدنيا دخل القبر وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة فيقول (رب ارجعون لعلي أعمل صلحا فيما تركت) ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع ، فيخرج من القبر ويقول تذكر يا ربيع يأتي يوم تقول رب ارجعون فيقال لك كلا.

والموقف الثاني: يكون في الآخرة، يوم توفى كل نفس ما عملت، وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا ليجتهدوا في كل عمل صالح، ولكن هيهات هيهات لما يطلبون فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) (فاطر37).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «بادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلا فَقراً مُنسياً، أَوْ غِنىً مُطغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفسِداً، أَوْ هَرَماً مُفْنداً، أَوْ مَوتاً مُجْهزاً، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ أدهَى وَأَمَرُّ» ([9])

 (هل تنتظرون إلا فقراً منسياً)، لعلك الآن في غنى فبادر بالعمل الصالح، فالإنسان عند فقره ينسى الله سبحانه تبارك وتعالى ويبقى يفكر بما عليه من دين ويريد أن يعمل لقضاء هذا الدين، فالفقر ينسي الإنسان ربه سبحانه تبارك وتعالى، (هل تنتظرون إلا فقراً منسياً)، يعني: ينسيكم الطاعة وينسيكم العبادة.

(أو غنى مطغياً)، يعني: غنى يطغي الإنسان ويجعله يحتقر غيره، أو فقراً ينسيه ربه تبارك وتعالى، فما دمت الآن في حالة سوية فأحسن عبادة ربك سبحانه وتعالى.

(أو مرضاً مفسداً) أي: مرضاً يفسد على الإنسان صحته، أو يفسد على الإنسان عقله، أو يفسد على الإنسان تفكيره، فالمرض حين يأتي على الإنسان يبقى تفكيره في الوجع الذي يلم به وفي الشكوى وينسى عبادته وطاعته.

(أو هرماً مفنداً)، أي: يفند الإنسان ويذهب عقله فيرد إلى أرذل العمر، فإذا بتفكيره غير سوي وإذا بتطلعاته وطلباته تضايق من حوله.

(أو موتاً مجهزاً)، يأتي فجأة فيقضي عليه فلا يتمكن من أن يتوب أو يعمل عملاً صالحاً، وإن فرضنا أن العمر طال به فماذا ينتظر؟ قال: (أو الدجال فشر غائب ينتظر)؛ لأن فتنته فتنة عظيمة، (أو الساعة فالساعة أدهى وأمر)، يعني: أن أمر شيء أن تقوم الساعة على الناس.

لا تنفع حسرةٌ ولا ندامة: يقول تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100،99]

الخسران: قال تعالى: ] وَالْعَصْرِ * ِإِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[ [العصرٍ].

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد

 

 

 

 



[1])صحيح البخاري

[2])رواه الترمذي (حسن)

[3])رواه الترمذي (صحيح)

[4])رواه الترمذي (حسن)

[5])متفق عليه

[6])صحيح البخاري

[7])متفق عليه

[8])صحيح البخاري

[9])رواه الترمذي (حسن)

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات