التكافل المجتمعي واجب الوقت للشيخ أحمد أبو عيد
أو
الحمد لله رب العرش رب العوالم، يتولى الخلائق بلطفه فنعم الوكيل، ترى في الأناسي كل مصحح وسالم، وقد ترى فيهم الكل العليل، وفيهم ذوات الفضل الكرائم.
وأشهد أن لا إله إلا الله الحيُّ الدائم، يقول الحق وهو يهدي السبيل، ألهم الإنسان من الخلق المكارم، وحذره من الفعل والخلق الرذيل، أمره في السلم بأن يسالم، وبالنصر حربًا أو يكون هو القتيل، وأباح في الغنى التنوع في المطاعم، وحين الفقر عليه أن يقنع بالقليل، وإن عم القحط وجب التراحم، وفي الرخاء يجود ولو بالقليل، وحال الصحة فعليه أن يزاحم مع الطائعين ويأتي بالعمل الجليل، وفي المرض رخص ما يلائم كل عاجز وكذا الشيخ العليل.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله بالشرع قائم، مَن تبع سنته رشد، ومن تركها حُرم الدليل، فأنعم به مسكًا للنبين خاتم، وأكرم به مبعوثًا للشرور يزيل، فانظر إذا شئت واقرأ في التراجم، لن تجد في الناس عذبًا كهذا السلسبيل، لولاه ما استيقظ من غفلة الشرك نائم، ولأصبح إحياء القلوب من المستحيل.
فيا رب، صلِّ على تاج أولي العزائم، من ليس لشريعته شرع بديل، وجازه عن كل قائم من أمته وصائم، وعن نوره الذي به انقشع الليل الطويل.
العناصر
أولاً: فضل قضاء حوائج الناس ثانيًا: نماذج على قضاء حوائج الناس
الموضوع
أولاً: فضل قضاء حوائج الناس
قضاء حوائج الناس من صفات الله تعالى: قال تعالى "أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ "سورة النمل
من خيرية الأمة: قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله) (آل عمران).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -r- أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ «تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» ([1]).
وجوب التعاون على البر والتقوى: قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾سورة المائدة
وعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -r- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ - قَالَ - تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ - قَالَ - وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ »([2]).
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» قَالَ سُفْيَانُ: " وَالعَانِي: الأَسِيرُ " ([3])
من صفات الإيمان: عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - t - أَنَّ النَّبِيَّ - r – قَالَ "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"([4])
كن جوادا بما رزقك الله: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ) ([5]) ، [ (فجعل يصرف بصره) فهكذا وقع في بعض النسخ وفي بعضها يصرف فقط بحذف بصره وفي بعضها يضرب ومعنى قوله فجعل يصرف بصره أي متعرضا لشيء يدفع به حاجته
(من كان معه فضل ظهر) أي زيادة ما يركب على ظهره من الدواب وخصه اللغويون بالإبل وهو التعين (فليعد به) قال في المقاييس عاد فلان بمعروفه وذلك إذا أحسن ثم زاد]
الخير الكثير والأجر العظيم: قال تعالى:" لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) " سورة النساء
فالأمر هنا: عمل تطوعي بدني سواء كان أمراً بصدقة أو أمراً بمعروف والسعي والإصلاح بين الناس: عمل تطوعي بدني، و" ابتغاء مرضات الله " أي مخلصاً في ذلك محتسباً مريداً وطالباً رضوان الله، " فسوف نؤتيه أجراً عظيما" أي ثواباً جزيلاً كثيراً واسعاً.
أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة: عن أبي الدرداء قال قال رسول الله r: " عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ من درجةِ الصِّيامِ والصدقةِ وَالصَّلَاة؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» ([6])
في ظل عرش الرحمن يوم القيامة: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ» ([7])(من أنظر معسرًا)؛ أي: أمهل مديونًا فقيرًا (وضع عنه)؛ أي: قليلًا أو كثيرًا من الدَّين (أظله الله في ظله)؛ أي: أوقفه الله تعالى في ظل عرشه
المسلمون كالجسد الواحد: قال تعالى﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ سورة الحجرات
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ([8]).
هم المفلحون: قال تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) سورة التغابن
ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله: قال تعالى "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "سورة البقرة
وقال تعالى "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" سورة المزمل
أحب الناس إلى الله: عن عبد الله بن عمر t أن رجلا جاء إلى رسول الله r فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام"([9]) فكن من الذين يدخلون السرور والبهجة على إخوانهم، سواء كان باعطائهم المال والانفاق عليهم مما وسع الله به عليك، فتفرج عنه كربته، او تقضي ما عليه من ديون، او تعطه طعاما فيسد به جوعه، وهذا العمل افضل من جلوسك في المسجد للاعتكاف بالشهور الطوال ، لان النفع حينما يتعدى للغير فتنفع اخوانك وتفيدهم يكن اجره اكثر واكثر، وكذلك اغناء الفقراء وقضاء حوائجهم خير من تكرار الحج والعمرة ما دمت قد حججت واعتمرت قبل ذلك، فساعدهم واعلم أن الله سيكتب من الأجر ما هو أعظم من ثواب العمرة أو الحج النافلة.
من أفضل الأعمال : عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ» قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ» وعند البخاري " تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق "([10]) ، [ ش (أنفسها عند أهلها) معناه أرفعها وأجودها قال الأصمعي مال نفيس أي مرغوب فيه (تصنع لأخرق) الأخرق هو الذي ليس بصانع يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له]
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ
التيسير والعفو والستر :عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ »([11]) .
(ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) معناه من كان عمله ناقصا لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل]
إعانة الأرملة والمسكين: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ «السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ -وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ» ([12]).
مفاتيح للخير: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطُوبَى لمن جعل الله
مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)) ([13])
(إن من الناس مفاتيح للخير)؛ أي: إن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير؛ كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم.
على كل مسلم صدقة: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ «يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالَ قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَالَ «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» قَالَ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَالَ «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ» ([14]). (الملهوف) المظلوم والعاجز المضطر الذي يستغيث بك.
كيف تجد قلبك إذا سألك سائل. أو قرع بابك ملهوف؟ ثم أخي هل فكرت يوماً وأنت تتناول غداءك. أو تشرب ماءً بارداً. أو تتقلب في وثير فراشك. هل فكرت في جوعى لا يجدون غداء مثل غدائك؟ أو ظمأى لا يجدون ماءً بارداً مثل مائك؟ أو مشردين لا يجدون فراشاً وثيراً مثل فراشك؟ فكم من عبد بسط الله له في رزقه، ولكن المسكين نسى جوع الجائعين، وآلام المشردين، وجزع الثكالى المحرومين، وأنين الضعفاء المضرورين، وبكاء اليتامى الخائفين.
اقضِ الحوائج ما استطعت *** وكُن لهمِّ أخيك فارج
فلخير أيام الفتــــى يــــومٌ *** قضى فيـه الحوائج
ﺻﻨﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞِ ﻭَﻓﻌﻞُ ﺍﻟﺨﻴــﺮِ ﺇِﻥْ ﺃُﺛِﺮﺍ *** ﺃﺑﻘﻰ ﻭَﺃَﺣﻤﺪ ﺃَﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺃَﺛــــــَﺮﺍ
ﺑَﻞْ ﻟﺴﺖُ ﺃَﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺳﻮﻯ *** ﻋــــﻦ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒِ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺜﺮﺍ
ﺇِﻥْ ﻛــــــﺎﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻔﻪ ﻋﺎﻃﻔﺔٌ *** ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻝْ ﺑﻪ ﺣﺠﺮﺍ
خير يبقى لك حتى بعد الموت: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " ([15]) [ ش (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله) قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف]
افعل الخير قبل فوات الأوان: عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى» ([16]) ، قوله: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني): أراد به مرض عبده، وإنما أضاف إلى نفسه تشريفًا لذلك العبد، فنزَّله منزلة ذاته سبحانه، (كيف أعودك)؛ أي: المرض إنما يكون للمريض العاجز، وأنت القاهر القوي المالك لكل شيء، (استطعمتك)؛ أي: طلبتُ منك الطعام، (كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!)؛ أي: كيف أطعمك وأنت تطعم جميع الخلائق، وأنت غني قوي على الإطلاق، وإنما العاجز هو الذي يحتاج إلى الطعام والشراب والإنفاق، (لوجدت ذلك عندي)؛ أي: لوجدت ثواب ذلك العمل الصالح عندي؛ فالله تعالى لا يُضيع أجر المحسنين، (استسقيتك)؛ أي: طلبت منك الماء.
الويل لمن ترك أخيه وقت الحاجة ولم يعينه: قال تعالى:﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾سورة الماعون
والماعون: هو أن يمنع المسلم عن أخيه المسلم الأشياء التي يحتاجها منه أو يطلبها من عنده وقت حاجته إليها.
قل لي بربِّك ماذا ينفعُ المالُ .....إنْ لم يُزَيِّنْه إحْسانٌ وإفْضالُ
المالُ كالماءِ إن تَحْبِسْ سواقيَه .....يَأْسُنْ وإنْ يَجْرِ يَعْذُبْ منْه سلسالُ
تَحيا على الماء أغراسُ الرياض كما .....تَحيا على المال أرواحٌ وآمالُ
إن الثراءَ إذا حِيلتْ مواردُه ......دونَ الفقير فخيرٌ منه إقلالُ
الله أعطاكَ فابْذُلْ مِن عطيَّته ......فالمالُ عاريةٌ والعمرُ رحَّال
الجزاء من جنس العمل: عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخَلَّة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خَلَّته وحاجته ومسكنته))، فجعل معاوية رجلًا على حوائج الناس) ([17]) ، (يغلق بابه دون ذوي الحاجة)؛ أي: يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه، (الخَلة)؛ أي: الفقر، (إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته)؛ أي: أبعَده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية، فلا يجد سبيلًا إلى حاجة من حاجاته الضرورية.
نماذج على قضاء حوائج الناس
سيدنا محمد r: قَالَتْ خَدِيجَةُ (......... كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ......) ([18])
(ما يخزيك) لا يذلك ولا يضيعك. (لتصل الرحم) تكرم القرابة وتواسيهم. (تحمل الكل) تقو بشأن من لا يستقل بأمره ليتم وغيره وتتوسع بمن فيه ثقل وغلاظة. (تكسب المعودم) تتبرع بالمال لمن عدمه وتعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. (تقري الضيف) تهيىء له القرى وهو ما يقدم للضيف من طعام وشراب. (نوائب الحق) النوائب جمع نائبة وهي ما ينزل بالإنسان من المهمات وأضيفت إلى الحق لأنها تكون في الحق والباطل. (تنصر) ترك عبادة الأوثان واعتنق النصرانية.
سيدنا موسى u : قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} القصص
فعندما ساعد ابنتي سيدنا شعيب فى الحصول على الماء ولم ينتظر جزاءاً ولا أجراً. ولكن المكافأة جاءته بأن تزوج إحداهما.
سيدنا الخضر u: قال تعالى:" وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) " سورة الكهف
وهذا الأب كان الأب السابع لهذين الغلامين اليتيمين وفيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى درجة الصالحين
في الجنة لتقر عينه بهم قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر لهما صلاح.
قال الحسن البصري: " وكان تحته كنزهما " قال: لوح من الذهب مكتوب فيه باسم الله الرحمن الرحيم.
أبو بكر: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا». قَالَ أَبُو بَكْرٍ t أَنَا. قَالَ «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً». قَالَ أَبُو بَكْرٍ t أَنَا. قَالَ «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا». قَالَ أَبُو بَكْرٍ t أَنَا. قَالَ «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا». قَالَ أَبُو بَكْرٍ t أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ([19]).
عمر بن الخطاب: خرج ذات ليلة سيدنا عمر بن الخطاب في جولةٍ من جولاته التي كان يخرج بها وحيداً, والناس نيام ليطمئنَّ على قومه ويرى أحوالهم، وعند مشارف المدينة رأى كوخاً ينبعث منه أنين امرأة فاقترب يسعى، ورأى رجلاً يجلس على باب الكوخ، وعلِم منه أنه زوج السيدة التي تئن، وعلِم أنها تعاني كرب المخاض، وليس معها أحدٌ يعينها، لأن الرجل وزوجته من البادية، وقد حطا رحالهما هنا وحيدين غريبين، رجع عمر إلى بيته مسرعاً، وقال لأم كلثوم زوجته بنت الإمام علي: يا أم كلثوم، هل لكِ في مثوبةٍ ساقها الله إليكِ؟ هل ترغبين في عمل صالح؟, قالت: خيراً، قال: امرأة غريبة تمخض، وليس معها أحد، قالت: نعم إن شئت .وقام فأعد من الزاد والماعون ما تحتاجه المرأة من دقيقٍ وسمنٍ ومزق ثيابٍ يلف بها الوليد، وحمل أمير المؤمنين القدر على كتف والدقيق على كتف، وقال لزوجته: اتبعيني، ويأتيان الكوخ، وتدخله أم كلثوم زوج أمير المؤمنين لتساعد المرأة في مخاضها، أما أمير المؤمنين فجلس خارج الكوخ، وينصب الأثافي ( ثلاثة أحجار للطبخ )، ويضع فوقها القدر، ويوقد تحتها النار، وينضج للمرأة طعاماً، والزوج يرمقه شاكراً ولعله كان يحدث نفسه هو الآخر بأن هذا العربي الطيب أولى بالخلافة من عمر .
وفجأةً صدح في الكوخ صراخ الوليد لقد وضعته أمه بسلام، وإذا بصوت أم كلثوم ينطلق من داخل الكوخ عالياً, يا أمير المؤمنين بشِّر صاحبك بغلام، ويفيق الأعرابي من الدهشة، ويستأخر بعيداً على استحياء، ويحاول أن ينطق بالكلمتين "أمير المؤمنين"، لكن شفتيه لا تقويان على الحركة من فرط المفاجأة، ويلحظ عمر كلَّ هذا، فيشير إلى الرجل أن ابق مكانك، لا ترع، ويحمل أمير المؤمنين القدر، ويقترب من باب الكوخ منادياً زوجته: خُذي القدر يا أم كلثوم، وأطعمي الأم وأشبعيها، وتطعمها أم كلثوم حتى تشبع، وتردُّ القدر إلى عمر بما بقي من طعامٍ، فيضعها عمر بين يدي الأعرابي، ويقول: كُل واشبع، فإنك قد سهرت طويلاً، وعانيت كثيراً، ثم ينصرف هو وزوجته بعد أن يقول للرجل: إذا كان صباح الغد فأتني بالمدينة لآمر لك من بيت المال بما يصلحك، ولنفرض للوليد حقه.
سعيد بن العاص t : يقول لأبنائه عندما كان يحتضر:" يا بَنِيَّ، لا تفقدوا إخواني مني عندكم عين وجهي، أَجْرُوا عليهم ما كنتُ أُجْرِي، واصنعوا بهم ما كنت أصنع، ولا تُلْجِئُوهم للطلب؛ فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائصه، وكَلَّ لسانه، وبدا الكلام في وجهه، اكفوهم مئونة الطلب بالعطية قبل المسألة؛ فإني لا أجد لوجه الرجل يأتي يتقلقل على فراشه ذاكرًا موضعًا لحاجته فعدا بها عليكم لا أرى قضى حاجته عوضًا من بذل وجهه، فبادروهم بقضاء حوائجهم قبل أن يسبقوكم إليها بالمسألة "
أبو حنيفة: قال عبدالله بن رجاء الغداني البصري رحمه الله: كان لأبي حنيفة رحمه الله جار إسكاف - (صانع الأحذية) - يعمل نهاره أجمع، فإذا جنَّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه، أو سمكةً فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه غزل بصوت يقول:
أضاعوني وأي فتًى أضاعوا ** ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ
فلا يزال يشرب الخمر ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقَد أبو حنيفة ليلةً صوته، فاستخبر عنه، فقيل: أخذه العسس وهو محبوس، فلما صلى أبو حنيفة الصبح من غده ركب بغلته، وجاء الأمير فاستأذن عليه، فأذِن له وألا ينزل حتى يطأ البِساط، فلم يزل الأمير يوسع له في مجلسه حتى أنزله مساويًا له؛ فقال: ما حاجتك؟ فقال: إسكاف أخذه الحرس ليأمر الأمير بتخليته، قال: نعم، وكل من أخذ معه تلك الليلة، فخلى جميعهم، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، ولما نزل مضى إليه، وقال: يا فتى أضعناك؟ قال: لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجار ورعاية الحق، وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان فيه ([20])
ابن ميمون : يقول حججت على أيام الخليفة العبّاسي هارون الرشيد فرأيت في الحجّ امرأة تبكي بكاءً مُرّاً، فاقتربت منها، فسمعتها تقول: أيا عمرو فيم تجنبتني سكبت دموعي وعذّبتني فلو كنت يا عمرو أخبرتني أخذت حذار فما نلتني، قال: فقلت لها: من عمرو هذا يا أمة الله؟ ففزعت عندما فوجئت بوجودي فقلت لها: لا تخافي، إنّما أنا عبدٌ من عباد الله، لعلّي أكون في حاجتك فمن عمرو؟ قالت: عمرو هذا هو زوجي، وقد تبعني قبل الزواج، وامتنعت عنه واحتال على الزواج منّي كلّ حيلة، حتى شاء الله وتزوجته، ولكنه هجرني.
قلت: أهجرك لموجدةٍ أو نفور؟ قالت: لا والله، بل لشدة حبّ. فقد ضاق بنا العيش، وأشفق عليّ. فذهب يلتمس عملاً، قد يكون فيه سعة لي وله. قلت: وأين هو؟ قالت: في (جدّة) يعمل في البحر. قلت: سأجمع بينكما إن شاء الله، فصفيه لي. قالت: لا تهزأ بي يا عبد الله. قلت: إنّني فاعل إن شاء الله، ولن يخيّب الله مسعاي، قالت: هو أحسن من تراه، طلقٌ محياه، مليئةٌ بالحبِّ عيناه، وليس في القلب سواه
قال إبراهيم: ركبت وذهبت إلى جدّة ... وناديت عند المكان الذي حددته، يا عمرو. يا عمرو. فخرج إليّ رجل ما ارتبت لحظةً في أنه هو. ولما اقترب منّي، أنشدته ما سمعت من زوجته. فعانقني وقال: إنما أنت رسولها. قلتُ: نعم. فهل تعود معي إليها؟ . قال: والله إنّ هذا لأحبُّ شيء إلى نفسي، لكنّي أسعى إلى السعة. قلت: كم يكفيك لمعاشك في العام؟ قال: ثلاثمائة دينار. قلت: فهذه ثلاثة آلاف لعشر سنين، فإذا نفدت أو أوشكت فأرسل إليّ بمن يحمل إليك غيرها. وأعدته إلى زوجته، ولم يكن أحدٌ أسعد منهما بذلك إلاّ أنا.
إن الحياة بدون معاونة الآخرين ومساعدتهم حياة ينقصها رونقها وبريقها الذي يضفي عليها البهجة والسعادة لأن الإنسان يسعد عندما تمتد إليه يد اخرى تساعده دون طلب وتعاونه دون منٍّ أو اذى.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر واجرِ الخير على أيدينا وأغن كل فقير ومحتاج يا رب العالمين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854