كنــز الدنيـا وسعـادة الآخـرة في بـر الوالدين للشيخ محمد جودة عيد
العنـــــــــــــــاصــــــــــــــر
:
أولاً : شكر
الوالدين شكرٌ لله :-
ثانياً : بر الوالدين
هو وصية الأنبياء عليهم السلام :-
ثالثاً : وهؤلاء
أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فنفذوا وصيته :-
رابعاً : فضائل البر :-
خامساً : نصائح
توصلك إلى البر:-
سادساً : احذروا
العقوق :-
الموضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله الذي
أنزل على عبده الكتاب ، أظهر الحق بالحق ، وأخزى الأحزاب ، وأتم نوره ، وجعل كيد الكافرين
في تباب ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب
، خلق الموت والحياة ليبلونا ، وإليه المآب ، فمن عمل صالحًا فلنفسه والله عنده حسن
الثواب.
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء.
وأشهد أن سيدنا محمدًا خاتم الرسل والأنبياء. وإمام
المجاهدين والأتقياء ، والشهيد يوم القيامة على الشهداء ..... صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وصحبه الأطهار ، من المهاجرين والأنصار.
أما بعد :
أولاً : شكر
الوالدين شكرٌ لله :-
إن المتأمِّل في
وجودنا في هذه الحياة ، والمتفكِّر في الكون مِن حولنا وفي خَلقنا وفي أنفُسنا، يجد
أن الله عز وجل قد منَّ علينا بالكثير من النِّعم والآلاء التي لا يُحصيها أحدٌ من
الناس، فضلاً عن أن يؤدُّوا شُكرها ، والشكرُ حافظ النِّعم ، وجالبُ المزيدِ منها.
ولكن الله جلَّت
قدرتُه - للُطفه بعباده - هيَّأ للإنسان أسباب النجاة في دنياه وأخراه ، فإذا اغتنم
الإنسانُ هذه الأسبابَ الميسَّرةَ له نال السعادة والحبور، وإذا أعرض عنها ونسيها لقي
الخسار والبوار.
وإنَّ مِن أجلِّ
الأسباب التي يسعَد بها الإنسان في عاجله وآجله برَّ الوالدين؛ أن يُدرك المرءُ أحدَ
أبَويه أو كلَيهما في حال الكِبَر، فهذه نعمةٌ من الله تحتاج إلى شُكرٍ، والشكر يكون
بالقلب واللسان والجوارح ؛ بأن يَعترف الإنسانُ بقلبه أن المنعِم عليه بذلك إنما هو
الله ، وأن يتحدَّث بنعمة الله عليه ولا يَشكوَه إلى خلقه ، وأن يعمل بمقتضى هذه النِّعم
، فيستخدمَها فيما يُرضي الله ، ويَكفَّها عن معاصيه.
عِبَادَ الله:
إِنَّ رِضَا الله فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، يَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، فِيهَا الأَمْرُ بِعِبَادَةِ الله وَحْدَهُ، مَقْرُونًا
بِهَا الإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ
وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النِّسَاءِ: 36]، وَقَوْلِهِ:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
[الإِسْرَاءِ: 23]، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَلازُمٍ وَارْتِبَاطٍ،
إِذْ لاَ تَتَحَقَّقُ الْعِبَادَةُ مَعَ الْعُقُوقِ، وَلَا يُغْنِي الإِحْسَانُ إِلَى
الْوَالِدَيْنِ مَعَ الإِشْرَاكِ؛ لأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِبَادَةِ هِيَ: الْمَحَبَّةُ
مَعَ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لله تَعَالَى، وَالامْتِثَالُ وَالطَّاعَةُ، وَلاَ تَحْصُلُ
حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ إِلاَّ بِهِمَا، فَالْعُقُوقُ عِصْيَانٌ وَاسْتِكْبَارٌ، فَهُوَ
نَقْصٌ فِي حَقِيقَةِ الْعِبَادَةِ، وَمَعْنَاهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي
أَصْحَابِ الأَعْرَافِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ
رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) [الأَعْرَافِ: 46].
وَإِلَى هَذَا
يُشِيرُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ
-رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:
يَا رَسُولَ الله، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ الله،
وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا -وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ- مَا لَمْ يَعُقَّ
وَالِدَيْهِ". [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ].
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلاَثٍ لاَ
تُقْبَلُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا: إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى:
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [الْمَائِدَةِ: 92]، فَمَنْ أَطَاعَ
اللَّهَ وَلَمْ يُطِعِ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [الْبَقَرَةِ:
43]، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [الرَّعْدِ: 14]، فَمَنَ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ
يَشْكُرِ الْوَالِدَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ
وقد روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَجزي
ولدٌ والدًا إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريَه فيُعتقَه))؛ (مسلم - حديث 1510) ، وقوله:
(لا يجزي)؛ أي: لا يكافئ، قوله: (ولدٌ والده)؛ أي: إحسانَ والدِه ، قوله: (إلا أن يجده)؛
أي: يصادف والده مملوكًا لرجلٍ آخر، قوله: (فيعتقه) معناه: يجعله حرًّا بالشراء؛ (مرقاة
المصابيح - علي الهروي - ج- 6 - ص- 2222).
وروى أبو
داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن اليمن،
فقال: ((هل لك أحد باليَمن؟))، قال: أبواي،قال: ((أَذِنا لك؟))، قال: لا،قال: ((ارجِعْ
إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهِدْ، وإلا فبَرَّهما))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي
داود للألباني حديث 2207).
وروى ابن ماجه
عن جابر بن عبدالله: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد
أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: ((أنتَ ومالُك لأبيك))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني
حديث: 1855). قال الإمام الطحاوي (رحمه الله):
قال فريق من العلماء: ما كسَب الابنُ مِن شيء فهو له خاصة دون أبيه، وقول النبي صلى
الله عليه وسلم هذا ليس على التمليك منه للأب كَسْبَ الابن، وإنما هو على أنه لا ينبغي
للابن أن يخالف الأبَ في شيء من ذلك، وأن يجعل أمره فيه نافذًا كأمره فيما يملِك،ألا
تراه يقول: ((أنت ومالك لأبيك))، فلم يكن الابن مملوكًا لأبيه بإضافة النبي صلى الله
عليه وسلم إياه، فكذلك لا يكون مالكًا لماله بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم إليه؛
(شرح معاني الآثار - للطحاوي ج- 4 - ص- 169).
ثانياً : بر الوالدين
هو وصية الأنبياء عليهم السلام :-
1-
فهذا نبي الله
نوح عليه السلام، يَذكر لنا الله عز وجل نموذجًا من بره بوالديه ؛ حيث كان يدعو ويستغفر
لهما ؛ كما في قوله تعالى عنه : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ
بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28].
2-
وهذا إمام الموحدين
إبراهيم الخليل عليه السلام ، يخاطب أباه بلطف شفَّاف، وإشفاق بالغ، وحرص أكيد؛ رغبةً
في هدايته ونجاته، وخوفًا من غوايته وهلاكه، فيقول كما أخبر الله عنه: {وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا
. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ
كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ
الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:41-45].
لقد خاطب والده
بتلك الكلمات المؤثرة، والعبارات المشفقة، التي تصل إلى الأعماق، ولولا أنها وجدَت
قلبًا قاسيًا عاتيًا أغلَفَ أسود - لأثرت فيه، وكانت سببًا في هدايته ونجاته.
3-
وهذا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام يضرب أروع
أمثلة البرِّ في تاريخ البشرية؛ وذلك عندما قال له أبوه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى
فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]
فماذا كان رد ذلك
الولد الصالح؟ هل تباطأ أو تكاسل، أو تردَّد وتثاقل؟ لا، بل قال كما أخبر الله تعالى
عنه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
[الصافات:102].
4-
وتأمل حال يحيى
وعيسى - عليهما السلام - ماذا ذكر الله عنهما؟..
أما عن يحي - عليه
السلام - فقال - تعالى - : {وبرا بوالديه ولم يكن جباراً عصيا} ، وقال عن عيسى - عليه
السلام – { وبراً بوالدتي.....} انظر إلى هذا الخلق.. خلق البر والإحسان إلى الوالدين.
ثالثاً : وهؤلاء
أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فنفذوا وصيته :-
• أبو هريرة رضي
الله عنه:
كان إذا أراد أن
يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليكم يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول:
وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا، فتقول:
رحمك الله كما بررتني كبيرًا.
• عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه:
طلبت أمه في إحدى
الليالي ماء، فذهب ليجئ بالماء فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح،
فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
• ابن الحسن التميمي:
يهم بقتل عقرب،
فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الحجر بأصابعه، فلدغته،
فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجئ إلى أمي فتلدغها.
• ابن عون المزني:
نادته أمه يومًا
فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.
• وهذا حيوة ابن
شريح أحد التابعين كان يدرس في المسجد وكانت تأتيه أمه فتقول له: قم فاعلف الدجاج،
فيقوم ويترك التعليم براً بوالدته، ولم يعاتبها، ولم يقل لها أنا في درس، أنا في محاضره،
أنا في مجلس ذكر.
• أما سمعتم بخبر
أويس القرني!! هذا الرجل هو الرجل الوحيد الذي زكاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو
من التابعين وحديثه في صحيح مسلم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة: (يأتيكم
أويس ابن عامر من اليمن، كان به برص فدعى الله، فأذهبه أذهب الله عنه هذا المرض كان
له أم كان له أم هو بها بر، يا عمر إذا رأيته، فليستغفر لك فمره يستغفر لك).وفي لفظ
أخر قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أويس القرني (لو أقسم على الله لأبره)
لماذا أويس حصل على هذه المنزلة؟ قال العلماء: لأنه
كان باراً بوالدته، المهم جاء يوم من الأيام ودخل الحج فكان عمر - رضي الله عنه - حريص
على أن يقابل هذا الرجل أويس.فجاء وفد من اليمن فقال عمر - رضي الله عنه -: أفيكم أويس
ابن عامر فجاء أويس رجل متواضع من عامة الناس، قال: أنت أويس ابن عامر؟ قال: نعم، قال:
كان بك برص فدعوت الله فأذهبه؟ قال: نعم، قال: استغفر لي!قال: يا عمر أنت خليفة المسلمين!!
قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وذكر قصته.. فأويس استغفر له، فلما انتشر
الخبر أمام الناس اختفى عنهم، وذهب حتى لا يصيبه العجب، أو الثناء فيحبط عمله عند الله
-عز وجل-. ما نال هذه المنزلة أويس ابن عامر أنه لو أقسم على الله لأبره
إلا ببره بوالدته - رحمه الله -.
• وأمير المؤمنين
- رضي الله عنه - معه حكاية :
جاء عن عمر أنه
قال : "كان رجلاً من سادات قومه وكان له ابنًا يسمى كلابًا.
هاجر كلاب إلى
المدينة في خلافة عمر - رضي الله عنه - ، فأقام بها مدة ثم لقي ذات يوم بعض الصحابة فسألهم
: أي الأعمال أفضل في الإسلام ؟ فقالوا : "الجهاد".. فذهب كلاب إلى عمر يريد
الغزو، فأرسله عمر - رضي الله عنه - إلى جيش مع بلاد الفرس ، فلما علم أبوه بذلك تعلق
به وقال له : "لا تدع أباك وأمك الشيخين الضعيفين، ربياك صغيرًا، حتى إذا احتاجا
إليك تركتهما؟" فقال: "أترككما لما هو خير لي".
ثم خرج غازيًا بعد أن أرضى أباه ، فأبطأ في الغزو وتأخر..
وكان أبوه وأمه يجلسان يومًا ما في ظل نخل لهما وإذا حمامة تدعو فرخها الصغير وتلهو
معه وتروح وتجيء ، فرآها الشيخ فبكى فرأته العجوز يبكي فبكت ، ثم أصاب الشيخ ضعف في
بصره ، فلما تأخر ولده كثيرًا ذهب إلى عمر - رضي الله عنه - ودخل عليه المسجد وقال
: "والله يا ابن الخطاب لئن لم ترد عليَّ ولدي لأدعون عليك في عرفات "..
فكتب عمر - رضي الله عنه - برد ولده إليه ، فلما قدم ودخل عليه قال له عمر: ما بلغ
برك بأبيك؟ قال كلاب:
"كنت أُفضله وأكفيه أمره، وكنت إن أردت أن أحلب له لبنًا أجئ إلى أغزر ناقة في
إبله فأريحها وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها - أي ضروعها - حتى تبرد ثم أحلب له
فأسقيه"، فبعث عمر إلى أبيه فجاء الرجل فدخل على عمر - رضي الله عنه - وهو يتهاوى
وقد ضعف بصره وانحنى ظهره وقال له عمر - رضي الله عنه -: "كيف أنت يا أبا كلاب؟".
قال: " كما ترى يا أمير المؤمنين" فقال: "ما أحب الأشياء إليك اليوم؟". قال: "ما
أحب اليوم شيئًا، ما أفرح بخبر ولا يسوءني شر" فقال عمر: "فلا شيء آخر"
قال: "بلى، أحب أن كلابًا ولدي عندي فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت". فبكى عمر - رضي
الله عنه - وقال: "ستبلغ ما تحب إن شاء الله". ثم أمر كلابًا أن يخرج ويجلب
لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه ، فقام ففعل ذلك ثم جاء وناول الإناء إلى
عمر فأخذه - رضي الله عنه - وقال: " اشرب يا أبا كلاب " فلما تناول الإناء
ليشرب وقربه من فمه قال : "والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب "
فبكى عمر - رضي الله عنه - وقال: "هذا كلاب عندك وقد جئناك به" فوثب إلى
ابنه وهو يضمه ويعانقه وهو يبكي ، فجعل عمر - رضي الله عنه - والحاضرون يبكون ثم قال
عمر: "يا بني الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا، ثم اعتنِ بشأن نفسك بعدهما".
رابعاً : فضائل البر :-
1- برَّ الوالدين سببٌ لدخولِ الجنةِ :
، ففي "صحيح
مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«رغِمَ
أنفُه، ثم رغِمَ أنفُه، ثم رغِمَ أنفُه، من أدرك أبويه عند الكِبَرِ، أحدَهما أو كليْهما،
ثم لم يدخِلاه الجنةَ» معنى كلامه - صلى
الله عليه وسلم - إذا أدركت والديك، أو أحدهما، ولم تدخل الجنة بسبب برك بوالديك فيرغم
أنفك يعني تستحق أن يلصق بالتراب؛ لأنك لم تستغل هذا العمل الصالح الذي يوصلك إلى الجنة. كيف لا والرسول
- صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية بن جاهمة عندما أراد الغزو: ((أِأُمك حيّة؟ قال:
نعم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إلزم رجليها فإنّ الجنة تحت قدميها )) ودائماً ننظر
إلى الشموخ في الارتفاع إلا عند الأم ، فكلما نزلت فأنت شامخٌ وكلما تواضعت فأنت شامخٌ..
قال الله - تعالى-: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً)..
2- إن بر الوالدين طريق مختصر إلى رضى الله - عز وجل :
إذا أرضيت والديك
سيرضى الله عنك وإذا سخط والديك فلو تقدم أعمال صالحه كبيره، فأبشر بسخط الله - عز
وجل - عليك. فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال: (رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد)
3- برِّ الوالدين سبب لتفريجُ الكُرُباتِ، وإجابةُ الدعواتِ
:
فعن ابن عمر رضي
الله عنهما قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:«انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ
مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ
صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ
مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَان،ِ وَكُنْتُ لاَ
أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا
فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا
نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ
وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ،
فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ
شَيْئًا، لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ. قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ
كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي،
حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ
وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى
إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ
بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ
أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ
إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ،
فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ
الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ
غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى
كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّ
إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ:
إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ
شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ
عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ »
4- برِّ الوالدين
سبب في سعةُ الرزقِ، وطولُ العمر :
ففي "الصحيحين"
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سرَّه أن يُبسطَ عليه
رزقُه، ويُنسأُ في أثَرِه فليصِلْ رحمَه»، وبرُّ الوالدين أعظمُ صورِ صلةِ الرحمِ.
5- بر الوالدين من أعظم القربات إلى رب الأرض والسماوات :
اسمع -حبيبي في
الله- لكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه ، ففي الصحيحين من حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: يا رسول
الله! أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ فقال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين،
قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله). فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين
على الجهاد. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: (أن رجلاً جاء إلى المصطفى صلى
الله عليه وسلم ليستأذنه في الجهاد، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟
قال: نعم. قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: ففيهما فجاهد). رواه البخاري.
بعض الشباب يسمعون
مثل هذه الأحاديث ولا يستجيبون لها (ففيهما فجاهد) ماذا تفهم أخي الشاب أختي المرأة
المؤمنة عندما نسمع مثل هذا الحديث ففيهما فجاهد؟
وفي رواية مسلم
من حديث عبد الله بن عمرو : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله! جئت أبايعك على الهجرة والجهاد، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: هل من والديك
أحدٌ حي؟ فقال الرجل: نعم، كلاهما يا رسول الله! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم:
تبتغى الأجر من الله؟ قال: نعم، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فارجع إلى والديك
فأحسن صحبتهما).
6- البر من أسباب مغفرة الذنوب :
جاء رجلٌ إلى الرسول
- صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله: أذنبتُ ذنباً، فما قال له رسول الله اذهب
وابني مسجداً، أو اذهب فتصدق بكذا وكذا، بل قال له - صلى الله عليه وسلم -: ((أأمك
حيّة؟ فقال: لا يا رسول الله، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: خالتُك حيّة؟؛
-لأنها أخت الأم- قال: نعم، فقال له الرسول اذهب إليها وأحسن إليها فيغفر الله لك))...
وجاء رجلٌ إلى
ابن عباس - رضي الله عنهما - وقال له: " أذنبتُ ذنباً عظيماً، فقال له ابن عباس:
أأمك حيّة؟ فقال: لا، فقال ابن عباس: استغفر الله"، فجاء عطاء بن أبي رباح إلى
ابن عباس - رضي الله عنهما - وقال له: "يابن عباس، لماذا سألته عن أمه؟، قال ابن
عباس كلمةٌ عظيمة: والله لا أعلم عملاً أقربُ وأحبُ إلى الله - تعالى -من بِر الوالدة؟.
وجاء رجلٌ إلى
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، فقال له: " أذنبتُ ذنباً، فقال له: أأمك حيّة؟
فقال: لا.. بل أبي على قيد الحياة، فقال عمر: اذهب إليه وأحسن إليه فسيغفر الله ذنبك،
فلما ذهب الرجل قال عمر: والذي نفس عمرٌ بيده لو كانت أمه حيّة فبرّها وأحسن إليها
رجوت أّلا تطعمه النارُ أبداً".
ولله در من قال :
لأمِّكَ
حقٌّ لو علِمْتَ كبيرُ
|
**
|
كثيرُك
يا هذا لديه يسيرُ
|
فكم
ليلةٍ باتَتْ بثقلِكَ تشتكي
|
**
|
لها
مِن جَوَاها أنَّةٌ وزفيرُ
|
وفي
الوَضْع لو تدري عليها مشقَّةٌ
|
**
|
فمِن
غُصَصٍ منها الفؤادُ يطيرُ
|
وكم
غسَلَتْ عنكَ الأذى بيمينِها
|
**
|
وما
حَجْرُها إلا لديكَ سَريرُ
|
وتَفْديك
ممَّا تشتكيه بنفسِها
|
**
|
ومِن
ثَدْيِها شربٌ لديكَ نَمِيرُ (الماء العذب)
|
وكم
مرَّةٍ جاعَتْ وأعطَتْكَ قُوتَها
|
**
|
حنوًّا
وإشفاقًا وأنت صغيرُ
|
فآهًا
لذي عقلٍ ويتَّبِعُ الهوى
|
**
|
وآهًا
لأعمى القلبِ وَهْوَ بصيرُ
|
فدونَكَ
فارغَبْ في عَميمِ دعائِها
|
**
|
فأنتَ
لِما تَدْعو إليه فقيرُ
|
خامساً : نصائح
توصلك إلى البر:-
1 - تعود أن تذكر
والديك عند المخاطبة بألفاظ الاحترام .
2- لا تحد النظر
لوالديك خاصة عند الغضب.
وما أجمل النظرة
الحنونة الطيبة.. إن بعض الأخوة قد لا يتلفظ على والديه قد لا يضرب والديه ، ولكنه
ينظر إلى والديه بنظرات حادة ، وكأنه ينظر إلى رجل مجرم .
3 - لا تمشي أمام
احد والديك بل بجواره ، أو خلفه، وهذا أدب وحبا لهما.
4 - كلمة (أف)
معصية للرب وللوالدين فحذرهما ولا تنطق بها أبدا أبدا.
5- إذا رأيت أحد
والديك يحمل شيء، فسارع بالحمل عنه إن كان في مقدورك ذلك وقدم لهم العون دائماً.
6- إذا خاطبت أحد
والديك فاخفض صوتك ولا تقاطع واستمع جيداً حتى ينتهي الكلام وإذا احتجت إلى نداء أحد
والديك فلا ترفع صوتك أكثر مما يسمع بل ناده بنداء تعتقد أنه يصل إليه... لا ترفع صوتك
بقوة حتى لا يحصل لهم إزعاج وتكون ممن لم يمتثل أمر الله - عز وجل - لما قال (وقل لهما
قولاً كريما) إن الله نهاك عن اللفظ السيئ وأرشدك إلى اللفظ الواجب وهو أن يكون كلامك
كريم مع والديك.
7- إلقاء السلام
إذا دخلت على والديك أو الطرفة على أحد والديك وقبلهما على رأسيهما ويديهما وإذا ألقى
أحدهما السلام عليك فرد ورحب بهما.
8- عند الأكل مع
والديك لا تبدأ الطعام قبلهما، إلا إذا أذنا لك بذالك.
9- إذا خرج أحد
والديك من البيت ولعلها الأم فقل في حفظ الله يا أمي... ولأبيك أعادك الله سالماً لنا
يا أبي.. إن بعض الأخوة يظن أن هذه مبالغات وهذه ألفاظ ليست بلازمة.
أيها الأخوة: هذا
باب موجود عندك في البيت الوالد أوسط أبواب الجنة هو باب عندك فاستخدم معه ما تريد.
أحد السلف لما
ماتت أمه بكى قالوا ما يبكيك قال باب من أبواب الجنة أغلق عني.
10-أدعو الله لوالديك
خاصة في الصلاة.
11- أظهر التودد
لوالديك... وحاول إدخال السرور إليهما بكل ما يحبانه منك.
12- لا تكثر الطلبات
منهما كما هو حال بعض الناس.
13- وأكثر من شكرهما
على ما قاما به ويقومون به لأجلك ولأخوتك.
14- احفظ أسرار
والديك ولا تنقلها لأحد وإذا سمعت عنهم كلاما فرده ولا تخبرهم حتى لا تتغير نفوسهما
أو تتكدر عليك.
سادساً : احذروا
العقوق :-
يمكن أن نوجز عقوبة
عقوق الوالدين في الأمور التالية:
(1) عقوق الوالدينِ
سبب غضب الله تعالى على الأبناء.
روى الترمذي عن
عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رضا الربِّ في رضا الوالد،
وسَخَط الربِّ في سَخَط الوالد))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1549).
(2) عقوق الوالدين
مِن الكبائر.
روى الشيخانِ عن
أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟))
ثلاثًا،قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدينِ))، وجلَس وكان
متكئًا، فقال: ((ألا وقول الزور))،قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليتَه سكَتَ؛ (البخاري
حديث 2654 / مسلم حديث 87).
روى البخاري عن
المغيرةِ بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ حرَّم عليكم عقوقَ
الأمهاتِ))؛ (البخاري حديث 5975).
قال الإمام ابن
حجَر العسقلاني (رحمه الله): قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذِّكر؛ لأن العقوق إليهن أسرعُ
من الآباء؛ لضعف النساء، ولينبِّهَ على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأبِ، في التلطف،
والحُنوِّ، ونحو ذلك؛ (فتح الباري - للعسقلاني - ج- 5 - ص- 68).
روى الشيخانِ عن
عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن مِن أكبر الكبائر أن يلعَنَ الرجلُ والديه))، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجلُ
والديه؟ قال: ((يسُبُّ الرجلُ أبا الرجلِ، فيسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه))؛ (البخاري
حديث 5973 / مسلم حديث 90).
(3) عقوق الوالدين
سبب دخول النار:
روى النسائي عن
عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ثلاثةٌ لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجِّلة،
والدَّيُّوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والمدمِن على الخمر، والمنَّان
بما أعطى))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح النسائي - للألباني - حديث 2402).
قال السندي (رحمه
الله): قوله: (لا ينظر الله إليه)؛ أي: نظر رحمة أولًا، وإلا فلا يغيب أحد عن نظره،
والمؤمن مرحوم بالآخرة قطعًا، (العاقُّ لوالديه): المقصر في أداء الحقوق إليهما، (المترجِّلة):
التي تتشبَّه بالرجال في زيِّهم وهيئاتهم، فأما في العلم والرأي فمحمود، (والدَّيُّوث)
وهو الذي لا غيرةَ له على أهله، (لا يدخلون الجنة): لا يستحقُّون الدخولَ ابتداءً؛
(سنن النسائي بحاشية السندي - ج- 5 - ص- 84).
(4) عقوق الوالدينِ يمنَع قبول العمل الصالح.
روى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة لا يقبَل الله منهم صَرْفًا (فرضًا)، ولا عدلًا
(تطوعًا): عاقٌّ، ومنَّانٌ، ومكذِّبٌ بالقدر))؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع - للألباني
- ج- 1 - حديث: 3065).
(5) عقوق الوالدين
عقوبته معجَّلة في الدنيا قبل الآخرة.
روى الحاكم عن
أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بابانِ مُعجَّلانِ عقوبتهما
في الدنيا: البَغْيُ والعقوق))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع - للألباني - حديث
2810).
قوله: (معجَّلان
عقوبتهما في الدنيا)؛ أي: قبل موتِ فاعلهما،قوله: (البغي)؛ أي: مجاوزة الحد في الظُّلْم.
قوله: (والعقوق)؛
أي: إيذاء الوالدين، ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرعَ؛ (فيض القدير - عبدالرؤوف المناوي
- ج- 3 - ص- 251).
قال أحد الآباء
الذين ذاقوا عقوق الأولاد لابن له :
غذَوْتُك مولودًا وعُلتُك يافعًا تعلُّ بما أحني
عليك وتنهَلُ
إذا ليلةٌ نابَتْك بالشَّكْوِ لم أبِتْ لشكواكَ إلا ساهرًا
أتملمَلُ
كأني أنا المطروقُ دونَك بالذي طُرِقْتَ به دوني،
فعَيْنيَ تهمُلُ
تخافُ الردى نفسي عليك وإنها لتعلَمُ أن الموتَ
ضيفٌ سينزِلُ
فلمَّا بلغتَ السنَّ والغايةَ التي إليها مدى ما كنتُ
فيكَ أؤمِّلُ
جعَلْتَ جزائي غِلظةً وفظاظةً كأنَّك أنتَ المنعِمُ
المتفضِّلُ
فليتَك إذ لم تَرْعَ حقَّ أبوَّتي فعَلْتَ كما الجارُ
المجاورُ يفعَلُ
فأوليتَني حقَّ الجوارِ ولم تكُنْ علَيَّ بمالي دون
مالِكَ تبخَلُ
أيها الشباب، أن
تحسين العلاقة، وتقبيل يد الأب والأم من سِمات الناجحين المقبولين.. فما بالك بسماع
كلامهم، والنزول لرأيهم، وخدمتهم حتى آخر نفس.
فإلى متى تقاطعهم
أو تجحدهم أو تتعبهم؟!
أترى دمعة الأم
التي تنزل لحزنها على معصيتك لها كم تساوي عند الله ؟!! لا تعليق.