ترك الزنا دليل على الإيمان والبر بالأوطان للشيخ أحمد أبو عيد
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ
ونَشْكُرُهُ ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنَا،
مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَصَلّى اللهُ
عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى ءالِهِ وصَحابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ،
وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ولا مَثيلَ لَه، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَه،
وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ
أَعْيُنِنا محمَّدًا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ، صلّى اللهُ وسَلَّمَ
عَلَيْهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.
العناصر:
أولًا:
حرمة الزنا ثانيًا:
قصص ونماذج
ثالثًا:
وسائل لتجُنب الوقوع في الزنا
رابعًا: من مضار الزنا
خامسًا:
هل من توبة
الموضوع
الزنا
لغة: مصدر قولهم: زنى يزني زنا وزناء (بالقصر لغة
الحجاز وبالمدّ لغة تميم) ، وهو مأخوذ من مادّة (ز ن ى) الّتي تدلّ على الوطء
المحرّم، يقال: هو زان بيّن الزّنا، وخرجت فلانة تزاني وتباغي أي تفجر (وتحلّ
لنفسها ما حرّمه الله) وزنّاه تزنية: نسبه إلى الزّنا. والأصل في الزّناء الضّيق،
ومنه الحديث: لا يصلّينّ أحدكم وهو زناء، أي مدافع للبول.
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الزّنا هو وطء المرأة من غير عقد
شرعيّ ([1]) .
وقال الجرجانيّ: الزّنا: الوطء في
قبل خال عن ملك أو شبهة ([2]) .
أولًا: حرمة الزنا
حرمة
الاقتراب منه: قال تعالى:{ وَلا
تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32)} سورة الإسراء
يقول
تعالى ذكره: وقضى أيضا أن (لا تَقْرَبُوا) أيها الناس (الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً) يقول: إِن الزّنا كان فاحشة (وَساءَ سَبِيلا) يقول: وساء طريق الزنا
طريقا، لأن طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقا يورد صاحبه نار
جهنم ([3]).
ولا
تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي لا تقعوا فيه، إنه كان فعلا بالغ القبح، وبئس الطريق
طريقه([4]).
حرم الله الفواحش: ﴿قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأعراف:
33]، أي قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنما حَرَّم الله القبائح من
الأعمال، ما كان منها ظاهرًا، وما كان خفيًّا، وحَرَّم المعاصي كلها.
وقال تعالى:{ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (النحل:90)، أي
وينهى عن كل ما قَبُحَ قولا أو عملا وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر
والمعاصي، وعن ظلم الناس والتعدي عليهم، والله -بهذا الأمر وهذا النهي- يَعِظكم
ويذكِّركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها ([5]).
هم العادون: قال تعالى: { وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) } (سورة
المعارج)
والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما
حرَّم الله عليهم، إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين، فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فأولئك هم
المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
فعل
خبيث: أوضح ابن القيّم- رحمه الله تعالى-
مدى خبث الزّنا واللّواطة فقال: «وسم الله سبحانه الشّرك والزّنا واللّواطة
بالنّجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذّنوب، وإن كانت جميعا تشتمل على ذلك، لكنّ
الله- عزّ وجلّ- خصّ هذه الذّنوب لغلظها فقال ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة/ 28) وقال في حقّ اللّواطة (وَلُوطاً
آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ
تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) (الأنبياء/
74) كما ذكر عن اللّوطيّة أنفسهم أنّهم نفوا عن أنفسهم الطّهارة فقال (أَخْرِجُوا
آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف/ 82)
.
وأمّا
الزّناة فجاء وصفهم صريحا فقال تعالى (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) (النور/ 26) والمقصود الآن بيان ما في
الزّنا واللّواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذّنوب ما دون الشّرك، وذلك
لأنّها تفسد القلب وتضعف توحيده جدّا. ولهذا كان أحظى النّاس بهذه النّجاسة أكثرهم
شركا، فكلّما كان الشّرك في العبد أغلب كانت هذه النّجاسة والخبائث فيه أكثر
وكلّما كان العبد أعظم إخلاصا كان منها أبعد، فليس في الذّنوب أفسد للقلب والدّين
من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصّيّة في إبعاد القلب من الله فإذا انصبغ القلب بهما
بعد من الله الطّيّب الّذي لا يصعد إليه إلّا الطّيّب ([6])
قال الإمام ابن حجر: عدّ الزّنا
من الكبائر هو ما أجمعوا عليه واختلف في أيّهما أشنع وأقبح، هل القتل أو الزّنا؟
والصّحيح أنّ الّذي يلي الشّرك في الكبائر هو القتل (أي قتل النّفس الّتي حرّم
الله إلّا بالحقّ) ثمّ الزّنا، وأفحش أنواعه الزّنا بحليلة الجار، والزّنا أكبر
إثما من اللّواط، لأنّ الشّهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضّرر
بكثرته، ولما يترتّب عليه من اختلاط الأنساب، وبعض الزّنا أغلظ من بعض، فالزّنا
بحليلة الجار، أو بذات الرّحم، أو بأجنبيّة في شهر رمضان، أو في البلد الحرام،
فاحشة مشينة، وأمّا ما دون الزّنا الموجب للحدّ فإنّه من الصّغائر إلّا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن
يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبيّة على سبيل القهر والإكراه([7])
مراتب
القبح في الزنا: قال ابن حجر: الزّنا له مراتب
(متفاوتة) فهو بأجنبيّة لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبيّة لها زوج، وأعظم منه
بمحرم، وزنا الثّيّب أقبح من البكر بدليل اختلاف حدّيهما، وزنا الشّيخ لكمال عقله
أقبح من زنا الشّابّ، وزنا الحرّ والعالم لكمالهما أقبح من زنا العبد والجاهل ([8]).
زيادة حرمته مع الجار: عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:
سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أصحابه عن الزنى؟ قَالُوا: حرامٌ؛
حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ: " لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ
بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ
" وَسَأَلَهُمْ عَنِ السرقة؟ قالوا: حرام؛ حرمه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَرَسُولُهُ. فَقَالَ: " لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أبياتٍ،
أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ" ([9]).
من أعظم الذنوب: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ
عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ:
إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ
تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ
حَلِيلَةَ جَارِكَ» ([10])
(أعظم) أكثر إثما وعقابا. (ندا) شريكا والند المثل والنظير. (أن يطعم معك) أن يأكل
معك وهو عنوان شدة البخل المتنافي مع الإيمان إلى جانب الإخلال باعتقاد أن الله
تعالى هو الرزاق مع فظاعة قتل النفس بغير حق وكلها آثام تستحق العقاب الشديد.
(تزاني) تزني فيها برضاها وهذا يدل على أنه سلك معها مسالك الخداع حتى أغراها به وأفسد
على زوجها فراشه واستقراره. (حليلة) زوجة سميت بذلك لأنها تحل له.
حرمة اكراههن على الزنا: عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ
جَارِيَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا: مُسَيْكَةُ،
وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا: أُمَيْمَةُ، فَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا،
فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ
اللهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33]
إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] "
([11])
من علامات الساعة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ،
وَيَظْهَرَ الزِّنَا " ([12])
(أشراط) علامات جمع شرط. (يرفع العلم) يفقد يموت
حملته. (يشرب الخمر) يكثر شربه وينتشر. (يظهر الزنا) يفشو في المجتمعات والزنا هو الوطء
من غير عقد الزواج المشروع.
نصيب ابن آدم من الزنا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ
مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا
النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ
الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا،
وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» ([13])
بايع المسلمون رسول الله ﷺ على تركه: عَنَّ عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ
النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ
لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ
تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي
الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ
سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ
عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ([14])
(شهد
بدرا) حضر غزوة بدر. (النقباء) جمع نقيب وهو عريف القوم وناظرهم والمراد الذين اختارهم
الأوس والخزرج نقباء عليهم بطلب من النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على ذلك (ليلة
العقبة) الليلة التي بايع فيها صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا من الأوس والخزرج
على النصرة وهي بيعة العقبة الثانية وكان ذلك عند جمرة العقبة بمنى والعقبة من
الشيء الموضع المرتفع منه. (عصابة) الجماعة من الناس وهم ما بين العشرة إلى
الأربعين. (بايعوني) عاهدوني. (بهتان) كذب فظيع يدهش سامعه. (تفترونه) تختلقونه.
(بين أيديكم وأرجلكم) من عند أنفسكم. (ولا تعصوا في معروف) لا تخالفوا في أمر لم
ينه عنه الشرع. (وفى) ثبت على العهد. (أصاب من ذلم شيئا) وقع في مخالفة مما ذكر.
(فعوقب) نفذت عليه عقوبته من حد أو غيره. (ستره الله) لم يصل أمره إلى الفضاء.
عقوبة ارتكاب الزنا في
الدنيا: قال
تعالى:{ الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ
مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ
ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} سورة النور
الزانية
والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط، وثبت في
السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو
تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر
العقوبةَ عدد من المؤمنين; تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا، وثبت للزاني المتزوج
الرجم حتى الموت وكذلك للزانية كما حدث في قصة ماعز والغامدية رضي الله عنهما.
ثم بين بين
سبحانه أن الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى،
والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون
والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح
على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب ([15]).
لا يكلمهم الله يوم القيامة: عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ
- قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ " ([16]) (وعائل) العائل هو الفقير.
الوعيد الشديد يوم القيامة: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ
عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» قَالَ:
فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: «مَا شَاءَ اللَّهُ» فَسَأَلَنَا
يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لاَ، قَالَ:
«لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي،
فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ،.......... قَالاَ: انْطَلِقْ
فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ
وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ
أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ
عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ،.............. وَالَّذِي
رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ،..... ) ([17])
(فهم
الزناة) قال في الفتح مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن
يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب لهم من تحتهم كون
جنايتهم من أعضائهم السفلى.
قال
الذّهبيّ- رحمه الله- ورد في الزّبور مكتوبا: إنّ الزّناة معلّقون بفروجهم في
النّار يضربون عليها بسياط من حديد، فإذا استغاث من الضّرب نادته الزّبانية: أين
كان هذا الصّوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب الله تعالى ولا تستحي منه؟» ([18])
الوعيد بالعذاب في الدنيا: أَبُو
مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ،
يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ
أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ،
يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا
غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً
وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " ([19])
(الحر) الفرج وأصله الحرح والمعنى أنهم يستحلون
الزنا، (المعازف) آلات اللهو، (علم) جبل أو هو رأس الجبل، (يروح عليهم) أي راعيهم،
(بسارحة) بغنم، (فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل، (يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على
رؤوسهم، (يمسخ) يغير خلقتهم، (قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة ويقع
في آخر الزمان ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم.
ثانيًا: قصص ونماذج
سيدنا ماعز بن مالك والغامدية رضي الله عنهما: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: { جَاءَ
مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ
إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
طَهِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ
فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ:
«فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟» فَقَالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ:
«أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ،
قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَزَنَيْتَ؟» فَقَالَ:
نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ:
لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ
أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ:
فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا
لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ»، قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً
لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ»، قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ
غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكِ
ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ» فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ
تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟» قَالَتْ:
إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَ: «آنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا:
«حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ»، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى
وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ
وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ»، فَقَالَ: «إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا
لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ
رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا } ([20])
(ويحك) قال في النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة
لا يستحقها، (فاستنكهه) أي شم رائحة فمه طلب نكهته بشم فمه والنكهة رائحة الفم، (غامد)
بطن من جهينة، (إنها حبلى من الزنى) أرات إني حبلى من الزنى فعبرت عن نفسها بالغيبة، (فكفلها
رجل من الأنصار) أي قام بمؤنتها ومصالحها وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان
لأن هذا لا يجوز في الحدود التي لله تعالى، (إلى رضاعه) إنما قاله
بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفايته وتربيته وسماه رضاعا مجازا]
جريح العابد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا
ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً،
فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ
فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ،
فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ:
يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ،
فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ:
يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ،
فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ،
فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ
بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ
لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا
كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ
عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ
فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا
شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ:
أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ،
فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ:
يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى
جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ
صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ،
فَفَعَلُوا........) ([21]) ، المومسات:
الزوانى والمجاهرات بالزنا، أمكنته من نفسها: استجابت لرغبته فجامعها، البغىّ:
الفاجرة، يتمسحون به:
يتقربون منه يلتمسون البركة.
عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: أَنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُرِيدُ الصَّلَاةَ
فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فَتَجَلَّلَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا فَصَاحَتْ
وَانْطَلَقَ وَمَرَّتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إِنَّ ذَلِكَ
الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا فَأَخَذُوا الرَّجُلَ فَأَتَوْا بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي فَقَدْ
غَفَرَ اللَّهُ لَكِ» وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا: «ارْجُمُوهُ»
وَقَالَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَقُبِلَ
مِنْهُمْ» ([22])
هكذا تعلمت الزنا: يقول أحد الشباب: هذه قصة واقعية عن شاب لم
يتجاوز الخمسة والعشرين سنه اسردها للعبرة والعظة وليس من باب الغيبة والفضيحة
اسردها حتى يفكر العاقل بحالة امتنا اليوم، تدور أحداث هذه القصة أن شاباً تعرفت
عليه في السيارة مع أحد الأصدقاء وكانت رحلتنا تستغرق 3 ساعات والذي أثارني وجعل
جعبتي تمتلئ هو أن في كل خمس دقائق يرن هاتف الشخص وكنت توقعت أن المتصلين كلهن
بنات بعدها نزعت وجه الخجل، وقلت له: آخي الفاضل ممكن نتكلم عن حياتك بعض الوقت
فلم يمانع بداً يسرد مغامرات في الحياة وكان اغلبها قصص غرامية مع الفتيات يقول لي
تعرفت على كل جنسيات العالم ، قلت له وما نهاية الأمر قال بكل جرأة ووقاحه: الزنا
الزنا. هنا توقفت برهة بسيطة، فسألني لم سكت يا.............؟ سألته متى أول مره
زنيت ؟ هنا نظرت في وجهه ورايته تغير الوجه ودمعت العين فأحسست ان وراء هذه
لانفعالات أمرا جلل، قلت له اذا كان السؤال محرج فلا داعي للاجا به، قال لا بصوت مسموع
هز أجزاء السيارة.
بداء
يسرد القصة وهو يبكي وأنا وصاحبي مستغربين من هذا الأمر، قال يوم كان عمري 10 سنه
كنت أعيش في غرفه مع الخادمة وفي ليلة من الليالي أحسست بأنها تقترب مني وانا لا
ادرك ماذا تفعل حين ذاك وفي كل ليله وربما تكذبوني لو قلت لكم استمرت معي 4 سنوات
بعدها فقهت الأمر وفي كل ليله كانت تأتي بخادمه من خدم الجيران بعدها أصبحت ذئب
بشري لا يعرف الرحمة كنت لا اترك يوما الا وزنيت فيه - وهو يبكي - قال بصوت مسموع :
نعم هكذا تعلمت الزنا تعلمته من خادمه خادمه خادمه، هنا انا وصديقي اجهشنا في
البكاء، أصبحت السيارة ميتم قلت له ابتعد عن الزنا قال كيف كيف كيف؟ ارجوك ساعدني
ساعدني قلت له عليك بالدعاء والالتزام الحق وتذكر النار وتذكر الجنة والحور العين
واوصيته بالزاج، هنا أخي الفاضل انظر الى هذه القصة وتدبر وانظر كيف ضيع الخدم هذا
الشاب.
اللهم
اسالك الهداية اللهم ارحمنا وثبتنا على الحق................انتهى كلامي يرحمكم
الله.
ثالثًا: وسائل لتجُنب الوقوع في الزنا
الإيمان
بالله حق الإيمان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا
يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ
يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» ([23]) ، (والتوبة
معروضة بعد) قد أجمع العلماء على قبول التوبة ما لم يغرغر وللتوبة ثلاثة أركان أن
يقلع عن المعصية ويندم على فعلها ويعزم أن لا يعود إليها.
وقال
أبو هريرة- رضي الله عنه:- «من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع
الإنسان القميص من رأسه» ([24])
الحياء من الله تعالى: قال
خويلد بن نوفل الكلابيّ يعيب على الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ، وكان إذا أعجبته
امرأة من بني قيس اغتصبها:
يا أيّها الملك المخوف أما ترى ... ليلا وصبحا كيف يختلفان؟
هل تستطيع الشّمس أن تأتي بها ... ليلا وهل لك بالمليك يدان؟
يا حار إنّك ميّت ومحاسب ... واعلم
بأنّ كما تدين تدان ([25])
اخشى من الحساب يوم القيامة: قال تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 281).
تأكد ان الله لا يخفى عليه شيء: قال تعالى) : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) سورة
غافر / 19
.
غض
البصر: قال تعالى: { قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } سورة النور
هَذَا
أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ عَمَّا حَرَّمَ عليهم، فلا ينظروا إلاّ لما أباح لهم النظر إليه،
وأن يغمضوا أَبْصَارَهُمْ عَنِ الْمَحَارِمِ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ
الْبَصَرُ عَلَى مَحْرَمٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلْيَصْرِفْ بصره عنه سريعاً، كما
روي عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (
سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ
فَأَمَرَنِي أَنْ أصرف بصري) ([26]) . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ
النَّظْرَةَ، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة» ([27]) ، وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ
دَاعِيَةً إِلَى فَسَادِ الْقَلْبِ، لذلك أَمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ،
كَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الأبصار التي هي بواعث لذلك، فقال تعالى: {قُلْ
لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} وحفظ
الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الآية، وَتَارَةً يَكُونُ بِحِفْظِهِ مِنَ النَّظَرِ
إِلَيْهِ، {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أَيْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَنْقَى
لِدِينِهِمْ، كَمَا قِيلَ: مَنْ حَفِظَ بَصَرَهُ أَوْرَثَهُ الله نوراً في بصيرته.
وقَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} أَيْ عَمَّا
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنَ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ؛
وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْمَرْأَةِ النظر إلى الرجال الْأَجَانِبِ بِشَهْوَةٍ وَلَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ
أَصْلًا {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ
الْفَوَاحِشِ؛ وقال قتادة: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ؛ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَنِ
الزنا؛ {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ لَا
يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ إلا ما لا يمكن إخفاؤه ([28])
لا تتبعوا خطوات الشيطان:
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ
اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } )النور: 21(
النهي عن
السّفاح والمخادنة([29]): لقد نهى الدّين
الإسلاميّ الحنيف عن كلّ أنواع الزّنا، سرّا كان أو جهرا، وسواء كان احترافا أو
مجرّد نزوة، من حرّة أو من أمة، من مسلمة أو غير مسلمة، كما نهى أيضا عن الخطوات
الّتي تسبقه وتؤدّي إليه من نحو المخادنة والمصادقة، وقد سوّى في ذلك بين الرّجال
والنّساء، فقال تعالى: (غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (المائدة/
5) ، وقال عزّ من قائل: (غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) (النساء/
25) ، وقد عدّ العلماء كلا الأمرين أي السّفاح والمخادنة من الزّنا المحرّم.
يقول النّيسابوريّ: السّفاح: هو
الزّنا على سبيل الإعلان، والمخادنة: هي اتّخاذ خدن (أي خليل أو صديق) على سبيل
الإسرار.
وقال الطّبريّ: غير مسافحين: أي
غير معالنين بالسّفاح (الزّنا) بكلّ فاجرة ولا متّخذي أخدان أي ولا منفردين ببغيّ
واحدة، ومعنى خادنها: اتّخذها لنفسه صديقة ليفجُر بها، وذات الخدن: أي ذات الخليل
الواحد ([30]) .
وقال القرطبيّ: غير مسافحات: أي
غير معلنات بالزّنا، لا أنّ الجاهليّة كان فيهم الزّواني في العلانية ولهنّ رايات
منصوبة كراية البيطار، وذوات الأخدان هنّ اللّائي يتّخذن أصدقاء على الفاحشة.
وكانت العرب تعيب الإعلان بالزّنا
ولا تعيب اتّخاذ الأخدان، ثمّ رفع الإسلام جميع ذلك.
وقال ابن كثير فيقوله تعالى: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا
مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (سورة المائدة) كما شرط الإحصان في النّساء وهي
العفّة عن الزّنا، كذلك شرطها في الرّجال، وهو أن يكون الرّجل محصنا عفيفا، ولذلك
قال: غَيْرَ مُسافِحِينَ وهم الزّناة الّذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردّون
أنفسهم عمّن جاءهم، ولا متّخذي أخدان: أي ذوي العشيقات الّذين لا يفعلون إلّا معهم
([31])
التفريق بين الأبناء في المضاجع: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا
أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ
عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنِين وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي
الْمَضَاجِعِ» ([32])
وهذا أمر مهم قد غفل عنه الكثير
من الآباء وهو أن يفرق بين الأخ وأخته بمجرد وصول سن أحدهما إلى عشر سنوات حتى
نأمن الفتنة ولا نكون نحن سبب في وقوعهما في ما لا يحمد عقباه
وإذا كان هذا بين الأبناء، فكيف
نترك الابن ينام مع بنت عمته او خاله، أو نتركهما سويا يلعبان دون مراقبة ومتابعة
لما يحدث بينهما.........
النهي عن الخلوة بالأجنبية: عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ
ثالثهما الشَّيْطَان» ([33])
منع دخول غير المحارم على النساء: عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: «الحَمْوُ
المَوْتُ» ([34]) (إياكم والدخول على النساء) احذروا من الدخول على
النساء غير المحارم ومنع الدخول يستلزم منع الخلوة من باب أولى. (أفرأيت الحمو)
أخبرني عن دخول الحمو على المرأة والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم كالأخ
والعم والخال وأبنائهم. (الحمو الموت) لقاؤه الهلاك لأن دخوله أخطر من دخول
الأجنبي وأقرب إلى وقوع الجريمة لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه
والخلوة بها فيدخل بدون نكير فيكون الشر منه أكثر والفتنة به أمكن.
خروج
المرأة مع محرم للحج والسفر وقضاء حوائجها: عَنْ أَبِي
مَعْبَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ
إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي
مَحْرَمٍ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي
خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ:
«انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» ([35])
نهى عن تعطر المرأة لفتنة الرجال: عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها
فهي زانية» ([36])
مراقبة الأجهزة الحديثة: مثل الهاتف والحاسب وغيرها فهي تسهل كثيرا الوقوع
في الحرام والنظر إلي المحرمات مما يؤدي بدوره إلى الوقوع في الزنا.
الحرص على الزواج: عَنْ
عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ
لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ
بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ([37]) (العزوبة) العزب من لا زوج له والعزبة من لا زوج لها أي خاف أن يقع في
الزنا لعدم الزواج وبعده عنه. (الباءة) هي في اللغة الجماع والتقدير من استطاع
منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح وقيل المراد بالباءة هنا مؤن الزواج. (أغض
للبصر) أدعى إلى غض البصر. (أحصن للفرج) أدعى إلى إحصان الفرج أي حفظه من الزنا.
(وجاء) قاطع للشهوة.
الموعظة بالحسنى: عن أبي أمامة، إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
ائْذَنْ لي بالزنا، فأقبل عليه القوم فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ:
«ادْنُهْ» ، فَدَنَا منه قريباً، فقال: «اجلس» فجلس، فقال: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟
" قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ» ، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: «وَلَا
النَّاسُ يحبونه لبناتهم» ، قال: «أفتحبه لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ»
، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ
فِدَاكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ» ، قَالَ:
«أَفَتُحِبُّهُ خالتك؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ:
«وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ» ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ
وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وأحصن فَرْجَهُ» ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ
الْفَتَى يلتفت إلى شيء ([38])
تأكد انه
كما تدين تدان: إن انحراف بعض
الرجال، وخيانتهم لزوجاتهم بمعاشرة النساء الأجنبيات على غير الوجه الشرعي، فيكون
هذا مدعاة لأن تقابل الزوجة زوجها بمثل ما قابلها به، وفي هذا يقول الشافعي رحمه الله:
يا هاتكًا حرم الرجال وقاطعًا ** سبل المودة عشت غير مكرمِ
لو كنت حُرًا من سلالة
ماجد ** ما كنت هتاكًا لحرمة مسلمِ
من يزن في قوم بألفي درهم ** يزن في أهل بيته ولو بالدرهمِ
إن الزنا دَيْنٌ فإن أقرضته ** كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ
وهذا الزوج الفاسق هو الذي سن هذه
السيئة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان له وزرها، ووزر من عمل بها من بعده إلى
يوم القيامة.
رابعًا: من مضار الزنا ([39]):
(1) الزّنا يجمع خلال الشّرّ
كلّها من قلّة الدّين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلّة الغيرة.
(2) في الزّنا غضب الرّبّ تبارك
وتعالى بانتهاك حرمه وإفساد خلقه.
(3) من أضرار الزّنا خبث النّفس
وإذهاب الحياء ورفع الحشمة.
(4) سواد وجه الزّاني وظلمته وما
يعلوه من الكآبة والمقت الّذي يبدو عليه للنّاظرين.
(5) ظلمة القلب وطمس نوره.
(6) الفقر اللّازم لأنّ الله- عزّ
وجلّ- مفقر الزّناة.
(7) الزّنا يذهب حرمة فاعله
ويعرّضه للحدّ في الدّنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
(8) الزّنا يسلب الزّاني أحسن
الأسماء، وهي العفّة والبرّ والأمانة، ويعطيه أضدادها كالفاجر والفاسق والزّاني
والخائن.
(9) يفارق الزّاني وصف «الطّيّب»
الّذي يتّسم به أهل العفاف، ويتبدّل به الخبث الّذي يتّصف به الزّناة، وقد حرّم
الله الجنّة على كلّ خبيث وجعلها مأوى للطّيّبين «4» .
(10) من أضرار الزّنا على المجتمع
اختلاط الأنساب واشتباهها ويؤدّي إلى ضيق في الأرزاق وخراب في الدّيار، وإيقاع
الوحشة بين أبناء المجتمع.
(11) يسبّب الزّنا ظهور أمراض
وبلايا لا يعلمها إلّا الله عزّ وجلّ- ومنها مرض فقد المناعة (الإيدز) الّذي شاع
في المجتمعات الفاجرة هذه الأيّام.
(12) في زنا الزّاني جناية على
ذرّيّته بجلب العار والخزي لهم من ناحية، وتعريضهم- إلّا من رحم الله- لمثل هذه
الفعلة الشّائنة من ناحية أخرى.
خامسًا: هل من توبة
توبوا إلى الله قبل فوات الأوان: قال
تعالى:{ وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ
يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) } سورة الفرقان.
قال ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا
مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ
أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي
تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا
كَفَّارَةٌ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}
الآية، ونزلت: {قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسَهُمْ} الآية. وقوله
تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: أَثَامًا: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
{يَلْقَ أَثَاماً} أودية في جهنم يعذب فيها الزناة، وَقَالَ قَتادَةُ {يَلْقَ
أَثَاماً} : نَكَالًا، كُنَّا نُحَدِّثُ أنه واد في جهنم، وَقَالَ السُّدِّيُّ
{يَلْقَ أَثَاماً} جَزَاءً، وَهَذَا أَشْبَهُ بظاهر الآية وبهذا فَسَّرَهُ بِمَا
بَعْدَهُ مُبَدَّلًا مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يوم
القيامة} أي يقرر عَلَيْهِ وَيُغْلَّظُ {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} أَيْ حَقِيرًا
ذليلاً، وقوله تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} أَيْ
جَزَاؤُهُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْقَبِيحَةِ مَا ذُكِرَ
{إِلاَّ مَن تَابَ} أي في الدنيا إلى الله عزَّ وجلَّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنَّ
اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ تَوْبَةِ
الْقَاتِلِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ آيَةِ النِّسَاءِ {وَمَن
يَقْتُلْ مُؤْمِناً متعمدا} الآية، فإن هذه وإن كانت مدينة، إِلَّا أَنَّهَا
مُطْلَقَةٌ، فَتُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَمْ يتب.
وقوله
تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً} . فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ} قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ بُدِّلُوا مَكَانَ عمل السيئات بعمل
الحسنات، وقال سعيد بن جبير: أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم
بقتال المسلمين قتال المشركين، وَأَبْدَلَهُمْ بِنِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ نِكَاحَ
الْمُؤْمِنَاتِ، وَقَالَ الْحَسَنُ البصري: أبدلهم الله بالعمل السيء الْعَمَلَ
الصَّالِحَ، وَأَبْدَلَهُمْ بِالشِّرْكِ إِخْلَاصًا، وَأَبْدَلَهُمْ بِالْفُجُورِ
إحصاناً، وبالكفر إسلاماً،
(وَالْقَوْلُ
الثَّانِي) : أَنَّ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ الْمَاضِيَةَ تَنْقَلِبُ بنفس التوبة
النصوح حسنات، كَمَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَصَحَّتْ بِهِ الْآثَارُ
المروية عن السلف رَّضِيَ الله عَنْهُمْ. فعن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي
لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، وَآخِرَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ دُخُولًا إِلَى الْجَنَّةِ، يُؤْتَى برجل فيقول: نحوّا عنه كِبَارَ ذُنُوبِهِ
وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا، قَالَ فَيُقَالُ له: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت
يوم كذا، كذا وكذا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا، فَيُقَالُ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أراها ههنا" قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه" ([40]) ، وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ} قَالَ: فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ مكحول: يغفرها لهم فيجعلها حسنات، قال
ابن أبي حاتم. ([41])
، وقال تعالى:{ ا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ
عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ
وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ
بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
} سورة الممتحنة.
يا أيها
النبي إذا جاءك النساء المؤمنات بالله ورسوله يعاهدنك على ألا يجعلن مع الله
شريكًا في عبادته، ولا يسرقن شيئًا، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن بعد الولادة أو
قبلها، ولا يُلحقن بأزواجهن أولادًا ليسوا منهم، ولا يخالفنك في معروف تأمرهن به،
فعاهدهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله. إن الله غفور لذنوب عباده التائبين،
رحيم بهم ([42]).
غفران
الله لسائر الذنوب: حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا
يُحَدِّثُ قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هَرِمٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى
عَيْنَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَدَرَ وَفَجَرَ وَلَمْ يَدَعْ
حَاجَةً وَلَا داجة إلاّ اقتطفها بِيَمِينِهِ، لَوْ قُسِّمَتْ خَطِيئَتُهُ بَيْنَ
أَهْلِ الْأَرْضِ لأوبقتهم فهل له من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أأسلمت؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شريكك لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ اللَّهَ غَافِرٌ لَكَ مَا
كُنْتَ كَذَلِكَ وَمُبْدِّلٌ سَيِّئَاتِكَ حَسَنَاتٍ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَغَدَرَاتِي وفَجَرَاتِي؟ فَقَالَ: «وغدراتك وفجراتك» ، فولى الرجل يكبر
ويهلل ([43])
غفران الله لبغي من
البغايا: عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ
العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ
مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» ([44]) (بغي) زانية. (موقها) ما يلبس فوق الخف. (فغفر
لها) ما سبق منها من الزنا. (به) بسبب سقيها له.