الوفاء بالحقوق وتحري الحلال د. محمد عامر





العناصر
1- المقدمة
2- دواوين العباد .
3- قصة النبي مع أعرابي يطالبه بحقه .
4- حقوق الحيوان .
5- قصة أبو بصير رضي الله عنه .
6- قصة الرجل والألف دينار .
7- القرآن يأمرنا بتحري الحلال .
8- أبو بكر واللقمة الحرام .
9- سالم بن عبدالله وهشام بن عبدالملك
10- الحرام حرام ولو كان عودا من سواك .
11- علي بن أبي طالب وسارق اللجام .

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين

أما بعد


أولاً -- الوفـــاء بالحقوق

ايها الإخوة الكرام : خلق الله جل جلاله الخلق فجعل عليهم حقا أعظم وهو حق عبادته وحده لاشريك له { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ )
ثم جعل الله تعالى للعباد حقوق لبعضهم على بعض وبين النبي صل الله عليه وآله وسلم عظم هذه الحقوق ووجوب الإلتزام بها ,وأن العبد سيسأل يوم القيامة عنها , فإن الدواوين في يوم القيامة تكون ثلاثه -يعني- الأعمال التي تسجل فيها اعمال العباد
والدواوين التي ترصد فيها أفعالهم ثلاثة :
اما الديوان الأول فلا يغفر الله تعالى منه شيئا -وهو الشرك بالله , {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )

واما الديوان الثاني: فإن الله تعالى لا يعبأ به شيئا
يعني - هو داخل تحت المغفره وهو مابين العبد وبين ربه من التي ليس فيها ظلم للعباد .

واما الديوان الثالث: فهو الذي فيه حقوق العباد لبعضهم على بعض
إذا قصروا فيها كما في حق الزوجة على زوجها أو في حقه عليها إذا قصر فيه حُوسب عنه يوم القيامة , أو في حق الوالد على ولده , أو في حق الوالد على ابيه إذا قصر فيه كان ديوان يحاسب عليه يوم القيامة , أو في حق الجار على جاره

-ولقد بين النبي صلا لله عليه وآله وسلم انه يجب علينا أن نقف مع صاحب الحق حتى نستخرج له حقه

قصة النبي مع الأعرابي
_________________

ففي الحديث الصحيح أن النبي صل الله عليه وسلم استدان من اعرابي شيئا ثم اقبل الأعرابي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يتقاضاه ولم يكون النبي صل الله عليه وسلم يستطيع قضاءه الآن فالمال ليس حاضرا بين يديه فأشتد ذلك الأعرابي في الكلام , وجعل يتكلم على قريش , وعلى عدم وفائهم بالعهود

فقام بعض الصحابة إلى هذا الأعرابي فقالوا له : ويحك اتدري مع من تتكلم أتدري مع من تتحدث
فقال عليه الصلاة والسلام : هلا مع صاحب الحق كنتم , انما يطالب الرجل بحقه وقد حانت ساعة الوفاء ولم أجد ,هلا مع صاحب الحق كنتم , ثم بعث النبي صل الله عليه وسلم إلى فاطمة بنت قيس رضي الله عنها
قال إن كان عندك شيء من تمر فأقرضينا , قالت : نعم بأبي انت وأمي يارسول الله ثم بعثت إلى النبي صل الله عليه وسلم تمرا فأخذ النبي صل الله عليه وسلم يزن لذلك الأعرابي ثم زاده ودفعه اليه وقال ) خيركم أحسنكم قضاء( ثم التفت صل الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال لهم :
( لا قدست أمة لا يعطي الضعيف فيها حقه غير متعتع )
أي أن يأخذ حقه وهو صارم , وهو جازم , وهو واثق أن الناس سوف يستخرجون حقه معه
لا قدست أمه لا يأخذ ضعيفها من قويها , حقه غير متردد

كما أمرنا ربنا جل وعلا أن يوفي الناس بالحقوق, وأن يوفوا بالعقود ومدح ربنا نفسه فقال
(ومن اوفا بعهده من الله } وامر الله تعالى المؤمنين فقال) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)

,إذا كان بينك وبين شخصا عقداً يتعلق بدين فأوف به , إذا كان يتعلق بوظيفة فأوف به , إذا كان يتعلق بينك وبين امرأة بزواج فأوفوا به إن الله جل وعلا يحاسب العباد يوم القيامة على ما اوفوا به من عقود أو على ما قصروا , قال النبي صل الله عليه وسلم ) ثلاثةٌ أنا خَصمُهمْ يومَ القيامَةِ : رجلٌ أعطى بي ثمَّ غدر , ورجل باع حُرَّا فأكل ثمنَهُ ، ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطِهِ أجرَهُ )

ولما كان اسماعيل عليه السلام يعد الناس فكان يوفي بالحقوق فمدحه ربنا جل وعلا
فقال تعالى { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ )
كان إذا وعد احداً أن تعطيه مالاً أو أن يوفيه مالاً أو أن يعمل له كذا واوفى بالحق
وقضى فمدحه الله فقال الله جل وعلا ) إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ (

وقد ذكر أن اسماعيل عليه السلام واعد شخصا في مكان فتأخر عنه ذلك الرجل , فقيل لإسماعيل لو عدت إلى بيتك قال لا لعل له عذرا , قال : فلبث في مكانه ثلاثة ايام حتى لا يكون اخلف الوعد

- فهي رسالة إلا بعض الناس اليوم ممن لا يعبؤون بالناس اليوم في مثل ذلك

ديننا يأمرنا بحفظ حقوق الحيوان
____________________

واخبر الرسول صل الله عليه وسلم اخبر أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها قصرت في الهرة في الطعام والشراب فأدخلها الله تعالى النار في هرة حبستها لاهي اطعمتها حبستها لاتأكل من خشاش الأرض
هذه ايها المسلمون لما قصرت في حق حيوان حسبها الله تعالى على ذلك فما بالكم بمن يقصر في حق انسان وعده وكتب بينه وبين عقدا وعاهده

وقد كان الرسول صل الله عليه وسلم اوفى الناس في الحقوق مع الناس ولا يعد عليه الصلاة والسلام بشيء أو يجعل بينه وبين احد عقد وفاء عليه الصلاة والسلام

قصة أبو بصير
__________

لما كتب عليه الصلاة والسلام صلح الحديبيه
وكان من بنود الصلح أن من جاءك من المسلمين الذين في مكة مهاجرا إلى المدينه فلا تقبله واما من ارتد من المسلمين في المدينه وذهب إلى مكة مستنصرا بالكافرين فإنه يقبل , ووافق النبي صل الله عليه وسلم على هذا العقل ثقة في ايمان اصحابه الذين يبقون في مكة وفي ثباته على الدين ورغبه عن من يريد أن يرتد فهو لا يحتاج اليه
(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )

وبعدها بأيام يجيء رجل من مكة إلى المدينة كان يعذب عذابا شديدا يفتن في دينه صباحا ومساء فأقبل إلى المدينه وإذا به يقف بين يدي النبي صل الله عليه وسلم قال : أنا فتنت في ديني ويريدون أن يعيدونني إلى عبادة الأصنام يارسول الله ضمني اليكم في المدينه يارسول الله اقبلني , لايوجد مجموعة اسلاميه في الكون إلا انتم يارسول الله اقبلني وهو أبو بصير رضي الله عنه رفع النبي صل الله عليه وسلم بصره اليه
وقال : إن بيننا وبين القوم عهداً بينه وبين الكافرين عهداً ومع ذلك يلتزم به
قال: إن بيننا وبين قومنا عهداً , قال: يارسول الله ارجع افتن في ديني فسكت عليه الصلاة والسلام , بيننا وبين القوم عهدا وعقد قال إن بيننا وبين القوم عهدا وعقدا
وإذا بالمشركين يرسلون رجلين إلى هذا الرجل لأجل أن يرجعوه فيأمرهم عليه الصلاة والسلام بالرجوع معهمها ولما كانوا في وسط الطريق قالم هذا المسلم إلى أحد هذين الكافرين وقتله , وهرب الكافر الثاني ثم اقبل إلى النبي عليه الصلاة والسلام , قال يارسول الله اقبلني اليك ,قال ان بيني وبين القوم عهدا وعقدا , ومضى الرجل ثابتا على دينه حتى حصل له قصة بعد ذلك
فكان عليه الصلاة والسلام حريصا على أن يوفي بالعقود , وعلى أن يحفظ الحقوق
عندما يعاهد الناس عليها ,

قصة الرجل والألف دينار
______________

وإن من أعجب ما يقف عليه القارئ في الوفاء بالحقوق ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبًا يركبها يقدم للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني قد كنت تسلفت فلانًا ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت:كفى بالله كفيلاً فرضي بك، وسألني شهيدًا فقلت: كفى بالله شهيدًا فرضي بذلك، وإني جهدتُ أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدًا من طلب مركب لآتيك فيه، قال: هل كنت بعثت إليِّ بشيء؟! قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدًا.
وهكذا عندما يصدق الرجل في عهده ووفائه، وهكذا عندما يهم الإنسان بدينه وعهده ليقضيه ولا يلتمس أعذارًا، وهكذا حينما تكون النفس عفيفة لا تأخذ إلا مالها، وكان بإمكان المسلف أن يأخذ ما أتاه به.
عباد الله: اصدقوا مع الله واصدقوا مع الخلق وأوفوا ما عاهدتم به، وراقبوا ربكم بما بينكم وبينه.

ثانياً " تحري الحلال والحرام
________________

قال الله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين )، فتلا هاتين الآيتين الكريمتين، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنا يستجاب لذلك.
وجاء في الحديث: ( كل جسم نبت من السحت فالنار أولى به
وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وما نص الله على أنه حرام، فإنه حرامٌ قطعاً كالميتة، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ.. الخ ))، وقال: (وَحَرَّمَ الرِّبَا)
وحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرشوة، وحرم الله جل وعلا الميسر، وهو القمار، وقرنه مع الخمر: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

عباد الله
____

لقد أوجب الشرع على المسلم أن يطلب المال من طرق الكسب الحلال والعمل المباح، حتى يستغني المرء به عن ذل السؤال للغير و ينير القلب، ومن أسباب قبول العمل الصالح وإجابة الدعاء.

أما الكسب الخبيث فإنه شؤم وبلاء على صاحبه، بسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء.

ففي الحديث عند الطبراني وغيره أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمدٍ بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبل منه عملٌ أربعين صباحًا، وأيما عبدٍ نبت لحمه من سحت فالنار أولى به)

ولذا كان السلف الصالح في غاية الخوف من أكل الحرام والمبالغة في التحذير منه، حتى قال بعضهم: لو قُمتَ في العبادة قيام السارية ما نفعك ذلك حتى تنظر فيما يدخل بطنك.

ابو بكر واللقمة الحرام
_______________

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام فجاء له يومًا بشيء فأكل منه، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟! فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال: تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكِهانة إلا أني خدعته، فَلقينِي فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه، وفي رواية أنه قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، اللهم إني أبرأ إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.

ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء..

وإن من العجب أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار، وما ذاك إلا لقسوة القلوب وضعف الإيمان و الدين.
فإن لم تشبع النفس وترضى بما قسم الله لها فلن يكفيها ملء الأرض ذهبا بل يكفيها ملء الكف ترابا.

سالم بن عبدالله مع هشام بن عبدالملك
____________________


انظر إلى السلف المبارك الذي جعل الله دنياهم في أيديهم ولم يجعلها في قلوبهم فهذا سالم بن عبدالله بن عمر يطوف حول الكعبة فقال له الخليفة هشام بن عبد الملك: سلني حاجتك، فقال: والله إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره. فلما خرج من المسجد قال هشام الآن خرجت من بيت الله فاسألني، فقال: من حوائج الدنيا أم الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم: ما سألتها ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها

.أقول ماتسمعون واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله على ما أعطى واجزل نحمده تبارك وتعالى حمد العارفين الشاكرين الطالبين لمزيد فضله والصلاة على إمام العارفين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله
_____

مما تساهلَ الناسُ فيه أن يقبل الموظف هدية بغرض انهاء أوراق المواطنين وان يستغل وظيفته وسلطته في ذلك أو أن يأخُذ الإنسانُ من الأموالِ العامَّة مما ليس له،. وهذا من الظُّلم العظيم الذي يجُرُّ المُجتمعَ إلى فسادٍ عريضٍ
فعن أبي حُميدٍ الساعديِّ - رضي الله عنه - قال: استعملَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجُلاً من الأسْدِ يُقالُ له "ابنُ اللُّتبيَّة" على الصدقة، فلما قدِمَ قال: هذا مالُكم وهذا لي أُهدِيَ إليَّ. فقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على المِنبَر، فحمِدَ الله وأثنَى عليه وقال: «ما بالُ عاملٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ؟! أفلا قعدَ في بيتِ أبيهِ أو في بيتِ أمِّه حتى ينظُرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والله لا يأخُذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقِّه إلا لقِيَ اللهَ يحمِلُه يوم القيامة على عُنقِه، بعيرٌ له رُغاء، أو بقرةٌ لها خُوار، أو شاةٌ تَيْعَر. ثم رفعَ يدَه حتى رأينا بياضَ إبِطَيْه يقول: «اللهم بلَّغتُ»؛ رواه البخاري ومسلم.

الحرام حرام حتى ولو كان عود سواك
_____________________

وفي الحديث عن أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة))، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيبًا من أراك)) رواه مسلم في صحيحه)
فاتقوا الله عباد الله، ولتجتنبوا ما حرم ربكم عليكم ونهاكم عنه من المكاسب الخبيثة والأموال المحرمة، ولتقنعوا بما أحل لكم من الطيبات، ففي الحلال الغنية والكفاية والسعادة في الدنيا والآخرة.

قصة علي بن أبي طالب وسارق اللجام
______________

واختم بهذه القصة قيل أن الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه دخل مسجد الكوفة يوما وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك بغلتي فأخذ الرجل لجام البغلة وتركها فخرج الإمام علي من المسجد وفي يده درهمين ليكافئ بهما الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام فركبها ومضى ثم دفع لغلامه قنبر الدرهمين ليشتري بهما لجاما جديدا للبغلة فلما ذهب قنبر إلى السوق وجد اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين فأخبر سيدنا علي بذلك فقال الإمام علي رضي الله عنه: أردنا أن نعطيه من حلال فأبى إلا أن يأخذه من حرام

عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.

هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات