الوفاء بالحقوق والالتزامات وتحري الحلال شرط أساس لقبول الطاعات للشيخ ابراهيم مراسي بركات




 الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام …وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون

يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ.. الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا )

إخوة الإسلام

يأمرنا الله تعالى في هذه الآية من كتابه العزيز بالوفاء بالعهد…والوفاء بالعهد أدب رباني حميد

وخلق نبوي كريم… وسلوك إسلامي نبيل… جعله الله صفة لأنبيائه والصالحين من عباده ..فقال تعالى في إبراهيم: ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ). وقال تعالى في إسماعيل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ). ومدح سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بقوله تعالى : ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا )..وجعل الله الوفاء بالعهد صفة لأوليائه.. فقال في أولي الألباب: ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ..وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) ..

أيها الموحدون

ولكن ..ما معنى الوفاء بالعهد ؟؟؟ فأقول …الوفاء بالعهد هو.. قيام المسلم بما التزم به…سواء أكان التزامه إيمانا وتصديقا.. أو قولاً.. أو كتابة ..أو عملا….فكل أمر ألزمت به نفسك فهو عهد ووعد .والعهد ينقسم إلى قسمين:… عهد بين الله وبين الناس….وعهد بين الناس بعضهم بعضاً..

.فأما العهود التي بين الله وبين الناس فهي كثيرة:… أولها إيمانك بالله وتصديقك لرسوله… هذا عهد يجب عيك الوفاء به …فالتزامك بدين الله.. وإتباعك لشرع الله ومنهج رسوله ..هذا عهد…قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كل ما أحل الله وما حرم.. وما فرض في القرآن فهو عهد”… فمن تهاون في أداء الصلاة أو إيتاء الزكاة أو في صوم رمضان أو أداء الحج مع القدرة فقد نكث عهده مع الله ومن تخلق بغير أخلاق المؤمنين .. فكذب إذا حدث أو خان إذا اؤتمن أو أخلف إذا وعد .. فقد نكث عهده مع الله … ومن ساءت معاملته مع العباد ..فعق والديه.. أو قطع رحمه.. أو أساء إلى جاره ..أو غش في بيعه وشرائه .. أو أضاع زوجته وأولاده .. فقد نكث عهده مع الله … ومن والى الكفار ..وعادى المؤمنين الأبرار .. وانتصر للباطل ..واخفق الحق .. فقد نكث عهده مع الله …وعلى الإجمال …فالمعرضون عن دين الله.. أولئك نكثوا عهدهم مع الله.. وتهاونوا بشرع الله… بل وأبرموا عهداً مع الشيطان. بمخالفتهم لشرع الرحمن .وكذلك.. نشر العلم وبيانه عهد… قال تعالى(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ). قال قتادة:.. هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم.. فمن تعلم علماً.. فليعلمه للناس. وإياكم وكتمان العلم . فإن كتمان العلم هلكة…. فيا سعادة عالم ناطق. ومستمع داع.. هذا تعلم علماً فبلغه. وهذا سمع خيراً فقبله. وبيع النفس والمال بالجنة عهد. قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )

إخوة الإسلام

وأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضاً؛ فهي كثيرة أيضاُ… فإذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء. يقال:. أنهما تعاهدا.. فعقد الزواج عهد لأنه التزام بين الزوج والزوجة قال صلى الله عليه وسلم: كما في البخاري(عَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ » ) .فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج. لأنه استحل بها الفرج.. فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها؛ فقد خدعها…..بل ويجب علي كل من الزوج والزوجة أن يكونا من الأوفياء في الحياة وبعد الممات.. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وفيا مع خديجة حتى بعد موتها ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتِ اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ ..عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ هَالَةَ » قَالَتْ فَغِرْتُ…فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ… قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا ) وفي رواية الإمام احمد (قَالَ « مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ »…هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيا لها حتى بعد موتها فصد ق رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
إن من أعظم المصائب التي عمت وطمت في هذا الزمان الجشع والطمع والحرص على جمع المال من كل الطريق وبكل وسيلة ممكنة بغض النظر عن كون هذه الوسيلة تجوز أو لا تجوز حلالا كانت أو حراما .
فهذا تاجر يغش الناس بسلعته وذاك موظف لا ينهض بمسئولية وظيفته والآخر يمنع أصحاب الحقوق حقوقهم مع غناه وقدرته وهذا يرتشي وذاك يسرق والآخر يلف ويدور ويكذب والرابع يغش ويحتال وينصب وذاك يتعامل بالربا وهذا يتاجر بما يفسد عقول الناس ويدمر حياتهم .
يقول الله في كتابه العظيم {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وعدده يحسب أَنَّ مَالَهُ أخلده كلا لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة وما أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} ويقول سبحانه وتعالى {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ َ}ويقول { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
إننا في زمان لم يعد بعض الناس يبالي فيه بما أكل أمن حرام أو من حلال ولا يهمه أن يغذي أهله وأولاده من الحرام أو الحلال .
إن هذا الزمان أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام؟)) رواه البخاري .
أنظر إلى أسواقنا لتسمع الأيمان الكاذبة وترى الغش الواضح وتطفيف المكيال والميزان واختلاس الأموال وبيع ما لا يجوز بيعه واللف والخداع والقمار يقول الله ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) ويقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) .
عباد الله :
إن المال الحرام والمكاسب المحرمة تقّسي القلب وتطفئ نور الإيمان وتذهب البركة وتعمي البصيرة، وتوهن الدين ، وتٌظلم الفكر، وتقعد الجوارح عن الطاعات، وتوقع المرء في حبائل الدنيا وغوائلها، وتمنع إجابة الدعاء فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له ؟
ولهذا فإن السلف رضي الله عنهم كانوا في قمة الحذر وفي غاية الخوف من أن تصل إلى أجوافهم ولو لقمة من الحرام فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأتقاهم لله يقول ((إني لأنقلب إلى أهلي فأجد الثمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)) .
وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان لا يأكل إلا من كسبه وفي يوم من الأيام جاءه غلامه بشيء فأكل منه ثم قال الغلام لإبي بكر أتدري ما هذا، فقال أبو بكر: وما هو ؟ قال: كنت تكهنت لرجل في الجاهلية فأعطاني فأدخل الصديق أصبعه في فيه وجعل يقيئ حتى ظن أن نفسه ستخرج.
ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء .
وهذه إمراءة من الصالحات تقول لزوجها اتق الله في رزقنا، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي : ((كلا، إني رأيته في النار في بردة أو عباءة غلها)) يعني أخذها من الغنيمة قبل أن تقسم .
فأنظروا يا عباد الله رجل يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يكرمه الله بالشهادة ولكن لأنه أخذ حراما _ ربما يراه بعض الناس منا يسيرا بردة أو عباءة أخذها من غنيمة شارك هو في القتال فيها ومع ذلك كله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلا، إني رأيته في النار ) فالأمر خطير جدا جداً ياعباد الله .
ألا يتق الله من يرتشي وهو يسمع حيث النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي .
ألا يتق الله بعض الباعة الذين يستغفلون الناس ويضحكون عليهم ويزينون لهم شراء أمور هم أنفسهم يعلمون أنها لا تنفع أو لا تساوي الثمن المطلوب .
ألا يتق الله من يزور الوثائق ويلعب بالعقار ويعطي الأرض الواحدة لشخصين أو أكثر .
ألا يتق الله بعض السماسرة والمقاولون الذين يتفقون مع أرباب العمل على اتفاقيات وعهود ثم لا يوفون بها أو يخالفونها .
ألا يتق الله بعض المسئولين والتجار الذين يأكلون ملئ بطونهم وينامون ملئ جفونهم والآف الأسر بل ملايين البشر يكابدون الجوع والذل والمسكنة .
ألا يتق الله بعض أصحاب المحلات الذين يبيعون أمورا منكرة لا يشك عاقل في تحريمها وإنكارها .
ألم يؤمن هؤلاء جميعا بقول الله { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} ألم يسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع)) ، وذكر منها: ((وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)) ألم يسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند ما قال في الحديث الصحيح ( فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)) ألم يسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لتؤدُن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)).
ألم يعلموا أن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً .
عباد الله
اقنعوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا إلى الله من المظالم والآثام، وأحسنوا كما أحسن الله إليكم، ويسروا على عباد الله إن يسر الله عليكم، واجعلوا أموالكم حجابا لكم من النار وأتقوا النار ولو بشق تمرة .
يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: إن الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب، وشبهتها عتاب .
يقول الله في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات