البحث عن السعادة للشيخ محمد جودة عيد




1-   حرص كل إنسان على سلامته وسعادته واستمرارها :
2-   السعادة الزائفة  :
3-   السعادة الحقيقية وجدها الأنبياء ومن تبعهم :
4-   السعادة تكون في الإقبال على الله :
5-   سبل السعادة : 
      السعادة في قراءة القرآن  :                 السعادة في الأخلاق الكريمة والإحسان إلى النّاس :
              السعادة في ترك الذنوب والتوبة :          السعادة في الصبر والقناعة بالمقسوم :                                                     
6-   سعادة أهل الجنة ونعيمهم :
الموضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
1-  حرص كل إنسان على سلامته و سعادته و استمرارها :
أيها المسلمون، لا يعرف مفقود، تواطأ الناس على البحث عنه ، والإعياء في طلبه ، وهم مع ذلك يسيرون في غير مساره ، ويلتمسونه في غير مظانه ، مثل السعادة والطمأنينة والبال الرخي ، فلله ما أقل عارفيها ! وما أقل - في أولئك العارفين- من يقدرها ويغالي بها ويعيش لها !                                                وما أكثر العواصف التي تهب علينا وتملأ آفاقنا بالغيوم المرعدة ! وكم يواجه المرء منا بما يكره ، ويحرم ما يشتهي ، وهنا يجيء دور السعادة التي تطارد الجزع ، والرضا الذي ينفي السخط .
السعادة التي تسير مع الإنسان حيث استقلت ركائبه ، وتنزل إن نزل وتدفن في قبره .
إن الحديث عن السعادة والشقاء، سيظل باقيا ما دام في الدنيا حياة وأحياء ، وإن كل إنسان على هذه البسيطة ليبحث عنها جاهداً ، ويود الوصول إليها والحصول عليها ، ولو كلفه ذلك كل ما يملك ، ألا وإن جمعا من الواهمين يعرِّفون السعادة بأنها لا حقيقة لها ، وأنها خيال يبتدعه الوهم ويكذبه الواقع .
والحق ـ عباد الله ـ ، أن هؤلاء جاهلون أو مخادعون ؛ لأنه لا يعقل البته أن يخلقنا الله ثم يريد لنا أن نشقى جميعا ، كيف ذلك ؟ والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : (طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَى) [طه:1، 2]. ويقول: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى) [طه:123].
السعادة ـ عباد الله ـ هي جنة الأحلام ، التي ينشدها كل البشر، من المثقف المتعلم في قمة تفكيره وتجريده ، إلى العامي في قاع سذاجته وبساطته ، ومن السلطان في قصره المشيد ، إلى الصعلوك في كوخه الصغير يعيش على تراب الإملاق ، ولا نحسب أحدا منهم يبحث عمدا عن الشقاء لنفسه أو يرضى بتعاستها .
2-   السعادة الزائفة :
والسعادة سعادتان : سعادة غريزية سطحية ، وسعادة قلبية إيمانية ؛ فالسعادة الغريزية هي السعادة المشهورة المتداولة بين الناس ، والتي تظهر معالمها على الإنسان بمظاهرها المعروفة مثل كثرة الضحك، أو التفاعل الاجتماعي والنشاط والحيوية ، أو سعة العلاقات وحسنها ، والإحساس بلذة المال ، وعظمة السلطة ، والاستمتاع بالمطاعم والمشارب ، والفرح بامتلاك البيوت الفخمة ، والسيارات الفارهة، وما شابه ذلك من المظاهر التي يُظَنُّ بمن ظهرت عليه أنه سعيد.
فهذه المتع والأحاسيس والملذات هي معالم السعادة الغريزية التي يشترك فيها جميع الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، وهي بلا شك مطلوبة ومرغوبة ، بل إنها محل الحسد والتنافس والقتال من قديم الزمان .
لكنها بالرغم من ذلك سعادة هشة زائفة معرضة للزوال ، بل قد ينتقل صاحبها جراء خبر ما أو حدث ما ، أو عارض صحي ، من قمة السعادة إلى قعر التعاسة رأساً ، لماذا؟ لأن هذه السعادة مرتبطة بالشهوة ، والشهوة خاضعة للأقدار ، تأتي وتذهب ولا تدوم.
وهي أيضاً تتناقص ، لو أن الإنسان اشترى أجمل بيت ، بعد شهر البيت صار عادياً جداً، لو اقتنى أغلى مركبة ، بعد فترة أصبحت مركبة عادية جداً ، كل شيء بعيد عنه الإنسان قد يلمع أمامه ، فإذا وصل إليه تنطفئ جذوته ، هذه حقيقة مهمة.
 الإنسان قبل أن ينال شهادة عليا يحلم بها ، بعد نيلها أصبحت شيئاً عادياً ، قبل أن يتزوج ، قبل أي شيء ، أي شيء فيه متع حسية ، قبل هذه المتعة ، المتعة كبيرة ، فإذا وصلها أصبحت ضئيلة هذا شأن الدنيا ، وما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة ، بل متناقصة ، بل لذائذ مع كآبة .
وقد يسعد صاحبها من شيء يحبه ويشتهيه ثم يُفسد سعادته تلك شيءٌ آخر يكرهه ، وقد يسخط حينها ، كما هو حال عبد الدينار الذي يدور مع شهوته ، بيَّن ذلك - صلى الله عليه وسلم- في وصفه له لما قال :        " تعِس عبد الدينار والدرهم والخميصة ! إن أُعْطِيَ رَضِيَ ، وإن مُنع غضب ، تعس وانتكس ! وإذا شيك فلا انتقش " أخرجه البخاري.
ولأن هذه السعادة مشتركة في حياة الناس، مؤمنهم وفاسقهم وكافرهم؛ فإنها لا تفرق في سبيل تحصيلها بين الطاعة والمعصية ، لا فرق ، فقد يطلبها صاحبها عن طريق السرقة أو الرشوة أو الغش والكذب ، نعَم ، يطلب السعادة بهذه الوسائل ؛ وقد يطلبها آخر بظلم الناس وقهرهم ، وقد يطلبها غيره في المراقص والحانات ، وفي الوقت ذاته قد يطلبها الإنسان المستقيم في المباحات ، من سفر مباح ، ولهو مباح ، ومطعم وملبس ؛ فالحاصل أن هذه السعادة لا تفرق بين حلال وحرام ، فالشعور بها قد يأتي من الحلال وقد يأتي من الحرام .
وفي النهاية تجدها سعادة زائفة  !!!!!                                                                            فلو قلنا أن السعادة في المال فالسعداء هم الأغنياء لقلنا : هيهات كم من غني يشكو الحزن والقلق والخوف على ماله فأصبح المال نقمة وكم هم قتلى المال فنكبات سوق الأسهم والخسائر كم قضت على رجال كان همهم جمع المال أصبحوا ولم يمسوا وأمسوا ولم يصبحوا ..... قال تعالى: "كم تركوا من جنات وعيون(25 ) وزروع ومقام كريم(26) ونعمة كانوا فيها فاكهين(27) كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " سورة الدخان .[25] ، فالمال ظل زائل ، وعارية مسترجعة ، عرف المؤمن غاية وحقيقة هذا المال والوظيفة التي ينبغي أن يُسخر لها ، فأنفق في سبيل الله جل وعلا، وعلم يقيناً أن ماله الحقيقي هو ما قدم ، وبذلَ في حياته ، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوماً فقال: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مالك يا بن آدم ! تقول: مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) لقد منح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده ، ولا بذكائه ، ولا بعرقه ، ولا بعبقريته ، وظن أنه هو السعيد وحده ، وكفر نعمة الله ، وقد حذره ربه ، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة ، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر { فخسفنا به وبداره الأرض } [القصص:81].
ولو قلنا إنها في الجاه والملك والسلطان فيتبادر للذهن أنه لا يوجد بينهم حزين وكئيب وتعيس فالواقع يقول غير ذلك فهم أكثر الناس خوفا وأكثر الناس أعداء يخافون على ملكهم ويعاديهم كل طامع حالم في الملك محاطون بالأعداء عدد الأصدقاء وربما يزيد . ولذا جاء في صحيح مسلم أن أبا ذر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! ألا تستعملني ؟ - لماذا لا تعطيني منصباً أو كرسياً في هذه الدولة العظيمة - فقال له المصطفى بعد أن ضرب على منكبه : يا أبا ذر ! إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ).
لقد طلبها فرعون وتلاميذه في الملك ، ولكنه ملك بلا إيمان ، وتسلطن بلا طاعة ، فتشدق في الجماهير: { أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } [الزخرف:51]. ونسي أن الذي ملَّكه هو الله ، والذي أعطاه مصر هو الله ، والذي جمع له الناس هو الله ، والذي أطعمه وسقاه هو الله ، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول : { ما علمتُ لكم من إله غيري } [القصص:38] . فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله ؛ أنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها ، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها ، { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } [النازعات:25]. ويقول الله عنه وعن مثله : { النار يُعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [غافر:46].
ولو قلنا أن السعادة في الولد : فقد طلبها الوليد بن المغيرة في الأولاد ، فآتاه الله عشرة من الأبناء ، كان يحضر بهم المحافل ، خمسة عن يمينه ، وخمسة عن يساره ، ونسي أن الله خلقه فرداً بلا ولد ، {ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً ومهدت له تمهيداً ثم يطمع أن أزيد كلا.... }  [المدثر:11-16] .  فماذا فعل، كيف تصرف ؟ أخذ عطاء الله من الأبناء ، فجعلهم جنوداً يحاربون الله ، إلا من رحم ربك ، فقال الله فيه :  {سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر } [المدثر:26-30].
 ولو قلنا أنها في الصحة والسلامة فالواقع ينافي ذلك فكم من مريض سعيد ، وكم من مبتلى رضي بقضاء ربه يجد سعادة عظيمة ترافق مرضه ، وكم مصاب بفقد عضو من جسده سعيد! ، وكم معافى وهم كثر تعساء ناقمون قلقون لا يتذوقون طعم السعادة .
ولو قلنا أنها في الشهرة والصيت في الفن وغيره، لوجدنا أنهم أكثر الناس تعاسة يتظاهرون بالسعادة وهم أتعس الناس وأشقاهم فالفنان يخاف أن يأتي اليوم الذي يتوارى فيه عن الأضواء فهو في خوف وقلق دائم كثير المشاحنات والعداوات يخاف من مجرد مرور الزمن وتقدمه في العمر ثم تطوى صحيفة شهرته فينتهي ، فهو يسير وراء سراب كلما اقترب منه أزداد بعدا.  { فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} [الرعد:17] ، يصدق فيه وفي أمثاله قول الله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } [طه:124-126].
ولو قلنا أن السعادة الحقيقية في أن يسافر إلى الغرب ، وأن يستورد أفكاره ، فهؤلاء هم الذين يعيشون في سعادة من وجهة نظرهم ، وأنا أقول لكم أيها الأخيار: والله الذي لا إله غيره ! من سافر إلى بلاد الغرب علم يقيناً أن هؤلاء يعيشون الضنك بكل معانيه .
نعم . هم حولوا العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذه التقنية المذهلة في عالم الاتصالات والمواصلات ، فجَّروا الذرة ، وانطلقوا في أجواء الفضاء ، وغاصوا في أعماق البحار، وأعطوا البدن كل ما يشتهيه ، وبقيت الروح في أعماقهم تصرخ ، تبحث عن غذائها ودوائها ، وهنا وقف الغرب أمام الروح وقفة العاجز، لماذا ؟ لأن الروح لا توزن بالجرام ، ولا تقاس بالترمومتر، ولا تخضع لبوتقة التجارب في معامل الكيمياء والفيزياء ، فوقف الغربي حائراً عاجزاً .
إن المتابع للإحصائيات الأخيرة سيعجب عجباً حينما يرى هذا الانتشار السريع لعيادات الطب النفسي ، ولحالات الانتحار الجماعي ؛ لأن الإنسان بدن وروح ، ولا يمكن لطائر جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد لمدة طويلة ، فإن طار وإن طالت مدة طيرانه سيسقط حتماً لينكسر جناحه الآخر، وهنا يقول الحق جل وعلا عند الروح: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] فالإنسان جسد وروح، ومحالٌ أن يجد الإنسان غذاء هذه الروح إلا في منهج الخالق جل جلاله، قال سبحانه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].
قال أهل السير وأهل التاريخ : لما استقر هارون الرشيد في الخلافة، وتولاها بعد أبيه، أنفق الكنوز والقناطير المقنطرة، في عمارة قصر على نهر دجلة؛ يدخل النهر من شمال القصر ويخرج من جنوبه، وعمّر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور، وجلس للناس ، فدخل الناس يهنئونه بقصره وبحدائقه، وكان فيمن دخل أبو العتاهية ، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له :
عش ما بدا لك سالمـاً           في ظل شاهقـة القصـور
يقول: ليهنك العيش والسعادة ، ودوام الصحة والعافية ، في ظل هذا القصر، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد ، قال:
يجري عليك بمـا أردت             مع الغـدوّ مع البكـور
يقول: يأتيك الخدم والجواري ، بالأطعمة والأشربة ، وكل ما أردت ، صباحاً ومساء قال : هيه، قال :
فإذا النفوس تغرغرت            بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً               ما كنت إلا في غرور!!
قال: أعد. أعد. قال: فإذا النفوس تغرغرت ، يعني إذا حضرت سكرات الموت ، وحان الأجل ، وساعة الصفر، وبلغت الروح التراقي : { وقيل من راق } [القيامة:27]. والتُمس الطبيب، وذلك الذي يحيد منه العبد.
فإذا النفوس تغرغرت           بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً               ما كنت إلا في غرور!!
يقول: إذا أتتك سكرات الموت ، وأشرفت على الهلاك، سوف تعلم أنك كنت تضحك على نفسك ، وأنك كنت تعبث كما يعبث الصبيان ، قال : أعد ، ثلاثاً، فردد أبو العتاهية :
فإذا النفوس تغرغرت             بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً                ما كنت إلا في غرور!!
فبكى هارون حتى وقع على الأرض ، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت ، ونزل في قصره القديم ، فلم يمض عليه شهر واحد، حتى أصبح في عداد الموتى .
3-  السعادة الحقيقية وجدها الأنبياء ومن تبعهم :
أين توجد السعادة الحقيقية لمن يبحث عنها ؟ أين مكانها ؟
السعادة الحقيقية وجدها يونس بن متى ، وهو في ظلمات ثلاث : في بطن الحوت ، في ظلمة اليم ، في ظلمة الليل ، حين انقطعت به الحبال ، إلا حبل الله ، وتمزقت كل الأسباب ، إلا سبب الله ، فهتف من بطن الحوت ، بلسان ضارع حزين : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين } [الأنبياء:87]. فوجد السعادة.
ووجدها موسى عليه السلام، وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: { كلا إن معي ربي سيهدين } [الشعراء:62].
ووجد السعادة يوسف عليه السلام ، وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى ، فيتركها ، ثم يبدأ بالدعوة فيقول : { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار } [يوسف:39]. فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة.
ووجدها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يطوّق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين ، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً : { لا تحزن إن الله معنا } [التوبة:40].
سهدت أعينٌ ونامت عيـون          في شئون تكون أو لا تكون
فاطرح الهـم مـا استطعت            فحمـلانك الهمـوم جنـون
إن ربا كفاك ما كان بالأمس         سيكفيـك فـي غدٍ ما يكون
ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات، كما قال جلاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة ، فيجد السعادة .
أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت ، رفع بساطه ، ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه . ثم يقول : لو علمت أني أموت شاباً ، ما فعلت الذي فعلت من الذنوب.
ووجدها ابن تيمية، وهو يكبّل بالحديد، ويغلق عليه السجان الباب ، داخل غرفة ضيقة مظلمة ، فيقول ابن تيمية : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } [الحديد:13].
ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن ، فيرسل لهم رسالة ، وينشد لهم نشيداً ، وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، إن سرت فهي معي . . أنا قتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة ، وسجني خلوة !!.
ووجدها إبراهيم بن أدهم ، وهو ينام في طرف السكك في بغداد ، لا يجد كسرة الخبز ويقول : والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش ، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف !.
هذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء ، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح ، الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام ، فمن سكن القصر بلا إيمان ، كتب الله عليه : { فإن له معيشة ضنكاً }  [طه:124] ، ومن جمع المال بلا إيمان ، ختم الله على قلبه : { فإن له معيشة ضنكا } ، ومن جمع الدنيا ، وتقلد المنصب بلا إيمان ، جعل الله خاتمته  {فإن له معيشة ضنكا }.
إنَّ السعيد باختصار هو " الذي حقق العبودية لربه تبارك وتعالى " وهذه كلمةٌ عامة وإليكم تفصيلها :
4-  السعادة تكون في الإقبال على الله :
أيها الأحبة:
أيها المؤمنون: لقد جاء في كتاب الله تحديد طريق السعادة والفلاح فمرة باتباع هدى الله (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طـه:123] (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38) .
ومرة بالإيمان وعمل الصالحات (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
ومرة بتزكية النفس وتحليها بالصفات الحميدة وإبعادها عن الصفات المذمومة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:10].
ومرة بالقيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].
أيها المسلمون: إذا كانت الحيرة والشك والضلال عذاباً وجحيماً لا يطاق في الدنيا ، والآثار في الآخرة أشد وأبقى ، فإن الإيمان واليقين سبيل للسعادة في الآخرة والأولى قال تعال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96] ، وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ،وقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طـه:112].
 إنَّ الإقبال على الله بالطاعات ودوام التقرب إليه سبحانه وتعالى بكثرة النوافـل ، والإنابة إليه عزَّ وجل ستوصلك إلى حلاوة الإيمان وجنة الدنيا، فكما قال الله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))[النحل:97].
إنّها الحياة السعيدة إنّها الطُمأنينة والسكون إنّها الراحة والخشوع تلك هي اللَّذة التي يتذوقها كل من أقبل على ربه وأناب إليه.
قال أحد الصالحين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما هو؟ قال: " معرفة الله " .
وقال آخر: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.
وَقَالَ الشَّاعِرُ الحَكِيْمُ:
لَعَمْرُكُ مَا السَّعَادَةُ جَمْعُ مَالٍ *** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرَاً *** وَعِنْدَ اللهِ لِلْأَتْقَى مَزِيدُ
إذن .. إنْ كنت تريد السعادة فاتجه إلى الله ، وأقبل على الله وستجد السعادة ، وإن لها لطرقاً وسبلاً .
5-  سبل السعادة :
السعادة في قراءة القرآن :
إنّه القرآن، كتاب الحياة، وباب السعادة ، كلما نظرت كلما أشرق في قلبك نور الإيمان ، قال تعالى : (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ))[التغابن:8].
إنّه القرآن يا أمة الإسلام ، فلماذا هجرناه وأعرضنا عنه ونسيناه ، ولماذا ألهتنا الدنيا عن قراءته وتدبره ، قال سبحانه وتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ )) [المنافقون:9].
إنَّ القرآن علاج الهموم، ومُزيل الغموم ، ومُذْهِب الحسرات ، وكاشفُ للبليَّات.
فيا من أحاطت به هموم الدنيا ، وأزعجـته المصائب ، أُوصِيك بأن تجلس مع القرآن في كل يوم ولمدة ساعة تقرأ فيه ، وتتأمل معانيه ، وتعرض نفسك عليه ، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة.
السعادة في الأخلاق الكريمة والإحسان إلى النّاس :
السعادة توجد عند أصحاب الأخلاق الحسنة ، والله إنَّ المُتَّصفين بالصفات الحسنة والأخلاق الحميدة ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال .                                                                       إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس ، فكيف لا يجدون السعادة ؟ إنّهم مُتواضعون مع الناس ، يبتسمون ، ويمزحون، ويضحكون ، إنّهم يُساعدون المُحتاج ، ويعطِفون على المسكين ، إنّهم يُحسِنون الظن ، ويتجاوزون عن الخطأ إنّهم طيبون، ويرحمون، وينفعون إذا رأيتهم رأيت فيهم أجمل الأخلاق وأحسن الصفـات ، إنّهم يسيرون على منهج الرسول صلى الله عليه وسلَّم الذي مدحه الله بقوله: (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ))[القلم:4]، فهذه رسالة: " عامل النَّاس بمِثـلِ ما تُحب أنْ يُعاملوك، وستجد السعادة ".
إن حسن المعاملة عربون من عرابين الجنة ، ليس الإيمان والعبادة الذاتية وحدها ، بل مثل هذه المعاملة ؛ كما أخبرنا رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -، وهو يذكر لنا المقامات الرفيعة والعالية في الجنة بصحبته ورفقته ، فيقول : " ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالساً يوم القيامة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون " [ مصنف عبد الرزاق: (ج11/ص144)].
سَأل النبيَ - صلى الله عليه وسلم- رجلٌ، فقال له: أي العمل أفضل ؟ فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم – بقوله : "الإيمان بالله والتصديق به والجهاد في سبيله" فقال له: يا رسول الله : أو شيءٌ أهون من ذلك ، -عمل فاضل أقل من هذا - ، فقد لا أقدر عليه ، فقال عليه الصلاة والسلام : "السماحة والصبر" [صحيح البخاري: (ج5/ص2242)]. 
أن تكون سمحاً مع الناس ، أن تصبر عليهم ، أن تعفو عنهم، أن تغض الطرف عن أخطائهم ، أن لا تتبع مساوئهم ، أن لا تجرحهم بكلمات لسانك ، أن لا تضايقهم بنظرات عينيك ، هل هذا فيه صعوبة .
أخي المسلم : هل فعلت ذلك يوماً ؟ أقول لك : جرِّب ذلك فو الله ستجد طعماً للسعادة لا يُوازيه شيء ،
إنْ كُنتَ تبحث عن الراحة والسكون والطمأنينة ، فأوصيك أنْ تمسح رأس اليتيم وتُـقبـِّـل رأس ذلك العجوز الفـقـير، إنَّ الإحسان طريق مختصر إلى السعادة ، وباب يُدخلك على كنوزٍ من الطمأنينة ، قال تعالى : ((وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))[البقرة:195].
يا من يريد السعادة : أَخْرِج قليلاً من مالك لذلك الفـقـيـر ولتلك الأرملة ولذلك المسكين فوالله سـتـشـعـر بِلَذَّةِ الإحسان وطعمــاً للسعادة قال تعالى : ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))[الحشر:9].
السعادة في ترك الذنوب والتوبة :
إنَّ جميع الخلق لابد أنْ يصدر منهم الذنب والخطأ مها كانوا في صلاحهم واستقـامتهم كما ورد في الحديث: ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) صحيح مسلم: (2794) .
أيها الأحبة: إنَّ هناك أقوام قد صدقوا مع ربهم وأقبلوا عليه تائبين ، نادمين ، مُعترفين ، وهؤلاء لهم نصيب من السعادة على قدر صدقهم حيثُ قال الله تعالى : (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )) [الأحزاب:23] .
إنَّ للتوبة حلاوة ولذة وسعادة لا يشعر بها إلاَّ من ذاقها واسألوا التائبين ، ألم يفوزوا بمحبة الله لهم ، قال عزَّ وجـل: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ))[البقرة:222] أليس هذا شرفٌ لهم ؟.
إنَّ الله يفرحُ بتوبة التائبين أليس لهذا الفرح الرَّباني ثمرة في قـلوب التائبين والتائبات ، إنَّ التائب قد ترك كل شيء لا يُرضي الله إنّه يُريدُ بذلك ما عند الله وسوف يُعوضه الله خيراً.
والذنوب مدارها على شيئين : إمّا ترك واجب أو فعل محرّمٍ ، والواجِب التوبة من جميعِ الذنوبِ لكي تحصل على السعادة ، قَال اللهُ – تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31] .
السعادة في الصبر والقناعة بالمقسوم :
السعادة ـ أيها المسلمون ـ هي الصبرُ عند البلاء ؛ سواءً أكانَ البلاء في نفسه أو في ولده أو في ماله أو في سُمعته أو في غيرها ؛ فالسعيد هنا من إذا ابتلي صبر على قدر اللهِ وقضائه ولم يجزع ولم يتسخط ، ويعلم أَنَّ ما أصابه إنما هو بِذنبِه ، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى:30]؛ فَيُحَاسِب نَفْسَهُ للمستقبلِ ويُصلح عملهُ، وَبِهَذَا تُصْبِحُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ مُصْلِحَةٌ لهُ ومُنَبهة له ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11]. قَالَ عَلْقَمَةُ - رَحِمَهُ اللهُ : “هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَم أَنَّهَا مِنَ اللهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّم“.
وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّسَخُّطَ خِلَافُ الصَّبْرِ، ثُمَّ إِنَّ التَّسَخُّطَ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ، وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّهُ ، أَوْ أَنّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لا يُبْتَلَى بِكَذَا أَوْ كَذَا ، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ اللهَ ظَلَمَهُ ، وَهَذَا لا يَجُوزُ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ قَلْبِهِ وَيَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنَ الشيَّطْانِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا ابْتُلِيَ صَارَ يَتَذَمَّرُ بِلِسَانِهِ ، وَرُبَّمَا شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ نَدَبَ حَظَّهُ ، وَأَنْ غَيْرَهُ سَعِيد وهو شقيٌّ ، ورُبما خاطب ربَّهُ لماذا يفعلُ ذلك به ، وَمنَ النَّاس من إذا حصلت عليه مصيبة شق ثيابه أو صار يحثو التراب على رأْسه ، وهذا كثير عند الناس ، وكله حرام ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ “(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فالواجب – إذن - الصبرُ وانتظارُ الْفرجِ واحتسابُ الأجرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:155-157] ؛ فَنَسْأَلُ اللهُ أَنْ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا.
وهي أيضاً الرضا بالله والقناعة بالمقسوم والثقة بالله واستمداد المعونة منه ، من ذاق طعم الإيمان ذاق طعم السعادة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا “ رواه مسلم.
ولذا فإن من أضاع نعمة الرضا ، أصابه سُعار الحرص والجشع؛ فهو يطمع ولا يقنع ويجمع ولا يدفع، يأكل كما تأكل الأنعام، ويشرب كما تشرب الهيم، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث يقول: ” من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله “ رواه الترمذي.
ولقد كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ يقول له : “أما بعد، فإن الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر” .
إذاً يا عباد الله، لا تخش غمًّا ولا تشكُ هماً، ولا يصبك قلق مادام أمرك متعلقا بقول الله ـ جل وعلا ـ في الحديث القدسي : ” أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه “ رواه البخاري ومسلم.
6-   سعادة أهل الجنة ونعيمهم :  
أيها الحبيب الكريم ! روى مسلم في صحيحه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقول أهل الجنة: وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة، وأنجيتنا من النار، فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول الله جل وعلا: ( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ) .
أيها الأخيار! إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها، ولا خمرها، ولا ذهبها، ولا قصورها، ولا حريرها، ولا حورها، وإنما نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها، قال جل جلاله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة:22-23] قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] والحسنى : هي الجنة ،         والزيادة : هي أن تتمتع بالنظر إلى وجه الله في جنات النعيم.
هذا هو طريق السعادة، فداوم على هذا الدرب ، واحرص عليه ، واحرص على السير على طريق محمد بن عبد الله ، فو الله ثم والله لن تشعر في دنياك بسعادة ولا بنجاة وفوز وفلاح في أُخراك ، إلا إذا سلكت هذا الدرب وهذا الطريق.
الدعاء ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات