السبيل إلى حُسْن الخاتمة د/ عادل هنيدي

تحميل PDF

تحميل WORD
السبيل إلى حُسْن الخاتمة
الحمد لله ربّ العالمين، الذي خلق فسوّى، والذي قدّر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، هو عزّ كل ذليل، وهو قوّة كل ضعيف، وهو غوث كل ملهوف، وهو ناصر كل مظلوم،


قال في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقُراب الأرض ذنوباً ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لجئتك بقرابها مغفرة)، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أخبرنا أن الله (إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ يَا رَسُولَ اللهِ؟, قَالَ: عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ, حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ)، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه ودربه إلى يوم الدين، أمـا بعــد:

فَمِن عظيم نعم الله على العبد أن يمنّ عليه بالتوفيق في سائر عمله في تلك الحياة، ومن أعظم التوفيق أن يوفق الله عبده لعمل صالح قبل أن يلقاه..
حديثنا اليوم عن محط أمل الصالحين، وهدف المصلحين، وغاية المتقين: (حُسْن الخاتمة).. إنها تلك القضية التي أخفاها الله عنّا ليعيش العبد بين خوف ورجاء؛ لينصَلِحَ حاله ولا يغتر بعمله في الحسن أو السوء على السواء.. فَإِنَّ آخِرَ ساعةٍ في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته الحقيقية المختبئة، لا حياته الظاهرة فقط أمام الناس..
موقف في بداية الخطبة للعبرة والتمهيد للموضوع:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشاً من الجيوش لمعركةٍ حاسمةٍ مع الكفار، فجاء صحابيٌ إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يومئذٍ كافر، فقال: (يا محمد! أرأيت إن اتبعتك فما الذي لي وما الذي عليَّ؟ قال: إن شهدت أن لا إله إلا الله وإني رسول الله كان لك ما للمسلمين عامة، وعليك ما عليهم عامة، فإن غنموا غنمت معهم، فقال: ما على هذا أتبعك، فشهد أن لا إله إلا الله وشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن غنموا فأنت معهم في الغنيمة، وإن مت فلك الجنة من الله جل وعلا، فقال ذلك الصحابي: والله ما على هذا اتبعتك؟ -أي: ما اتبعتك لأجل الغنيمة- وإنما اتبعتك على أن أغزو معك فأرمى بسهمٍ من هاهنا -وأشار إلى نحره- ويخرج السهم من هاهنا -وأشار إلى قفاه- ثم دخل المعركة وقاتل وأبلى بلاءً حسناً، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمي بسهمٍ دخل في نحره وخرج من رقبته، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق الله فصدقه، بخٍ بخ عمل قليلاً ونال كثيراً، دخل الجنة وما سجد لله سجدة) إنها الخاتمة التي يطلبها كل إنسان صالح، وكل ذي عقل راجح!!
لماذا نهتمّ بقضية (حُسن الخاتمة)؟
1.   لأن وقت الاحتضار وخروج الروح ستمرُّ به كل نفس، وهو أصعب وقت على كل إنسان، فإنَّ كل حي وجد على هذه الأرض لا بد وأنه سيلاقي مصيراً محتوماً، ألا وهو الموت، فالموت مصير كل حي على هذه المعمورة، وهو يأتي فجأة دون نذير مسبق؛ قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] والمُوَفَّق من وفَّقَه الله تعالى ليكون خروج روحه على طاعة وقول حسنٍ.
2.   لانشغال النَّاس بالدنيا لدرجةٍ أَنسَتْهُم الآخرة وما فيها وما عليها، بل لدرجة أنه عند موت بعض هؤلاء المنشغلين بالدنيا وتجاراتها، لما لُقِّن الشهادة عند الاحتضار إذا به يقول: هذه القطعة من القماش بكذا وكذا، واشتر هذه بكذا إن أَرَدت... فسيطرت عليه الدنيا حتى عند لحظة مغادرته الحياة. ويأتي أحدنا لزيارة المقابر وهو يودّع قريبًا أو صديقًا ثم تراه نسي كل المواعظ التي رآها بلحظة موت قريبه وكفى به واعظًا!!
3.   لأنَّ عليها مدار الموقف يوم القيامة فالأعمال بالخواتيم كما ورد في الصحاح.. وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ». وقد ثبت في صحيح البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَقَى هُوَ وَالمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» نسأل الله الثبات عند الممات.
4.   لاختلاف أحوال الناس عند الموت؛ بما يجعل الإنسان على حذر؛ فكم سمعنا عن قصص ونماذج لأناس ختم الله لهم بالحسن كمن مات قارئًا للقرآن، أو ملبيا مُحْرِمًا، أو ساجدًا مُصَلّيًا، أو سَاعِيًا في الحوائج للناس... وسمعنا أيضًا -في ذات الوقت- عن أناس مات بعضهم وهو يشـرب خمرًا أو يستهزئ بالدِّين، أو وهو يفعل الفاحشة، أو يشاهد منكرًا..
اهتمام الرسول بقضية حُسْن الخاتمة وتأكيداته على خطورتها:
?  (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا) هكذا كانت إشارته صلى الله عليه وسلّم لأمّته بالحذر من الختام السيئ والبحث عن الخاتمة الحسنة.
? ورد في سنن الترمذيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ»..
? وعند أحمد في مسنده: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَسَلَهُ)، قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: (يَفْتَحُ اللهُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)..
///
أخوف شيء أن يُحرم الإنسان الخاتمة الحسنة:
قال ابن القيم في الجواب الكافي: ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار، والانتقال إلى الله تعالى! فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين ممن أصابهم ذلك.
ثم ذكر -رحمه الله- صوراً لبعضهم، منها: قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تان تنا تن تنا.
وقيل لآخر: فقال: كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها إلى آخر الصور التي ذكرها رحمه الله تعالى إلى قوله: وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبراً، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
علامات حُسْن الخاتمة:
وتنقسم تلك العلامات إلى قسمين: (قسم لا يرى أثرها إلا الميت نفسه، وقسم يراها الأحياء عليه عند الموت) ومن القسم الأول: بشرى الملائكة للعبد المؤمن الصالح عند سكرات الموت، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32]
ومن العلامات التي يراها الناس على الميت عند موته ما يأتي، لكن ينبّه على أنها ليست حصرية، وليست دلالة حتمية على صلاح صاحبها، إلا أنها من المبشرات، ومنها:
1.   الموت ليلة الجمعة أو نهارها: لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر). وانتبه لكلمة (مسلم) فالمسلم الحقيقي كما ثبت في الأحاديث هو:
o     من سلم الناس من لسانه ويده.
o     من يسر على المعسرين وفرّجَ كُرب الكروبين.
o     من نصر مظلوما في مظلمة ولم يخذله؛ فالمسلم أخو المسلم..
2.  الشهادة في سبيل الله أو في سبيل مظلمة: فالشهيد (دفاعًا عن أمته ودينه ووطنه) خاتمته فيما نرى طيبة؛ وقد رَوَى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، إِلاَّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْـرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ». فهؤلاء الذين يُقتلون دِفاعًا عن عِرْض أَوْطانهم وحقوقهم حُرُماتِهم شُهَداء... وقد روى أبو داود في سننه من حديث سعيد بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ».
E      ولا تتوقف الشهادة عند حد الموت في المعركة العسكرية مع العدو؛ بل يدخل فيه الشهيد بالبطن والغرق ومن ماتت في نِفَاسها بعد الولادة، ومنه من مات بالطاعون (السّـرطان)؛ فقد روى البُخَارِي ومُسْلِم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»
E      ومنها: الموت بداء البطن، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن مَاتَ فِي البَطنِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وذكرَ بعض الشُّـرّاح أن المبطُون من إصابة إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.
E      ومنها: الموت بالحرق أو الغرق أو الهدم أو الطاعون أو ذات الجنب، أو موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ»
3.   الموت دفاعاً عن المال المراد غصبه: عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " وعَنْه -رضي الله عنهما- قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقُتِلَ دُونَهُ، فَهُوَ شَهِيدٌ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ: "فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ"، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : "قَاتِلْهُ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ"..
4.   التوفيق لكلمة التوحيد (الإخلاص) عند الموت: روى أبو داود في سننه من حديث معاذ - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قال بعض أهل العلم: «لأنها شهادة شهد بها عند موته، وقد ماتت شهواته، وذهلت نفسه لما حل به من هول الموت، وذهب حرصه ورغبته، وسكنت أخلاقه السيئة، وذل وانقاد لربه، فاستوى ظاهره بباطنه، فغفر له بهذه الشهادة لصدقه». وحق مَن عالَجَ سكرات الموت على الأحياء أن يلقّنوه بحكمة كلمة التوحيد عند موته؛ فعَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)) [ رواه مسلم]..
5.   الموت برشح الجبين: وقد يُفهم منها أن يموت عرقًا من أثر السعي على لقمة العيش، أو أن يعرق عند الموت، وقد بشر النبي بأنه شهيد ومغفور له..
$$$
كيف تُحسن خاتمتك؟
ما السبيل إلى حُسْن الخاتمة؟
أولا: الاستقامة على الطاعة في الدنيا؛ فمن عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعِث عليه، . فمن استقام في الدنيا على طاعة ربه واستقام قلبه، حسنت خاتمته؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت: 30]، الآية.. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} عند الموت، قيل: إذا قاموا من قبورهم، وقيل: البشرى في ثلاث مواطن عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، كلها يبشـر فيها.
ثانياً: الإيمان قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]، فأخبر أنه يثبت عباده المؤمنين الذين قاموا بما عليهم من الإيمان في القلب الذي يصدقه العمل الجوارح. ويشمل ذلك أن يلح المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفاه على الإيمان والتقوى..
ثالثًا: التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، ووعد الله أهل التقوى بأن يجعل لهم فرجًا مخرجًا، قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْـرًا} [الطلاق: 4].
رابعًا: حسن الظن بالله. قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله)) لكن هذا حسن الظن بالله يجب أن يكون مبنيًا على ماذا؟ على أعمال صالحة، وتوبة من الأعمال السيئة، حتى يكون حسن ظن صحيح ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل))
خامسًا: الصدق. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}
وكان الصدق من سبب نجاة المؤمنين، وحسن خاتمتهم، ألم تر أن أنس بن النضر لما غاب عن قتال بدر رضي الله عنه قال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع؟ ..... فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشـركين، ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني لأجد ريحها من دون أحد؟ قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم قال أنس: "فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه" قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].
هل تذكرون معي:
? عبدالله بن جحش-رضي الله عنه-عندما خرج لمعركة أحد دعا الله-عز وجل-قائلاً: "يا رب إذا لقيت العدو فلقني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده فأقاتله فيك، ويقاتلني، ثم يأخذني ويجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت. وبعد المعركة رآه بعض الصحابة مجدوع الأنف والأذن كما دعا.
? وهذا عمير بن الحمام عندما خطب رسول الله  في أصحابه حاثاً لهم على الاستشهاد في سبيل الله في معركة بدر قال : (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض).فسمع عمير بن الحُمام هذا الفضل العظيم، وقال: والله يا رسول الله! إني أرجو أن أكون من أهلها. فقال:(فإنك من أهلها).فأخرج عمير تمرات من جعبته ليأكلها ويتقوى بها، فما كادت تصل إلى فمه حتى رماها وقال: إنها لحياة طويلة إن أنا حييت حتى آكل تمراتي، فقاتل المشركين حتى قتل.
? وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه لما حضرته الوفاة، جعل يجود بنفسه وقال: [ألا رجلٌُ يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجلٌ يعمل لمثل يومي هذا؟ ألا رجلٌ يعمل لمثل ساعتي هذه؟].
? ولما احتضر عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- قال لمن حوله: أخرجوا عني فلا يبق أحد. فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، ثم قُبض-رحمه الله-.
سادسًا:التوبــة الدائمــة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ} فإذا صارت التوبة نصوحًا، ومات الإنسان عليها، فهذا من علامات حسن الخاتمة. كمثل تلك المرأة التي تابت توبة من الفاحشة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم. كما روى الإمام مسلم، وكمل توبة ماعز بن مالك رضي الله عنه وسبح في أنهار الجنة.
سابعًا: أن يلزم الإنسان طاعة الله وتقواه، ورأس ذلك وأساسه تحقيق التوحيد، والحذر من ارتكاب المحرمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطخ به المرء منها، لا سيما التخلص من ظلم العباد؛ فاتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب.
ثامنًا: الارتباط بالصالحين سبب مهم جداً؛ ليسير الإنسان في طريق صحيح، ويختم له بخاتمة حسنة، لأن الإنسان عندما يساير الصالحين ويحب الصالحين ويعيش مع الصالحين، ويسايرهم في تنقلاتهم وتحركاتهم وأعمالهم وتصرفاتهم، يسير معهم على الهدى وطريق الحق، ويكون مثلهم، هذا هو الأصل في هذه القضية؛ (فالمرء على دين خليله).
تاسعًا: الدعاء واللجوء إلى الله تعالى بأن يميتك على الحُسْن من العمل: كان عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا صلى رفع يديه قائلاً: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة قال أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني وأنا ساجد فقام وصلى، فقبض الله روحه وهو ساجد.
$$$

وأخيرًا: اعلم أخي المسلم- أختي المسلمة: أنّ تحصيل حسن الخاتمة ليس شطارة من العبد؛ بل هي محض توفيق من الله تعالى، غير أنها تأتي بالاجتهاد والسعي أيضًا؛ فبقدر المجهود يكون الجود... وها نحن نستقبل عاما هجريا جديدا ونختتم سابقه، فلنحسن فيما بقي ليغفر الله لنا تقصير ما سبق.. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.. 
التعليقات
0 التعليقات