الإسـلام دين الإنسانية والسلام للشيخ محمد حســــــن داود
للتحميل PDF اضغط هنا
للتحميل WORD اضغط هنا
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) الحجرات13) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى". اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن هذا الدين العالمي الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، قد تميز بصفات وخصائص، من أجلها انه يحمل في أحكامه وتشريعاته كل معاني الإنسانية والسلام للناس جميعا على اختلاف ألوانهم وأعراقهم بل وعقائدهم فالإنسانية إحدى خصائص الإسلام الكبرى، إذ تشغل مكانة عظيمة في منطلقاته النظرية، وفي تطبيقاته العملية، وقد ربطت بعقائده وشعائره ومنهجه وآدابه ربطا محكما، فالإنسانية في الإسلام ليست مجرد أمنية شاعرية تهفو إليها بعض النفوس، وليست فكرة تتخيلها بعض العقول، وليست حبرا على ورق سطرته بعض الأقلام، بل هي واقع تطبيقي، فترى القران الكريم يؤكد على ذلك مبينا أن الله تعالى خلق الناس جميعهم من نفس واحدة قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13)ولقد خطب النبي في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة تضمنت مبادئ إنسانية سيقت في كلمات سهلة سائغة، فقال "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى". ولقد رفع القرآن الكريم من مكانة الإنسان بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين , فقد قال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) وانك لتعجب حينما تعلم أن العبادات كلها اشتملت في طياتها على معاني الإنسانية السامية؛ فالزكاة في جوانبها معاني المودة والرحمة والألفة والمحبة، والصيام يدعو النفس إلى المعاملة الطيبة وحفظ الحقوق وكذلك الحج يدعو إلى اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصا ، فضلاً عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير وغير ذلك مما يهذب النفوس ويسمو بمعاني الإنسانية في القلوب.
ولقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية بكل معانيها فقال " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" وقال أيضا " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" رواه مسلم ) وقال أيضا" تبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ "رواه الترمذي ) ولما لا يدعونا إلى ذلك وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلا اعلي للإنسانية باسمي معانيها سواء قبل البعثة أو بعدها ويكفى في ذلك قول السيدة خديجة له لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده " كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ". فما من خلق كريم إلا وكان - صلى الله عليه وسلم - هو أهله، وما من خلق ذميم إلا كان بينه وبين رسول الله أمدا بعيدا لا يصل إليه أبدا ، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )و لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟ ، قُال : بَلَى ،قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ .
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وتظهر قيم الإنسانية في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم في مواطن شتى هي أكثر من أن تعد أو تحصى فمنها ما كان مع أهل بيته، فهو القائل "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ". وعن عَبْد اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ ، وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ : " صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ سورة التغابن آية 15 ، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ " كما تراه صلى الله عليه وسلم يقضي حوائج أصحابه ، ويتواضع معهم ، ويجيب دعوتهم ، ويزور مرضاهم ، ويشهد جنائزهم ، ويدعو لهم ولأبنائهم ، ويشفق عليهم ، ويشعر بآلامهم ، فعن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه - قال " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ ، وَيُطِيلُ الصَّلاةَ ، وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ ، وَلا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ " سنن النسائي). وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ " مستدرك الحاكم). فكان يشعر بآلامهم ، ويجعل لهم من محنهم منحا ، ومن الحزن فرحا ، ومن الألم أملا، يتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويمازحهم، ويشفق عليهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويسأل عنهم إذا غابوا ؛ فعن قرة ابن إياس ، ، قَالَ : كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : " يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ ، يَفْتَحُهُ لَكَ " , قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ : " فَذَاكَ لَكَ "سنن النسائي)حتى كان صلى الله عليه وسلم يؤثرهم على نفسه وعلى أهل بيته، ويعطيهم العطاء وهو إليه محتاج، فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ , قَالُوا : الشَّمْلَةُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ , فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ , قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ " , قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ " البخاري) حتى المخطئ كان له نصيب من هذه الإنسانية ، فعن أبى هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ" أَوْ "ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ" رواه البخاري )ولقد علت قيمة الإنسانية في قلب رسول الله حتى بكى خوفا على أمته، فعن عبد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ " اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي " وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ " فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ :" يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ "رواه مسلم) ولم تقف الجوانب الإنسانية في حياة النبي عند المسلمين فحسب؛ بل نال غيرهم منها نصيب فقد كان المصطفى يسعى إلى هدايتهم والرفق بهم ،فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: " أَسْلِمْ" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ بِى مِنَ النَّارِ"سنن أبي داود) ولما أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد قال له الصحابة الكرام ادع على المشركين فقال:"اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون" شعب الإيمان للبيهقي ). و لقد كان أشد يوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعد يوم احد يوم أن اعتدى عليه أهل الطائف إذ سخروا أطفالهم في سبه ورميه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، كما ثبت في صحيح البخاري، فلما خيره مَلَكُ الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" متفق عليه). ولما قيل له يا رسول الله إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ" اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ ". و حتى في الحروب تراه صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل النساء والشيوخ والأطفال ففي سنن أبى داود ؛ عن رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ؟ فَجَاءَ فَقَالَ : عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ ، فَقَالَ : مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ قَالَ : وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا" وما أمره يوم فتح مكة بأهلها بمغفول عنه إذ يقف قائلا "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ " قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".
ومن هنا نقول أن الجوانب الإنسانية في الإسلام كثيرة منها :
- التعايش السلمي بين الناس جميعا؛ فمما لا شك فيه أن الأديان بحكم انتمائها إلى السماء،لا تأمر إلاّ بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إلاّ إلى البِرّ والحب والرحمة والإحسان، ولا توصي إلاّ بالأمن والسلم والسلام،وما كانت يوماً في حدِّ ذاتها عائقاً أمام التعايش والتعارف والحوار والتماسك والترابط، وإنما العائق يكمن في عقول سفهاء الأحلام أحداث الأسنان الذين يتوهّمون أنهم يمتلكون الفهم المطلق والعلم الذي لم يأت به احد قبلهم فضلوا وأضلوا بدعواتهم الهدامة وإطلاقهم الشائعات وتبنيهم الأعمال التخريبية والتدميرية اعتداء على الدماء والأموال والأعراض، فالإسلام دين جاء بالتسامح والتعايش، دين يعترف بصورة واضحة بوجود (الغير) المخالف في العقيدة وحقه في الاعتقاد والتصوّر والعمل والكسب، كما أوجب على المسلمين سلوك العدل في التعامل مع غيرهم ولم يجعل عدم دخولهم في الإسلام سببًا في ظلمهم أو خيانتهم، فقد قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾المائدة 8) بل والأعظم أن الإسلام لم يقف عند ذلك بل تراه يدعونا إلى البر والإحسان،ويتوعد المعتدى بخزى وشدة عقاب ، أما سمعت قول الحق تبارك وتعالى ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة 8) أما ترى أن الإسلام عدّ الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عدّ إنقاذَ أية نفس إحياء للناس جميعاً، وهذا ما قرره القرآن الكريم بوضوح جلي ، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) المائدة32) أما ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي، فلما سئل عن ذلك قال "أليس إنساناً "، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم" مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ، فَقَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا".
- القيام على حقوق الإخوة ،وقضاء حوائج الناس، وإعانة الفقراء والمحتاجين : إذ إن المسلمين في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذا المجتمع، وكل لبنة في هذا البنيان وجب عليها أن تكون دعما لغيرها تشد البناء وتقيمه، قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات10) وحرصا على أن يظل هذا البنيان متماسكا حث الإسلام على السعي الصادق في قضاء حوائج المحتاجين كل قدر سعته وطاقته قال تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )المائدة)2وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " رواه مسلم) وقال أيضا " مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ "رواه مسلم)
إن الإسلام دائما ما يدعونا إلى التكافل والتراحم والعون لذلك ترى أن السنة النبوية المطهرة زاخرة بهذه الدعوات فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم " كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعين الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها أو تَرْفَعُ لهُ متَاَعَهُ صَدَقَةٌ، والْكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صَدَقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عنِ الطَّرِيِق صَدَقَةٌ "رواه البخاريُّ ومسلم). وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ " رواه مسلم) حيث انه لا يتحقق الإيمان الكامل للمؤمن إلا أن يكون عونا لإخوانه ،يشاركهم في أفراحهم واطراحهم ، ويشتغل بقضاء حوائجهم؛ فلما سئل صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إلى الله وأحب الأعمال إلى الله كما جاء عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ، "
إن قضاء حوائج الناس والوقوف بجانب المستضعفين وتفريج كرب المكروبين ، دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، فأن أهل المروءة والنجدة لا يمكنهم أن يروا مضطراً إلا أجابوه، ولا محتاجاً إلا أعانوه، ولا ملهوفاً إلا أغاثوه؛ أولئك موعودون بالإعانة ، مؤيدون بالتوفيق؛ والجزاء من جنس العمل فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " رواه مسلم )فمن كان الله في حاجته وعونه أتظنون أنه يخيب ؟ فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، طوبى لمن حفظ نعم الله فقام على حقها و ما بخل بها ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ "بن ماجه)
ومن اجل القيم الإنسانية في الإسلام مراعاة مشاعر الناس والحفاظ على حقوقهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ" رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَنَاجَشُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، وَلَا يَحْقِرُهُ " رواه مسلم) فلقد نهى الإسلام عن كل ما يؤذى المسلم في ماله أو في عرضه أو في دمه بل حتى في مشاعره فنهى عن السب وتتبع العورات وما زال القران يؤكد على ذلك حتى نهى عن سوء الظن قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات11-12) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ" رواه الترمذي) ومن أعظم ما يظهر دعوة الإسلام إلى احترام مشاعر الغير قوله صلى الله عليه وسلم لرجلٌ جاء يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ يخطب،" اجلِس فقد آذيت " رواه أبو داود والنسائي) و ما جاء عن بن مسعود رضي الله عنه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما, أي من نحالتهما, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُضْحِكُكُمْ " ؟ قَالُوا : دِقَّةُ سَاقَيْهِ . قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ ". وتدبر قوله صلى الله عليه وسلم " إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ " وما جاء أن بعض الصحابة كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا "
وعليه نقول أن الإسلام كما انه دين الإنسانية فهو دين السلام للناس جميعا، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، حَرَامٌ، دَمُهُ ، وَمَالُهُ ، وَعِرْضُهُ " مسلم)
وان المتدبر في السنة النبوية يرى موقف الإسلام ممن يخدش هذا الأصل العظيم والقيمة السامية النبيلة فلا يمنع الناس بوائقه وأذاه وشروره ،فعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " البخاري) و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ "و قال أيضا "و الله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا خير فيها هي من أهل النار" رواه البخاري في الأدب المفرد).
إذا فالإسلام يدعونا في كل قول وفعل إلى التحلي بالقيم السامية النبيلة حتى ننعم بحياة هادئة مستقرة في تواد وألفة، حياة تحوطها الإنسانية وتنعم بالسلام ، فما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح هذه القيم النبيلة السامية بكل معانيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم" مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "