المواطن السعيد للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله الذي نصب الجبال فأرساها، وأرسل الرياح فأجراها، ورفع السماء فأعلاها وبسط الأرض فدحاها، الملائكة من خشيته مشفقون، والرسل من هيبته خائفون، والجبابرة لعظمته خاضعون، َلَهُ ما فِي السَّمَاوَاتِ وما في الْأَرْضِ كُلٌّ لَّه ُقَانِتُونَ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ | ** | أَنْتَ المُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ |
يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا | ** | يَا مَنْ إِلَيْهِ المُشْتَكَى وَالمَفْزَعُ
|
يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِهِ فِي قَوْلِ (كُنْ) | ** | امْنُنْ فَإِنَّ الخَيْرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ |
مَا لِي سِوَى فَقْرِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ | ** | فَبِالاِفْتِقَارِ إِلَيْكَ فَقْرِي أَدْفَعُ |
مَا لِي سِوَى قَرْعِي لِبَابِكَ حِيلَةٌ | ** | فَلَئِنْ رُدِدْتُ فَأَيَّ بَابٍ أَقْرَعُ |
وَمَنِ الَّذِي أَدْعُو وَأَهْتِفُ بِاسْمِهِ | ** | إِنْ كَانَ فَضْلُكَ عَنْ فَقِيرِكَ يُمْنَعُ |
إِنْ كَانَ فَضْلُكَ عَنْ فَقِيرِكَ يُمْنَعُ | ** | الْفَضْلُ أَجْزَلُ وَالمَوَاهِبُ أَوْسَعُ |
ثم الصلاة على النبي وآله | ** | خير الأنام ومن به يستشفع |
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله
ذاك الشفيع مقامه المحمودُ | ** | ولوائه بيد العلا معقود |
فإذا توافدت للحساب وفود | ** | قالوا تقدم بالأنام زعيما
|
صلوا عليه وسلموا تسليما | ** | فيقوم بالباب العلي ويسجد |
ويقول يا مولاي آن الموعد | ** | فيجاب قل يسمع إليك محمد |
ونريك منا نضرة ونعيما | ** | صلوا عليه وسلموا تسليما |
العناصر
أولا: تعريف السعادة
ثانياً: طريق السعادة
ثالثاً: وسائل تحقيق السعادة
الموضوع
أولا: تعريف السعادة
السعادة في اللغة: مشتقة من فعل "سعد" أي فرح واستبشر، والسعادة هي اليمن وهي نقيض النحس والشقاوة
اصطلاحًا: شعور نفسي يصحبه رضا يجده المرء عند توفيقه بين مصالحه الدنيوية والأخروية وفق ضوابط شريعة الإسلام
وقيل إن السعادة شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله-:( (اعلم أن السعادة الحقيقية هي الأخروية وما عداها سميت سعادة إما مجازاً أو غلطاً كالسعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة، وإما صدقاً ولكن الاسم على الأخروية أصدق
ثانياً: طريق السعادة
لكل مطلوب مفتاحا يفتح به: يقول ابن القيم: قد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور، كما قال مفتاح الصلاة الطهارة، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الفلاح والصلاح الرفقة الصالحة، ومفتاح الاستقامة محاسبة النفس وتقويمها، ومفتاح سلامة القلب التخلص من آفاته، و مفتاح الطمأنينة والسكينة ذكر الله ، ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ، ومفتاح الدخول على الله الإخلاص في الحب والبغض والفعل والترك ، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل وهذا باب عظيم من انفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه، كما جعل الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار، وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم ، وجعل الغنى مفتاح الزنا ، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق ، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان ، وجعل المعاصي مفتاح الكفر ، وجعل الكذب مفتاح النفاق ، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله ، وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون "([1])
سعادة الروح وسعادة الجسد: من المعلوم أن الإنسان مكون من روح وجسد، ولكلٍّ غذاؤه، وبعض الطرق والفلسفات الضحلة اهتمت بالروح وأنكرت مطالب الجسد؛ فكانت الانتكاسة، والمادية الحديثة على العكس طمست الروح، وأعطت الجسد كل ما يشتهي؛ فحولت قطاعًا كبيرًا من الإنسانية إلى حيوانية اللذات والشهوات! أو إلى آلات عقيمة، أما طريق الإسلام فقد غذَّى الروح بأنوار السماء، وحافظ على الجسد، وأشبع حاجاته وشهواته بالحلال الطيب فقال تعالى"{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} [القصص: 77]
وقد قرر النبي r ما قاله سلمان الفارسي t" إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه" ([2])
الإنسان إما شقي وإما سعيد: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالذي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " ([3])
إن الناس في البحث عن السعادة ثلاثة أصناف: صنف بحث عن السعادة في الدنيا من أجل سعادة الآخرة فأسعد نفسه وأسعد الآخرين وهم الأنبياء والأولياء والعلماء والدعاة إلى الله والصالحون.
صنف بحث عن السعادة من أجل الدنيا فحصرها في جانب معين من جوانب الحياة فانقلبت سعادته شقاوة
فخسر الدنيا والآخرة، كالنمرود وفرعون وهامان والوليد بن المغيرة وغيرهم.
صنف حصر السعادة في جانب معين من جوانب الحياة وعلى كل حال فمن أراد السعادة الحقيقة في الدنيا فليطلبها من ينابيع الشرع الإسلامي كما طلبها الرعيل الأول من الصحابة والتابعين الذين وجدوها في الإيمان بالله والتقوى وإتباع منهج الإسلام كما جاء عن النبي r.
الدنيا دار ابتلاء: قال تعالى" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"
ليست السعادة بكثرة الأموال: كثير من الناس يظن أن السعادة في كثرة الأموال وهذا غير صحيح هذا باطل فكثرة الأموال لم تنفع قارون الذي خسف الله به وبداره الأرض لما بغى وطغى في أمواله وكفر بنعمة الله عليه.
ولم يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم، وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال كحق الفقراء في أموال الأغنياء، وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
قال تعالى " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)" القصص
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" ([4]).
والمال نفسه ليس سببا للشقاوة بل سوء التصرف فيه، فالمال نعمة عظيمة ولكن يجب أن نحسن توظيفه فيما ينفعنا عند لقاء الله تعالى.
ليست السعادة بالملك والمنصب: بعض الناس يظن أن السعادة في الملك والرفعة والوظيفة والمنصب وهذا لا أصل له فما نفع الملك والمنصب والرفعة عند الناس ما نفعت فرعون الذي طغى وبغى في ملكه وتكبر وتجبر حتى وصل به الأمر إلى أن ادعى الربوبية ، قال تعالى: "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى" (عبس /79).
ليست السعادة بأنواع المأكل والمشرب: بعضهم يظن أن السعادة في تنويع المآكل والمشارب والشهوات وهذا غير صحيح فالله قال عن الكفار: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ" (محمد/12).
ثالثاً: وسائل تحقيق السعادة
كل الناس رجالاً ونساء. كباراً وصغار. يبحثون عن السعادة. والكل يتمنّاها. .
فيا تُرى من الذي وجدها؟ هل وجدها صاحب المحلات والعقارات؟ أم هل وجدها ذلك الذي يُتابع القنوات؟ هل وجدها ذلك الشاب الذي يُعاكس الفتيات؟ هل وجدها ذلك الذي يسهر على المُحرَّمات؟ هل وجدتها تلك المرأة التي
كشفـت وجهها أو عينها، ولَبِست تلك العباءة الضيقة والمطرزة؟ إنّني أتساءل من الذي ذاق طعم السعادة؟
من هو السعيد؟ وأين أجد السعادة؟ إنَّ السعادة كنزٌ عظيم. وغايةٌ منشودة. ومطلبٌ نفيس. .
الإيمان والعمل الصالح: قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون" سورة النحل (97)
وقال تعالى " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " سورة طه (123)
فالحياة الطيبة تكون لأهل الإيمان والعمل الصالح وأما غيرهم حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة فإنهم في ضيق ونكد، لأن مدار السعادة على القلب وراحته.
بل إن المؤمن الذي يرجو ما عند الله حتى وإن ضيق عليه في الدنيا وامتحن فيها فإنه بإيمانه وعمله الصالح يشعر بسعادة غامرة، ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري إني رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلتُ ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه. ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله عذاب، يقول ابن القيم: (وعلم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش فهو من أطيب الناس عيشاً وأشرحهم صدراً وأفواههم قلباً وأسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه) الوابل الصيب -ابن قيم الجوزية.
وإذا كان عمل الصالحات من وسائل سعادتك في الدنيا والآخرة، فإن الشهوات ومتابعة القنوات والسهر على المُحرمات طريقك إلى الشقـاء في الدنيا والآخرة.
وإنَّ إعراضك عن الله يجلب لك القلق والهمَّ والحزن، ألم تسمع قول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} سورة طه (124)
إنَّ الذنوب لها لذةٌ في لحظـتها ونشوةً في ساعتها، ولكن بعد ذلك عذاب القـلب، وسموم الروح.
رأيتُ الذنوب تُميتُ القـلوب وقـد يُـورِثُ الـذُلُّ إدمـانـُهــا
وتـركُ الذنــوبِ حيـاةُ القـلوب وخيــرٌ لـنـفـسـكَ عِـصـيـانــُها
الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن: فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وزوال همه وغمه قال تعالى: " الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " سورة الرعد (28)
والقرآن كتاب الحياة، وباب السعادة، كلما نظرت فيه كلما أشرق في قلبك نور الإيمان، قال تعالى: فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " سورة التغابن (8)
إنّه القرآن يا أمة الإسلام، فلماذا هجرناه وأعرضنا عنه ونسيناه، ولماذا ألهتنا الدنيا عن قراءته وتدبره، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} التغابن.
إنَّ القرآن علاج الهموم، ومُزيل الغموم، ومُذْهِب الحسرات، وكاشفُ للبلديات، فيا من أحاطت به هموم الدنيا، وأزعجـته المصائب، أُوصِيك بأن تجلس مع القرآن في كل يوم ولمدة ساعة تقرأ فيه، وتتأمل معانيه، وتعرض نفسك عليه، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة.
العطاء بحب وسخاء : هذا أمر مجرَّب ومشاهَد، فإننا نجد الذي يحسن إلى الآخرين من أسعد الناس، ومن أكثرهم قبولا في الأرض، قال تعالى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران: 92)
والعطاء له أشكال كثيرة؛ فقد جعل الله العطاء بالمال جزءًا من أركان الإسلام؛ ففرض وأوجب الزكاة على الغني للفقير، وقرر الله أن هذا العطاء ينبغي أن يكون بطيب نفس وإخلاص لله بأفضل ما يحب الإنسان، وبلا مَنّ على الناس، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]
، بل وسَّع العطاء ليتجاوز المال إلى كل عطاء سواءً كان مالًا أو طعامًا أو جهدًا وعملًا، قال تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان)
بل وحتى لو كانت مجرد ابتسامة، فعن أبي ذر t قال قال رسول الله r تبسمك في وجه أخيك صدقة" ([5])
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ([6]).
ولا شك أن هذا العطاء هو الذي يوجِب سعادة الدنيا، أما العطاء لمكسب دنيوي أو بمَنٍّ وأذى لا يجلب شيئًا من السعادة حتى ولو ظهر غير ذلك.
اليقين والثقة بالله عز وجل: إن الإيمان يحقق للمؤمن اليقين والثقة الكاملة بالله تعالى؛ مما يكسبه ثقة في نفسه؛ فلا يخشى شيئًا في هذه الحياة، فهو يعلم وقتها أن الأمر كله لله عز وجل، قال تعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأنعام: 17.
كما يوقن أن رزقه بيد الله وحده، قال تعالى {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} العنكبوت.
وأنه ما من دابة في الأرض إلا وتكفل الله برزقها، وقال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مسترقها وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (هود: 6)
، حتى ولو لم تكن تستطيع أن تأتي برزقها، قال تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60]
الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف : فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه" .
وقال تعالى: "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "(النساء/ 114).
الدعاء: لا تُنال السعادة إلا بتوفيق الله جل جلاله، فأول ما ينبغي على من أراد أن يُسعده الله في الدنيا والآخرة أن يُكثر من الدعاء وأن يسأل الله عز وجل أن يُحييه حياة السعداء وان يُميته ميتة الشهداء وأن يرزقه مرافقة الأنبياء، فإن الله كريم ولا تستكثر علي الله أن يسعدك في أهلك ومالك وولدك فإن الله مُقلب القلوب والأحوال.
وكم من شقي قلَبه الله سعيداً في طرفة عين فالله على كل شيء قدير.
وكان النبي r يقول فيما روي عن أنس قال كان النبي r يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال "([7])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r-يَقُولُ "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دنياي الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِى وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ" ([8]).
اقصد إلها كريما في عطاياه | ** | ما خاب عبدٌ بوقتِ الضيق ناداه |
قل استعنت بربٍ لا شريك له | ** | ربُّ العباد لطيف في خفاياه
|
مَن غير ربك عند العُسر تقصده | ** | فالعسر يسرٌ بلطف الله تلقاه |
إني التجأت بباب الله من وجع | ** | يا سعد من بثَّ للرحمن شكواه |
هذي المناجاة للرحمن أرفعها | ** | ومن سواك يجيب العبد رَّباه |
بك استعذت إلهي في بدايتها | ** | ثم الصلاة على المأمول رؤياهُ |
حمد الله وشكره والرضا بما قدر الله وقسم: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَلَكَ امْرَأَةٌ تأوي إِلَيْهَا قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ قَالَ فَإِنَّ لي خَادِمًا قَالَ فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ ([9])
الأخلاق الحسنة: عن أبي أمامة قال قال رسول الله r أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"([10])
والله إنَّ المُتَّصفين بالصفات الحسنة والأخلاق الحميدة ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال، إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس، فكيف لا يجدون السعادة؟
إذا أراد الله أن يسعدك طابت شمائلك وطابت أخلاقك وخلالك فأحبك الناس من قولك وأحبك الناس بفعلك.
مَنْ رزقه الله حُسن الخُلق عاش سعيداً ومات حميداً ورضي الناس عنه وشهدوا له بكل خير ولربما بقي حياً بعد موته بجميل خُلقه.
الأخلاق الطيبة والآداب الطيبة ومُعاشرة الناس وتوطئة الكنف من أعظم أسباب السعادة فأول ما ينبغي على الإنسان إذا أراد أن يكون سعيداً مع المُسلمين أن يكون نقي القلب والسيرة.
فلا سعادة إلا إذا استل العبد من قلبه الشحناء والبغضاء والحسد واحتقار الناس وآفات القلوب وأسلم لله قلبه واستحي من الله أن ينظر الله إلى قلبه وفيه غلٌّ علي مُسلم واستحي أن ينظر إلى قلبه وفيه الحسد أو البغضاء أو الشحناء.
إنّهم يسيرون على منهج الرسول ــ r ــ الذي مدحه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم
فكيف تكون منزلتهم في أعلى الجنة يوم القيامة ولا يكونون سعداء في الدنيا وهم متخلقون بأخلاق قوتهم ونبيهم المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
سعادة التائب بمغفرة الذنوب: إنَّ للتوبة حلاوة ولذة وسعادة لا يشعر بها إلاَّ من ذأفها. واسألوا التائبين.
فعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال التائب من الذنب كمن لا ذنب له "([11]) .
ألم يفوزوا بمحبة الله لهم، قال عزَّ وجـل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة (222). أليس هذا شرفٌ لهم؟ فإنَّ الله يفرحُ بتوبة التائبين.
فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" ([12]).
أليس لهذا الفرح الرَّباني ثمرة في قـلوب التائبين والتائبات.
إنَّ التائب قد ترك كل شيء لا يُرضي الله. إنّه يُريدُ بذلك ما عند الله. وسوف يُعوضه الله خيراً وهو النعيم والسعادة في الدنيا والآخرة.
بر الوالدين ورضاهما: ومن أرضى والديه t وكم من ابنٍ بارًّ فُتحت أبواب السماء لدعوات مُستجابة من والديه وكم من ابن بارًّ فتح الله أبواب الخير في وجهه لما أرضى الله في والديه.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r-أي الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ ثُمَّ أَيٌ قَالَ "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قُلْتُ ثُمَّ أي قَالَ "ثُمَّ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لزادني ([13]).
الأولاد لأنهم هم عماد الظهور : الولد الصالح إن نسيت الله ذكَّرك، وإن ذكرت الله أعانك وإن كُنت على طاعة ثبَّتك، الولد الصالح بَهجة الدنيا وسرورها، وأُمنية الأخيار والصالحين فهم دعوة من دعوات عباد الرحمن قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " سورة الفرقان.
ودعاء دعا به نبي الله زكريا قال تعالى (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) سورة الأنبياء.
ولن يكونوا سببا في السعادة إلا إذا نشئوا في بيئة دينية نشئوا علىّ طاعة الله ورسوله، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" ([14]) فهنا يكون الولد مصدر سعادة لأبوية في الدنيا والآخرة.
أما إذا تربى علىّ الفساد والإفساد والإجرام فإنهم يجلبوا لآبائهم التعاسة والشقاء، قال تعالى (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) سورة الكهف.
أربع من السعادة وأربع من الشقاء: عن سعد بن أبي وقاص t أن النبي r قال: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق) ([15])
وعَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ: الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ "([16])
والمراد أن هذا من سعادة الدنيا، لا سعادة الدين، والسعادة مطلقة ومقيدة، فالسعادة المطلقة هي السعادة في الدارين، الدنيا والآخرة، والسعادة المقيدة تكون حسب ما قيدت به، فمن رزق الصلاح في الأشياء المذكورة طاب
عيشه، وسعد ببقائه، لأن هذه الأمور مما يريح الأبدان والقلوب، ويجعل الحياة مريحة أكثر.
والمراد بالشقاوة هنا: التعب، كما في قوله تعالى: (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) طه.
أي: فتتعب، ومن ابتلي بالمرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء تعب في أكثر أوقاته، فإن ضيق الدار يضيق الصدر، ويجلب الهم، ويشغل البال.
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر: من أراد أن يعيش سعيداً مع الناس، حرص علي أمرهم بالخير ودلالتهم علي الخير فإذا فعل ذلك طَيَّب الله ذكره
وطيب الله مجالسه وقذف في قلوب الناس حبه وحب الجلوس معه ولو كانوا من جيرانك الأقربين إذا زرتهم وتفقدت أحوالهم فإن رأيت تقصيراً كمّلته وإن رأيت عيباً دللتهم عليه ونبَّهتهم عليه وأرشدتهم إليه وأخذت
بمجامع قلوبهم إلي الله وذكَرتهم بالله واحتسبت الأجر عند الله.
قراءة سير الأنبياء والصالحين: من العلماء العاملين والأئمة المهديين ومن صاروا على نهجهم من الأخيار والصالحين فإن ذكر الصالحين والنظر إلى أحوالهم وما كانوا عليهم من الاستقامة والثبات مما يقوي القلوب علي طاعة الله ويُثبتها على مرضات الله
طلب العلم: ومن أسباب السعادة التي يسَّر الله عز وجل سبيلها علي العبد طلب العلم وغشيان حلق الذكر، قد قال r في الحديث الصحيح عن مجالس الذكر :( هم القوم لا يشقي بهم جليس) ([17])
فمن أمارات السعادة ومن أسبابها ودلائلها: أن يوفق الله العبد لحُب مجالس العلماء وغشيان حلق الذكر والصالحين.
أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه : ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في الرزق والصحة وغيرها وقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ) ([18]) ، فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد "رأت فأرة جملا فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصلت إلى باب بيتها وقف فنادى بلسان الحال إما أن تتخذي دارا تليق بمحبوبك أو محبوبا يليق بدارك وهكذا أنت إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك وإما أن تتخذ معبودا يليق بصلاتك تعاهد قلبك فإن رأيت الهوى قد أمال أحد الحملين فاجعل في الجانب الآخر ذكر الجنة والنار ليعتدل الحمل فإن غلبك الهوى فاستعنت بصاحب القلب يعينك على الحمل فإن تأخرت الإجابة فابعث رائد الانكسار خلفها تجده عند المنكسرة قلوبهم مع الضعف أكثر فتضاعف ما أمكنك".
من هو السعيد؟ : أيها الأحبة في الله: السعيد هو الذي امتلأ قلبه بالله ، هو الذي أمس وأصبح ليس في قلبه غير الله جل جلاله هو الذي أسعده الله في نفسه فاطمأن قلبه بذكر الله ولهج لسانه بالثناء علي الله ، هو الذي أقرَّ الله عينه بالطاعات وسرَّه بالباقيات الصالحات ، هو الذي أسعده الله في أهله وماله وولده فرأي قرة العين ، هو الذي حمد الله سُبحانه وتعالي علي القليل والكثير، هو الذي أسعده الله بين الناس فعاش طيب الذكر حسن السمعة ,لا يُذكر إلا بالخير, ولا يُعرف عنه إلا الخير، هو الذي إذا وقف علي آخر أعتاب هذه الدُنيا وقف بقلب ثابت ولسان ذاكر قد رضي عن الله فأرضاه الله ، هو الذي إذا دنت ساعته وحانت قيامته تنزلت عليه ملائكة ربهِ تُبشرهِ بالروح والريحان والرحمة والغفران وأن الله راضٍ عنه غير غضبان ، هو الذي خُتِم له بخاتمة السُعداء فكان آخر ما نطق بهِ من الدُنيا لا إله إلا الله، هو الذي أسعده الله في قبرهِ وأقر عينهِ في لحدهِ حتى إذا أُدخل في ذلك القبر، وأُنزل في ذلك اللحد، وثَّبت الله له الجنان وسدَّد له اللسان فقال: ربي الله وديني الإسلام ونبي مُحمد r فنادي مُنادٍ في السماء أن صدق عبدي ففرش له من الجنان، وفتح له منها يأتيه من الروح والريحان فقال السعيد: يا ربَّ أقم الساعة يا ربَّ أقم الساعة شوقاً إلي رحمة الله، وحنيناً إلي عظيم ما ينتظره من فضل الله.
السعيد هو الذي إذا بُعث من قبرهِ وخرج من حشره ونشره، خرج مع السُعداء الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة، هذا يومكم الذي كُنتم توعدون، هو الذي إذا دنت الشمس من الخلائق واشتد لهيبها وعظم حرها فإذا بهِ في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.
السعيد هو الذي إذا وقف بين يدي ربهِ وقف موقف الكريم فأعلي الله شأنه وأنطق بالخير لسانهِ ونادي مُنادي الله
عليه بالبشري بالجنة، السعيد هو الذي ينتهي مآله ويكون قراره إلى الجنة دار السُعداء، ومنزل الأتقياء.
السعادة الحقيقة التي يتمناها كل عبد صالح: هي التي إذا فتح الله أبوابها لم يستطع أحد أن يغلقها عليك، إذا أراد الله أن يسعد العبد كان أول ما يرزقه الإيمان بالله جل وجلاله، مَنْ عرف الله بأسمائه الحُسني وصفاته العلي ورزقه الله سلامة الإيمان، واستقامة الجنان وفوضَّ الأمور كلها للواحد الرحمن، واعتقد من قرارة قلبه أن لا ملجأ ولا مُنجي ولا مفر من الله إلا لله.
أيها الأحبة في الله: إذا أراد الله أن يسعد العبد رزقه انشراح الصدر بذكره، وطمأنينة القلب بالإنابة إليه وشكره، والذاكرين الله كثيراً والذاكرات من السعداء، إذا أراد الله أن يسعد العبد رزقه قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً، فأصبح لسانه لا يفتر عن ذكر الله، جل جلاله وأصبحت ساعاته وحركاته وسكناته كلها لله، سُبحانه وتعالي ينتقل من طاعة إلى طاعة ومن بر إلى بر ومن خير إلي خير لا يسأم ولا يمل وقلبه مُعلق بالله سُبحانه وتعالي
-تذكر قبل فوات الأوان: يا من يظن أن السعادة في معصية الله هل أنت سعيد؟
يا عاق والديك ، يا هاجر القران ، يا تارك الصلاة ، يا ظالم الناس وآكل حقوقهم ، يا ناسي القبر، لو كلَّم الأموات الأحياء لقالوا: ما أكثر ما عندكم من الغفلة ، وما عندنا في قبورنا أكثر من الحسرة ، ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، وتلك الأيام نداولها بين الناس، إن الفلك دوار والحياة لا تتوقف ، والحوادث لا تكف عن الجريان ، والناس يتبادلون الكراسي الزائلة ، وضعفاء الأمس اقويا اليوم والأغنياء أصبحوا فقراء ، والفقراء تحولوا إلى أغنياء ، ولا حزن يستثمر ولا فرح يدوم ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) سورة "ق" (37).
حقا أول ما نأخذهُ من الدنيا شهقةَ هواء، وأول ما نتركهُ من الدنيا زفرةَ هواء، هذا هو العدل نعيدُ ما أخذناه بسخاء
يا جاحد النعم: الوقت الذي تتضجر فيه من أولادك غيرك يتمنى أظفارهم ، الوقت الذي تختنق فيه من شغلك غيرك حفيت أقدامه على عمل ، الوقت الذي تندم فيه انك تزوجت غيرك يحلم أن يتزوج ، الوقت الذي تتمنى أن يكون لديك سيارة غيرك قعيد على كرسي متحرك ، الوقت الذي تقوم فيه من النوم مكتئبا مكشرا غيرك يقوم يغسل كليته ، الوقت الذي تغضب فيه أباك وأمك غيرك يتمنى يوم من أيامهم ليقبل أقدامهم ، واقعك الذي تعيشه أحلام بالنسبة لغيرك - تنام بدون حبوب مهدئه - ولا إبر معلقه - ولا أجهزة تراقب نبضات قلبك فقل الحمد لله سبحانه حجب عنك ما تريد ليمنحك ما تحتاج..
والسعيد باختصار هو: الذي حقق العبودية لربه تبارك وتعالى فلو أبحرت في كل بحار العالم وعلى كل ذرة تراب بهذا الكون لتبحث عن السعادة فلن تجدها إلا إذا منحك الله تعالى إياها، فأصلح علاقتك مع ربك يصلح حالك فيسعد قلبك... فمن أراد السعادة فليلتمسها في المسجد في المصحف في السنة، في الذكر في التلاوة، في الهداية في الاستقامة في الالتزام، في إتباع محمد، عليه الصلاة والسلام.
إن خريطة الوصول إليها في كتاب كريم محكم الآيات هو القرآن العظيم، وفي ثنايا السنة تجد إشارات تسرع بك أيها الساعي إلى السعادة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب الشيخ أحمد أبو عيد
%%%%%%%%