دور الشباب في البناء والتعمير د/ عادل هندي
26/10/2018
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على سيدنا رسول الله الصادق الأمين، وبعد: فإِنّ النّاظر في تاريخنا
الإسلامي المُشْـرِق يجد صفحاته قد أُنيرت بفضل الله تعالى ثم بفضل شباب عظماء،
رفعوا راية الدين فوق كل شبر في الأرض، ونشروا رسالته في الآفاق، وساهموا في تصحيح
مفاهيمه وردّ الشبهات عنه؛ ولم لا؟!!
وهم الطاقة الفعّالة التي
بصلاحها ينصلح حال المجتمع، وبفسادها يفسد المجتمع كلّه...... لذا فقد اهتمّ
الإسلام بتلك المرحلة العمرية، وعظَّم شأنها، وحضَّ على استغلالها، والقيام بحقها؛
إرضاءً لله تعالى، واستغلالاً لها قبل إنقضائها؛ فإنها إذا انقضت لا تعود..
لذا يأتي
الاهتمام بالشباب؛ فما رُفعت راية الدين، ولا اكتمل نصاب العِزّة في تاريخ الأمة
إلا من خلال الشباب، ونصرت العُصْبة المؤمنة الأولى دينَ الله بطاقات الشباب،
وانتشرت رسالة الإسلام في الآفاق، وأسهمت أمّتنا حضاريًّا في رقي الأمم والشعوب عن
طريق طاقات الشباب!!!!!
حديث القرآن الكريم عن الشباب:
لقد اعتنى القرآن الكريم بالشباب، وكانت قصصه
ونماذجه الواقعية -التي رفعت الروح المعنوية لدى الشباب، وحذّرت من
سلوك طريق المنحرفين- كانت دليلا للحيران، وهداية للضال...
*
فهذا فتى يدحض شبهات عبدة الأوثان والكواكب، فتى
قويت حجته أمام حججهم الواهية، إنه نبي الله إبراهيم، الذي عناه القوم بقولهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
[الأنبياء: 60].
*
وهذا يوسف الكريم ابن الكريم، العفيف النقي
الطاهر، الذي اهتمّ الله بإعداده ورعايته وحمايته وحراسته، شاب في بلد غربة، ولا
يعرفه أحد، ولن يعاب عليه إن فعل الفاحشة، فهو عبد لا سيّد في بيت عزيز مصر، لكنّه
يرفض أن يقع في الفاحشة، قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ
لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ
رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 23، 24].
*
وهذا نبي الله موسى (شاب) صاحب رسالة، يقابل
بنات وفتيات فساعدهنّ ووقف بجوارِهنّ لكنه ما انتظر مقابلاً ولا علاقة محرمة أبدًا
–حاشا وكلا- قال تعالى في شأنه: {وَلَمَّا وَرَدَ
مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ
امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ
الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ
فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 23، 24].
*
وهؤلاء هم فتية الكهف الذين تحرّكوا برسالة
الإيمان بعيدًا عن قومهم الذي عاندوا الحقّ، وتحوّلوا إلى الإيمان، شباب صمدوا في
وجه الشرك والوثنية، فحفظهم الإله، وذكرهم في كتابه مادحًا إياهم بقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].
توجيهات السنة النبوية للشباب:
وقد لاحظنا أن النبي محمد e قد أوصى بالشباب خيرًا
واعتنى بهم أيَّما عناية ووثق بهم وكلّفهم ووظّف طاقاتهم بصورة تحرج القيادات
والزعامات في كل مكان، فوجدناه -عليه الصلاة والسلام- يبشر الشباب إذا نشأوا في
طاعة الله تعالى بقوله: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ
فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وعدّ منهم: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ»
[صحيح البخاري].
وقام يحضّ على استغلال هذه
المرحلة العمرية، بقوله: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ
خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ
فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [المستدرك على الصحيحين للحاكم، وقال عنه: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]. كما أكّد على أن المرحلة
العمرية الأبرز اهتماما في الدين، والأكثر سؤالا عنها يوم القيامة وما كان فيها
هي: الشباب؛ حيث قال e: (لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ
يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ
فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ
وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ).
وما كانت عناية القرآن
والسنة بمرحلة الشباب والحضّ على استغلالها إلا لأنّ فترة الشباب هي فترة مظنة أو
غلبة الشهوة، وهي فترة العطاء والتضحية والبذل. كما أنها أكثر فترة يعمد أعداء
الأمة على السيطرة عليها فكريا وثقافيًّا وأخلاقيًّا، فصار غزو الغرب اليوم
للمجتمعات العربية لا بالسلاح والسيف؛ بل بالفكر والثقافة والأخلاق..
ومن هنا يظهر لنا أسباب اهتمام الإسلام بالشباب قولا
وفعلاً؛ لأنهم طاقات البناء الحقيقية في
المجتمعات، وأساس تقدم أي مجتمع أو تأخره عن الإنجاز، كما أنهم أمل أي أمّة وساعدها
الأيمن وروحها النابضة.
وسلْ نَفْسَك الآن:
*
هل أخذَ يحيى -عليه السلام- الرسالة إلا وهو
شاب؟
*
وهل رافقَ عيسى -عليه السلام- في رحلته إلا
الشباب؟
*
وهل كان أصحاب النبيّ e الذين ناصرُوا دعوتَهُ إلا
شبابًا؟
*
بل حتى هل كان تقدم كثير من المجتمعات
المعاصِرَة إلا من خلال شبابها؟
&&&
ولذا فقد آثرت الحديث معكم عن الشباب من خلال محورين، وهما:
أولا: كيف أعدّ الرسول e شباب الأُمّة؟
ثانيًا: دور الشباب في بناء الأمّة وتعميرها
&&&
أولا: كيف أعدّ
الرسول e شباب
الأُمّة؟
عندما
نتكلّم عن إعداد الشباب اليوم يأسف المسلم أسفًا شديدًا، ويحزن لما وصل إليه
حالهم، فأين غاياتهم؟ وأين أهدافهم؟ وأين هم متجهون؟ وأين هم من أمثال هؤلاء
الأبطال الأفذاذ:
*
علي بن أبي طالب t أسْلَم وهو ابن ثلاثة عشر
عامًا!!
*
زيدبن ثابت t مترجم اللغات الأخرى للرسول e وهو ابن خمسة عشر عاما!! حتى
صار كاتبًا من كُتّاب الوحي!!
*
أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- كان
قائدًا لجيش المسلمين، وذهب بالجيش وعاد دون خسائر أو نقائص، كان عمره أقل من
عشـرين سنة!!
*
مصعب بن عمير t شاب بلغ ما يقارب السبع عشرة
سنة ويصبح سفيرًا للإسلام والإيمان في دولة الغربة (المدينة)؛ ليؤهلها لاستقبال
الرسالة الإسلامية بهجرة الرسول إليها!!
والسؤال:
·
كيف
تم إعداد هؤلاء الشباب؛ حتى وصلوا إلى ما وصل إليه؟
·
لماذا
لا نعدّ شبابنا كمثل هؤلاء في زمن كثر فيه التآمر عليهم؟
·
ما
هي الأدوات التي تم من خلالها إخراج جيل العزّة والريادة؟
والجــــــواب: أنه قد اجتمع لهؤلاء الأكارم عدة عوامل ساعدت
على إخراج هذا الجيل، ومن بين تلك العوامل ما يأتي:
1.
الإعداد
العقدي: حيث قام الرسول e يربّي شباب الصحابة على عقيدة
راسخة؛ بحيث لا يتنفسون نفَسًا إلا تحت مظلة عقيدة التوحيد واليقين في الله،
ولعلنا نذكر ما قاله لابن عباس وهو غلام صغير، كما يحكي ابن عباس بنفسه، فيقول: كنت
ردْفَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: ((يا غلام،
إني محدثك حديثاً: احفظ الله يَحفظْك، احفظ الله تجدْه تجَاهك، إذا سألتَ فاسأل الله،
وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، فقد رفعتَ الأقلامُ: وجَفَّت الكتب، فلو جاءت الأُمةُ
ينفعونك بشـيء لم يكتُبه الله عز وجل لك لما استطاعتْ، ولو أرادتْ أن تضـرك بشـيء لم
يكتبه الله لك ما استطاعت)).. هذا الإعداد العقدي جعلهم يتحمّلون مصائب
الدهر، ولا تخور قواهم عند أتفه مصيبة أو بلاء.. هذا الإعداد العقدي أخرج جعفر بن
أبي طالب ليقف أمام النجاي مستعليًا بعقيدته، معتزًّا بها، وأخرج هذا الإعداد ربعي
بن عامر (الشاب المسلم) الذي وقف أمام رستم؛ ليعلِنَ للدنيا أننا مبتعثُون لإخراج
الناس من عبودية العباد إلى عبادة ربّ العباد.
2.
الإعداد
الروحي والإيماني: وقد
تمثّل هذا الإعداد في وضوح الغاية؛ فهؤلاء الشباب على دراية واعية بغاية وجودهم
وخلقهم، وفهموا أن عليهم دورًا في هذه الحياة، وامتثلوا قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات: 56]. وتحرّكوا بهمّة عالية نحو تعمير الأرض ونشر الخير فيها، عاملين
بقول المولى الكريم: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]. فضلاً عن التشجيع والتحفيز
للشباب على الاستزادة الإيمانية من رصيد الطاعات؛ ففي الحديث: أن ابن عمر زار أخته
حفصة، فقال النبي في وصفه: (نعم الرَّجل عبدالله؛
لو كان يقوم من الليل) يقول سالم -ابن عبدالله بن عمر-: «فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا»..
3.
الإعداد العلمي
والثقافي: فلقد اهتمت الشريعة الإسلامية ببيان أهمية العلم والتعلم وجعل التحصيل
العلمي النافع دينًا وعبادةً وواجبًا على أبناء الأُمّة وبناتها؛ قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ
مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] فهذه أم المؤمنين حفصة
-زوجة الرسول e- كان لها معلمة وهى صغيرة في بيت أبيها، فآثر أن تكمل معها رحلة
العلم وهي في بيت الزوجية -وكانت شابة-؛ بل وجعل فداء الأسير من المشركين يوم بدر
أن يعلِّم عشـرة م المسلمين... وهذا نموذج تربوي للآباء في التربية العلمية، إما
بمساعدة في طلب العلم، أو دعاء بالتوفيق في طلبه والسداد والنجاح في طريقه، إنه
نموذج قام به الرسول مع ابن عمه وحبيبه ابن عباس -حبر الأمة- يدعو رسول الله لابن
عباس: «اللهم عَلِّمْه الدّين وفقهه التأويل».
4.
الإعداد الخُلُقي
والقِيَمِيّ: فأساس تقدّم الأُمم
والشعوب: الرقي الأخلاقي، وكيف ترقى المجتمعات أخلاقيا ورصيدها الأقوى من الشباب
غريق في بحار الشهوات والفتن، وبعيد عن القيم الفاضلة، لذا وجدناه صلى الله عليه
وسلّم قد عمل على إعداد شباب الأمّة أخلاقيًّا وانشغل انشغالا كبيرًا بهذه القضية؛
ولم لا ورسالته رسالة الأخلاق والقيم؛ حيث يقول: (إِنَّمَا
بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ) ومن نماذج تربيته الفذة
للشباب أبناء على الخُلُق الفاضل ونبذ الخُلُق السيئ، ما ورد عن عبد الله بن عامر،
أنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله r قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال
أعطك، فقال لها رسول الله r: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول
الله r: "أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة". {رواه أبو داود في سننه، وقال عنه الألباني في
صحيح الجامع وصحيح الترغيب والترهيب: «حسن لغيره»} وذلك درس في تحفيز أولياء الأمور على الصدق الدائم مع الأبناء.
5.
الإعداد
البدني والجسدي: ورد في الحديث أنّ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وقد كان هذا شعار النبي r الذي رفعه على رؤوس أصحابه ودرَّب عليه الشباب، وقام يربيهم على
نهج قوي، تارة بالحديث والكلام والتوجيه، وتارة بالمشاركة في مصارعة أو رمى
بالنبال مع صبية صغار، وتارة بتولية الشباب قيادة تحتاج إلى قوة وفروسية. ومن ثمَّ
فقد خرجت هذه النماذج من مدرسة التربية الجسدية، على عهد رسول الله r، ولك أن تنظر معي إلى هذه النماذج، وتأمل بعين المتأمل والمتدبر،
والمُرَبِّي الحكيم، إلى الآتي:
* في صحيح البخاري، عن
يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: مر النبي r على نفر من أسلم ينتضلون -{أى: يرمون بالسهام
للسباق}-، فقال النبي r: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا ارموا، وأنا مع
بني فلان" قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله r: "ما لكم لا ترمون؟"، قالوا: كيف
نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي r: "ارموا فأنا معكم كلكم".
* وهذا الزبير بن
العوام، يُرْكِب ولده -عبدالله- الفرس ليجاهد وهو ابن عشر سنين.
* وما قصة عمير بن أبي
وقاص عنا ببعيدة، وهو أخو سيدنا سعد بن أبي وقاص، وقد جاء وهو صغير في بدر يستأذن
للدخول في المعركة، فلا يجيزه رسول الله، فبكى بكاء شديدًا -انتبه أيها الأب، وأنت
أيها الابن: انظر على أي شيء يبكي؟ لا يبكي لخسارة فريقه الذي يهواه، ولا يبكي لأن
الفتاة التي يحبها تركته!!- يبكي لأن النبي لم يجزه للدخول في معركة قد يفقد فيها
حياته ويموت، فيجيزه رسول الله فيفرح ويستشهد فيها، وقد ذكر صاحب الطبقات الكبرى
أنه استشهد وهو ابن ست عشرة سنة.
* وتلك قصة لمعاذ
ومعوذ، اللذان قتلا عدو الله أبي جهل اللعين في غزوة بدر الكبرى؛ لماذا؟ لأنهما
سمعا أن أبا جهل سبَّ رسول الله.
ومن هنا نقول: لم لا نربي شبابنا على القوة
والفتوة، لا ليتعافوا بها على الناس، أو يظلموا الخلق، ولكن لنعودهم وندرّبهم على
أن الله يحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الهزيل الضعيف؟ لم لا نلحق الأبناء
بمدرسة رياضية -إن كان ممن يهوون الرياضة- وننميها لديهم، ونعلمهم أنها وسيلة لا
غاية، ونذكرهم بألا تلهيهم عن القضايا الأساسية في الحياة، من عبادة الله وطاعته؟.
6.
الإعداد
النفسي: لقد كان رسول الله
e صاحب نفسية شفافة، وروح عطوفة، ورأفة عالية، ورحمة متناهية؛ حيث
قال الله في وصفه في كتابه المجيد: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ
القلب لانفضوا من حولك»، وقال جل شأنه بأسلوب الحصر والقصر -كما يقول علماء
اللغة-: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». وهذه الرحمة وتلك التربية الربانية، من
الله العليّ سبحانه لمحمد بن عبدالله r، جعلته صاحب نفسية شفافة في تربية الجيل الفريد الأول من الصحابة
وأبنائهم العظام. ومن بين هذه الصور المتميزة في تربيته نفسيا لشباب الجيل الأول
ولا أدل على ذلك من الآتي: [كان يقبّلهم ويحتضنهم وينميهم عاطفيا ونفسيا (إنها
رحمة)، كان يلاعبهم ويداعبهم ويتسامر معهم (قصة النغير وعمير)، المكافأة المعنوية
بالألقاب الجميلة المميزة (الحِب ابن الحِب - حبر الأمة - أمين الأمة - ترجمان
القرآن - حافظ السر- كاتب الوحى..........) كلها ألقاب وغيرها، كانت لشباب وأبناء
تربوا في حجر النبوة، البعد عن النقد الجارح والقيام بالتصويب الناجح، كقصة الشاب
الذي جاءه يستأذنه في الزنا...
فضلاً عن الإعداد المهني
والحرفيّ، والإعداد الدعوي..... الخ.