خطورة الشائعات ومنهج المسلم في التعامل معها د عادل هندي
الحمد لله رب العالمين، من اعتصم بحبل عفوه وفّقه وهداه، ومن لجأ إليه في ليل أو نهار حفظه ووقاه، ومن تواضعَ لعظمته رفعه وحماه، وأشهد أن لا إله إلا الله؛ شهادةَ من عرف ربّه بصفاته ولم يخش أحدًا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعـد:
فاسمحوا لي أن أبدأ حديثي معكم بذكر بعض مواقف وقصص وأحداث وقعت في التاريخ وتسببت في مشكلات كثيرة لنتعرّف على السبب وكيفية مواجهته..
أشاع فرعون عن نبي الله موسى أنه ساحر عليم وسوّق في الأذهان أن موسى وهارون إنما جاءا ليخرجا الناس من أرضهم؛ وما ذاك إلا ليؤلبهم على منهجه ودعوته..
أشاع المشركون على سيدنا محمد أنه ساحر وشاعر وكاهن في أول دعوته ليصدوا الناس عن الاستجابة له، كما حكى الطفيل بن عمرو الدوسي في قصة إسلامه، غير أن السحر انقلب على الساحر وأسلم الطفيل..
أشاع ابن قمئة القاتل الفاجر أنّه قتل الرسول في يوم أُحُد، فهبطت همّة بعض المسلمين وكاد النبيّ أن يُقتل.
أشاع المنافقون على أم المؤمنين عائشة أنها زنت وأن صفوان بن المعطل قد نال منها ما نال، وتأذّت مشاعر الرسول وانقلبت أحوال المدينة، حتى ظهرت براءة أم المؤمنين من فوق سبع سماوات..
أشاع أهل الخبث والدهاء عن عثمان ذي النورين أنه لم يحضر بدرًا ولم يشاهد شيئًا مع الرسول وأنه وأنّهْ، فخرج عليه الخوارج الذين قتلوه واستباحوا دم مَ شهد له النبي بالجنة بصحيح الأحاديث..
أشاع التتار أنهم قادرون على مص دماء البشر من خلال رسائل الترهيب، فانكسرت شوكة المسلمين في بغداد ومصر، إلى أن قيّض الله للأمّة من يفك أسر بغداد وبلاد المسلمين من شرِّهم..
أشاع الأمريكان أنّ العراق بها سلاح نووي، فتدمّرت العراق وانقسم أهلها إلى طوائف وشيع وأحزاب..
وبنظرة يسيرة إلى الكلمة المشتركة في كل ما سبق من نماذج...
وبتأمل يسير في الهمّ الذي ألمّ بالأمة نجد السبب في الشائعات الفاجرة والأكاذيب القاتلة...
وفي ضوء ما سبق لو تتبعنا تاريخ الشائعات: لتبيّن لها أنها قديمة قدم الإنسانية، وإذا نظرنا إلى واقع الدعوة الإسلامية فسنرى أنّ أعداء الإسلام لطالما استخدموا هذهِ الوسيلة الخبيثة في تدمير الروح المعنوية للمسلمين وتشكيكهم في مناهجهم ورموزهم.
فقد استخدمت الشائعة ضد كل الأنبياء والمرسلين وضد كل الأطهار عبر كل زمان ومكان...
(الشائعات) هي جزء من الحروب النفسية التي تمارَس ضد الأفراد والشعوب.
وهو سلوك الفَسَدة والفشلة في كل زمان ومكان.
فكم من بيت دُمِّر، وفتاة قُتلت، وزوجةٍ ذُبِحَت أو طُلِّقت لشائعة!!
وما ذاك إلا لأنّ الشائعة تعمي عن الحق وتصمّ الآذان..
الشائعات: تحدث شروخاً في المجتمع الإسلامي؛ فتصدِّع بنيانه، وتشقق جدرانه، وتعرضه للانهيار والتفكك.
الشائعات: تملأ المجتمع بالتشاحن والتباغض..
وقد كانت الشائعة كلمة تقال قديمًا عبر اللسان والآذان..
أما اليوم فقد تطورت الوسائل الحديثة الناقلة للأخبار والأحداث، كالانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وللأسف الشديد فقد تكاثرت حملات الشائعات عبر الانترنت وصار يقال ما يقال ولا رقيب..
موقف الإسلام مِن جريمة التقوّل والكذب على الناس:
لقد حرّمت الشريعة الإسلامية بث الشائعات والأراجيف على الأفراد والمجتمعات.. فقد وجدنا القرآن الكريم والسّنّة المطهرة قد اتخذا منهجا وموقفا ثابتًا من الشائعات والأكاذيب وذلك على النحو التالي:
التعظيم من خطورة إشاعة الفواحش وبث الأراجيف والأكاذيب والقذف للمحصنات، واعتبر كل هذه الجرائم التي تبث حول الأفراد جريمة كبرى ضد المجموع كله وغلّظ عليها العقوبة دنيويًّا وأخرويًّا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
كما حرمت الشـريعة الإسلامية الغيبة والنميمة والتقوّل على الناس بغير حق، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «بِئْس مطية الرجل زعمُوا» [رواه البخاري في الأدب وأبو داود]. ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضًا: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [رواه مسلم].
الدعوة إلى حفظ اللسان عن الخوض فيما يترتب عليه ضرر أو اضطراب، ويثير الفتن.
فرضت الشريعة ردّ غيبة الآخرين وعدم قبول أي قول سيئ على أي إنسان أو المشاركة في جريمة التقوّل على الله ورسوله أو على الناس والرموز أو المجتمع، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
النهي عن التَّجسُّس وتتبع العورات، قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} والتجسُّسُ هو: البحثُ عن عيبِ المسلمين وعورتهم. وقال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشـر مَنْ آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنه من اتبع عوراتِهم، يتبعِ الله عورته، ومَنْ يتبعِ اللهُ عورتَه، يَفضحهُ في بيته)).
منهج المسلم في التعامل مع الشائعات (حصار الشائعات):
التثبت والتبيّن قبل التحدّث بها أو الترويج لها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
تقديم حُسْن الظنّ على سيِّئِه، وظنّ الخير بالغير والتماس العذر للآخرين ما أمكن؛ لأن ذلك من محاسن الأخلاق؛ كما أشار القرآن في حادثة الإفك، قال تعالى:( لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْر وقالوا هذا إفك مبين)
التروّي وعدم التعجَّل في نقل الأخبار إلا بعد الرجوع إلى المصادر الموثوقة ومشاورة المختصين؛ فمن الخطر الجسيم إعادة نشر أي خبر قبل التثبت من مصدره ومن مضمونه ومن الهدف منه وما قد يترتب عليه، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى ذم المنافقين بإذاعة الأخبار الكاذبة؛ قال الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
ضَبْط النفس في كتابة الكلام ونَقْله عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهذا يوضِّحُه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو لِيَصْمُتْ». يقول الإمام النووي رحمه الله: ((هذا الحديث صريح في أنه ينبغي ألاَّ يَتَكَلَّم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يَتَكَلم)).
فلا تعجل أخي المسلم عندَ سماعك لأمرٍ مِنَ الأمور فتنشره أو تُذيعه بيْن الناس، وبالذات في وسائلِ النَّشْر كالجوالات ونحوِها، وتجد من يقول لك: (انشر تؤجر) وما أدراه أنه يُؤجَر، قد لا يؤجر، بل يأثم؛ لأنَّه افتأتَ على أمْر الله.
ستر المعايب، وإظهار المحاسن، قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيْهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِه).. قال ابن القيم رحمه الله: «ومِنَ النَّاس مَن طبعُه طبع خنزير، يَمرُّ بالطيِّبات، فلا يقف عليها، وهكذا كثير من الناس يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف المساوئ، فلا يحفظها ولا ينقلها، فإذا رأى سقطةً، أو كلمةً عوراء، وجد بُغيته، وجعلها فاكهته ونَقلها)).
وأخيـــرًا:
أيها الأخوة أُذَكِّر نفسي وإياكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلّم في شأن تعريفه للمسلم:
((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))..
(((