الشائعات وموقف الإسلام منها للشيخ ماهر السيد خضير





بسم الله الرحمن الرحيم 

عناصر الخطبة 
العنصر الأول / معنى الشائعات وخطرها على البلاد والعباد
العنصر الثاني / الشائعات سلاح أعداء الأمة قديماً وحديثاً 
العنصر الثالث / تحذير الشرع الحنيف من الشائعات وكيف عالج ظاهرة الشائعات 
.......................................... أما بعد .......................................................
أيها المسلمون عباد الله / 
الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- كان سيدًا مطاعًا في قومه في أرض دوسٍ وشاعرًا، ذاع صيته بين العرب كشاعر نابغة، وذات مرة أراد زيارة مكة فخاف وخشي كفار قريش أن يتأثر بدعوة الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستقبلوه بسلاح فتاك وخطير ألا وهو سلاح الإشاعة فأشاعوا له بأن محمدًا ساحر وكاهن وشاعر، وأنه فرّق بين الوالد وولده والمرأة وزوجها، ثم طلبوا من الطفيل إذا طاف بالبيت أن يضع في أذنه القطن حتى لا يسمع القرآن، ففعل في أول الأمر، ثم وقف مع نفسه وقفة الرجل العاقل المنصف، فقال: إني رجل لبيب شاعر، وأعرف الفرق بين الكلام الحسن والكلام القبيح، فلماذا لا أستمع إلى قوله؟! فجاء البيت ليطوف، فسمع رسول الله وهو يقرأ القرآن، فأعجبه ذلك، ثم تبع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منزله، وقال: يا محمد: إن قومك حدثوني بكذا وكذا، فما برحوا يخوفونني حتى وضعت في أذنيّ القطن، ولكني سمعت قولك، فاعرض علي أمرك. فعرض النبي الإسلام وقرأ عليه القرآن، فأسلم الطفيل وشهد شهادة الحق. 
عباد الله /  إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وسبق أن وقعت في تاريخنا  الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان جزءاً كبيرا منها بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع وقتئذ ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه .
فيا ترى ما هو تعريف الإشاعة ؟
الإشاعة / هي أقاويل وأخبار يتناقلها الناس بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرَ صحيحةٍ ولا يُعلم من أذاعها ولا مصدرها وهى نشر الأخبار التي ينبغي سترها، لأن فيها إيذاء للناس .
فإن الشائعة ظاهرة خطيرة مدمرة للمجتمع اذا استشرت فيه فإن :- 
الشائعات كم  دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة فهل سمعت عن الأب الذى قتل ابنته ؟  بسبب شائعة وهل سمعت عن الزوج الذى طلق زوجته ؟ والسبب شائعة  
الشائعات كم أهدرت من أموال، و ضيعت من أوقات . فهل سمعت عن خسائر لشركات والسبب كان شائعة ؟ 
الشائعات كم ظلمت من أبرياء، وكم حطمت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء. 
الشائعات  كم نالت من علماء وعظماء؟! وكم هدّمت ؟! وتسبّبت في جرائم؟! 
الشائعات كم أثارت فتناً وبلايا، وحروباً ورزايا، ورب مقالة شرّ أشعلت فتنا، لأن حاقداً ضخّمها ونفخ فيها.
الشائعات  كم هزمت   من جيوش، وكم أخّرت  في سير أقوام 
عباد الله / الشائعة يطلقها الجبناء ،ويصدقها الأغبياء الذين لا يستخدمون  عقولهم .والإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم، وأسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة
فتعالوا الان لنستعرض سويا بعض نماذج للشائعات لنعرف مدى خطرها فمَن يقرأْ تاريخ الأنبياء عليهم السلام وقصصهم مع قومهم في القرآن الكريم يَدْرِكْ أثر الشائعات وخطرها على الدعوة إلى الله، فمثلا – على سبيل المثال، لا الحصر – نوح عليه السلام رماه قومه بالضلال والجنون قال الله تعالى حكاية عنهم: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ سورة الأعراف : الآية 60 وفي موضع آخر: ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ سورة القمر : الآية 9
وشائعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم أحد، فعلا الهم الصحابة وتمكن الغم منهم، وتسربت إليهم روح الهزيمة وأوهنت قوتهم، فمن واقف لا يدري ما يفعله، ومن معتزل للمعركة فارٍّ من أرضها، ومن يائس من الحياة قائل: "ما فائدة العيش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفر كثير من أرض المعركة وكسرت رباعية الرسول ص الله عليه وسلم ودخلت حلقتا المغفر فى وجنتيه (( والسبب شائعة))
وأيضا شائعة الإفك وفيه اتهمت الشريفة العفيفة الصديقة بنت الصديق ولا تسأل عما ترتب من أثر سيء عليها!!
فرسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به من الهم ما جعل عليا يشير عليه بطلاق زوجه.
وأبوها وأمها أسكتتهما الحادثة وأحاط بهما همٌّ عظيم.
وعائشة فارقها النوم، ولازمها البكاء، حتى أقحطت به عينها وجفت مآقيها.
ولحق بالصحابة الذين أدّبوا أنفسهم بما أنزل الله بعدُ في الآية {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} [النور/12] حزن عميق وأسى عارم. ولقد قال الله تعالى في شأن هذه الشائعة:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ{  (( والسبب شائعة))
وايضا تلك الشائعات في الحجاز ومصر والمغرب عن عثمان  رضي الله عنه  أنه لم يشهد بدراً، وفر من أحد، ولم يبايع ...إلى آخر تلك الترهات فلما فشت هذه الأخبار، وانتشرت في الآفاق جمعت الغوغاء، فكانت سبب قتلهم له رضي الله عنه وسخط ولعن من قتله  ولا زالت الأمة تعانى الى يومنا هذا شر وأثر تلك الشائعة المأفونة وخرجت على إثرها الخوارج، وتزندقت الشيعة، وترتب عليها ظهور الفرق والجماعات المتناحرة
ولذا لقد جاء التحذير من الشائعة في السنة المطهرة أيضًا كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ (
قال الإمام مالك - رحمة الله تعالى -: "اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع".
وقال المناوي-رحمه الله تعالى-: أي إذا لم يتثبت
عباد الله / إن "الشائعات" سلاح قديم لهدم الدول وإن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له أسباب منها ضعف الوازع الدينى وتصديق كل ما يقال فى وسائل الاعلام المختلفة والرغبة فى الاستطلاع وتطور التكنولوجيا وايضا له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص.
ولم يسلم مجتمعنا المصري هو الآخر من الشائعات، بعدما أصبحت سلعة سهلة التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجد طريقها إلى عقول الكثير من المواطنين الذين ينشرونها على أنها حقائق مسلم بها وللأسف استغل أعدائنا ذلك فينا ويبث سمومه بيننا وهدفه 
إثارة الهلع وتوتير الساحة لأغراض معينة 
أو بغية إبعاد الأنظار وتشتيت الانتباه لتنفيذ مخطط ما في مكان آخر 
أو محاولة خلق شرخ بين القيادة والقاعدة الشعبية من خلال التشهير بالقيادة عبر ترويج أخبار كاذبة تمس أركانها
والإسلام   يحرم إشاعة أسرار المسلمين وأمورهم الداخلية مما يمس أمنهم واستقرارهم، حتى لا يعلم الأعداء مواضع الضعف فيهم فيستغلوها، أو قوتهم فيتحصنوا منهم.
...........................
ولذا جاء الشرع الحنيف الذى يدعو الى الامن والسلام والاستقرار جاء يحرم إشاعة كل ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة، قال الله تعالى في محكم التنزيل   (إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) 
وسمى مروجى الشائعات  مرجفين والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضا على الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس. والإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وفاعله يستحق التعزير. قال تعالى( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً  )الأحزاب
 قال القرطبي: " لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ : لسلطناك عليهم فتستأصلهم بالقتل".وبلغ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن ناساً من المنافقين يثبطون الناس عنه في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل طلحة ذلك.
فاللهم احفظ  علينا بلادنا من كل شر وكيد وسوء واجعلها أمناً أمانا وتقبل منا واغفر لنا ياكريم وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم
الخطبة الثانية ...........................
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم الى يوم الدين وبعد 
أيها المسلمون عباد الله / 
ما هو منهج القران الكريم فى التعامل مع تلك الظاهرة ؟
لقد حاصر القران الكريم تلك الظاهرة بأربعة أمور من خلال عرضه لشائعة الافك كمثال عملى :- 
الأول / أن تحمل الأمور على المحمل الحسن وأن تقدم حسن الظن وهو طلب الدليل الباطني الوجداني، وأن ينزل أخيه بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي )لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً( لان سوء الظن يؤدي إلى الخصومات والعداوات , وتقطع الصلات , قال تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) النجم 
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ : (هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ( البخاري ومسلم
ورحم الله الشافعى 
لِسَانَكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئ ** فَكلُّكَ عَـوْرَاتٌ وَلِلنَّـاسِ أَلْسُــنُ 
وَعَـينكَ إنْ أَبْـدَتْ إَلَيكَ مَعَـايِباً ** فَصُنْهَا وَقُلْ يَاعَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْينُ
الثانى / أن تتثبت بأن تطلب الدليل الخارجي البرهاني {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ }ولذا حذر الإسلام من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة، بين الناس، وهل الشائعة إلا كذلك؟!وقال الله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )
الثالث / أن تراعى المصلحة وتقدم المصلحة العامة على الخاصة وعلى الهوى فلا تتحدث بما تسمعه ولا تنشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها إلا من المنافقين {ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا } ولذا نهى الإسلام أتباعه أن يطلقوا الكلام على عواهنه، ويُلغوا عقولهم عند كل شائعة، وتفكيرَهم عند كل ذائعة، أو ينساقوا وراء كل ناعق، ويصدّقوا قول كل دعيٍّ مارق، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)

الرابع / ليس لأى أحد أن يتكلم فى كل شيء بل الواجب والحق أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة ، والتي لها أثرها الواقعي ،كما قال-تعالى {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} النساء
فالى من يتولى كِبْر الشائعات وترويج الأكاذيب وقلب الحقائق هل تعرف قدر مسئولية الكلمة، فالحرية لا تعني الخوض في الباطل، ولا تعنى اتهام الناس بالتهم والاكاذيب فان الواحد منا مسئول أمام الله عز وجل عما يقول وعما يفعل، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ سورة ق  
وقال جل من قائل: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾سورة الإسراء 
فكم من كلمة قالت: لصاحبها دعني. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ)
فليحافظ كل منا على دينه ووطنه وأمته ، وليحافظ كل منا على حسناته ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الدعاء ......................... وأقم الصلاة

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات