عيد الأضحى المبارك للشيخ احمد ابو عيد
أو
للتحميل PDF اضغط هنا
الحمد لله كما ينبغي لجلاله فهو الرحيم الرؤوف، اللطيف بعبده المؤمن في كل الظروف، فلو أُلقي العبد في بحر زاخر وهو مكتوف، أو طرح في الخلاء عاريًا في يوم قر عصوف، أو ناله في قعر سجن من العذاب صنوف، أو أُلقي في غيابة جُبٍّ مظلم وهو مكفوف، أو أصابه من الأسقام مرض غير معروف، أو صُلب في جذوع النخل مظلومًا والناس عنه عزوف، لم يَعْنِ ذلك أنه من ديوان الحب محذوف، فاللطف منه الخفي ومنه الظاهر المكشوف، يونس وأيوب ويوسف، ويمين بالله محلوف، على أنهم والأواه قد نالهم من البلاء صنوف، هم الكواكب وشمسُهم أحمد على حب الإله عكوف، فإن هوى المحب على مراد حبيبه معطوف.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة
حريص ملهوف، على أن يموت عليها ولو ضربًا بالسيوف، شهادة تحمينا من الشرور وسوء
الحتوف، وتنأى بنا عن المنكر، وتسلك بنا طريق المعروف، شهادة نبعث عليها آمنين إذا
لحق بالقمر الخسوف، وننجو بها من الفزع الأكبر والهول المخُوف، شهادة تحقق لنا من
الله وعدًا غير مخلوف، وتلحقنا بالموحدين المخلصين لحوق الأصابع بالكفوف، وتظلنا
بظل العرش حيث الكل بين يدي الحق موقوف.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله
الموصوف، نورًا كضوء الشمس من غير سحب أو كسوف، هل سعد الزمان بمثله أو صنوه؟ إلف
ألوف، أو شرف الكلام بمثل حكمته ثمار وقطوف، لو جاءت الأيام كلها تسعى في صفوف،
لزفت الليالي يوم مولده بالدفوف، درة الأيام على مر الزمان عطوف، بعبير أنفاس عبقت
بها جدران مكة والسقوف، لو أن نبت الأزهار من قطر الندى مألوف، لنبت من حبات عرَقه
من الورود ألوف، لو علم جده حين كان بالبيت يطوف، مستبشرًا به كم رغمت بمبعثه
أنوف، لظل يلهج بالثناء بغير ملل أو وقوف، ولعلم أن ما سماه به مختارًا من حروف،
قد سبق به القرآن وبشهادة الرب
محفوف، محمد رسول الله في سورة الفتح موصوف، لو يعلم الواطئ ثرى المدينة بنعله
المخصوف، ما يحوي الثرى لمشى على الجفون كمِشية المشغوف، بالحب، أو بالشوق، أو
كرجاء طفل من أمه مخطوف، أهو الشوق، أم هو الحب، بل كلام الصب غير مألوف
العناصر
أولاً:
تضحية إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
ثانياً:
أقسام التَّضْحية
ثالثاً:
نماذج على التضحية
رابعاً:
الواجب على المسلم في العيد
الموضوع
الله أكبر... الله أكبر ما لبس الحَجِيج ملابسَ
الإحرام. الله أكبر ما رأوا الكعبة فبدوؤها بالتحيَّة والسلام. الله أكبر ما
استلَمُوا الحجر، وطافُوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام.
الله أكبر ما اهتدوا بنور القرآن، وفرحوا بهدي الإسلام.
الله أكبر ما وقَف الحجيج في صَعِيد عرفات. الله أكبر ما تضرَّعوا في الصفا
والمروة بخالص الدعوات. الله أكبر ما غفَر لهم ربهم، وتحمَّل عنهم التَّبعات. الله
أكبر ما رموا وحلَقُوا وتحلَّلوا ونحَرُوا، فتمَّت بذلك حجَّة الإسلام. الله أكبر
كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً....
أولا: تضحية سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
أيها المسلم الكريم: ما أحوج الأمة في هذه
الأيام، وفي هذا اليوم العظيم يوم الأضحى أن تتعلم - درس التضحية والفداء - من
خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فسيدنا إبراهيم u قد
قدم للبشرية كلها أغلى وأعلى دروس التضحية والفداء.
فتعالوا بنا اليوم لنتعلم من خليل الله إبراهيم
خلق التضحية لأن اليوم هو يوم التضحية، فها هو إبراهيم u بعدما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعدما شاهدوا من
الآيات العظيمة ما يدل على صدق نبوته وبطلان ما هم عليه وقد رأو خروجه من النار
بأعينهم ومع ذلك زادوا عنادا .... قال تعالى "قَالُوا ابْنُوا لَهُ
بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا
فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)" ، فلذلك هاجر بين أظهرهم وقال"
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ
الصَّالِحِينَ (100) "
يعني أولاداً طائعين مطيعين يكون عوضاً عن قومه
وعشيرته الذين فارقهم فتضرع إلى الله جل وعلا أن يرزقه ولداً صالحاً ليعينه في هذه
الحياة، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
"الصافات: 100".
واستجاب الله جل وعلا دعاء خليله إبراهيم، فبشره بغلام
حليم:(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)
وكان عمره حينها ستاً وثمانين سنة كما قال ابن
كثير في قصص الأنبياء عن هاجر: وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد
إسحاق بثلاث عشرة سنة، وأوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة فخر ساجدا لله
ولم يكد إبراهيم u
يأنس بولده ويسعد بصباه ويفرح بسعيه معه، إلا ويفاجأ إبراهيم بالابتلاء العظيم؛
إنه يرى أنه يذبح ولده في المنام بيديه! ورؤيا الأنبياء وحي.
هل تتصورون هذه اللحظات ؟
أب مرت عليه السنوات الطويلة ولم يرزق بذرية ثم
يدعو ربه فيرزقه الله بولد وليس أي ولد إنما بغلام حليم ثم يؤمر بعد ذلك بذبحه كيف
يكون حاله؟ كيف يكون موقفه؟
لكن خليل الرحمن u
يقوم لينفذ أمر ربه جل وعلا بهذا الغلام البار الحليم، ويقول له: ﴿ يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾
فيرد
الغلام البار: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾.
إنها التضحية، التضحية بماذا؟ التضحية بالابن
الوحيد الذي طالما تطلع إليه إبراهيم u،
إنه الابتلاء الذي لا مثيل له في تاريخ البشر، إنها التضحية التي تعجز عقول البشر
أن تتصورها مجرد تصور فحسب...
وانطلق إبراهيم للتنفيذ فعلاً: ﴿ فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾
وقيل إن
إسماعيل u
أراد أن يخفف عن أبيه لَوْعة الثكل ويُرشده إلى أقرب السبل ليصل إلى قصده فقال
لأبيه إبراهيم: يا أبت اجعل لي وثاقًا وأحْكِم رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني
ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون
أهون للموت على فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، فأقبل عليه إبراهيم برأفة
وحنان الآباء يُقَبِّله ويبكي ويقول له: نعم العون أنت لي يا بُنيّ على أمر الله
عز وجلّ .
قال الله تعالى:
"فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)" أي فلما استسلما لأمر
الله وألقاه على وجهه .
وأمرّ إبراهيم السكين على رقبة ولده إسماعيل
فلم تقطع شيئًا لأن الله تبارك وتعالى لم يشأ لها أن تقطع، لأن السكين لا يقطع
بطبعه وبذاته وإنما خالق القطع هو الله تعالى وحده، والسكين سبب للقطع فلا تقطع
إلا بمشيئة الله فالله تبارك وتعالى خالقٌ للسكين وخالق للقطع أي خالق للسبب
والمسبَّب، فالأسباب لا تخلق شيئًا وإنما الخالق هو الله تعالى وحده، كما أنَّ
الله تعالى هو خالق الإحراق وخالق النار التي هي سبب للإحراق، فالنار لم تحرق نبي
الله إبراهيم عندما أُلقي فيها لأن الله تعالى خالق الإحراق ولم يشأ لها أن تحرق
نبيه إبراهيم u
يقول الله جلت قدرته: "اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ
وَكِيلٌ (62)" "سورة الزمر".
وعندما أَمرّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام
السكين على رقبة إسماعيل u
فلم تحك شيئًا ولم تقطع نُودي: "أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" .
أرسل الله عَظُمت قدرته لإبراهيم فداءاً
لإسماعيل بذبح وهو كبش عظيم قيل: كان قد رَعى في الجنة أربعين سنة وكان هذا
الكبش أبيض عظيمًا أقرنَ ذبحه إبراهيم u بمني فداء ابنه إسماعيل u.
سلام على خليل الرحمن سيدنا إبراهيم u
الذي علم الدنيا خلق التضحية في سبيل الله.
فاضت بالعبرة عيناه
|
**
|
أضناه الحلم وأشقاه
|
شيخ تتمزق مهجته
|
**
|
تتندى بالدمع لحاه
|
ينتزع الخطوة مهموما
|
**
|
والكون يناشد مسراه
|
وغلام جاء على كبر
|
**
|
يتعقب في السير أباه
|
والحيرة تثقل كاهله
|
**
|
وتتعثر في الدرب خطاه
|
ويهم الشيخ لغايته
|
**
|
ويشد الابن بيمناه
|
بلغا في السعي نهايته
|
**
|
والشيخ يكابد بلواه
|
لكن الرؤيا لنبي
|
**
|
صدق وقرار يلقاه
|
والمشهد يبلغ ذروته
|
**
|
وأشد الأمر وأقساه
|
اذ تمرق كلمات عجلى
|
**
|
ويقص الوالد رؤياه
|
وأمرت بذبحك يا ولدي
|
**
|
فانظر في الأمر وعقباه
|
ويجيب الابن بلا فزع
|
**
|
افعل ما تؤمر أبتاه
|
لن نعصى لالهي أمرا
|
**
|
من يعصي يوما مولاه؟
|
واستل الوالد سكينا
|
**
|
واستسلم الابن لرداه
|
ألقاه برفق لجبين
|
**
|
كي لا تتلقى عيناه
|
أرأيتم قلبا أبويا
|
**
|
يتقبل أمرا يأباه؟؟
|
أرأيتم ابنا يتلقى
|
**
|
أمرا بالذبح ويرضاه؟
|
وتهز الكون ضراعات
|
**
|
ودعاء يقبله الله
|
تتوسل للملأ الأعلى
|
**
|
أرض وسماء ومياه
|
ويقول الحق ورحمته
|
**
|
سبقت بفضل عطاياه
|
صدقت الرؤيا لا تحزن
|
**
|
يا إبراهيم فديناه
|
القصيد ة مختصرة
أرأيتم قلبا أبويا
|
**
|
يتقبل أمرا يأباه؟؟
|
أرأيتم ابنا يتلقى
|
**
|
أمرا بالذبح ويرضاه؟
|
ويجيب الابن بلا فزع
|
**
|
افعل ما تؤمر أبتاه
|
لن أعصى لإلهي أمرا
|
**
|
من يعصي يوما مولاه؟
|
واستل الوالد سكينا
|
**
|
واستسلم الابن لرداه
|
ألقاه برفق لجبين
|
**
|
كي لا تتلقى عيناه
|
وتهز الكون ضراعات
|
**
|
ودعاء يقبله الله
|
يتضرع للرب الأعلى
|
**
|
أرض وسماء ومياه
|
ويجيب الحق ورحمته
|
**
|
سبقت بفضل عطاياه
|
صدقت الرؤيا لا تحزن
|
**
|
يا إبراهيم فديناه
|
فأين المسلم اليوم من خلق التضحية؟ ما هو دوره
من التضحية؟ ماذا بذل وقدم من تضحيته لدينه وعقيدته؟
نعم نحن نضحي من أجل المال، ونضحي من أجل
الوظيفة، ونضحي من أجل الزوجة والأولاد، ونضحي من أجل العشيرة، ونضحي من أجل
الكرسي، لكن القليل منا من يضحي من أجل دينه وعقيدته!
ثانياً: أقسام التَّضْحية
تنقسم التَّضْحية إلى قسمين:
1-التَّضْحية
المحمودة (المشروعة):
ومنها:
أ-التَّضْحية بالنَّفس:
قال تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ
وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ "البقرة: 216.
(أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول
أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب
العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء والظَّفر بالغنائم،
وغير ذلك، ممَّا هو مُرَبٍّ، على ما فيه من الكراهة) .
وعن أبي هريرة t عن
رسول الله r
أنَّه قال: ((من خير معاش النَّاس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على
متنه، كلما سمع هَيْعَةً، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانَّه، أو رجل
في غنيمة في رأس شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم
الصَّلاة، ويؤتي الزَّكاة، ويعبد ربَّه حتَّى يأتيه اليقين، ليس من النَّاس إلا في
خير))([1])
ب-التَّضْحية بالمال:
قال تعالى: وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم
مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ
الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ "الحديد: 10-11".
كذلك تدلُّ وقائع التَّربية النَّبويَّة على
أنَّ الرَّسول r
كان يشترطها، ويجعلها شارة الإيمان وصدقه. والإنسان عنده ميل فطري إلى أن يضَحِّي
بنفسه وماله في سبيل المثل الأعلى، بل إنَّ هذه التَّضْحية هي أمر راسخ في فطرة
الإنسان، وجزء من وجوده، وما تعظيم الشَّجَاعَة عند البَشَر إلا تقديرًا لقيمة
التَّضْحية في سبيل المثل الأعلى، ولذلك جُعل الجهاد أفضل الأعمال
عن ابن عباس، قال: ((كان رسول الله r
أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ
ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله r
أجود بالخير من الرِّيح المرسلة)) ([2])
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن
الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله r أن
نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال:
فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله r:
((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما
أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)) ([3])
ج-التَّضْحية بالوقت لبذل العلم.
د-التَّضْحية بنفع البدن.
2-التَّضْحية
المذمومة (غير المشروعة):
التضحية المذمومة هي التَّضْحية في نصرة باطل،
أو من أجل جاهلية، وكل تضحية لم تكن في سبيل الله أو ليست
ابتغاء
مرضاته، أو تحقيقًا لمقصد غير شريف فهي مذمومة.
فعن أبي موسى t قال: ((جاء رجل إلى النَّبي r
فقال: يا رسول الله! ما القتال في سبيل الله؟ فإنَّ أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل
حَمِيَّةً، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلَّا أنَّه كان قائمًا، فقال:
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عزَّ وجلَّ)) ([4])
ثالثاً: نماذج على التضحية
إن التضحية أيها المسلم هي أساس عزة الأمة،
ولذلك سلفنا الصالح ضحوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله جل وعلا،
تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا
العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحوا بالمصالح، وأواصر
القربى والعلاقات والروابط، ضحوا بعلاقاتهم مع آبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم
وعشيرتهم في سبيل مرضاة الله جل وعلا، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته.
1-رسول الله r
الرَّسول r
قمة في الأخلاق الكريمة، وفي التَّضْحية والشَّجَاعَة، فكان أشجع النَّاس، وأقواهم
قلبًا، وأثبتهم جنانًا، وقد كانت حياته كلُّها تَضْحية في سبيل الإسلام
فعن أنس t قال: قال رسول الله r
((لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت على
ثلاثون ليلة من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال tما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط
بلال)) ([5])
2-مصعب بن
عمير
هذا سيدنا مصعب بن عمير الصحابي الجليل أول
سفير للنبي (r)
إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب
قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن
بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد (r)
نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة محمد (r)
قال نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد (r)
فقال لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟
فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه
والترف؟ أم يتخلى دين سيدنا محمد (r)؟
وكلنا يعرف أن المال
شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم
رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف
واحد فرق بينهما المال. وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال، وكم من أسرة تفرقت
بسبب المال، وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال، وكم من إنسان باع دينه وضميره من
أجل الحصول على المال.
لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى
بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد (r)
فقدمها وبذلها
لله،
فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه t لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت
رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما
مر النبي (r)
على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ "الأحزاب"
فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب t ؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل
المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب.
ليقول لهم: ضحوا بكل من أجل دينكم وعقيدتكم فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى.
3-حكيم بن
حزام
صحابي من أصحاب النبي (r)
ممن ضحوا لهذا الدين حكيم يسلم إسلاماً يملك عليه لبَّه، ويؤمن إيماناً يخالط دمه،
ويمازج قلبه، وهو يقطع على نفسه عهداً أن يكفر عن كل موقف وقفه في الجاهلية، أو
نفقة أنفقها في عداوة رسول الله r
بأضعاف أضعافها، وقد بَرَّ في قَسَمِه، وصدق فيما عاهد.
فيوم آلت إليه دار الندوة التي كانت تعقد قريش
مؤتمراتها فيها في الجاهلية، ويجتمع ساداتها وكبراؤها فيها ليأتمروا برسول الله (r)،
هذه باعها بمائة ألف درهم، فيقول فتى من قريش: بعت مكرمة قريش يا حكيم! فقال:
"يا بني! ذهبت المكارم كلها ولم يبقَ إلا التقوى، أو ما يسرك يا بني! أن
أشتري بها داراً في الجنة؟ إني أشهدكم أني جعلت ثمنها في سبيل الله؛ أرجو ذخرها
وبرها عند الله" ضحى بثمنها كله في سبيل الله.
ثم انظر إليه يوم ذهب لحج بيت الله الحرام ساق
أمامه مائة ناقة مجللة بالأثواب الزاهية، ثم ينحرها جميعها؛ تقرباً إلى الله
تعالى...ولا تعجب يوم يحج ثانية فيقف في عرفات، ومعه مائة من عبيده، قد جعل في عنق
كل واحد منهم طوقاً من فضة، نقش عليه عتقاء لله عز وجل ثم يعتقهم جميعاً على
عرفات؛ ويسأل الله عز وجل أن يعتق رقبته من النار...ثم يحج ثالثة فيسوق أمامه ألف
شاة، ثم يريق دماءها كلها في منى، ويطعم بلحومها فقراء المسلمين؛ تقرُّباً لله
-عزَّ وجلَّ-.هكذا ضحى أصحاب محمد (r)
وضربوا أروع الأمثلة في التضحية بأموالهم، ولم يضحوا بأموالهم فحسب، بل ضحوا
بدمائهم في سبيل الله رجاء ما عند الله.
4-عمرو بن
الجموح
وهذا عمرو بن الجموح رجل أعرج لا جهاد عليه، قد
أسقط الله عنه الجهاد، لكنه يسمع النداء: يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، ويريد
أن ينطلق للجهاد في سبيل الله جل وعلا، فيقول أبناؤه الأربعة الذين ما تركوا غزوة
مع رسول الله؛ يقولون لأبيهم: يا أبانا لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك،
فيبكي عمرو بن الجموح وينطلق إلى النبي r
ليشتكي لرسول الله وهو يقول: يا رسول الله! إن أبنائي يمنعوني من الخروج للجهاد في
سبيل الله، ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فيلتفت النبي r
إلى عمرو ويقول: يا عمرو فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله جل وعلا، ومع
ذلك يرى النبي رغبة عارمة في قلب عمرو بن الجموح للجهاد في سبيل الله، فيلتفت
النبي r
إلى أبنائه الأربعة ويقول لهم: (لا تمنعوه! لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله).
وينطلق عمرو بن الجموح، لا أقول يبحث عن النصر، بل يبحث عن الشهادة في سبيل الله
جل وعلا، ويرزقه الله الشهادة في سبيله، صدق الله فصدقه الله جل وعلا. ويمر عليه
النبي r
بعدما قتل فيقول: (والله لكأني أنظر إليك تمشي برجلك في الجنة وهي صحيحة).
وكذلك لا يخفى علينا قصة الغلام والراهب
والساحر وغيرها من القصص والنماذج....
وبعد هذا كله أدعوكم من خلال درس التضحية إلى
أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية
بالأوقات، للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله جل وعلا، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا
ولا كرامة والله ثم والله لا عزة ولا كرامة للأمة إلا بالتضحية.
فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه
تضحية
الموظف الذي يؤدي وظيفته
بأمانة وإتقان هذه تضحية
العامل الذي يعمل بإخلاص
ولا يغش هذه تضحية
الطيب الذي يخدم الإنسان
بعلمه هذه تضحية
الزوج الذي يعمل ليعف نفسه
وأهله هذه تضحية
الزوجة التي تطيع زوجها
وتقوم على خدمتها هذه تضحية
الولد الذي يعمل جاهدا على
إرضاء أبويه هذه تضحية
المسلم الذي يعفو ويسامح
الآخرين هذه تضحية.
وكل مسلم يقدم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه
تضحية.
فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفا
ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
رابعاً: الواجب على المسلم في العيد
1-صله الرحم
قال تعالى "واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار
ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا
يحب من كان مختالا فخورا" سوره النساء
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r
قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله
وحذر الله تعالى من قطيعة الرحم
فقال تعالى " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ "محمد
وقال تعالى " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ
بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" البقرة
وعن أبي هريرة t قال سمعت رسول الله r
يقول "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع
رحم" ([8])
2-مراعاة
الآداب الإسلامية في اللباس
على النساء المسلمات ألا يلبسن إلا ما أمر الله
سبحانه وتعالى به بأن يكون موافق لما أمر به رسول الله r
بأن لا يكون زينة ، ولا يكون ضيقا ، ولا يكون معطرا ، ولا شفافا ، ولا يشبه لباس
الرجال ، ولا يشبه لباس الكفار ، ولا لباس شهرة لأن من تخالف ذلك توعدها النبي rبالعذاب الشديد
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r
صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء
كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن
ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " ([10])
3-غض البصر عن الحرام ومنع الاختلاط
قال تعالى " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور
وعن أبي هريرة : أن رسول الله r
قال : ( العينان تزنيان واللسان يزني واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويحقق ذلك
الفرج أو يكذبه) ([12])
4-كلكم راع ومسئول عن رعيته
فيجب الحفاظ عليهم وأمرهم بأمر الله ونهيهم عن
نهي الله تعالى
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا
يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" التحريم
وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا
لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(16)" التغابن
وعن ابن عمر t
قال سمعت رسول الله r
يقول كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله
ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال
سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته " ([13])
5-مراعاة
الفقراء واليتامى والمساكين
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله r "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى" ([14])
ثم إن كل ما أمر الله به ينبغي فعله ، فالعيد
ليس حجة للتقصير في أي أمر من أوامر الله تعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل
منا وأن يتوب علينا وأن يرزقنا جميعا الفرح في الآخرة بالجنة يوم أن نلقاه اللهم
آمين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854