كلمة أنا نور ونار د أحمد محمد أبو عيد

 




pdf


word

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين

وبعد

فإننا نعيشُ زمانًا انتشرَت فيهِ الأنانيةُ بصورةٍ مُخزيةٍ ولم يسلمْ منهَا أحدٌ والأنانيةٌ مرضٌ عضالٌ، وشرٌّ ووبالٌ، داءٌ يفرِّقُ القلوبَ، ويوغرُ الصدورَ، ويُذكِّي نارَ الفتنِ ، وخاصة كلمة "أنا" في مقام الإصلاح بينها وبين كلمة "أنا" في مقام الإفساد والكِبر والغُرور كما بين الثَّرى والثُّريَّا وخاصة والأنا قد تكون هلاكا ودمارا ونارًا لصاحبها وهي الأكثرية وقد تكون نورا وهدية وتوفيقا لصاحبها ، وخاصة والأنا كم أفسدت من أعمال الصالحين وكم جلبت من سخطِ ربِّ العالمين فهي فاكهةُ الأرزلين وسلاحُ العاجزين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. يارب

رضاك خيرٌ من الدنيا وما فيها ♦♦♦ يا مالكَ النفسِ قاصيها ودانيها

فنظرةٌ منك يا سـؤلي ويا أملي ♦♦♦ خيرٌ إلى من الدنيـا وما فيها

فليـس للنـفسِ آمـالٌ تحققـها ♦♦♦ سوى رضاك فذا أقصى أمانيها

وعلى هذا يدور حديثنا بإذن الله في التفريق بين أنا في مقام الإصلاح والخير وأنا في مقام الإعجاب والفخر والإفساد، ونماذج على ذلك.

العناصر:

أولًا: "أنا" في مقام الخير                              ثانيًا: "أنا" في مقام الإعجاب والغرور

الموضوع

أولًا: "أنا" في مقام الخير

الطمأنينة والبشرى:  فقد قالَهَا يوسفُ عليهِ السلامُ طمأنينةً لأخيهِ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يوسف: 69)، وقالَهَا : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ». (البيهقي والحاكم وصححه). )، وقالَهَا : " أَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ؛ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ.” [مسلم]، وفي مجالِ الشفاعةِ يومَ القيامةِ كلُّ رسولٍ يقولُ نفسِي نفسِي وحبيبُنَا يقولُ": أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا...". (البخاري ومسلم).

( أنَا لهَا..أنَا لهَا ) * * مَن غيرُ أحمدَ قالَهَا ؟

يا ربِّ هذِي أمتِي * * شكراً لهُ.. بُشرَى لهَا

وفي الحوضِ قالهَا : «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» (البخاري ومسلم)، (فرطكُم) هو الذي يتقدمُ الواردينَ ليصلحَ لهُم الحياضَ والدلاءَ ونحوهَا مِن أمورِ الاستقاءِ، (تعليق مصطفى البغا)، فأبشرُوا أمةَ الحبيبِ، الرسولُ ينتظرُكُم على بابِ الجنةِ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ». (مسلم).

تقديم المصلحة العامة وبيان القدرة على المساعدة: قالَ تعالى: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}. [النمل: 40] استجابةً لأمرِ نبيٍّ مِن الأنبياءِ... وحسنٌ قولُ مَن قالَ: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} [يوسف: 45]؛ سعيًّا منهُ في تفسيرِ مُعضِلةٍ أحلَّت بهِم.. وحسنٌ قولُ مَن قالَ: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39]؛ استِحضارًا للأمانةِ والمصلحةِ العامَّةِ، لأنَّ شيئًا مِن تلكُم الأمورِ لم يكُن لمصلحةٍ شخصيَّةٍ تُقدَّمُ فيهَا مصلحةُ النفسِ على المصلَحةِ الأعمِّ.

إجابة السؤال: كما قالها سيدنا أبو يكر في تواضع حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا قَالَ: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جِنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا (صحيح مسلم).

بيان الحق دون تكبر وتفاخر: ليس كلُّ مَن قالَ: أنَا، فهو بالضرورةِ قد وقعَ في داءِ الأنانيةِ والغرورِ، كلّا، قد قال خيرُ البشرِ يومَ حُنينٍ: "أنَا النبيُّ لا كذب، أنَا ابنُ عبدِ المطلب"، وقال: "أنَا سيّدُ ولدِ آدمَ ولا فخر". فقد يتحدثُ المرءُ عن نفسِهِ لحاجةٍ، لا كبرًا ولا مفاخرةً، وإنّمَا مِن بابِ الاقتداءِ بهِ، أو للتحدثِ بنعمةِ اللهِ عليهِ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. [الضحى: 11]، والميزانُ في ذلكَ مقصدُ القلبِ، وما يكنهُ الصدرُ لا يعلمُهُ إلّا علّامُ الغيوبِ، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}. [البقرة: 235].

 

ثانيًا: "أنا" في مقام الإعجاب والغرور

نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: «مَنْ ذَا» فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: «أَنَا أَنَا» كَأَنَّهُ كَرِهَهَا". (البخاري مسلم).

هم أهل النار:  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : " احْتَجَّتِ النَّارُ، وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ: هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ: هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ". (مسلم).

إنَّ عاقبةَ أصحابِ "الأنَا" هي الصَّغارُ والنَّكالُ والهلاكُ، ولا أدلَّ على ذلكَ مِمّا انتهَى إليهِ أمرُ مَن تقدَّمَ ذكرهُم مِنَ المتكبرينَ والمغرورينَ، وإنَّ في قصصِهِم لَعِبرةً.

الهلاك: أَبِي هُرَيْرَةَ  -رضي اللهُ عنه-  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ( ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوًى مُتَّبَعٌ وَشُحٌّ مُطَاعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَشَدُّهُنَّ )، و قالَ ابنُ مسعودٍ  -رضي اللهُ عنه- : الهلاكُ في شيئينِ: العجبِ والقنوطِ. وقال الأحنفُ بنُ قيسٍ: عجبتُ لِمَن جرَى في مجرَى البولِ مرتينِ كيفَ يتكبرُ؟!

يا مظهرَ الكبرِ إعجابًا بصورتِهِ  ***  انظرْ خَلاك فإنَّ النتنَ تثريبُ

لو فكّرَ الناسُ فيمَا في بطونِهِم  ***  ما استشعرَ الكبرَ شبانٌ ولا شيبُ

ضياع العمل:  شتان الفرق بين إنسان مغرور متكبر يرى نفسه فقط هو على الحق وقد ضمن الجنة، وما سواه فهم من أهل النار ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم، هكذا هداه كبره وغرور نفسه، هذا ينطبق عليه قوله تعالى ((أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) فاطر 8، أين هذا وأمثاله  من قول الفاروق عمر على منزلته العظيمة وقربه من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ((لو نادى  مناد أن الناس جميعاً سيدخلون الجنة إلا رجلاً لخشيت أن أكون هو)) .

الغرق وجعله آية وعبرة: قالها فرعونُ: لما دعاه نبي الله موسى عليه السلام إلى الإسلام، فتكبَّر وتعظَّم في نفسه، معلنًا أنه خيرٌ منه؛ لأنه يملك جنات وأنهارًا ومُلكًا واسعًا، وأما موسى وأتباعه فقوم فقراءُ ضعفاء لا يملكون شيئًا؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 51، 52].فقوله: ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾: أي: أفلا تَرَون ما أنا فيه من العظمة والملك؛ يعني: وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء وقوله: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾ [الزخرف: 52]: قال السدي: "يقول: بل أنا خير من هذا الذي هو مهين"، وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "يعني قبحه الله بالْمَهين موسى بن عمران، كليم الرحمن الوجيه عند الله؛ أي: أنا العزيز وهو الذليل المهان المحتَقَر، فأيُّنا خير؟!".وأعظم من ذلك ادعاؤه الربوبية والألوهية؛ قال الله تعالى: ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 23، 24]، وتطاوَلَ على الذات الإلهية العَلِيَّة؛ فقال كما حكى عنه القرآن: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]. فكان الجزاء أغرقَهُ اللهُ في البحرِ ومَن معهُ مِن الطغاةِ، (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا ))سورة الإسراء (103(فقد أخرجه الله هو وجنوده من جناتهم وقصورهم وأموالهم، وأغرقهم في اليمِّ ليكونوا عِبرة لكل ظالم؛ قال الملك سبحانه: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39، 40].

العذاب في الدنيا بالحشرات: إنَّ كلمةَ أنَا في مقامِ العظمةِ والتكبرِ توحِي بالغرورِ والعجبِ والأثرةِ، قالَ تعالى في شأنِ المتكبرِ النمرودِ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }. (البقرة : 258)، هذا هو النمرودُ بنُ كنعان، ادَّعَى الألوهيةَ، وكان في زمنِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، فلَمّا دعاهُ إبراهيمُ عليهِ السلامُ إلى عبادةِ اللهِ الذي يُحي ويميتُ، جاءَ النمرودُ برجلينِ فقتلَ أحدَهُمَا وتركَ الآخرَ فقالَ: أنَا أُحيِ وأُميتُ، فقالَ له إبراهيمُ عليهِ السلامُ: إنَّ اللهَ يأتِي بالشمسِ مِن المشرقِ فأتِ بهَا مِن المغربِ، فبهتَ وسكتَ ولم يجبْ.

فانظرْ كيف كانت نهايتُهُ ؟!! بعثَ اللهُ عليهِ بعوضةً، فدخلتْ في منخرهِ وفي أمِّ رأسِهِ، فمكثَ أربعمائةَ سنةٍ يُضربُ رأسُهُ بالمطارقِ والنعالِ، ولا يهدأُ حتى يُضرَبَ بالنعالِ، فإذا وقفَ الضربُ دوَّت البعوضُ في أمِّ رأسِهِ فيأمرهُم بضربِهِ، وأرحمُ الناسِ بهِ مَن جمعَ يديهِ، ثُم ضربَ بهمَا رأسَهُ، وكان جبارًا في ملكِهِ أربعمائةِ سنةٍ، فعذّبَهُ اللهُ أربعمائةَ سنةٍ كملكِهِ، ليكونَ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، ثم أماتَهُ اللهُ، وهو الذي كان بنَى صرحاً إلى السماءِ، { فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } [ النحل : 26 ]، فقد أخرجَ ابنُ المنذرِ، عن ابنِ عباسٍ في الآيةِ، قال: هو نمرودُ بنُ كنعان  ” ( انظر تفسير ابن كثير ) .

الطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة: فهذا هو إبليس: وذلك لما عصى أمر ربه بالسجود لآدم عليه السلام استكبارًا؛ فقال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، ويقول الملكُ جل وعلا: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71 - 76]. فكان الجزاء بأن أصبح شيطانا رجيما بكلمة ألأنا قال جل وعلا: ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [ص: 77، 78]، وقال: ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 34، 35).

خسارة كل ما يملكه في الدنيا: قالها صاحب الجنتين: وهو يحاور صاحبه مفتخرًا متكبرًا مغرورًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 34 - 36].فكان الجزاء أرسل الله على جنتيه مطرًا عظيمًا مزعجًا، أقلع زرعها وشجرها، وصارت صعيدًا زَلَقًا؛ أي: ترابًا أملس لا يثبت فيه قدم، وذهب ماؤها غائرًا في أعماق الأرض، فأصبح يقلب كفَّيه حزنًا وأسفًا على أمواله الكثيرة التي أنفقها على جنَّتيه؛ حيث اضمحلَّت وتلاشت وتَلِفَتْ، ولم ينفعه حينئذٍ ما كان يفتخر به من ولد وعشيرة وأتباع، في دفع ما نزل به؛ قال الملك الجبار جل وعلا: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 37 - 44]. فالانانية هلاك ودمار , وخزي وعار ,وخراب وضياع  

خسف الله به وبكل ما ملكه الأرض: نعلمُ قصةَ قارونَ الذي ضُرِبَ بهِ المثلُ في كثرةِ المالِ، فيُقالُ: فلانٌ عندَهُ مالٌ كمالِ قارونَ، قالَ تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ……….الآيات} . (القصص: 76 – 83)، فقارونُ لم ينسب الفضلَ للهِ، وإنّمَا تكبرَ بمالِهِ: { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } أي بمهارتِي وتجارتِي أنَا، فكانت النهايةُ، { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }، هكذا في لمحةٍ خاطفةٍ ابتلعتْهُ الأرضُ وابتلعتْ دارَهُ، وذهبَ ضعيفاً عاجزاً، لا ينصرُهُ أحدٌ، ولا ينتصرُ بجاهٍ أو مالٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:” بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ ؛ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” . ( متفق عليه ) .

دخول النار: إنَّ كثيرًا منَّا يفتخرُ بنسبِهِ وحسبِهِ ويترفعُ على الناسِ بأنّهُ فلانٌ بنُ فلان، ويعاملُ الناسَ بأنفةٍ وعلوٍّ واستكبارٍ، أنَا أنَا، وكأنَّهُ خُلِقَ مِن مادةٍ غيرِ التي خُلِقَ منهَا الناسُ جميعًا، وليعلمَ هذا المفتخرُ أنَّهُ يسعَى بعنصريتِهِ وقبليتِهِ وحسبِهِ ونسبِهِ إلى النارِ وبئسَ القرار، كمَا أخبرَنَا بذلكَ النبيُّ المختارُ، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنُ فُلاَنٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ” انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ابْنُ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ”. (أحمد والبيهقي بسند صحيح).

الهلاك في الدنيا والنار في الآخرة: فهذه عاد تجبرت وتكبرت بقوتها فكيف كانت نهايتها؟!! { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ }. [فصلت: 15- 16].

 

نسأل الله أن يرزقنا التواضع ويجنبنا الكبر والغرور أنه ولي ذلك والقادر عليه

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد

والحمد لله رب العالمين

جميع وترتيب: د أحمد محمد أبو عيد


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات