الإسلام والعلم للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله في الأولى فقد نامت عيون الخلائق
وما غفل، وله الحمد في الآخرة إذا زاغت الأبصار، أسرف الناس في كل مكان فما أهلك
وما عجل، عبدوا المال فأطغاهم، ونسوا الموت فغرهم الأمل، ولو شاء ربك لجفت الأنهار
وما أصاب النباتَ بلل.
وأشهد أن لا إله إلا الله ملَك فحكَم فعدَل،
قدر الأمور من الأزل، فلحكمة لم يفعل ولحكمة فعل، أخبرني عن الأرض كيف بخلت،
ولماذا اسودَّ الجبل؟ وخبرني عن البهائم كيف كلَّت، ولماذا أكل الذئب الحمل؟
وأخبرني عن القرون لم اندثرت؟ ولماذا كتب على المترفين الزلل؟ وأخبرني عن البريئة
كيف ضلت وذنب الأم إذا أصابها الخبل؟ وخبرني عن المعاصي إذا تفشَّت فهل يخرج من
النحل العسل؟ وأخبرني عن عقل الحكيم إذا تشتت وعن العابد كيف أصابه الملل؟ ..
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي إذا
قال فعل، ألم تر كيف اصطبر على الأذى وقد ناءت الجبال بما حمل، أرأيت كيف بالكذب
رمَوه وبالسحر اتهموه فما وهن ولا عن دعوته انفصل؟ ألا تراه قد أمر بكفالة الأيتام
وحين ابتُلي بهم كفل؟ ألا تراه قد أمر بصلة الأرحام وحين قطعوها هم وصل؟ ألا تراه
قد أمرنا بالعفو وحين أمر هو به امتثل؟ أما علمت أن الرسول نور يستضاء به فكم أعطى
وكم بذل؟
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على من به اعوجاج
الملَّة اعتدل، وبنور سنته الشرع اكتمل، واجعله الشفيع لنا إذا ما الروح حين البعث
بالجسد اتصل، وأصبح الهلاك هو دون النجاة المحتمل .
العناصر
أولا تعريف العلم وأقسامه ثانياً: ترغيب
الإسلام في العلم وفضل أهله
ثالثاً: وجوب طلب العلم في
الإسلام رابعاً:
آداب طالب العلم
خامساً: نماذج وأقوال علي فضل
العلم
الموضوع
أولا تعريف العلم وأقسامه
العلم لغة: مصدر
قولهم: علم يعلم علما وهو مأخوذ من مادّة (ع ل م) الّتي تدلّ على أثر بالشّيء
يتميّز بها عن غيره
العلم اصطلاحا: قال الجرجانيّ: العلم هو الاعتقاد الجازم
المطابق للواقع
وقال المناويّ: العلم: هو صفة توجب تمييزا
لا يحتمل النّقيض، أو هو حصول صورة الشّيء في العقل .
قال ابن العربيّ: العلم أبين من أن يبيّن،
وأنكر على من تصدّى لتعريف العلم .
وقال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله
تعالى-:العلم هو معرفة الشّيء على ما هو به.
أقسام العلم: ينقسم إلى قسمين:
1-فرض عين: وهو ما يتعيّن وجوبه على الشّخص من توحيد الله
ومعرفة أوامره وحدوده في العبادات والمعاملات الّتي يحتاج إليها.
2-فرض كفاية: وهو كلّ علم لا يستغنى عنه في
قوام الدّنيا. كالطّبّ والحساب وأصول الصّناعات. كالفلاحة والحياكة والحجامة. فلو
خلا البلد عمّن يقوم بهذه العلوم والصّناعات أثم أهل البلد جميعا. وإذا قام بها
واحد فقط وكفاهم سقط الإثم عن الباقين، والتّعمّق في مثل هذه العلوم يعدّ فضلة،
لأنّه يستغنى عنه.
ومن العلوم ما يكون مباحا، كالعلم بالأشعار
الّتي لا سخف فيها، ومنها ما يكون مذموما، كعلم السّحر والطّلسمات والتّلبيسات،
وأمّا العلوم الشّرعيّة فكلّها محمودة.
وقد يكون العلم نافعا وقد يكون مذموما: قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله تعالى-: قد
ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النّافع وذكر العلم
تارة في مقام الذّمّ وهو العلم الّذي لا ينفع، فأمّا الأوّل فمثل قوله تعالى: قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، وقوله: شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ
قائِماً بِالْقِسْطِ. وغير ذلك من الآيات.
هذا وقد يكون العلم في نفسه نافعا لكن صاحبه
لم ينتفع به. كما قال تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ
لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً" ، وقال سبحانه:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ
بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ)
وقال أيضا: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى
عِلْمٍ .
وكذلك تعلم العلم لغير الله فعن أبي هريرة- t- قال: قال رسول الله r: «من تعلّم علما ممّا يبتغى به
وجه الله- عزّ وجلّ- لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضا من الدّنيا لم يجد عرف الجنّة
يوم القيامة» ([1])
.. عرف الجنة: يعني
ريحها
ضابط العلم النافع: والعلم النّافع هو ما كان ضبط نصوص الكتاب
والسّنّة، وفهم معانيها والتّقيّد في ذلك بالمأثور عن الصّحابة والتّابعين
وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام من مسائل الحلال
والحرام والزّهد والرّقائق والمعارف وغير ذلك،
والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أوّلا،
ثمّ الاجتهاد على معرفة معانيه وتفهّمه ثانيا.
وهذا
العلم النّافع يدلّ على أمرين: أحدهما: معرفة الله وما يستحقّه من الأسماء
الحسنى والصّفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبّته
ورجاءه، والتّوكّل عليه والرّضا بقضائه والصّبر على بلائه.
والأمر الثّاني: المعرفة بما يحبّه ويرضاه،
وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأعمال الظّاهرة والباطنة والأقوال .
ثانياً: ترغيب الإسلام في العلم
وفضل أهله
من
صفات الله تعالى: العليم والعالم والعلّام، قال الله تعالى: وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
(يس/ 81) ، وقال: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (الرعد/ 9) ،
وقال: عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة/ 109) . فهو
الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما يكون ولمّا يكن بعد قبل أن يكون، لم
يزل عالما ولا يزال عالما بما كان وما يكون، ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في
السّماء، سبحانه وتعالى، أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها، دقيقها وجليلها،
على أتمّ الإمكان، وعليم فعيل من أبنية المبالغة، ويجوز أن يقال للإنسان الّذي
علّمه الله علما من العلوم: عليم. كما قال يوسف للملك: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
(يوسف/ 55) ، وقال الله عزّ وجلّ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) . فأخبر عزّ وجلّ أنّ من عباده من يخشاه، وأنّهم هم
العلماء، وكذلك صفة يوسف- u- وكان عليما بأمر ربّه ([2])
.
من صفات الأنبياء: قال تعالى "وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ
بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً
لَمِنَ الظَّالِمِينَ "البقرة
قال تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ
وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ
مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا
النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا
لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)"النمل، وقال تعالى "وَلَمَّا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (14)
من صفات المؤمنين ومن اختصهم الله بتفصيل
الآيات وفقهها : قال تعالى "بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) العنكبوت
وقال تعالى "وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ
مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ
الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83).النساء
صفة بعض أهل الكتاب: قال تعالى "قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)" البقرة
إرث الأنبياء: عن أبي الدرداء t قال سمعت رسول الله r يقول من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله
له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن
العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم
على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم
يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"([3])
دعوة سيدنا إبراهيم u: قال تعالى "رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)"
البقرة
أنه يبقى والمال يفنى: فهذا أبو هريرة t من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع
كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟
نعم يجري كثيراً فيكون لأبي هريرة أجر من أنتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال
يفنى فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من
ثلاثة أشياء : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) ([4])
أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة: لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح
أو غيرها هو في القلب محروس وفي النفس محروس وفي الوقت نفسه هو حارس لك لأنه يحميك
من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق
وراء الإغلاق ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه .
أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق: قال تعالى: ( شهد الله أنه
لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) ( آل عمران))
فهل قال: " أولو المال ؟ لا بل قال " وأولو العلم قائماً
بالقسط " فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو
مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله عز وجل .
أن أهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم : قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم ) ( النساء)
فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء
وطلبة العلم، فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية
الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها .
أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة: فعن معاوية – t – يقول سمعت النبي – r يقول:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم
والله معطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي
الله بأمره " ([5])
وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة:" إن لم يكونوا أهل الحديث
فلا أدري من هم " وقال القاضي عياض – رحمه الله -: " أراد أحمد أهل
السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث
1نعمة يغبط الناس صاحبها ويتمنون مثلها : أ-طلب العلم والعمل به.
ب-التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام
فعن عبد الله بن مسعود t قال : قال رسول الله r : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في
الحق ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها "([6])
نفع الناس في الدنيا والآخرة : عن أبي موسى الأشعري t عن النبي r قال : " مثل ما بعثني الله به من
الهدي والعلم كمثل غيث أصاب
أرضاً فكان منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها
أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما
هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاَّ فذلك مثل من فقه في الدين ونفعهُ ما بعثني
اللهُ به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به
" ([7])
أنه طريق الجنة : عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال :" ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهل الله به طريقاً إلي الجنة " ([8])
أي يجعله فقيهاً في دين الله عز وجل والفقه في الدين ليس المقصود به
فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط ولكن المقصود به هو:
علم التوحيد وأصول الدين وما يتعلق بشريعة الله عز وجل ولو لم يكن من نصوص الكتاب
والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثِّ على طلب علم الشريعة
والفقه فيها.
أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم : ولا يخفى على كثير منا قصة
الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ
على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا فقتله
فأتم به المائة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه
وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء
الطريق ….. والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل .
يعلم كيفية التحقق من صحة الخبر إذا نقل عن شخص ما: ترى أنه خطأ فاسلك طرقا
ثلاثة على الترتيب:
الأول: التثبت في صحة الخبر.
الثاني: النظر في صواب الحكم، فإن كان صواباً فأيده ودافع عنه، وإن
رأيته خطأ فاسلك الطريق
الثالث وهو: الاتصال بمن نسب إليه لمناقشته فيه وليكن ذلك بهدوء
واحترام.
بالعلم تعلم انه لا يمكن أن
يصلح الناس في ساعة واحدة أبداً : أليس النبي r قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس؟ وفي النهاية أخرج من مكة
حين تآمروا عليه " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ
أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوك" (الأنفال الآية: 30).
يثبتوك يعني يحبسوك أو يقتلوك أو يخرجوك " وَيَمْكُرُ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" .
فلا يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين لاسيما إذا لم تكن ذا
قيمة بينهم لكن اصبر وأطل النفس وادع بالحكمة وأحسن الخلق وسيتبين لك الأمر فيما
بعد
أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا: أما في الآخرة فإن الله
يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من
الدعوة إلي الله عزَّ وجلّ
والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله
تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) سورة المجادلة
يرفع صاحبه إلى أفضل المنازل والدرجات: عن أبي كبشة الأنماريّ-t- أنّه سمع رسول الله r يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ
وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فصبر
عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو
كلمة نحوها-. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه . قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه
الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا. فهذا
بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ
لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه
علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم
لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو
أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ([10])
خير من أموال الدنيا: (عن عقبة بن عامر- t- قال: خرج رسول الله r ونحن في الصّفّة فقال: «أيّكم
يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان أو إلى
العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله
نحبّ ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله-
عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث. وأربع خير له من أربع. ومن
أعدادهنّ من الإبل» ([11])
، وبطحان: اسم موضع قرب المدينة ، والعقيق: اسم واد بالمدينة ، ناقة كوماء: عظيمة
السنام
قال ابن القيّم: العلم هاد. وهو تركة
الأنبياء وتراثهم. وأهله عصبتهم وورّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور،
ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيّرين، وهو الميزان
الّذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّكّ واليقين،
والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال. به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد
ويمجّد، وبه اهتدى إليه السّالكون.
ومن طريقه وصل إليه الواصلون. ومنه دخل عليه القاصدون. وبه تعرف
الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال والحرام. وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي
الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب. وهو إمام، والعمل مأموم. وهو
قائد، والعمل تابع. وهو الصّاحب في الغربة، والمحدّث في الخلوة، والأنيس في
الوحشة، والكاشف عن الشّبهة، والغنى الّذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الّذي
لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله
صدقة ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب
والطّعام
عقد ابن القيم – رحمه الله تعالى – مقارنة بين العلم والمال: يحسن إيرادها في هذا المقام
فقد فضل العلم على المال من عدة وجوه أهمها:
أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء 0
أن العلم يحرس صاحبه وصاحب المال يحرس ماله.
أن العلم يزداد بالبذل والعطاء والمال تذهبه النفقات – عدا الصدقة.
أن العلم يرافق صاحبه حتى في قبره والمال يفارقه بعد موته إلا ما كان
من صدقة جارية.
أن العلم يحكم على المال فالعلم حاكم والمال محكوم عليه.
أن المال يحصل للبر والفاجر والمسلم والكافر أما العلم النافع فلا
يحصل إلا للمؤمن.
أن العالم يحتاج إليه الملوك ومن دونهم وصاحب المال يحتاج إليه أهل
العدم والفاقة والحاجة.
أن صاحب المال قد يصبح معدماً فقيراً بين عشية أو ضحاها والعلم لا
يخشى عليه الفناء إلا بتفريط صاحبه.
أن المال يدعو الإنسان للدنيا والعلم يدعوه لعبادة ربه.
أن المال قد يكون سبباً في هلاك صاحبه فكم أختطف من الأغنياء بسبب
مالهم !! أما العلم ففيه حياةٌ لصاحبه حتى بعد موته.
سعادة العلم دائمة وسعادة المال زائلة.
أن العالم قدره وقيمته في ذاته أما الغني فقيمته في ماله.
أن الغني يدعو الناس بماله إلى الدنيا والعالم يدعو الناس بعلمه إلى
الآخرة.
ثالثاً: وجوب طلب العلم في
الإسلام
علم الله تعالى سيدنا آدم الأسماء كلها بعد خلقه: قال تعالى" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ
فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ
هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا
إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا
آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ
أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)"البقرة
ترك سيدنا موسى قومه من أجل العلم: قال تعالى" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ
الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ............قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي
فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)"
قال رسول الله r -"قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فسئل
أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه وأوحى الله إليه
: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال : يا رب ! وكيف لي به ؟ فقيل : احمل حوتا في مكتل فإذا فقدته
فهو ............. " ([12])
أول سورة نزلت في القرآن تأمر بالعلم: وقال تعالى﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ
الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾ العلق 1.
فداء بعض أسرى بدر بتعليم بعض المسلمين: قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: فصل في حكمه في الأسرى: ثبت
عنه - في الأسرى أنه قتل بعضهم، ومنَّ على بعضهم، وفادى بعضهم بمال، وبعضهم بأسرى
من المسلمين، واسترق بعضهم، ولم يسترق رجلاً بالغاً..... وفادى بعضهم على تعليم
جماعة من المسلمين الكتابة...
ولكن تحديد عدد الصبيان بعشرة لم نقف عليه من وجه صحيح، والله أعلم.
أمر الله بالعلم في مواضع كثيرة في القران: قال تعالى:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا﴾ الطلاق:21.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) محمد
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِىِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِى
خُطْبَتِهِ « أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ
مِمَّا عَلَّمَنِى يَوْمِى هَذَا ...." ([14])
وقال الإمام الشّافعيّ-رحمه الله تعالى: «طلب العلم أفضل من صلاة
النّافلة»
طلب العلم سبيل إلى الجنة والى استغفار جميع المخلوقات : عن كثير بن قيس قال كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل
فقال يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول rلحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله r ما جئت لحاجة قال فإني سمعت رسول الله r
يقول من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة
وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات
ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة
البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا
ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " ([15])
هو ما يبقى للميت بعد موته: عن أبى هريرة ؛ أن رسول الله r قال: " إذا مات العبد انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع
به، أو ولد صالح يدعو له" " ([16])
وعن أبي هريرة t قال: قال الرسول **: "إن مما يلحق
المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً
ورّثه. أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقةً أخرجها
من
لطالب العلم اجر مثل أجور من تبعه على الخير: عن أبي هريرة أن رسول الله r قال من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل
أجور من تبعه لا ينقص ذلك من
أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه
لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " ([18])
وعن أبي هريرة t قال سمعت رسول الله r يقول إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه
وعالم
هم السبيل لإرشاد الخلق وعدم ضلالهم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال
: سمعت رسول الله r يقول "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا
ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس
رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ([20])
حرمة كتمان العلم: عن أبي هريرة- t- قال: قال رسول الله r: «من سئل عن علم ثمّ كتمه ألجم
يوم القيامة بلجام من نار» ([21])
الانسان مسئول عن علمه بين يدي الله: عن أبي برزة الأسلميّ- t- قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن
علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» ([22])
رابعا: آداب طالب العلم
طالب العلم لابد له من التأدب بآداب، نذكر منها:
إخلاص النية لله- عز وجل-: قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) .فأمر بالعلم، فإذا تعلمت فإنك ممتثل لأمر الله- عز
وجل.
التمسك بالكتاب والسنة: يجب على طلبة العلم الحرص التام على تلقي العلم والأخذ من أصوله التي
لا فلاح لطالب العلم إن لم يبدأ بها، فيحفظ القران والسنة جيدا مع الفهم والإتقان
ومعرفة ما يتعلق بهما من جميع الجوانب
تقوى الله - عز وجل-: فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له، قال تعالى: (إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
"28") سورة فاطر. وبالتقوى يزداد العالم علما ، وبالعلم يزداد التقي
تقوى قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ "282") سورة البقرة. وقال تعالى: ( ومن يتق الله يجعل له
مخرجا "2" ويرزقه من حيث لا يحتسب... ) سورة الطلاق
العمل بالعلم : فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه، فعلى طالب العلم كما
يجد في الطلب أن يجد في العمل، فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه، ولقد مدح الله -
عز وجل- في كتابه الكريم العاملين بما علموا ، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ
الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ "17" الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "18") سورة الزمر .
كما ذم الله أولئك الذين لا ينتفعون بما يحملونه من علم، وشبههم - عز
وجل- بالحمار الذي يحمل أسفارا لا يعرف قيمتها، فضلا عن جهله بما تحويه من درر،
قال تعالى في سورة الجمعة: " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ
لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ
الصبر والتحمل: فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج إلى صبر
ويقين وعزيمة لا تلين ، فالطريق طويل، والنفس داعية إلى الملل، والسآمة، والدعة،
والراحة، فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة والندامة، يقول الشاعر: وما
النفس إلا حيث يجعلهــا الفتى فإن أطمعت تـاقت وإلا تسلتِ
ويقول آخر: والنفس كالطفل إن
تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ألا يمنعه خجله من السؤال: ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر
" ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن
ألا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.
وعن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي r فقالت: يا رسول الله r! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟
فقال رسول الله r: " نعم، إذا رأت الماء" فقالت أم
سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال: "تربت يداك. فبم يشبهها ولدها
"([23])
التواضع والسكينة ونبذ الخيلاء والكبر: قال عمر بن الخطاب t: (تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ
والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة
العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم) .
وكتب الإمام مالك إلى الرشيد: "إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره
وسكينته وسمته ووقاره وحلمه" .
وقال الإمام الشافعي: "لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس
فيفلح، ولكن من طلبه بذلّ النفس وضيق العَيش وخدمة العلماء أفلح"
الهمة في طلب العلم: لتكن همتك في طلب العلم عالية ؛ فلا تكتفِ بقليل العلم مع إمكان
كثيره، ولا تقنع من إرث الأنبياء - صلوات الله عليهم - بيسيره، ولا تركن إلى الكسل
والتواني ولا تسوّف ، واجعل قدوتك العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا
الميدان . ولا تؤخر تحصيل فائدة تمكنت منها ولا يشغلك الأمل والتسويف عنها؛ فإن
للتأخير آفات، ولأنك إذا حصلتها في الزمن الحاضر؛ حصل في الزمن الثاني غيرها.
واغتنم وقت فراغك ونشاطك، وزمن عافيتك، وشرخ شبابك، ونباهة خاطرك،
وقلة شواغلك، قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة.
وينبغي لك أن تعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها ما أمكنك؛ لأنها آلة
التحصيل، ولا تجعل تحصيلها وكثرتها (بدون فائدة) حظك من العلم، وجمعها نصيبك من
الفهم، بل عليك أن تستفيد منها بقدر استطاعتك.
قال ابن جماعة الكناني: "الذي ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط
إلا من يفيده أو يستفيد منه... فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه ولا يفيده
ولا يستفيد منه ولا يعينه على ما هو بصدده فليتلطّف في قطع عشرته من أول الأمر قبل
تمكّنها، فإن الأمور إذا تمكّنت عسرت إزالتها".
اختيار الصاحب: احرص على اتخاذ صاحب صالح في حاله، كثير الاشتغال بالعلم، جيد الطبع،
يعينك على
تحصيل مقاصدك ، ويساعدك على
تكميل فوائدك ، وينشطك على زيادة الطلب ، ويخفف عنك الضجر والنصب ، موثوقاً بدينه
وأمانته ومكارم أخلاقه ، ويكون ناصحاً لله غير لاعبٍ ولا لاه ." انظر تذكرة
السامع لابن جماعة.
وإياك وقرين السوء؛ فإن العرق دساس، والطبيعة نقالة، والطباع سراقة،
والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك فإنه
المرض، والدفع أسهل من الرفع .
التفرغ والمحافظة على الأوقات: وذلك بأن لا يضيع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم
والعمل إلا بقدر الضرورة ، وقد كان
بعضهم لا يترك الاشتغالَ
بالعلم لعروض مرض خفيف أو ألم لطيف ، بل كان يستشفي بالعلم ، ويشتغل به بقدر
الإمكان، وقال الشافعي: لو كلفت شراءَ بصلة لما فهمت مسألة .
وهذا الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله وقد عاش قرابة خمسين سنة
وألف ما يزيد عن خمسين مؤلفاً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح، ومع ذلك
كان يقول : يا ليت الوقت يباع فأشتريه
احترام العلماء من غير تقديس، واتباعهم من غير تقليد :
فيجب على طلبة العلم احترام العلماء وتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما
يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم، وأن يقابلوا هذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ
في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جداً، لأن بعض الناس يتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها
ما ليس لائقاً في حقهم، ويشوّش على الناس سمعتهم، وهذا من أكبر الأخطاء، وإذا كان
اغتياب العامّي من الناس من كبائر الذنوب، فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر، لأن
اغتياب العالم لا يقتصر ضرره على العالم بل عليه وعلى ما يحمله من العلم
الشرعي".
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t: (من حقّ العالم عليك إذا أتيته أن تسلِّم
عليه خاصَّة، وعلى القوم عامّة، وتجلس قُدَّامه، ولا تشِر بيديك، ولا تغمِز
بعينَيك، ولا تقُل: قال فلان خلافَ قولك، ولا تأخذ بثوبِه، ولا تُلحَّ عليه في
السؤال، فإنّه بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء).
رحابة الصدر في مسائل الخلاف : فينبغي أن يكون صدر طالب العلم رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره
الاجتهاد؛ لأن مسائل الخلاف بين العلماء إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه،
ويكون الأمر فيها واضحاً، فهذه لا يعذَر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد
فيها مجال، فهذه يعذر فيها من خالفها".
مذاكرة العلم وكتابة ما استقاده: وقد قيل: إحياء العلم مذاكرته ** فأدم للعلم مذاكرته
ولقد كان سلفنا الصالح يتواصون بمذاكرة العلم ، يقول أحدهم: مذاكرة
ليلة أحب إلي من إحيائها.
يعني : جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب إلي من
أن أقومها قراءة وتهجدا وصلاة وركوعا وسجودا .
وينبغي على طالب العلم كلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة
وكررها إلى أن يحفظها . يقول العلماء : " إن ما حفظ فر وما كتب قر " ،
أي أن ما كتبته ستجده فيما بعد .. ويشبهون العلم
بالصيد، فيقول بعضهم: العلم صيد والكتابة قيده ** فاحفظ لصيدك قيده
أن يفلت
الدعوة إلى الله تعالى والاجتهاد في نشر العلم: فيوظف هذا العلم في الدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة قال تعالى:
( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
"108" فالداعية لا بد وأن يستغل كل مناسبة ويدعو إلى تعالى في شتى
الميادين في المسجد وفي المدرسة وفي المعهد وفي السوق وفي الأعياد والمناسبات ،
ولقد حث الرسول r على نشر العلم ورغبنا فيه فعَن أنس بْن مالك
t قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه r: (نضّر اللّه عَبْدا سمع مقَالَتي فوعاها، ثُمَّ بلغها عَنْي. فرب
حامل فقه غَيْر فقيه. ورب حامل فقه إِلَى من هُوَ أفقه منه) ([24])
الدعاء: عن
زيد بن أرقم - t - ، قَالَ : كَانَ رسُولُ الله - r - ، يقول :(( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ
وَالكَسَلِ ، والبُخْلِ والهَرَمِ ، وَعَذابِ القَبْرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي
تَقْوَاهَا ، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أنْتَ وَلِيُّهَا
وَمَوْلاَهَا ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ؛ وَمِنْ
قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ؛ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ
لَهَا )) ([25])
عن جابر بن عبد الله- tما- قال: قال رسول الله r: "سلوا الله علما نافعا،
وتعوّذوا بالله من علم لا ينفع" ([26])
خامساً: نماذج وأقوال علي
فضل العلم
في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد : تلميذ الإمام أبي حنيفة ( أبو يوسف ) التي يرويها علي بن الجعد
فيقول: " أخبرني أبو يوسف قال توفي أبي إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيراً في حجر
أمي فأسلمتني إلي قصار أخدمه فكنت أدع القصار وأمر إلي حلقة أبي حنيفة فأجلس أسمع
فكانت أمي تجيء خلفي إلي الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلي القصار وكان أبو حنيفة
يعني بي لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم فلما كثر ذلك على أمي وطال عليها هربي
قالت لأبي حنيفة ما لهذا الصبي فساد غيرك هذا صبي يتيم لا شيء له وإنما أطعمه من
مغزلي وآمل أن يكسب دانقاً يعود به على نفسه فقال لها أبو حنيفة: قري يا رعناء ها
هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق – فانصرفت عنه وقالت له: أنت يا شيخ قد خرفت
وذهب عقلك !! …. فأكمل أبو يوسف فقال: ثم لزمت أبا حنيفة وكان يتعهدني بماله فما
ترك لي خلة فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء وكنت أجالس هارون الرشيد
وآكل معه على مائدته فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون الرشيد فالوذجاً بدهن
الفستق فضحكت فقال لي مم ضحكت ؟ فقلت: خيراً أبقى الله أمير المؤمنين قال: لتخبرني
– وألح على – فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعجب من ذلك وقال لعمري: إنه
العلم ليرفع وينفع ديناً ودنيا وترحم على أبي حنيفة وقال: كان ينظر بعين عقله ما
لا يراه بعين رأسه.
قال عمر بن الخطّاب-t: «تعلّموا العلم، وعلّموه النّاس وتعلّموا له الوقار والسّكينة
وتواضعوا لمن تعلّمتم منه ولمن علّمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم
جهلكم بعلمكم».
قال عليّ بن أبي طالب t: لرجل من أصحابه: يا كميل: «العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس
المال،
والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو
بالإنفاق»
عن أبي هريرة-t- : قال: «ما من أصحاب النّبيّ r أحد أكثر حديثا عنه منّي، إلّا ما كان من
عبد الله بن عمرو، فإنّه كان يكتب ولا أكتب» ([27])
قال الحسن البصري : «العامل على غير علم كالسّالك على غير طريق،
والعامل على غير علم يفسد أكثر ممّا يصلح، فاطلبوا العلم
طلبا لا تضرّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا
لا تضرّوا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّى خرجوا بأسيافهم على
أمّة محمّد r، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم
على ما فعلوا»
عبيد الله بن كثير : يروي عن أبيه أنه قال: " ميراث العلم خير من ميراث الذهب والفضة
والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ ولا يستطاع العلم براحة الجسم ".
يقول يحيى بن معاذ ـ أحد العارفين بالله : " العلماء أرحم بأمة محمدٍ من آبائهم وأمهاتهم، قالوا: كيف ذلك
؟ العالم أرحم بتلميذه من الأب والأم بابنيهما ؟! قال : إليكم الجواب ، الآباء
والأمهات يحفظون أولادهم من نار الدنيا ـ يخافون عليهم المرض ، يخافون عليهم
الحريق، يخافون عليهم الفقر ـ ولكن العلماء يحفظون أتباعهم من نار الآخرة . تنتهي
فضائل الأبوة في الدنيا، لكن فضائل طلب العلم تستمر إلى أبد الآبدين.
أيها الأحباب: وعلى الدول النهوض بالتعليم والعمل على
تطويره فانه ضرورة شرعية ووطنية؛ وعلى المجتمع دورا تجاه ذلك أيضا :
فمن دور الأسرة غرس القيم التربوية
والسلوكية في الأبناء منذ نشأتهم؛ إذ أن العناية بالنشء مسلك الأخيار،
وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمة وتهلك في
الهالكين إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا نالوا من شبابها
وصغارها؛ ولذلك كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، يعلمونهم
وينشئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشر، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين
الحكماء والأتقياء ويحكى لنا القران:
ما
كان من لقمان الحكيم في وعظ ابنه: فيبدأ معه بتوحيد الله فهو أصل الدين ،قال تعالى
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان 13. ثم راح يوجهه نحو الفرائض
ثم إلى كريم الأخلاق داعيا إليها فقال (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ *وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ
فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ
الْحَمِيرِ) لقمان 1 19.
تلك موعظة عظيمة وجهها لقمان الحكيم لابنه،
بينها الله لنا في كتابه، لنتأسى بتلكم الأخلاق، وبأولئك الأقوام في أقوالهم
وأعمالهم فكل منا مسئول عن أبنائه أمام الله تعالى؛ فقد قال r " كُلُّكُمْ رَاعٍ
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا،
وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ
رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" ([28])
وللمدرسة دور أيضا في تنشأة الأجيال على
العلم مزينا بالأخلاق والسلوك الحسنة الطيبة فالمدرسة تربية وثقافة ووعى وحضارة .
ويقع على المدرس دورا كبيرا تجاه طلابه :فهو
صاحب رسالة سامية إذ أن مهنة المعلم تعتبر من أكبر المهام خطورة وأثراً على
المجتمع؛ ذلك أن إعداد المعلم للطالب إعدادا علميا وسلوكيا ووطنيا من الركائز
الأساسية التي يبني عليها استقرار المجتمع وتقدمه ورقيه ، كما أن المعلم قدوة
لأبنائه من الطلاب، ولذلك كان واجب عليه أن يكون نعم القدوة وان يؤدى رسالته على
أكمل وجه فيصدق فيه قول القائل:
قـُم للمُعَلِّمِ وَفـِّهِ التَبْجيلا
|
**
|
كادَ المعلمُ أن يكونَ رَسولا
|
قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ-
رحمه الله تعالى- في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
يقولون لي فيك انقباض وإنّما
|
**
|
رأوا رجلا عن موقف الذّل أحجما
|
أرى النّاس من داناهم هان عندهم
|
**
|
ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
|
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما
|
**
|
بدا طمع صيّرته لي سلّما
|
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني
|
**
|
ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
|
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى
|
**
|
ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
|
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها
|
**
|
مخافة أقوال العدا فيم أو لما
|
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي
|
**
|
لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
|
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة
|
**
|
إذا فاتّباع الجهل قد كان أحزما
|
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم
|
**
|
ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
|
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا
|
**
|
محيّاه بالأطماع حتّى تجهّم
|
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854