سيناء المباركة، المكان والمكانة أرض الخير والنماء، والتضحية والفداء للشيخ أحمد أبو عيد

 





pdf



word


الحمد رب العالمين، كرم أرض مصر وجعل أهلها في أمانٍ فقال تعالى: {وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ (99) سورة يوسف}.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ، أقسم بأرض سيناء في القرآن الكريم فقال تعالى: (وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ (3) (سورة التين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (ﷺ) اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ، وأرض اللهم عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

العناصر

أولًافضل ومكانة أرض سيناء                                               ثانيًامكانة جبل الطور

ثالثًاواجبُنَا نحوَ سيناءَ خاصة ومصرنا عامة

الموضوع

أولًافضل ومكانة أرض سيناء

موقع سيناء: حيثُ تقعُ عندَ مجمعِ وملتقَى بحرينِ عظيمينِ همَا: البحرُ الأحمرُ والبحرُ المتوسطُ. ولأهميةِ هذا الموقعِ ذكرَهُ القرآنُ الكريمُ في قصةِ سيدِنَا موسَى والخضرِ، قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (الكهف:60) .

ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: المكانُ الذي فيه يلتقِى البحرُ الأحمرُ بالبحرِ الأبيضِ المتوسطِ. ومجمعهُمَا مكانُ التقائهِمَا في مجمعِ خليجَيْ العقبةِ والسويسِ في البحرِ الأحمرِ، وهذه المنطقةُ كانت مسرحَ تاريخِ بنى إسرائيلَ بعدَ خروجِهِم مِن مصرَ". (التفسير الوسيط).

كما تقعُ سيناءُ عندَ ملتقَى قارتيْ آسيا وإفريقيا، وهذا الموقعُ المتميزُ جعلَهَا مطمعًا للغزاةِ عبرَ العصورِ والقرونِ.

القيمة الاستراتيجية لسيناء: أدركت مصر منذ أقدم العصور الأهمية السياسية والأمنية والاقتصادية للدولة المصرية

وأن سيناء ليست أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، ولكنها مدخل قارة بأكملها.. وأدركت سريعا حقائق الاستراتيجية المصرية الصحيحة والتي كان أولها أن سيناء خط الدفاع الأخير عن مصر والوادي وإن اللي يسيطر عليهم يهدد مصر بشكل مباشر، فأقامت الحصون والقلاع والأبراج الدفاعية ودار حولها معظم تاريخ مصر العسكري..

يقول المؤرخ الكبير جمال حمدان في كتاب شخصية مصر إن وزن أي إقليم يعتمد على عاملين معا، أولا أهمية موقعه الجغرافي ، ثانيا ما يحتويه من موارد وامكانيات أو أهميته الاقتصادية.

لو تحدثنا عن أهمية الموقع الجغرافي لسيناء، لو نظرنا إلى الخريطة سنجد مثلث سيناء عقدة تلحم أفريقيا بأسيا ما يجعل لها أهمية خاصة في خريطة التوازنات الدولية والإقليمية منذ فجر التاريخ عبقرية ذلك الموقع الذي يقع في قلب العالم وعلى ناصية العالم القديم بين أسيا وأفريقيا وأوروبا جعل منها مركزا لكل هذه الأحداث الكبرى ومن يملكها فقد تحكم في المنطقة بأكملها..

أما جانب الموارد والأهمية الاقتصادية، منذ القدم وسيناء منجم مصر من الذهب والمعادن النفيسة، وهي حتى الآن المورد الرئيسي للبترول في مصر (ثلث إنتاج مصر) خاصة ساحل خليج السويس، وتحتوى على أكبر مخزون في العالم لعدد كبير من المعادن، فهي تحتوي على النحاس والفوسفات والحديد والفحم والمنجنيز واليورانيوم والكثير من الخامات التي تستخدم في الصناعات مثل الجبس والفحم الحجري والطفلة الكربونية

كما تشتهر بوجود اجود أنواع الفيروز في العالم الذي اكتشفه المصريون القدماء على ارضها واستخدموه في تزيين المعابد والتماثيل، كما تحتوي على أنواع كثيرة من النباتات النادرة التي تستخدم في العلاجات والأدوية.

وإمكانيات سيناء الاقتصادية لا تتوقف على ثرواتها التعدينية بل أيضا بها إمكانيات ترشحها لتكون من أكبر فبلات السياح في العالم بأنواعهم، فالحديث عن السياحة الشاطئية فتحتوي سيناء على 700 كيلو متر شواطئ من أجمل شواطئ العالم والتي تتميز بطقس معتدل ومحميات طبيعية لا مثيل لها في العالم بها العديد من الأسماك والحيوانات والنباتات.

وبها أهم ممر مائي في العالم في سيناء قناة السويس والتي يعبر منها ثلث تجارة العالم سنويا ويجعلها أكبر ميناء مفتوح في العالم

كل تلك الجوانب المتعدد في سيناء، يجعل منها إقليم فريد بل دولة متوسطة بإمكانيات جبارة

مساحة سيناء حوالي 60 ألف كيلو متر مربع. تقترب من مساحة دولة مثل الأردن وهى 89 ألف كيلومتر مربع. وهي تسعة أضعاف مساحة سنغافورة 721 كيلو مترا مربعا. ونحو 6 أضعاف مساحة هونج كونج. وتقارب مساحة كوريا الجنوبية 100 ألف كيلو متر مربع والتي تعد خامس أكبر اقتصاد في العالم.

كل تلك الإمكانيات كما يرى العالم الكبير جمال حمدان تجعل منها واحدة من أكبر المناطق المرشحة لتكون من أكبر الاقتصاديات في العالم

ومنذ أكثر من 40 عاما قدم المؤرخ الكبير ما يشبه البرنامج المتكامل لتعمير سيناء وشكلت مسألة ربط سيناء بالدلتا اولوية في فكر وعقل د. جمال حمدان

ولكن الملفت وما يبعث على الأمل أن الدولة المصرية بدأت أخر خمس سنوات أكبر خطة لتعمير سيناء منذ تحريرها انطلاقا مما طرحه العالم الكبير جمال حمدان وكأن حلمه يتحقق كما كتب!

أرض خصبة كثيرة الخير: في قولِهِ تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (المؤمنون: 20) ، وفي هذه الآيةِ امتنانٌ ببعضِ ما أنعمَ اللهُ بهِ وتفضلَ به علي العبادِ مِن أراضِي خصبةٍ ينبتُ بها الزروعُ والثمارُ وتجلبُ لهم الخيرَ والرزقَ طوالَ العام، وتميزُ أرضِ سيناءَ عن غيرِهَا، وقولِهِ تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (التين: 1 – 3).

بها عيون موسى عليه السلام: على أرضِ سيناءَ الحبيبةِ ضربَ موسَى الأحجارَ لتنفجرَ منها ينابيعُ المياهِ (عيونُ موسى) الاحدَى عشر، بعددِ اسباطِ بنى اسرائيلَ، حيثُ عرفَ كلُّ قومٍ مشربَهُ والتي هي موجودةٌ حتى الآن تشهدُ بمعجزةِ الخالقِ عزَّ وجلَّ، قال جلَّ وعلا: (إِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة(60).

وصفها الله بالأرضِ المقدسةِ والمباركةِ: قال تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}.( طه:11،12). وقال تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. (القصص:30). وقدسيتُهَا وبركتُهَا ممتدةٌ مِن قدسيةِ وبركةِ اللهِ تعالى لهَا.

بها شجرةً مباركةً: قال اللهُ عزّ وجلّ: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ }. المؤمنون (20)." { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ } يعني: الزَّيتون { مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: جبلًا معروفًا، أوَّلُ ما ينبتُ الزَّيتونُ ينبتُ هناكَ { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } لأنَّه يتَّخذُ الدُّهنُ مِن الزَّيتونِ { وَصِبْغٍ } إدام { لِلْآكِلِينَ }". (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي).

والله جل وعلا قد ضرب مثلا لنور الهداية في هذه الآية الكريمة :(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( النور 35 ).وهنا يذكر جل وعلا شجرة الزيتون السيناوية المباركة التي يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار .وهنا ربط بين النور المعنوي ( الهداية ) وزيت الزيتون باعتباره طاقة لم يتم استغلالها بعد ضمن عناصر الطاقة المعروفة لدينا، وهو ربط يشير الى إعجازا مدخر للمستقبل عن سيناء وشجرة الزيتون في جبل الطور .

أنها أول أرض شهدت أول وحي إلهي مباشر بغير واسطة (جبريل عليه السلام): وذلك عند جبل الطور بسيناء على أرض مصر، قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } (مريم 52)..  و قال جل شأنه {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) } [طه: 9 - 16]

قبس بدا من جانب الصحراء ** هل عاد عهد الوحي في سيناء

أرنو إلى الطور الأشم فأجتلي ** إيماض برق واضح الإيماء

حيث الغمامة والكليم مروع ** أرست وقوراً أيما إرساء

دكناء مثقلة الجوانب رهبة ** مكظومة النيران في الأحشاء

حتى تكلم ربها فتمزقت ** بين الصواعب في سنى وسناء

وتنزلت أحكامه في لوحها ** مكتوبة آياتها بضياء

شهدتْ أولَ تدريبٍ لسيدِنَا موسَى (عليهِ السلامُ) على معجزةِ العصَا، والذي سيستخدمُهَا فيمَا بعد مع قومهِ بني إسرائيلَ حين يضربُ بهَا الحجرَ، فتنفجرُ منه اثنتَا عشرةَ عينًا بالماءِ، ومع سحرةِ فرعونَ حين تلفقُ ما كانوا يأفكون، ومع فرعونَ ومطاردتِهِ مع جنودِه لسيدِنَا موسَى (عليه السلام) وقومِهِ، فيضربُ بهَا البحرَ فينفلقُ، كلُّ فرقٍ كالطودِ العظيمِ. فعلى أرضِهَا دارَ حوارُ الحبِّ والألفةِ موسى عليه السلام مع ربِّهِ عندمَا سألَهُ الملكُ جلَّ جلالُه وهو أعلمُ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى *………الآيات}سورة طه: 17-23

استجابَ اللهُ فيها لرغبةِ سيدِنَا موسَى (عليه السلام)، فجعلَ معهُ أخاه هارونَ نبيًّا ووزيرًا ليشدَّ مِن أزرِهِ، قال جلَّ وعلا: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى *} [سورة طه: 29-36].

نزول الطعام على أرضِ سيناءَ الحبيبةِ أنزلَ اللهُ على موسى وقومِهِ مِن بنِى إسرائيلَ (المنَّ والسلوَى)، يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) سوة طه.

لقاء سيدنا موسى بالخضر عليهما السلام: انطلقَ موسَى للقاءِ العبدِ الصالحِ سيدِنَا الخضرِ عليهِ السلامُ، والذى علَّمَهُ مالمْ يُحطْ بهِ خُبرًا، قال جلَّ وعلا: (وإِذ ْقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَاأَبْرَحُ حَتَّى ٰأَبْلُغ َمَجْمَعَ الْبَحْرَيْن ِأَوْأَمْضِيَ حُقُبًا ، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْر سَرَبًا ))الكهف (أية 60-61)،

نجاة موسى عليه السلام وقومه: عندمَا عادَ موسَى ثانيةً بقومِهِ مِن بنِى إسرائيلَ هربًا مِن فرعون، سارُوا متجهينَ إلى سيناءَ ، حيثُ وجدوا البحرَ الأحمرَ في مواجهتِهِم ومِن خلفِهِم لحقَهُم فرعونُ وجنودُهُ ،فحدثتْ المعجزةُ على أرضِهَا حينمَا أمرَ اللهُ موسَى أنْ يضربَ البحرَ بعصاهُ ليجدَ الطريقَ أمامَهُ يابسًا مُمهدًا له ومَن معهُ ثم يعودَ البحرُ مرةً أخرى إلى حالتِه الأولى فيغرقَ فرعونُ وجنودُه وينجُو موسَى وقومُهُ بإذنِ اللهِ، حيثُ حدثتْ المعجزاتُ الإلهيةُ، قال جلَّ وعلا: ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ • قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فيأتيه الردُّ مِن السماءِ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) ﴾.

طريقا ومسارا لعديد من الأنبياء والصالحينفسيناءُ بقعةٌ مباركةٌ مِن أرضِ مصرَ، شَرُفتْ جبالُهَا وأوديتُهَا وحباتُ رمالِهَا بوقعِ أقدامِ الأنبياءِ الذين اصطفاهُم اللهُ مِن عبادِه، لحملِ وتبليغِ رسالتِه، فعلى سبيلِ المثالِ: سيدُنَا إبراهيمُ، لوط، يوسفُ، يعقوبُ، أيوبُ، شعيبُ، داودُ، صالح، موسى وهارون، عيسى، عليهم جميعًا الصلاةُ والسلامُ.

فأبو الانبياء إبراهيم الخليل عليه السلام والذى شق طريقه خلالها هو وزوجته السيدة ساره إلى مصر قادمًا من بلاد الرافدين متجها إلى أرض كنعان بفلسطين؛ حيث اشتد القحط بتلك البلاد وذهب إلى مصر متخذا سيناء طريقًا حيث أقام مدة من الزمن فى مصر وعاد ثانية إلى فلسطين، فعبر سيناء ومعه زوجتية ساره، وهاجر ”أم إسماعيل” الأميرة المصرية الأسيرة التى هى من مدينة الفرما من قبيلة أم العرب بشمال سيناء والتى أهداها إليهما فرعون مصر.

كما وطأ أرضها كل من يوسف الصديق وأبيه النبى يعقوب عليهما السلام وإخوته أسباط بنى إسرائيل؛ حيث كان فى هذه المنطقة عبورهم وذهابهم ومجيئهم ورواحهم، حيث تم لقاء سيدنا يوسف بأبيه سيدنا يعقوب، فعلى أرضها إلتأم شملهما والتقيا بعد سنوات من العذاب والغربة والحرمان.

وعلى أرض العريش فصلت العير ومن أرضها انطلقت رائحة قميص يوسف حتى وصل إلى فلسطين ليشمه يعقوب علية السلام، ويقول قولته المأثورة "إنى لأجد ريح يوسفوهذا ماجاء في تأويل قوله تعالى:

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ). يوسف

كما لجأ إليها موسى عليه السلام من غضب فرعون قاصدًا أرض مدين بجزيرة العرب حيث التقى بالنبي شعيب وتزوج ابنته مقابل خدمته ثمانية أعوام.

كما دخل عمرو بن العاص بجيشه الظافر أرض سيناء المقدسة التي باركها الله، والتي نالت قدسيه استقبال كل الرسالات هنا، فعلي أرض العريش وتحديدًا منطقة المساعيد وبعد أن قرأ عمرو بن العاص كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي جاء فيه " أما بعد: "فإن أدركك كتابي هذا وأنت لم تدخل مصر فارجع عنها، وأما إذا أدركك وقد دخلتها أو شيئًا من أرضها فامض، واعلم أنني ممدكفالتفت إلى من حوله، وقالأين نحن ياقوم؟

فقالوا في العريش، فقالوهل هي من أرض مصر أم الشام؟ فأجابوا إنها من مصر، وقد مررنا علي عمدان رفح.

فقالهلموا بنا إذًا قيامًا بأمر الله وأمر أمير المؤمنين ـ وهنا يهنيء القائد جند الاسلام قائلا: "هذا المساء عيدومع مرور الأيام أصبحت منطقة المساعيد الحالية تعرف بهذا الاسمويتقدم عمرو بن العاص ليتحقق بعد ذلك الفتح الاسلامي لمصر كلها.

ثانيًامكانة جبل الطور

ذكره الله صراحة في القرآن الكريم: هو مِن أعظمِ الجبالِ على وجهِ الأرضِ كافةً، وهو أكثرُ الجبالِ ورودًا في القرآنِ الكريمِ، حيثُ وردَ لفظُ (الطورِ) عشرَ مراتٍ، وسُميتْ باسمهِ سورةُ الطورِ، ولأهميةِ هذا الجبلِ أقسمَ اللهُ بهِ مرتين، واللهُ عزّ وجلّ يقسمُ بمخلوقاتِه الكونيةِ ليلفتَ الأنظارَ إلى هذا الصنعِ البديعِ العجيبِ، فقدْ أقسمَ اللهُ بالليلِ، والنهارِ، والشمسِ، والبحرِ، والفجرِ، والضحَى، وغيرِ ذلك. ومعروفٌ أنّ اللهَ إذا أقسمَ بشيءٍ مِن خلقِهِ دلَّ ذلك على أهميتِهِ وعظمتِهِ.

قال تعالى: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}.(الطور: 1-4). وقال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}.(التين: 1-3). وهنا ربطَ بينَ جبلِ الطورِ والكعبةِ البيتِ المعمور، فالطورُ جاءَ قبلَ الكعبةِ وهي البيتُ المعمورُ، وهو نفسُ الترتيبِ في سورةِ التين، ويشيرُ إلى أنّ الطورَ شهدَ نزولَ التوراةِ للنبيِّ موسَى عليه السلامُ، وبعدَ ذلك شهدتْ مكةُ نزولَ القرآنِ على النبيِّ مُحمدٍ ﷺ.

كلم الله سيدنا موسى عليه: فقد كلمه ربه على جبلَ الطورِ، وهو الجبلُ الوحيدُ الذي حظيَ بالتجلياتِ الإلهيةِ والأنوارِ الربانيةِ، حينمَا واعدَ اللهُ موسَى عليه السلامُ أنْ يكلمَهُ على هذا الجبلِ. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا ‌تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. (الأعراف: 143). ولكن موسَى عليه السلامُ لم يكتفِ بالكلامِ بل طمعَ شرفًا أنْ يتجلَّى برؤيةِ اللهِ تعالَى، ولكن طبيعةُ موسى البشريةِ لا تسطيعُ أنْ تتحملَ هذه التجلياتِ النورانيةَ، واللهُ الكريمُ لم يضعْ موسى عليه السلامُ في حرجٍ أو يردّ مطلبَهُ ومناهُ، فعلقَ رؤيتَهُ على استقرارِ الجبلِ، ليقنعَ موسَى عليه السلامُ عمليًّا أنْ طبيعتَكَ البشريةَ لا تتحملُ ذلك، فإذا كان الجبلُ الأصمُّ الشامخُ اندكَّ وصارَ رملًا ، فكيف بالإنسانِ الضعيفِ؟! وهنا أيقنَ موسَى عليه السلام بذلك، وقدّمَ اعتذارَهُ وتوبتَهُ لمولاهُ: { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. على أنَّ ذلك لا ينفِي رؤيةَ المؤمنينَ ربّهُم في الآخرةِ، لأنّ كلَّ حياةٍ لها كنهُهَا وطبيعتُهَا، فالحياةُ الدنيا، غيرُ حياةِ البرزخِ، غيرُ الحياةِ الآخرةِ، وقد ثبتتْ الرؤيةُ في الآخرةِ بنصِّ القرآنِ والسنةِ. قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.(يونس: 26). فالحسنَى هي الجنةُ، والزيادةُ هي رؤيةُ اللهِ تعالى في الآخرةِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ " قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ " فَقَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ". (متفق عليه).

هو الجبل الذي شهد نزول الألواح أو كتاب التوراة: قال تعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)} [سورة الأعراف].

هو الجبل الذي شهد مجيء موسى بسبعين رجلًا من قومه للتوبة عند الطور فأخذتهم الرجفة، قال تعالى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } [الأعراف:155].

شهد جبل الطور إعطاء العهد والميثاق على بني إسرائيل ، وفيه رفع الله جبل الطور فوق رؤوسهم فسجدوا لله تعالى رعبا وهم ينظرون إلى الجبل المرفوع فوقهم كأنه ظلة ، وفى ذلك الموقف الرهيب أخذ الله عليهم العهد والميثاق ، ويقول الله تعالى يصف ذلك الحدث (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأعراف 171 )

هو الجبل الذي رفعه الله عز وجل فوق اليهود عندما خانوا العهد ولم يؤمنوا فكان تخويفًا وإرهابًا لهم فآمنوا ثم أعرضوا كعادتهم فقال فيهم عز وجل: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ” البقرة ٩٣

هو الجبل الذي شهد الرحمة: حين أخذتهم الرجفة قال موسى عليه السلام مخاطبًا ربه عز وجل: { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف]، فكانت الإجابة من قبل الله عز وجل: { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}[الأعراف]

هو الجبل الذي يحمي نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من بطش يأجوج ومأجوج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثمَّ يأتي عيسَى قَوْمٌ قد عَصَمَهُمُ الله مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عنْ وُجوهِهِمْ ويُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فبينَما هوَ كذلكَ إذْ أَوْحَى الله إلى عيسى: إنَّي قد أَخْرَجتُ عِبادًا لي لا يَدانِ لأَحَدٍ بقتالِهمْ فَحَرِّزْ عِبادِي إلى الطُّورِ".

ثالثًا: واجبُنَا نحوَ سيناءَ خاصة ومصرنا عامة

إنَّ واجبَنَا أنْ نحافظَ عليها وندافعَ عنها ونضحِّي مِن أجلِهَا بكلِّ غالٍ وثمينٍ، وإذا كان آباؤُنَا وأجدادُنَا قد رووا أرضَهَا بدمائِهِم شهداءَ حتى ورثناهَا بعدَهُم، فإنَّها أمانةٌ في أعناقِنَا لا ينبغِي أنْ نفرطَ فيها، أو نخونَهَا، أو نضيعَهَا بأيِّ حالٍ مِن الأحولِ أو صورةٍ مِن الصورِ.

يجبُ علينَا أنْ نحرسَهَا ليلَ نهار، وبُشرَى لِمَن يحرسُهَا أنْ لا تمسَّهُ النارُ، وفي ذلك يقولُ ﷺ: ” عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” ( الترمذي والطبراني).

إنَّ جيشَنَا العظيمَ في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». (البخاري).

وهنيئًا الشهادةَ لكلِّ مَن دافعَ عن عرضِه وأرضِه، فعن سعيدِ بنِ زيدٍ قال ﷺ: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه).

إنَّ جيشَنَا العظيمَ، وقيادتَنَا الباسلةَ تقفُ بالمرصادِ في وجهِ كلِّ معتدٍ غاشمٍ أرادَ التعدِّي على أرضِنَا أو مقدساتِنَا، مضحينَ بأنفسِهِم وأموالِهِم، الموتُ أحبُّ إليهم مِن الحياةِ، وهي الكلمةُ التي قالَهَا خالدُ بنُ الوليدِ رضي اللهُ عنه لملكِ الفرسِ: « قد جئتُكَ بقومٍ يحبونَ الموتَ كمَا تحبونَ الحياةَ» . (تاريخ الطبري).

كما يجبُ علينَا الاتحادُ وعدمُ الفرقةِ، تحقيقًا لقولِهِ تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. (أل عمران: 103). لأنَّ الاتحادَ قوةٌ، والتفرقَ ضعفٌ، وربُّنَا عزَّ وجلَّ حذرَنَا مِن ذلك فقالَ: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال: 46). وعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» (أحمد وأبو داود بسند صحيح).

ولقد سطّرَ شهداؤُنَا الأبطالُ التاريخَ بدمائِهم الذكيةِ العطرةِ، ففي السادسِ مِن أكتوبر سنة 1973م كانت معركةُ العبورِ حيثُ عبرتْ قواتُنا المسلحةُ خطَّ بارليفٍ ودمرتْ نقاطَ الدفاعِ الإسرائيليةِ وألحقتْ الهزيمةَ بالقواتِ الصهيونيةِ، وانتصرَ جنودُ الحقِّ على المحتلين الإسرائيليين، وارتفعتْ راياتُ الحقِّ عاليةً خفاقةً وسجلَ التاريخُ هذه البطولاتِ والتضحياتِ لقواتِنا المسلحةِ فضربوا بدمائِهم أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ والفداءِ لدينِهم ووطنِهم وعادتْ إلينَا سيناءُ الحبيبةُ بفضلِ اللهِ أولًا ثمَّ بفضلِ قواتِنَا المسلحةِ.

فالمحافظةُ على دينِنَا وعلى أرضنِنَا واجبٌ على الجميعِ، والكلُّ مسؤولٌ عنه يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ الندامةِ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، إلّا مَن أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.

فعلينَا أنْ نضحِي بكلِّ غالٍ وثمينٍ في الدفاعِ عن أرضِنَا وعرضِنَا ومقدساتِنَا ومصرَنَا الحبيبةِ.

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

قَارَنْتُ مِصْـــرَ بِغَيْــرِهَا، فَتَدَلَّلَــتْ   *    وَعَجِـــزْتُ أَنْ أَحْظَىَ لَهَـــا بِمَثِيْــــلِ

هَــذِيْ الْحَضَـرَةُ مُعْجِزَاتٌ فيِ الـوَرَىَ   *    عَقـــــِمَ الـــزَّمَانُ بِمِثْلِــــهَا كَبَـــدِيْلِ

رَفَـــــعَ الإِلَــــهُ مَقَامَهــَا، وَأَجَــــــلَّهُ   *    فِيْ الذِّكْـــرِ، وَالتَّـوْرَاةِ، وَالإِنْجِيْـلِ

جَـــاؤا بِيُوْسُـفَ مِنْ غَيَـاهِبِ ظُلْمــَةٍ   *    أَرْضَ العَـــزِيْزِ، فَكَــــانَ خَيْـرَ نَزِيْـلِ

والنِّيْلُ يَتْبَـــعُ وَحْـــيَ مُنْشِئِ قَطْـرِهِ   *    كَالطَّيْــرِ حِيْنَ الوَحْـيِ  عَـامَ الفِيْـلِ

فيِ طُــــــوْرِ سَــــــيْنَاءٍ تَجَــــلَّىَ رَبُّــنَا   *    فـــوْقَ الكَلِيْـــــمِ، بِــــأَوَّلِ التَّنْـــزِيْلِ

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جمع وترتيب: الشيخ أحمد محمد أبو عيد

01098095854

%%%%%%%%

 

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات