حق الوطن والتضحية من أجله للشيخ أحمد أبو عيد

 




 pdf


word


الحمد لله رب المشارق والمغارب خلق الإنسان من طيب لازب ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب خلق له زوجة وجعل منهما الأبناء والأقارب تلطف به فنوع له المطاعم والمشارب حمله في البر على الدواب وفي البحر على القوارب نحمده حمد الطامع في المزيد والمطالب ونعوز بنور وجهه الكريم من شر العواقب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي الغالب شهادة متيقن أن الوحدانية لله أمر لازم وواجب

أرأيت النمل كيف خزن طعامه

**

وهل للنمل كاتب أو حاسب



أرأيت الفرخ كيف نقر بيضه

**

وخرج في الوقت المناسب




  

أرأيت العنكبوت كيف نسجت

**

وكم في الخيوط مصائد ومصائب
 

أرأيت الوليد كيف التقم ثدي أمه

**

دون علم سابق أو تجارب

إذا رأيت ذلك فاخشع

**

فانه لا نجاة لهارب

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 

سل السماوات السبع

**

هل وطئها قبله راجل أو راكب



سل أبوابها كيف تفتحت

**

ومن استقبله على كل جانب




  

سل الملائكة كيف اصطفت

**

لتحيته كما تصطف الكتائب
 

سل الروح الأمين لماذا

**

توقف عند الحجاب ومن الحاجب

سل سدرة المنتهى عن كأس المحبة

**

من الساقي ومن الشارب

اللهم صل وسلم وبارك عليه
      

**

عدد ما في الكون من عجائب وغرائب

العناصر

أولا: حق الوطن الذي يجب أن يستشعر بها كل فرد

ثانياً: عوامل استقرار ورخاء الأوطان                    

ثالثاً: واجبنا تجاه الوطن

الموضوع

ثانيا: حق الوطن الذي يجب أن يستشعر بها كل فرد

ما فطر الله به النفوس البشرية من المحبة الغريزية باتجاه أوطانهم وبلدانهم: حتى تجد الرجل لا يجد لذة عيشه ولا راحة نفسه وباله إلا بالمكث والقرار على أرض وطنه فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى نهمه من وجهه فليعجل إلى أهله " ([1])

ولهذا كانت هذه المحبة من أكبر الدوافع على عمارة البلدان كما قيل: (عمَّر الله البلدان بحب الأوطان).

وقد اقترن حب الأوطان بحب النفس في القرآن الكريم؛ قال تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (النساء)

كما ارتبط في موضع آخر بالدين؛ قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8.

أـسيدنا إبراهيم u: حين ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل u في مكة المكرمة وهي واد قاحل غير ذي زرع دعا ربه أن ييسر لهم أسباب الاستقرار ووسائل عمارة الديار فقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ -u-: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ "إبراهيم.

ب-سيدنا موسى u: حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبراً قال تعالى:(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) القصص.

قال ابن العربي في أحكام القرآن: "قال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر ويقول لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة".

ج -سيدنا محمد r: ".......... فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى -r-يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ». قَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا» ([2]).

قال السهيلي رحمه الله: "يؤخذ منه شدّة مفارقة الوطن على النفس؛ فإنّه r سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحرّكت نفسه لحبّ الوطن وإلفه، فقال: أوَمخرجِيَّ هم؟!

قال الحافظ الذهبي: وهو من العلماء المدقِّقين مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله – r -: "وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه".

إنه يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول – r – ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله – لحكمة عظيمة – أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.

ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر

اللسانُ عن الحزن.

فوقف النبي -r-يُخاطب مكة المكرمة مودعًا لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ -t-أنه قال: قال رسول الله -r-لمكة: "ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ"([3]).

قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًا وحنينًا وحسرة وشوقًا، مخاطبًا إياها: "ما أطيبكِ من بلد".

ولولا أن رسول الله -r-وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُّ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظًا تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.

قيمة الأرض ومقدارها ومنزلتها: تعتبر عاملاً أساسيًّا في صنع صلة الانتماء وتوثيقها، فهي محل هيأ للإنسان عامة، يجد فيها سبل معيشته وأسباب رزقه وحياته أودع الله جل وعلا، فيها الخيرات والثروات وسائر أسباب الحياة من ماء وطعام، فهي نعمة من نعم الله - عز وجل - التي تستوجب على صاحبها القيام بحقها كسائر النعم، ولا يتأتى أداء ذلك إلا لمن عرف أهمية الانتماء؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ "النحل: 112".

العلاقة بين الإنسان والأرض: وضع الشرع روابط عديدة من حياة الإنسان سواء أكانت سلوكية أو تعبدية بمدى اتصاله بوطنه، فأصبح الوطن جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، بل إلغاؤه وإهماله هو تعطيل لحياة الإنسان، بل وتعبده لربه.

إن الدعوة للانتماء للأوطان ينبغي ألا تلتبس بالتعصب للأوطان:  فكثيرًا ما يقع الخلط بينهم! فالانتماء للأوطان أمر مشروع جاءت الشريعة الإسلامية بتقريره وتهذيبه وتأصيله، بل إن الخروج عن هذا النظام هو خروج عن الفطرة السوية والقواعد الشرعية، وأما التعصب للأوطان فهي ظاهرة مشينة وصفة ذميمة جاء الإسلام بمحاربتها وسد بابها وإلغاء طرقها؛ إذ إنها مع مزاحمتها لعبودية الله في القلب وولاء لغير الدين في الأرض، فهي كذلك تعتبر حجر عثرة أمام اجتماع كلمة المسلمين.

إحاطته بسياج منيع يقوم على أساس متين يكفل له الاستمرارية والبقاء:  وإلا فهو آيلٌ للسقوط معرَّضٌ للانهيار والفناء، وذلك بإحاطتها بعوامل وركائز تكفل استمرارية الاستقرار، وفي الوقت ذاته مانعة من كل ما يؤدي ويؤول إلى زعزعة حياة الأفراد والمجتمعات، فكانت تلك العوامل المستوحاة من نموذج واقعي بعيدة عن تخرصات المحللين والسياسيين، وذلك بتسليط الأضواء على بلدة أدهشت الشرق والغرب والدنيا بأسرها من سرعة نهوضها وقوة بأسها ووحدة صفها، وأهم من ذلك ما كان عليها أهلها فردًا ومجتمعًا من أمن وأمان وراحة واستقرار حتى ضربت في حقها الأمثال، فكانت بصدق هي (مدينة الخيال) أعني بها المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام؛ حيث استطاع - r - بعد هجرته إليها في فترة وجيزة إقامة دولة بتلك الأوصاف العظيمة، ولم يكن الاعتماد على هذه العوامل من الجانب الفعلي من حياته، بل وكذلك (الخطاب القولي) كان يدور على أهمية هذه العوامل وضرورة إيجادها لأي دولة أرادت أن ينعم أهلها باستقرار الأوضاع والسلم الاجتماعي

ثانيًا: عوامل استقرار ورخاء الأوطان

إقامة العبودية لله: وهو مأخوذ من أول فعل قام به رسول الله -r -إثر وصوله للمدينة حين قام ببناء مسجده، وكان ذلك إشعارًا منه -r -بضرورة ربط قلوب العباد بالله -جل وعلا -وأن يكون لأهل كل بلد الاهتمام الأعظم بعبودية الله -جل وعلا -وشغل الأوقات والأعمار بطاعة الله -عز وجل -ومن هنا ناسب التذكير في بحثنا على أهم العبادات التي تساهم في استقرار الأوطان.

تنظيم العلاقة بين الراعي والرعية: وكان استنباط هذه الركيزة يستشعر من قيامه -r -بعقد بيعة العقبة الأولى والثانية مع الأنصار، وهو لا زال في مكة، فهي دلالة على أهمية هذه الركيزة، وليست فقط في أثناء قيام الدولة بل وقبل قيامها، وكان لزامًا في هذه الفقرة التأكيد على بعض الضوابط الشرعية التي ينبغي على الراعي والرعية الالتزام بها حتى تسير هذه العلاقة في مسارها الصحيح.

تحقيق الأخوة الإيمانية: ولا تخفى حقيقة هذه الركيزة على كل متأمل في سيرته -r -حين أقام رابطة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كأول عمل اجتماعي قام به -عليه الصلاة والسلام -في المدينة لرفع كربة المسلمين، ولتحقيق معنى الأخوة في الدين، وإن هذه الرابطة كغيرها من الروابط التي يعتريها اللبس والغموض في معرفة حقيقتها، فكان في بحثنا الإشارة إلى أهم الحقوق التي ينبغي أن يؤديها المسلم إلى أخيه المسلم حتى تحقق هذه الرابطة المقدسة:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾"الحجرات: 10".

دور المؤسسات التربوية في تدعيم الانتماء للوطن: الأسرة: ودورها العظيم في تنشئة الأطفال تنشئة صالحة، وغرس روح الانتماء لديهم، وتنشئتهم على الأخلاق والفضائل.

المدرسة: ودورها عظيم، ويأتي بعد الأسرة، وتربية الطلاب تربية صالحة، والمحافظة على قيم مجتمعنا وثقافته.

 المعلم: فهو القدوة والمربِّي الثاني بعد الوالدين.

المواد الدراسية: وخاصة (التربية الوطنية -التربية الإسلامية -التاريخ).

المسجد: لا بد من رجوع دور المسجد في نشر الوعي والعلم وإصلاح الفرد والمجتمع.

 العلماء والدعاة: فهم المربُّون والمعلمون والقدوة في المجتمع، وعليهم العبء الأكبر في إصلاح المجتمع والوطن، وعليهم جمع شمل الأمة ووحدة الصف، والمحافظة على العقيدة.

الإعلام: (الإعلام المرئي -المسموع -المقروء)، وخاصة أنه أصبح له التأثير الأعظم في المجتمع، فعلى الإعلام أن يوجِّه طاقاته نحو نهضة الأمة وتقدمها، وغرس الانتماء لدى المجتمع، والعمل على وحدة الأمة.

إصلاح الوطن مسؤولية جميع أبنائه: إصلاح المجتمع لا يمكن أن يعتمد على فرد واحد أو جهة واحدة، بل هو مسؤولية جميع أفراد المجتمع فلابد من العمل على رفعته وتقدمه والدعاء له.

فلو اهتم كل واحد بدورة لنشأ جيل يحب وطنه وينتمي إليه ويدافع عنه ......  .

وغيرها من العوامل......

ثالثًا: واجبنا تجاه الوطن

حب الوطن: عن عبد الله بن عدي بن حمراء t قال: رأيت رسول الله r واقفا على الحزورة فقال: " والله إنك لخير أرض الله وأحب الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " ([4])

الدعاء له: عن أنس بن مالك t قال قال رسول الله r لابي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله r كلما نزل قال ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة ثم قال اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " ([5])

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قال "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها لنا وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة " ([6])

العمل من اجله حتى في أحلك الظروف: عن أنس t عن النبي r قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" ([7])

وعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: " قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ r بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ، ... "([8]).

الحرص على سلامته: واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة الأمر؛ فقد قال رسول الله r " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" ([9]).

الاعتصام بالله وعدم التفرقة وإعطاء كل ذي حق حقه: قال تعالى"(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران 103

وعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا "([10])

التكافل والتراحم والتآخي والتآزر والتالف بين أبنائه: عن عبد الله بن عمر t أن رجلا جاء إلى رسول الله r فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام" ([11])

الإصلاح بين الناس وإرجاع الحق لأهله: قال تعالى" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ما قال فاعتزلوا قال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "الحجرات.

التعاون على البر والتقوى: قال تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ "المائدة.

الحفاظ على الأموال والأعراض والدماء: فقد قال رسول الله r كما جاء في خطبة حجة الوداع " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا " ([12])

عدم ترويج الإشاعات والفتن: فقد قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾(الحجرات 6).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " ([13]).

الشهادة في سبيل الله دفاعا عن الوطن: فالشهادة تعنى بذل النفس والمال نصرة لدين الله عز وجل ودفاعا عن الوطن والأرض والعرض والمال فعن سعيد بن زيد t قال سمعت رسول الله r يقول من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد. ([14])

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ" ([15]).

ولقد ضرب لنا أهل المروءة والحرية: جيشنا الحر الأبي، أروع الأمثلة في صدق الانتماء والتضحية والوفاء وغاية الحب للوطن والحفاظ عليه، ففي السادس من أكتوبر- العاشر من رمضان - عام ألف وتسعمائة ثلاث وسبعين، كان توفيق الله سبحانه وتعالى لقواتنا المسلحة في تتويج بلادنا بتاج النصر، ورفع راية البلاد و تحطيم قيود العباد؛ تحرير الأرض وصيانة العرض ، فلقد حققوا نصرا عظيما وجسدوا أصالة القوات المسلحة المصرية وعظمة ولائهم للوطن بما قدموه من تضحيات وأثبتوا للعالم أنه لا تهاون مع معتدى مهما كان اسمه أو رسمه ؛ لقد تجلت في هذا اليوم قوة وإصرار وعزيمة القوات المسلحة المصرية في قهر الصعاب و تحطيم آمال كل معتدى على صخرة العزة والكرامة، كما تتجلى كل يوم قوتهم وإصرارهم وعزيمتهم في كل ما يقومون به في مواجهة الإرهاب وأهله حفاظا على البلاد وكرامة للعباد إذ يسجل ذلك تاريخًا جديدًا لمصر لا يقل عن نصر أكتوبر المجيد ؛وإننا لا ننسى ابدآ دماء الشهداء، لا ننسى أبدا الدماء التي حفرت وما زالت تحفر على جدار التاريخ المجد لبلادنا و أوطاننا، رغبة في عزة البلاد ،و كرامة العباد.

شَهِــيدُ الْحَــقِّ لاَ يَخْــشَـى

**

مِنَ الصَّارُوخِ وَالْمِدْفَــعْ



يَخُوضُ النَّارَ مُقْتَحِمًـــــــا

**

وَلَيْسَ يَخَافُ أَوْ يَدْمَـــعْ




  

وَكَيْفَ يَنَامُ أَوْ يَغْفُــــــــــو

**

وَقَاتِلُ شَعْبِهِ يَرْتَــــــــعْ
 

فَقَامَ وَزَلْزَلَ الدُّنْيَـــــــــــــا

**

وَهَزَّ الكَوْنَ كَيْ يُسْمَــعْ

فَكَانَتْ صَيْحَةً عَمَّــــــــــتْ

**

سُهُولَ الأَرْضَ وَالبَلْقَــعْ

وَكَانَ حَصَادُ غَضْبَتِــــــــهِ
      

**

عَلَى أَعْدَائِهِ أَوْجَـــــــــعْ

فَكَالَ الثَّأْرَ لِلْبَاغِــــــــــــي

**

وَقَوَّضَ حِصْنَهُ الأَمْنَــــعْ

وَأَعْلَنَ أَنَّهُ الأَعْلَـــــــــــى

**

وَأَنَّ مَقَامَهُ الأَرْفَـــــــــــعْ


وَأَنَّ جِهَادَهُ فَــــــــــرْضٌ

**

بِغَيْرِ النَّصْرِ لاَ يَقْنَـــــــــعْ

فَصَارَ فَخَارَ أَمَّتِـــــــــــهِ

**

وَخَيْرَ رِجَالِهَا أَجْمَــــــــــعْ

وَقَدْ حَانَتْ مَنِيَّتُــــــهُ

**

فَجَنَّةُ رَبِّهِ أَوْسَــــــــــــــعْ

ولا شك أن من اقل حقوق هؤلاء الشهداء جميعهم على أبناء الوطن تخليد أسماءهم، وذكراهم، ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل في كل قلب وعلى كل لسان، ليس من قبيل سرد البطولات التي قاموا بها فحسب، بل من أجل أن يكونوا نموذجا للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال بعدهم على التضحية من أجل الوطن، ورفعته، وتقدمه، وحريته؛ فلقد هانت على هؤلاء دنياهم ولم تغرهم متع الحياة وزخرفها، فان كان اغلي ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه، فقد قدموها في سبيل الله دفاعا عن الوطن ولسان حالهم يقول:

سأظل جنديا لــــــــــــه

**

وأعيـش تحت لواءه



في السلم اعمل جاهـدا

**

لرخائه وبنائــــــــــه




  

وأكون في يوم الوغـى

**

أسدا على أعدائــــه
 

فالحر يفدى أرضــــــــه

**

وبلاده بدمائـــــــــه

ما أعظم هذه القلوب وما أوفاها ؛ما أعظم الشهادة في سبيل الله حفاظا على الدين والوطن وما أعلاها؛ ما أعظم قلوب وعت قول الله تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ( التوبة 111). فعقدوا البيع مع الله، السلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمه من بيع، وما أعظمه من ربح، وما أعظمه من فضل.......

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

%%%%%%%%

 



([1]) متفق عليه

([2]) متفق عليه

([3]) صحيح سنن الترمذي

([4]) صحيح سنن الترمذي

([5]) متفق عليه

([6]) صحيح مسلم

([7]) صحيح الجامع

([8]) صحيح البخاري

([9]) صحيح البخاري

([10]) متفق عليه

([11]) صحيح الترغيب والترهيب

([12]) صحيح سنن الترمذي

([13]) صحيح مسلم

([14]) صحيح الترغيب والترهيب

([15]) صحيح مسلم


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات