حرمة أكل حقوق النساء والضعفاء في الميـراث للشيخ احمد ابو عيد






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله
وبعد

العناصر
أولاً : تعريف الميراث
ثانياً:بعض مميزات نظام الإرث في الإسلام
ثالثاً:أسباب استغلال النساء وأكل ميراثهن
رابعاً:عقوبة مانع الميراث أو جزء منه

الموضوع
أولاً : تعريف الميراث
الميراث: مصدر الفعل ورث وأصله ( موارث ) انقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها.
 ويطلق الميراث باللغة على معنيين:
الأول: البقاء ، سمي الله تعالى ( الوارث) أي الباقي بعد فناء الخلق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:” اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني )، أي أبقيهما معي سالمين صحيحين حتى أموت .
الثاني: انتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين ، سواء كان ماديا كالأموال معنويا كالمجد والأخلاق .
واصطلاحا: هو انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة ، وهو حق قابل للتجزؤ ثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك بقرابة بينهما او نحوه  .
وعلم الميراث: هو العلم الذي يبحث فقه المسائل المتعلق بالتركة والوارثين ويسمى أيضا علم الفرائض
 وإنما خص بتسميته علم الفرائض لوجهين 
أحدهما:أن الله تعالى سماه فقال بعد التسمية فريضة من الله- والنبي صلى الله عليه وسلم فقال ( تعلموا الفرائض)
والثاني: أن الله تعالى ذكر الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات مجملا، ولم يبين
مقاديرها وذكر الفرائض وبين سهامها وقدرها تقديرا ، لا يحتمل الزيادة والنقصان
ثانياً:بعض مميزات نظام الإرث في الإسلام

1-الله تعالى هو الذي حدد نصيب كل وارث
وقد امتاز نظام الإرث في الإسلام عن غيره من أنظمة التوريث الوضعية القاصرة، فلم يجعل الشارع الحكيم قسمة الميراث إلى مالك المال ليورث من يشاء ويحرم من يشاء، بل لم يجعل ذلك إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب، وإن الله سبحانه وتعالى هو الذي قسم التركة في آيات قرآنية تتلى إلى يوم القيامة.

2-أعطى الإنسان حرية التصرف في ثلث ماله بعد موته يضعه حيث يشاء
من الأصدقاء والأقرباء الذين لا يرثون أو إلى جهات الخير، وليس له أن يجعله فيما يخالف الشرع  فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله
تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم" .تحقيق الألباني :حسن.

وأما الثلثان الباقيان فهما حق شرعي للأقربين والموالي، وبذلك حمى الإسلام
المستضعفين من النساء والأطفال والحمل في بطن أمه الذين كان أهل الجاهلية يحرمونهم من حقهم في الإرث.

3-جعل الإسلام التفاضل في الميراث بحسب الحاجة
 فجعل نصيب الابن ضعف نصيب البنت، فقال تعالى: فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء: 176}.
لأن حاجة الرجل إلى المال أكثر من حاجة المرأة إليه، فهو مكلف بتحمل الأعباء الزوجية والنفقة على البيت إلى غير ذلك من أمور الحياة العامة، والمرأة ليست مكلفة بذلك. وقد ميزت المرأة عن الرجل في مواضع أخرى كثيرة

وضع الإسلام للميراث شروطاً وموانع، فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع حصل الإرث وإلا فلا، وأحكام الميراث مفصلة في كتب الفقه فمن أراد التوسع فليرجع إليها في مظانها.....
4-لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة
 ولا للواسطة ولا للرأي ولا للهوى إنها شريعة الله وحكمة الله تولى الله قسمة المواريث منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة ومنعا للشقاق والاختلاف تولى الله قسمة المواريث لكي يضفى على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه أو منعه آت من لدن أحكم الحاكمين فيرضى حينذاك بحكم الله ((ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون))
 ومن أعظم صور العدل في الميراث تصافي القلوب بين الورثة وعدم تراشق سهام الضغائن فكل قد رضي بنصيبه الذي فرضه الله له.

ِ5-وجوب التَّسوية بين الأوْلاد في الهبة
فعن النعمان بن بشير الأنصاري أن أمه ابنة رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له فوهبها له فقالت لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أم هذا ابنة رواحة قاتلتني على الذي وهبت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بشير ألك ولد سوى هذا قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكلهم وهبت لهم مثل الذي وهبت لابنك هذا قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور"
تحقيق الألباني :صحيح ، الإرواء ( 6 / 42 )
6-الفوز العظيم لمن يطبق حدود الله
قال تعالى " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " النساء
7-حرمة التعدي على حدود الله
قال - سبحانه -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ﴾[البقرة: 229].

ثالثاً:أسباب استغلال النساء وأكل ميراثهن
1-ضعف الإيمان
 فآكل الميراث ضعيف الإيمان و إن صلى و صام و قرأ القران لأنه تشبه بأعداء الله و قتلت الأنبياء من اليهود عندما قالوا لأنبيائهم كما اخبر الله تعالى عنهم ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا َأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 93].
 فالله تعالى أمرهم ولكنهم قالوا سمعنا وعصينا.
وأنت يا آكل الميراث إن لم تقلها بلسانك فأنت تقولها بأفعالك وجحودك لحقوق الورثة.

2- طمع الأقارب في ميراث المرأة
وهذا الطمع إما لعدم علم المرأة بنصيبها، وإما لضعفها وحاجتها للرجل، فإذا طالبت
بحقها حصل لها من اللوم والتعنيف والمعاملة السيئة ما لا تريده فازداد شقائها شقاء وازداد همها هماً.
وكثير من أكلة المواريث أصابهم الجشع و الطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم ان ذلك سينقص المال و الطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها في الدنيا و الآخرة.
عن كعب بن مالك الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)) رواه الترمذي.صحيح الترغيب والترهيب
وقال المناوي: (فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره،
 وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً).
 وقال الوراق: (لو قيل للطمع: من أبوك؟ قال: الشك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذل. ولو قيل ما غايتك: قال الحرمان).
وقال أبو العباس المرسي: الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة، فصاحبه بطن كله لا يشبع أبداً. واصل الطمع وسببه والدافع إليه التوهم أعني التخيل والحسبان.
ولعلاج هذا الظلم الواقع على المرأة لا بد من تضافر الجهود لأن هذه المسئولية مسئولية مجتمعية، وهذا سيستلزم تدخل الوزارات المعنية كوزارة الشؤون الاجتماعية لأنها هي الممثل الأساسي لكل ما يخص المجتمع، ومن خلالها يتم حصر الأرامل والأيتام، ويسنّ نظام لمعرفة المتوفين ومن يرثهم وهل استلم الورثة مالهم أم لم يستلموا؟ ويمكن التنسيق والتعاون مع كتابات العدل في هذا والأمر فقط يحتاج لتنظيم ومتابعة.

3- التأخر في تقسيم التركة
وهذا يحدث كثيراً، وقد يكون ذلك التأخير إما بسبب تهاون الورثة، أو بسبب تشعب تركة الميت وكثرة أملاكه وتفرقها في أماكن مختلفة، وبالتالي لا تعرف المرأة كم نصيبها وربما تأخر حصولها على نصيبها سنوات عديدة. ويمكن علاج هذا السبب بالمبادرة بتوزيع التركة وعدم التأخر، وأما التركة المتفرقة فيوزع كل ما يتم معرفته مباشرة، ثم إذا تم معرفة أموال جديدة توزع مباشرة وهكذا حتى يتم إنهاء جميع ما للميت ويحصل كل وارث على ما يستحقه من تركة الميت بما في ذلك النساء.

 4- التقاليد والعادات القبلية الجاهلية
 فبعض الناس لديهم عادات قبيحة
كأن لا ترث النساء في البيوت ويأخذن حقهن نقدا ويكون أقل من السعر الحقيقي
وكذلك لا يورثون المرأة ويعتبرون حصولها على ميراثها عيب يقدح في رجولة الرجل وهذا النوع قليل لكنه ظلم للمرأة وأكل لحقها بالباطل
 ولعلاج هذا الأمر فيمكن من خلال التناصح وبيان حكم الله تعالى الذي فرض للمرأة
ميراثا وعند عدم تجاوب هؤلاء فتبلغ عنهم الجهات الرسمية حتى تعطى المرأة حقها وتبرأ الذمة بذلك.
وليعلم كل إنسان أن الله سيسأله يوم القيامة عن نفسه وليس عن آبائه فلذلك لا يجوز الإتباع الاعمي في كل خطأ وإنما لابد من فعل ما وافق أمر الله ورسوله وليس ما وافق الأهواء
قال تعالى" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]
وقال تعالى ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74]
وقال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [لقمان: 21].

5- اعتقاد البعض أن المرأة لا تحسن التصرف في مالها
وادعاءه أنه يحافظ على مصلحتها وهنا تكمن مشكلة عدم استفادتها من مالها الذي تكون في أمس الحاجة إليه وربما ضياع ميراثها فيما بعد خاصة عندما لا يهتم الولي على المال بالكتابة وتحديد ما للمرأة من مال وأين يوجد هذا المال.
 ويمكن علاج هذا السبب بإخبار المرأة الوريثة بمقدار مالها من مال وإعطاءها ما
 تحتاجه واستئذانها في المتاجرة بما بقي من المال بعد تحديده فإن أذنت فيتم إخبارها الأرباح والخسائر وما يشترطه ذلك الولي من أجل المتاجرة لها في هذا المال.

6- دعوى ضياع أموال الأسرة
 إذا كانت الزوجة من خارج تلك الأسرة أو العائلة فتحرم مالها من ميراث زوجها بحجة أنها أجنبية من العائلة أو الأسرة فتكون الزوجة من دولة أخرى أو قبيلة أو عائلة أخرى.
 ولعلاج هذه السبب فلا بد من رقابة مجتمعية من وزارة الشؤون الاجتماعية ويمكن أن تلجأ هذه المرأة للقضاء للحصول على حقها لكنها تحتاج إلى من يساعدها لمي تعرف الإجراءات التي يمكن من خلالها معرفة كيفية المطالبة لدى المحاكم.

7-الوصية وعدم كتابتها وإيضاح ما لديه من أموال
 وما هي الأموال المشتركة مع آخرين فبعد موت المورث قد يدعي أحد الأولاد أنه شريك لوالده أو أمه وحينذاك لابد مما يثبت ذلك وإلا فتح على الورثة بابا عريضا من الخلافات والاتهامات.

8-تخصيص الوالد أحد أبنائه لمعرفة أملاكه
والبقية لا يعلمون وقد ينزغ الشيطان الابن لإخفاء بعض الأموال.


9-تأخير العمل بالوصية إلى ما بعد قسمة التركة ولا يخفى يا مسلمون أن إخراج الوصية مقدم على حق الورثة أخبرني أحد القضاة الفضلاء أنه وقف على حالات تأخر فيها الورثة أكثر من ثمان سنين لم ينفذوا الوصية والميت في قبره ينتظر أجر الوصية.

10-عدم عدل الوصي على التركة في قسمتها بين الورثة خاصة إذا كان للوصي إخوة غير أشقاء فيعطيهم مثلا العقارات الأقل أهمية.

11-أن من الأوصياء من يتصرف ويقسم بناء على وجهة نظرته الشخصية
التي قد يخالفه فيها كثير من الورثة والواجب هو تحري العدل وما أشكل فيرجع فيه على القاضي.
 12-أن العديد من الأوصياء لا يعلنون التركة للورثة فيعطى كلا نصيبه دون أن يعلم الورثة كم ورث ميتهم.

13-أن يتصرف الوصي في العقارات خاصة دون إذن الورثة
ومثل هذا التصرف الأصل بطلانه لأن بقية الملاك لم يأذنوا بالبيع ويزداد الأمر سوءا إذا تصرف في التركة مع وجود قصار فالواجب هنا المبادرة في تحديد الولي على القصار قبل أي تصرف في التركة.

14-عدم تدوين حسابات المشاريع الموروثة بعد وفات المورث
ويترتب على ذلك مشاكل بين الورثة وإساءة الظن بالوصي الأولى بالوصي أن يقوم بعد وفاة مورثهم مباشرة بإجراء جرد دقيق للمشاريع ذات الدخل وتدوين الإرادات والمصروفات والأفضل والأحسن إذا كانت المشاريع كبيرة أن تسلم لمحاسب قانوني إلى حين قسمتها.

15-إخفاء الصكوك والمستندات فترة طويلة من بعض الورثة لكسب مزيد من الوقت لاستغلال بعض العقارات وخاصة المؤجرة.

 16-حرمان المرأة من الميراث لكن بطريق غير مباشر كأن يكون بعض الورثة
منتفعين من استثمار الإرث فيماطلون في القسمة فتتضرر المرأة غير العاملة و
المحتاجة عند تأخر القسمة.

17-أنه بعدما تقسم التركة أنها لا تنقل لملاكها
فالقسمة لا تعني الانتهاء من التركة بل لابد من إفراغ ما يحتاج لإفراغ واستلام ما يحتاج لاستلام لأن في ذلك غلقا لباب النزاع.
أيها المسلمون:
 الأولى أن الميراث وما خلفه الميت من المال أن يجمع الأسرة ولا يفرقها ويقويها ولا يضعفها الواجب على العقلاء أن لا يغلبهم حب المال فيقدموه على حبهم لأهلهم وإخوانهم وأخواتهم.
 من كان يظن أن أخا يشتكي أخاه في المحاكم؟
 من كان يظن أن الأخوة الأخوات بعد الوصال والحب تهاجروا وتباغضوا؟
 ترى لو علم والدهم ومورثهم أكان يرضيه ذلك؟
 يا أهل كل ميت أيها الورثة:
بادروا ثم بادروا ثم بادروا بقسمة الميراث إن المبادرة تسهل قسمة المال وتدعو لتراحم الإخوان .
وفي التأخير قد يموت أحد الورثة وتطول مطالبات أولاده ويعمل الشيطان بنزغه
وأزه
ولبقاء الود والحب لابد من الوضوح والصراحة وإجراء أحكام الميراث وفق الشريعة.

رابعاً:عقوبة مانع الميراث أو جزء منه
1-آكل لحق الضعيفين.
فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أحرج حق لضعيفين اليتيم والمرأة .تحقيق الألباني :حسن ، السلسلة الصحيحة

2-حرمة ظلم أي أحد من الورثة
وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم
 حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم يقرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة )  الآية . متفق عليه

3-العذاب المهين لمن يتعد حدود الله
قال تعالى " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ النساء
وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسَم الله وحَكَم به؛ ولهذا يُجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المُقيم.
 ولا شك أن من منع امرأة: أختاً كانت، أم أماً، أم جدة أم زوجة ميراثها فقد ‏تعدى حدود الله، وتعرض لعقوبته، والله قد قسم الميراث قسمة عدل لا جور فيها ولا ‏حيف.

4-صلة الله للواصل وقطعه للقاطع والطرد من رحمته:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ
مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ».قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22]».السلسلة الصحيحة

5-أنه قاطع لأرحامه:
فالله تعالى يجازي أهل الصلة بالصلة في الدنيا والآخرة ويجازي أهل القطيعة بالقطيعة في الدنيا والآخرة والجزاء من جنس العمل.
فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا من ذَنْب أَجْدَر أَن يعجل لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ". صحيح ..مشكاة المصابيح
 يعني: أنه تحصل له عقوبة في الدنيا والآخرة، فيجمع له بين العقوبة الدنيوية والأخروية، حيث يجعل له الله العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، فيجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والضرر الذي يحصل في الدنيا، والضرر الذي يحصل في الآخرة، وهذا يدل على عظم وخطورة شأن البغي وقطيعة الرحم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن صاحبهما جدير بأن يحصل له هذا وهذا، وأن يجمع له بين هذا وهذا، وهذا يدل على خطورة أمر البغي وقطيعة الرحم.

6-الفضيحة يوم القيامة.
ألا فلتعلمَ أن ما أكلتَ من حق أختك؛ من مال وعقار؛ ستُطوقه يومَ القيامة بإذن الله، لو
ظلمتها جنيهًا سيأتي عليك نارًا، ولو ظلمتها شبرًا من أرضِ فسيأتي حول عنقك يومَ
القيامة نارًا من سبع أرضين، قال الصادق المصدوق ُالذي لا ينطق عن الهوى: " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" أخرجه البخاري
وهذا الحديثُ له قصةٌ عجيبة في صحيح مسلم؛ وذلك أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ - وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة -: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".
 فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا! فَقَالَ سَعِيدُ بْن زَيْدٍ - رضي الله عنه -: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا!.
 قال بعض الرواة: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ أخرجه مسلم.
 وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " َخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ، أَوْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ" [أخرجه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].

7-الإفلاس يوم القيامة:
يا آكلا للميراث لا تظن أن ذلك فيه الغنى كلا بل فيه الإفلاس ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
 توهم نفسك و قد بعثر ما في القبور و حصل ما في الصدور و قد أتيت بصلاة و زكاة
و صوم و حج و لكنك قد أكلت المواريث نظر إلى نفسك في عرصات يوم القيامة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال: المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " رواه مسلم.
8-الإثم الكبير:
اعلم علمني الله وإياك: أن التعدي على المواريث جرم عظيم وإفك مبين قال الله تعالى ﴿ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ﴾ [النساء، 2].
 والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.

9-آكل الميراث يدخل في السبع الموبقات.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ!!! " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: " الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ [أخرجه البخاري].

10-أكلة الميراث أكلة النار:
أيها الأحباب: الذين يأكلون الميراث هم الذين وصفهم الله تعالى بقول ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء:
إن اليتامى مظنة أن يبخسوا في الميراث، فأكل مالهم هنا ظلما هو بخسهم حظهم في الميراث، أو أكل الأوصياء أموالهم والأخذ من مال اليتيم سماه الله تعالى أكلا لما فيه من معنى الأخذ وأن يقصد به تنمية ماله كما ينمي جسمه بالأكل، ولكنها تنمية آثمة مالها البوار " ومن نبت لحمه من حرام فالنار أولى به " وقال سبحانه ﴿ ظُلْمًا ﴾ [آل عمران: 108] لكمال التشنيع على الأكل، إذ هم يظلمون ضعيفا لا يقوى على الانتصاف منهم، وقد ذكر سبحانه إثم ذلك الأكل بقوله: ﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ﴾ [النساء: 10] وهذا تصوير لضرر الأكل عليهم؛ لأنه يكون أكلهم كمن يأكل النار ويضعها في بطنه أي يملأ بطنه بها فهو في ألم دائم حتى يهلك، وكذلك دائما من يأكلون أموال اليتامى لَا يأكلون أكلا هنيئا ولا مريئا، بل هم في وسواس دائم حتى يقضى الله عليهم، وقد رأينا بيوتا خربت لأنها أكلت مال اليتيم. وهذا عقابهم في حاضرهم، أما العقاب الذي ينتظرهم في الآخرة فقال: ﴿ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10] أي ستوقد بهم نار شديدة الأوار، يستمرون في بلاء شديد منها. اللهم ارزقنا
رزقا حسنا، وجنبنا ما حرمت، وأقنعنا بالحلال الطيب، إنك سميع الدعاء.

قال القاسمي -رحمه الله - ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى.
وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد
إعداد الشيخ :احمد أبو عيد

لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات