الصحبة وأثرها في بناء الشخصية للشيخ أحمد أبو عيد
الْحَمد لله الَّذِي دلّ على مَعْرفَته بإتقان صَنعته، وبديع لطائف حكمته،
وَبِمَا أودعهُ نفوس المميزين من أَعْلَام ربوبيته، وَاسْتحق على كل مُكَلّف
الخضوع لعظمته، والخشوع لعزته، وَالشُّكْر والإشادة بِمَا أَسْبغ من نعْمَته،
وَنشر من رَحمته، وَأشْهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وليّ النعم كلهَا دون من
سواهُ، وَأَنه لَا فلاح إِلَّا لمن هداه، وَلَا صَلَاح إِلَّا لمن عصمه من إتباع
هَوَاهُ.
وَأشْهد أَنْ مُحَمَّدًا عَبده الَّذِي ارْتَضَاهُ، وَنبيه الَّذِي
اخْتَارَهُ واجتباه، وَرَسُوله الَّذِي ائتمنه واصطفاه، وَرَفعه وَأَعلاهُ، وَخَصه
بِخَتْم النُّبُوَّة وحباه، وأبانه بِأَعْلَى منَازِل الْفضل على كل آدَمِيّ
عداهُ، ونسأله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ وعَلى آله وَيسلم أزكى تسلم وَصَلَاة، ويكرمه
أتم تكريم وأنباه، ويجعلنا من الآوين إِلَى ظله وذراه، والداعين إِلَى نوره وهداه،
ويعصمنا من الْخُرُوج عَن طَاعَته، والولوج فِي مَعْصِيَته، ويوفقنا لإيثار
عِبَادَته، ومجانبة عصيانه ومخالفته، وَهُوَ لي الإنعام بذلك، والتيسير لَهُ،
والمعونة عَلَيْهِ من رَحمته.
العناصر
أولاً:
مفارقات بين مصاحبة الأخيار والأشرار
ثانيًا: الترغيب في مصاحبة الأخيار
ثالثاً:
صفات أصدقاء الخير ونماذج عليهم
رابعًا: الترهيب من مصاحبة الأشرار
خامسًا:
صفات أصدقاء الشر ونماذج عليهم
الموضوع
أولاً:
مفارقات بين مصاحبة الأخيار والأشرار
الرجل على دين خليله: عن أبي هريرة t أن النبي r قال: ﴿ الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ﴾﴿[1]﴾
عن
المرء لا تسلْ وسلْ عـن قرينـه
|
**
|
فـكـل
قريـنٍ بـالـمقـارِن يقتـــــــــــدي
|
إذا
كنت فـي قوم فصاحبْ خيارَهـم
|
**
|
ولا
تصحبِ الأردى فتردَى معَ الرَّدِى
|
**********
اختر
لنفسك في مقامك صــــــاحباً
|
**
|
فإذا
صحبت عرفت من ذا تصحب
|
لا
خير في ود امرئ متــــــــملق
|
**
|
حـــــــــــلو
اللسان وقلبه يتلهب
|
يعطيك
من طرف الكلام حــــــلاوة
|
**
|
ويروغ
عنك كما يروغ الثعلــب
|
يلقي
ويحلف إنهُ لك ناصــــــــح
|
**
|
وإذا
تولي عنك فـهو العـــــــقرب
|
ولقد
نصحتك إن قبلت نصيحتـي
|
**
|
والنصح
أفضــل ما يباع ويوهـب
|
*********
أنت
في الناس تقاس
|
**
|
بالذي
اخترت خليلا
|
فاصحب
الأخيار تعلو
|
**
|
وتنل
ذكرًا جميلا
|
الأرواح جنودٌ مجندةٌ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r -قَالَ ﴿ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ
مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ﴾﴿[2]﴾. فإن بعضها يقود إلى الخير، وبعضها يقود إلى
الشرِّ.
هناك صاحباً يأخذ بيدك إلى الله، وصاحباً آخر يمتعك
بزينة الحياة الدنيا: قال تعالى:﴿
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ﴾ الكهف
المرء مع من أحب: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r -فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِى رَجُلٍ أَحَبَّ
قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ﴿ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ﴾﴿[3]﴾.
ضرب النبي r مثلاً للجليس الصالح وجليس السوء: فعن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله r : ﴿مَثَلُ الجليس الصالح وجليس السوء؛ كحامل المسك ونافخ الكِير،
فحامل المسك: إما أن يُحْذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة،
ونافح الكِير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة﴾ ﴿[4]﴾
ومعني يُحذِيَك: يُعطيك، ونافخ الكِير: الحداد الذي يصهر الحديد وينفخه فيتطاير
الشرر.
فهذا الحديث يفيد أن الجليس الصالح جميعُ أحوال صديقه معه خير وبركة، ونفع
ومَغْنَم، مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معه، إما بهبة، أو ببيع، أو أقل شيءٍ:
مدة الجلوس معه وأنت قرير النفس، منشرح الصدر برائحة المسك، وهذا تقريبٌ وتشبيهٌ
له بذلك، وإلا فما يحصل من الخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من
المسك الأَذْفَر: فإنه إمَّا أن يعلِّمك أموراً تنفعك في دينك، وإما أن يعلِّمك
أموراً تنفعك في دنياك، أو فيهما جميعاً، أو يُهدي لك نصيحةً تنفعك مدة حياتك،
وبعد وفاتك، أو ينهاك عمَّا فيه مضرَّةٌ لك؛ فأنت معه دائماً في منفعة، وربحك
مضمون - بإذن الله. فتجده إن رأى أنك مقصِّرٌ في طاعة الله؛ أرشدك، فتزداد همَّتك
في الطاعة، وتجتهد في الزيادة منها، وتراه يبصِّرك بعيوبك، ويدعوك إلى مكارم
الأخلاق ومحاسنها، بقوله وفعله وحاله، وأقل نفعٍ يحصل من الجليس الصالح: انكفاف
الإنسان بسببه عن السيئات والمساوئ والمعاصي؛ رعايةً للصحبة، ومنافسةً في الخير،
وترفُّعاً عن الشرِّ. ومما يستفاد من الجليس الصالح: أنه يحمي عِرْضَك في مغيبك
وفي حضرتك، يدافع ويذبُّ عنك، ومن ذلك أنك تنتفع بدعائه لك حياً وميتاً.
أما مصاحبة الأشرار: فهي السمُّ النَّاقع، والبلاء الواقع، فتجدهم يشجعون
على فعل المعاصي والمنكرات، ويرغِّبون فيها، ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم أبواب
الشرور، ويزيِّنون لمجالسيهم أنواع المعاصي، ويحثُّونهم على أذيَّة الخلق،
ويذكِّرونهم بأمور الفساد، التي لم تَدُرْ في خَلَدِهم، وإن همَّ أحدهم بتوبةٍ
وابتعد عن المعاصي، حسَّنوا عنده تأجيل ذلك، وطولَ الأمل، وأن ما أنت فيه أهون من
غيره، وفي إمكانك التوبة والإنابة إذا كبرت في السن، وما يحصل من مخالطتهم
ومعاشرتهم أعظم من هذا بكثير.
البطانة الصالحة والفاسدة: عن أبي سعيد الخدري: عن النبي r قال ﴿ما استخلف خليفة إلا له بطانتان بطانة
تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله﴾ ﴿[5]﴾ [ومعنى ﴿خليفة﴾ هو من يقوم مقام الذاهب ويسد
مسده من الحكام والأمراء والقضاة والولاة. ﴿بطانتان﴾ مثنى بطانة وبطانة الرجل
خاصته وأهل مشورته في الأمور. ﴿تحضه﴾ تحثه على فعله وتؤكد عليه فيه. ﴿المعصوم﴾ المحفوظ
من شر بطانة السوء والوقوع فيما يجر إلى الهلاك]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله r إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق
إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم
يذكره وإن ذكر لم يعنه﴾﴿[6]﴾
لا يستوي الخبيث والطيب: قال تعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 100]
واختر
من الأصحاب كل مرشد
|
**
|
إن القرين بالقرين يقتدي
|
وصحبة
الأشرار داء وعمى
|
**
|
تزيد
في القلب السقيم السقما
|
فإن
تبعت سنة النبي
|
**
|
فاجتنب
قرناء السوء
|
حال هؤلاء الجلساء وبراءة بعضهم من بعض في الآخرة: قال تعالى:﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ ﴾[الزخرف:].
أنواع الأصدقاء: وقد حصر الإمام ابن القيم أنواع الأصدقاء فقال: ﴿الأصدقاء ثلاثة، الأول:
كالغذاء لا بد منه، والثاني: كالدواء يحتاج إليه وقت دون وقت، والثالث: كالداء لا
يُحتاج إليه قط﴾، فالأول هو الجليس الصالح، والثالث هو الجليس السوء، والثاني هو
الجليس الذي به بعض صفات السوء ولكن يُرتجى منه الخير.
الصداقة ليست في الأشخاص فحسب : وإنما هي كذلك في كل ما تجلس إليه وتقضي وقتا معه كالكمبيوتر والمحمول
والكتاب والانترنت وغيرهم ...........
ثانيًا:
الترغيب في مصاحبة الأخيار
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r-قَالَ ﴿ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى
ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ
بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ
تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ
تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا
فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ﴾﴿[7]﴾.
يحبهم الله تعالى : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r-﴿ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِى
قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا
أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِى فِى هَذِهِ
الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ غَيْرَ
أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّى رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ﴾﴿[8]﴾،
ومعنى المدرجة: الطريق، ترب: تحفظ وتراعى وتربى
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-﴿ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِى الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِى
ظِلِّى يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّى ﴾﴿[9]﴾.
لا يشقى بهم جليسهم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ ﴿ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ
فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ
الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ - قَالَ -
فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ
جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِى الأَرْضِ
يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ
وَيَسْأَلُونَكَ، قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِى قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ.
قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ. قَالَ فَكَيْفَ لَوْ
رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِى
قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا لاَ. قَالَ
فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ -فَيَقُولُ قَدْ
غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا
اسْتَجَارُوا -قَالَ -فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ
إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ
وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ﴾﴿[10]﴾.
كونوا مع الصادقين: قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة
الأمر بنكاح المرأة الصالحة: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ ﴿ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ
لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ
تَرِبَتْ يَدَاكَ ﴾﴿[11]﴾،
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ ﴿الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ
مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ﴾﴿[12]﴾.
الدخول ضمن الذين لا خوف عليهم يوم القيامة ولاهم
يحزنون: قال تعالى:﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ، يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾﴿الزخرف: 67، 68 ﴾
من جالس الصالحين تشمله بركة مجالسهم : ويعمه الخير الحاصل لهم وان لم يعمل عملهم، قال بعض
الحكماء: ﴿ من جالس خيرا أصابته بركته فجليس أولياء الله لا يشقى وان كان كلبا
ككلب أصحاب الكهف ﴾
تنتفع بدعائهم لك بظهر الغيب في حياتك وبعد مماتك: عَنْ صَفْوَانَ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
صَفْوَانَ -وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ
أَبَا الدَّرْدَاءِ فِى مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ
فَقَالَتْ أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ
لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِىَّ -r- كَانَ يَقُولُ ﴿ دَعْوَةُ الْمَرْءِ
الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ
مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ
آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ ﴾﴿[13]﴾،
وقال عبيد الله بن الحسين ـ رحمه الله ـ لرجل ﴿ استكثر من الصديق ـ يعني الصالح ـ
فان أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك ﴾
ثالثاً:
صفات أصدقاء الخير ونماذج عليهم
المؤمن التقي: عن أبي سعيد الخدري t أنه سمع النبي -r- يقول لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك
إلا تقي﴾﴿[14]﴾
يذكرك بالله: عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
حَدَّثَهُ قَالَ نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا
وَنَحْنُ فِى الْغَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ
إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ ﴿ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا
ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ﴾﴿[15]﴾.
يوصيك بحسن الخلق بحسن الخلق: وذلك ببثِّ فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مساوئ
الأخلاق، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حسني الأخلاق، فحسن الخلق من الحقِّ،
سبحانه يقول: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ [العصر: 3].
وكان الرجلان من أصحاب النبي r إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على
الآخر: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1]، ثم يسلم
أحدهما على الآخر ﴿[16]﴾.
والربح الحقيقي للمسلم أن يكون له ناصحون ينصحونه،
ويوصونه بالخير والاستقامة، فإذا حسنت أخلاق المسلم، كثر مصافوه، وأحبه الناس.
لا
تصحب الكسلان في حالاته
|
**
|
كم
صالح بفساد آخر يفسد
|
عدوى
البليد إلى الجليد سريعة
|
**
|
كالجمر
يوضع في الرماد فيخمد
|
يدعوا لصاحبه بالرحمة والخير: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -r-
سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ ﴿ يَرْحَمُهُ اللَّهُ
لَقَدْ أَذْكَرَنِى كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا
وَكَذَا ﴾﴿[17]﴾.
يعين على قيام الليل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -r- :
﴿رحم الله رجلا قام من الليل يصلي وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء ورحم
الله امرأة قامت من الليل وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء﴾ ﴿[18]﴾
يعين على زيارة المرضى: إن المرء بزيارته إخوانه في الله يطيب بنفسه ويطيب ممشاه
ويتبوأ منازل عظيمة في الجنة فعن أبي هريرة أيضا t قال قال رسول الله -r- من
عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة
منزلا﴾﴿[19]﴾
يبصرك بعيوبك ويدلك على اوجه الضعف عندك : عن أبي هريرة، عن النبي r قال:﴿ المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن؛
يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه﴾﴿[20]﴾،
أي يمنعه ضياعه وهلاكه فيجمع عليه معيشته ويضمها إليه، ويذب عنه ويوفر عليه مصالحه
يشفع لك عند الله تعالى يوم القيامة: عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قال قال رسول الله -r- ﴿ .............حَتَّى إِذَا خَلَصَ
الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِى اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِى
النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ
وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ
صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ
إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا
بَقِىَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا
أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى
قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ
خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ
أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ
يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا....... ﴾﴿[21]﴾
الجليس الصالح: يبعدك عن المعصية ويرشدك
ويدللك على أمور من أمور الخير التي ينفعك العلم بها ويحفظك في حضرتك وغيبتك فلا يفشي
لك سرا ولا ينتهك لك حرمة ويحثك على أعمال البر والإحسان وصلة الرحم وبر الوالدين
وصدق الحديث والعفاف والحفاظ على الصلاة والصيام وذكر الله تعالى ومصاحبة الصالحين
والتنافس في الخير وحضور مجالس العلم ويتفقد أحوالك وكل ما فيه خير ...........
نماذج على مصاحبة الأخيار
أصحاب الكهف: قال تعالى :﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا ﴿9﴾ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى
الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا
مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴿10﴾ فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ
عَدَدًا ﴿11﴾ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا
لَبِثُوا أَمَدًا ﴿12﴾ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ
فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿13﴾ وَرَبَطْنَا عَلَى
قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿14﴾ سورة
الكهف
أبو بكر: أمر الله سبحانه و تعالى المسلمين بالمحبة و المودة و التراحم و الأخوة
الصادقة فيما بينهم، فكان أبو بكر الصديق خير من جسد و طبق هذه الأوامر و التعاليم
في حبه للرسول -صلى الله عليه و سلم - فقد كان أبو بكر الصديق يحب الرسول أكثر من
حبه لنفسه و ولده و ماله، و كان رفيقه في السراء و الضراء و حين تشتد المصاعب، حيث
رافقه بالهجرة و لم يكترث للمخاطر الشديدة التي قد تلحق به من قريش لو أدركوه هو و
صاحبه، و كان أبو بكر يخشى على الرسول -صلى الله عليه و سلم- و يفتديه بنفسه
فيتقدم الطريق قبله و يدخل الغار قبله حتى يتلقى عنه أي مفاجئة أو أي مكروه من
الممكن أن يصادفهما . ومن شدة حبه للرسول -r- كان أول من أسلم وأول من صدق
الرسول في كل كلمة قالها ومن شدة حبه أيضا خدم الإسلام بإخلاص وتفاني لم يكن له،
مثيل فكان خير صديق لخير الأنبياء .......
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله -r- ﴿ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له
عندنا يدا يكافئه الله بها يوم
القيامة و﴾ ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت
أبا بكر خليلا ألا وإن صاحبكم خليل الله ﴾﴿[22]﴾
الصحابة
رضى الله عنهم: عَنْ حَنْظَلَةَ
الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ: ﴾لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا
حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا
تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ
حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -r-
عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا
كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا،
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا
رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ
وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ
تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ
الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ
سَاعَةً، وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ ﴿[23]﴾
هذه حقيقة، ذلك أن النفس تتأثر بما حولها، عش مع التجار
تتمنَّ أن تكون تاجراً، عش مع مدرسي الجامعات تتمنَّ أن تكون مثلهم، عش ـ لا سمح
الله ولا قدر ـ مع فاسق، إذا أدمنت العلاقة معه قد تشتهي أن تكون مثله، هنا مشكلة
الإنسان، البيئة خطيرة جداً، لذلك كأن الله يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ثم يبين طريقة التقوى:﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
﴾
فما لم تُحِط
نفسك بالمؤمنين الصادقين، بالمستقيمين بالأتقياء فلن تستطيع أن تطيع الله عز وجل،
لذلك تعد صحبة الأخيار في حد ذاتها عملاً صالحاً.
رابعًا:
الترهيب من مصاحبة الأشرار
النهى عن الجلوس معهم: حذَّرنا الله من مجالسة أهل السوء، ونهانا عن الجلوس في
مجالسهم التي تنتهك فيها الحرمات، فقال سبحانه:﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ
بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ
إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي
جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾[النساء: 140].
وقال تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي
آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ ﴾[الأنعام: 68]. وقال تعالى ﴿وَذَرِ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾سورة
الانعام
إِيَّاكَ وَإِخْوَانَ السُّوءِ: عَنِ الْخَطَّابِ بْنِ الْمُعَلَّى الْمَخْزُومِيِّ،
أَنَّهُ وَعَظَ ابْنَهُ، فَقال: ﴿ إِيَّاكَ وَإِخْوَانَ السُّوءِ فَإِنَّهُمْ
يَخُونُونَ مَنْ رَافَقَهُمْ، وَيَخْرُفُونَ مَنْ صَادَقَهُمْ، وَقُرْبُهُمْ
أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ، وَرَفْضُهُمْ مِنِ اسْتِكْمَالِ الأَدَبَ، وَالْمَرْءُ
يُعْرَفُ بِقَرِينِهِ. قَالَ: وَالإِخْوَانُ اثْنَانِ فَمُحَافِظٌ عَلَيْكَ عِنْدَ
الْبَلاءِ وَصِدِيقٌ لَكَ فِي الرَّخَاءِ، فَاحْفَظْ صَدِيقَ الْبَلِيَّةِ
وَتَجَنَّبْ صَدِيقَ الْعَافِيَةِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ ﴾.
الحسرة يوم القيامة: قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿27﴾ يَا
وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿28﴾ لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴿29﴾ ﴾[الفرقان: 27].
اعتزل سيدنا ابراهيم مجالس قومه: قال تعالى﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴿48﴾
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴿49﴾ وَوَهَبْنَا
لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴿50﴾﴾سورة
مريم
وهكذا من يترك مجالس الأشقياء يكافئه الله تعالى أحسن
مكافأة، ولا يخفى علينا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ
-r-
قَالَ ﴿ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى
رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ
مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ
أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ
مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا
أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى
أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ
أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ
فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى
اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ.
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا
مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ.
فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ
مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ﴾﴿[24]﴾.
قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ
نَأَى بِصَدْرِهِ.
طلب سيدنا موسى من الله أن يفرق بينه وبين الفاسقين: قال تعالى ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا
دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
﴿24﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي
فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿25﴾ قَالَ
فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ
فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾سورة المائدة
كل حالات الهلاك والدمار التي تصيب الشباب من رفاق
السوء: يقول
الدكتور محمد راتب النابلسي: هناك دراسة علمية أن الشاب يتلقى تأثيره ممن؟ من
أبيه، من أمه، من أخوته الكبار، من أخوته الكبيرات، من معلميه، من شيخ المسجد، هذه
مصادر التوجيه والتأثير، كل هؤلاء لا يزيد تأثيرهم عن أربعين بالمئة، والصاحب وحده
تأثيره في ابنك يقدر بستين بالمئة، كل هؤلاء، الأب، والأم، والأخ الكبير، والأخت
الكبيرة، والمعلم، والشيخ، كلهم في مجموعهم تأثيرهم في الشاب 40% بينما صاحبه
تأثيره 60%، مرة ثانية كل حالات الهلاك والدمار التي تصيب الشباب من رفاق السوء.
ومرة قرأت قصة شاب من بلد عربي، صاحب شاباً منحرفاً، دله
على القمار، ثم دله على الزنا، ثم صاحب آخراً فدله أن يعمل عميلاً في دولة محتلة
في أفغانستان، ثم اتهم بالخيانة، ثم أُعدم، من أين بدأت؟ من صاحب، لو تتبعت حالات
الدمار تبدأ من صاحب سوء، لذلك أيها الأخوة، أخطر شيء بحياتك من تصاحب، وأخطر شيء
بتربية أولادك من هم أصدقاء أولادك، ومن هم صديقات بناتك، والمؤمن العاقل لا يدع
قضية الصداقة قضية جانبية عفوية لا تأثير لها، هذا أخطر موضوع يعالجه الأب مع
أولاده.
مصير السيئين إلى دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار:
قال
تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ
جَمِيعًا ﴾[النساء: 140]
التلاعن فيما بينهم يوم القيامة: قال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ
أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ
أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا
ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ الأعراف.
جليس السوء سبب للعذاب الأليم، وخسارة الدنيا والآخرة : قال تعالى:﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا
لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي
أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا
خَاسِرِينَ ﴿25﴾ ﴾[فصلت: 25]
ولا
تصحب أخا الجهل وإيـاك وإيـاه
|
فكـم
من جاهل أردى حليمًا حين يلقاه
|
يقـاس
المـرء بالمـرء إذا ما هو ماشاه
|
خامسًا:
صفات أصدقاء الشر ونماذج عليهم
يفتنك عن دين الله تعالى: قال تعالى ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَ
ا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴿73﴾
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا
﴿74﴾﴾ سورة الإسراء
وقال تعالى ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ ﴿50﴾ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿51﴾
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿52﴾ أَئِذَا مِتْنَا
وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿53﴾ قَالَ هَلْ
أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴿54﴾ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ
الْجَحِيمِ ﴿55﴾ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿56﴾وَلَوْلَا
نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾الصافات
قال السعدي في تفسيره: لما ذكر تعالى نعيمهم، وتمام سرورهم، بالمآكل
والمشارب، والأزواج الحسان، والمجالس الحسنة، ذكر تذاكرهم فيما بينهم، ومطارحتهم
للأحاديث، عن الأمور الماضية، وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل، حتى أفضى ذلك
بهم، إلى أن قال قائل منهم: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ في الدنيا، ينكر البعث،
ويلومني على تصديقي به.
و ﴿يَقُولُ﴾ لي ﴿أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ أي: مجازون
بأعمالنا؟ أي: كيف تصدق بهذا الأمر البعيد، الذي في غاية الاستغراب، وهو أننا إذا
تمزقنا، فصرنا ترابا وعظاما، أننا نبعث ونعاد، ثم نحاسب ونجازى بأعمالنا؟ ﴾أي:
يقول صاحب الجنة لإخوانه: هذه قصتي، وهذا خبري، أنا وقريني، ما زلت أنا مؤمنا
مصدقا، وهو ما زال مكذبا منكرا للبعث، حتى متنا، ثم بعثنا، فوصلت أنا إلى ما ترون،
من النعيم، الذي أخبرتنا به الرسل، وهو لا شك، أنه قد وصل إلى العذاب، فـ ﴿هَلْ
أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ لننظر إليه، فنزداد غبطة وسرورا بما نحن فيه، ويكون ذلك
رَأْيَ عين؟ والظاهر من حال أهل الجنة، وسرور بعضهم [ص 704] ببعض،
وموافقة بعضهم بعضا، أنهم أجابوه لما قال، وذهبوا تبعا له، للاطلاع على قرينه،
﴿فَاطَّلَعَ﴾ فرأى قرينه ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ أي: في وسط العذاب وغمراته،
والعذاب قد أحاط به، فـ ﴿قَالَ﴾ له لائما على حاله، وشاكرا للّه على نعمته أن نجاه
من كيده: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ أي: تهلكني بسبب ما أدخلت عليَّ من
الشُّبَه بزعمك. ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ على أن ثبتني على الإسلام ﴿لَكُنْتُ
مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ في العذاب معك.
يزينون الباطل ويحببونه لغيرهم: قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ
الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ سورة
الأنعام
يصدون غيرهم عن كل طريق فيه خير: عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله -r- قال: إن الشيطان قعد لابن آدم
بطريق الإسلام فقال له : تسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم فغفر له فقعد له
بطريق الهجرة فقال له : تهاجر وتذر أرضك وسماءك فعصاه فهاجر فقعد له بطريق الجهاد
فقال له : تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال
فعصاه فجاهد فقال رسول الله -r- : ﴿فمن فعل ذلك فمات كان حقا على
الله أن يدخله الجنة أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على
الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة﴾﴿[25]﴾
دعاة
على أبواب جهنم: عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ
يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ –-r- -عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ
يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ
فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ
﴿ نَعَمْ ﴾ فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ ﴿ نَعَمْ
وَفِيهِ دَخَنٌ ﴾. قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ ﴿ قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ
سُنَّتِى وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِى تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ﴾. فَقُلْتُ
هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ ﴿ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ
جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ﴾. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ ﴿ نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَتِنَا ﴾. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِى
ذَلِكَ قَالَ ﴿ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ﴾. فَقُلْتُ
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ ﴿ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ
الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ﴾ ﴿[26]﴾.
هم شر الناس: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- ﴿تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِى يَأْتِى
هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ ﴾﴿[27]﴾.
هو الفاجر الذي يضرك في كل شيء: عَنْ وَدِيعَةَ الأَنْصَارِيِّ، قال: سَمِعْتُ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، يَقُولُ وَهُوَ يَعِظُ رَجُلا:
﴿ لا تَتَكَلَّمْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ، وَاعْتَزِلْ عَدُوَّكَ، وَاحْذَرْ
صَدِيقَكَ إِلا الأَمِينَ، وَلا أَمِينَ إِلا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
وَيُطِيعُهُ، وَلا تَمْشِ مَعَ الْفَاجِرِ فَيُعَلِّمُكَ مِنْ فُجُورِهِ وَلا
تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّكَ وَلا تُشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ إِلا الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ ﴾ ﴿[28]﴾.
رؤيته تذكر بالمعصية : سواء كانت
ظاهرة عليه أو خفية وكنت تعرف ذلك منه فتخطر المعصية في بال المرء بعد أن كان
غافلا أو متشاغلا عنها فعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي -r- خيار عباد الله الذين إذا رءوا ذكر الله وشرار عباد الله المشاؤون
بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب﴾﴿[29]﴾
يصلك بأناس سيئين يضرك الارتباط
بهم وقد يكونون اشد انحرافا وفسادا.
يخفي عنك عيوبك ويسترها عنك ويحسن لك
خطاياك ويخفف وقع المعصية في قلبك.
تحرم بسببه من مجالسة الصالحين وأهل الخير
لانهماكك معه في الشهوات والملذات ويحذرك
من مجالستهم فيفوتك من الخير
والصلاح بقدر بعدك عنهم
الذي يجالس أهل السوء يقارن أفعاله السيئة بأفعالهم
فيستقل سيئاته
بجنب سيئاتهم فيكون ذلك سببا في زيادة طغيانه وانحرافه وتقصيره في الأعمال
الصالحة وعلى الأقل يصاب بالعجب بما هو عليه والعجب مرض مهلك، جليس السوء مضرة على
صاحبه من كل وجه وشؤم عليه في الدنيا والآخرة ومن أضراره
صحبته
ومؤاخاته عرضة للزوال عند وجود أدنى خلاف أو تغيير مصلحة بل وتحصل
البغضاء بدون ذلك قال عبد الله بن المعتز ـ رحمه الله ـ ﴿ إخوان السوء ينصرفون عند
النكبة ويقبلون مع النعمة ﴾ ، قال أبو الحسن التهامي ـ رحمه الله: شيئان ينقشعان
أول وهلة ظل الشباب وخلة الأشـرار ، وقال ابن حبان ـ رحمه الله ـ ﴿ العاقل لا
يصاحب الأشرار لان صحبة السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي
بعهده﴾
مجالس أهل السوء لا تخلو من ا لمحرمات والمعاصي كالغيبة والنميمة والكذب واللعن ونحو ذلك فربما يوافقهم جليسهم فيما هم فيه
أو ينكر عليهم لكن لا يفارق مجلسهم فيقع في الإثم .
في مجالستهم تضييعا للوقت الذي سيحاسب
العبد على التفريط فيه يوم القيامة
أنك
به تعرف ويساء بك الظن من اجل صحبتك له : قال الشيخ عبد الرحمن
السعدي ـ رحمه الله ـ ﴿ وبالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من
صاحبهم وشر على من خالطهم فكم هلك بسببهم أقوام وكم أقادوا أصحابهم إلى المهالك من
حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون ﴾ ، وقال أبو الأسود الدؤلي ـ رحمه الله ـ ﴿ ما خلق
الله خلقا أضر من الصاحب السوء ﴾
فعلى العاقل الناصح لنفسه الذي يريد لها النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة
أن يتجنب مخالطة هؤلاء ويفر منهم غاية الفرار ولا يتهاون في ذلك
نماذج
على مصاحبة الأشرار
فرعون وهامان: قال تعالى ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي
صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ
الْكَاذِبِينَ ﴿38﴾ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴿39﴾
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾سورة القصص
أبو طالب وأَبَو جَهْلٍ وابن الْمُغِيرَةِ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا
طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ
بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-﴿ يَا عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا
عِنْدَ اللَّهِ ﴾. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ
يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَلَمْ يَزَلْ
رَسُولُ اللَّهِ -r- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ
أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- ﴿أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ﴾.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. وَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى فِى أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -r- ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ﴾. ﴿[30]﴾
أبو معيط ورفقاءه بمكة: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿أن أبا معيط كان يجلس مع النبي -r- بمكة لا يؤذيه وكان رجلا حليما وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان
لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبأ أبو معيط وقدم خليله من الشام
ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمرا. فقال: ما
فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم
يرد عليه التحية. فقال: مالك لا ترد على تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد
صبوت، قال: أوقد فعلتها قريش؟ قال: نعم قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه وتبزق في وجهه وتشتمه
بأخبث ما تعلمه من الشتم ففعل فلم يزد
النبي -r- أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال: ﴿إن وجدتك خارجا من جبال ﴿مكة﴾ أضرب عنقك
صبرا﴾ فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى
أن يخرج فقال له أصحابه : اخرج معنا قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من
جبال ﴿مكة﴾ أن يضرب عنقي صبرا فقالوا : لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت
عليه فخرج معهم فلما هزم الله المشركين
وحل به جمله في جدد من الأرض فأخذه رسول الله -r- أسيرا في سبعين من قريش وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء ؟
قال: ﴿نعم بما بزقت في وجهي﴾ فأنزل الله في أبي معيط ﴿ ويوم يعض الظالم على
يديه﴾ إلى قوله ﴿وكان الشيطان للإنسان خذولا﴾ [ الفرقان : 27 - 29] ﴾﴿[31]﴾
أيها المسلمون: من صاحب الأخيار نال من خيرهم في الدنيا والآخرة وعلى النقيض من ذلك فان من
صاحب الأشرار كان مثلهم فأمامك الطريقين فاختر أيهما تسلك؟ .......
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
([23]) صحيح مسلم