حق الجار للشيخ احمد أبو عيد
حق الجار في الإسلام
الحمد لله الذي خلق خلقه أطواراً، وصرفهم كيف شاء عزة واقتداراً، وأرسل الرسل إلى الناس إعذارا منه وإنذارا، فأتم بهم نعمته السابغة، وأقام بهم حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، فسبحان من أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، أحمده والتوفيق للحمد من نعمه، وأشكره على مزيد فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله سبحانه جميع العباد.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعالمين، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، أفضل من صلى وصام، وتعبد لربه وقام، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.
العناصر
أولًا: المقصود بالجار وأنواعه
ثانيًا: أهمية الجار في الإسلام
ثالثًا: حقوق الجار على جاره
رابعًا: عقوبة إيذاء الجار وبعض صور إيذائه
الموضوع
أولًا: المقصود بالجار وأنواعه
المقصود بالجار
قال ابن حجر -رحمه الله-: وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ وَالْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ وَلَهُ مَرَاتِبٌ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَأَعْلَاهَا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُوَلُ كُلُّهَا ثُمَّ أَكْثَرُهَا وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى الْوَاحِدِ ، وَعَكْسُهُ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُخْرَى كَذَلِكَ فَيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَقَدْ تَتَعَارَضُ صِفَتَانِ فَأَكْثَرُ فَيُرَجِّحُ
أَوْ يُسَاوِي.
وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ :الْجَارُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الدَّاخِلُ فِي الْجِوَارِ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُجَاوِرُ فِي الدَّارِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ.
أنواع الجيران
فالجيران نوعان من حيث الصفة:
1 - جار صالح ، وهو الذي يقوم بحق الجوار ويعرف ما له وما عليه ، وهذا النوع من الجيران رزقٌ ونعمةٌ مِن الله تستحق الشكر لله جل وعلا ،فعَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه-، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ)) ([1])
2- جار سوء وهذا الصنف من الجيران ، ابتلاء وعذاب ، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله منه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ،قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الدُّنْيَا يَتَحَوَّلُ)) ([2]).
حد الجيرة
قيل: "من صلى معك الصبح في المسجد، فهو جار لك".
وعن على أنه قال: "من سمع النداء، فهو جار" ([3]).
وكان الأوزاعي يقول: إن حدَّ الجار أربعون دارًا من كل ناحية، ونقل هذا الكلام عن عائشة - رضي الله عنها - أيضًا، وكذا الحسن.
وقد توسع البعض في حد الجوار، فجعل كل مَن ساكَن رجلاً في محلة أو في مدينة، فهو جار، واستدلوا بقوله - تعالى -: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60]، فجعل الله - تعالى - اجتماعَهم في المدينةِ جوارًا.
ثانيًا: أهمية الجار في الإسلام
1- الأمر بالإحسان إلى الجار
قال تعالى{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]
ومعنى{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. { وَ } كذلك { الْجَارِ الْجُنُبِ } أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل. ([4])
قال القرطبي -رحمه الله-: أَمَّا الْجَارُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ وَالْوَصَاةِ بِرَعْيِ ذِمَّتِهِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ. أَلَا تَرَاهُ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ ذِكْرَهُ بَعْدَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ....... فَالْوَصَاةُ بِالْجَارِ مَأْمُورٌ بِهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْإِحْسَانُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُوَاسَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَكَفِّ الْأَذَى دُونَهُ. ([5])
وقال ابن رجب -رحمه الله-: فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ ذِكْرِ حَقِّهِ عَلَى الْعَبْدِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى الْعِبَادِ أَيْضًا، وَجَعَلَ الْعِبَادَ الَّذِينَ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ: منها: مَنْ لَهُ حَقُّ الْقُرْبِ وَالْمُخَالَطَةِ، وَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: جَارٌ ذُو قُرْبَى، وَجَارٌ جُنُبٌ، وَصَاحِبٌ بِالْجَنْبِ. ([6])
2- أنَّ الإسلامَ أنْزَله منزلةَ الوارثِ في المكانَةِ والبِرِّ والصلةِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)([7])
قال الذهبي -رحمه الله-:يفهم من الحديث المذكور عنه -صلى الله عليه وسلم- هو تعظيم حق الجار من الإحسان إليه وإكرامه وعدم الأذى له وإنما جاء الحديث في هذا الأسلوب للمبالغة في حفظ حقوق الجار وعدم الإساءة إليه حيث أنزله الرسول -صلى الله عليه وسلم- منزلة الوارث تعظيماً لحقه ووجوب الإحسان إليه وعدم الإساءة إليه بأي نوع من أنواع الأذى.
3- من علامات الإسلام
عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" ([8])
4- جَعَلَ الشرعُ إكرامَ الجارِ علامةً على كمالِ الإيمان :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، ) وفي لفظٍ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ) وفي لفظٍ (فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ) ([9])
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) ([10])
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ -رحمه الله- : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ إِكْرَامُ جَارِهِ وَضَيْفِهِ وَبِرِّهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ تَعْرِيفٌ بِحَقِّ الْجَارِ وَحَثٌّ عَلَى حِفْظِهِ. ([11])
5- جُعِلَ إكرامُ الجارِ علامة ظاهرة على صلاح العبد
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ). ([12])
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: إِذَا حَمِدَ الرَّجُلَ جَارُهُ، وَذُو قَرَابَتِهِ، وَرَفِيقُهُ، فَلا تَشُكُّوا فِي صَلاحِهِ. ([13])
6- تعمير الديار وزيادة الأعمار
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها "إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة وصلة الرحم وحسن الجوار أو حسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار "([14])
7- الجار شاهد على جاره
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنتُ وإذا أسأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا سمعت جيرانك يقولون أن قد
أحسنتَ فقد أحسنتَ، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأتَ فقد أسأت) ([15]).
8- مغفرة الذنوب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عز وجل: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ» ([16])
9- لا تحقر أي معروف تقدمه لجارك
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) ([17])
(فرسن شاة) ما دون الرسغ من يدها وقيل هو عظم قليل اللحم والمقصود المبالغة في الحث على الإهداء ولو في الشيء اليسير وخص النساء بالخطاب لأنهن يغلب عليهن استصغار الشيء اليسير والتباهي بالكثرة وأشباه ذلك]
ثالثًا: حقوق الجار على جاره
1- ذَكَرَ الإمام الغزالي -رحمه الله-حقوق الجار جملة فقال :
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّ الْجِوَارِ كَفَّ الْأَذَى فقط بل احتمال الأذى، ولا يكفي احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف....... وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ولا يطيل معه الكلام وَلَا يُكْثَرَ عَنْ حَالِهِ السُّؤَالُ وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ وَيُعَزِّيَهُ فِي الْمُصِيبَةِ وَيَقُومَ مَعَهُ فِي الْعَزَاءِ وَيُهَنِّئَهُ فِي الْفَرَحِ وَيُظْهِرَ الشَّرِكَةَ فِي السرور معه ويصفح عن زلَّاته ولا يتطلع مِنَ السَّطْحِ إِلَى عَوْرَاتِهِ وَلَا يُضَايِقُهُ فِي وضع الجذع على جداره ولا في مصب الماء في ميزابه ولا في مطرح التراب في فنائه ولا يضيق طرقه إِلَى الدَّارِ وَلَا يُتْبِعُهُ النَّظَرَ فِيمَا يَحْمِلُهُ إِلَى دَارِهِ وَيَسْتُرُ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَيُنْعِشُهُ مِنْ صَرْعَتِهِ إِذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ مُلَاحَظَةِ دَارِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَسْمَعُ عَلَيْهِ كَلَامًا وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ حُرْمَتِهِ وَلَا يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى خَادِمَتِهِ وَيَتَلَطَّفُ بولده فِي كَلِمَتِهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. ([18])
2- ابتداء الجار بالسلام إذا لقيه، مع السؤال عن حاله، والبشاشة في وجهه.
فالسلام من الحقوق العامة لكلِّ مسلم والأولى بذلك الجار المسلم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)([19])
وكذلك بشاشة الوجه وطلاقته فهي من حقوق إخوة الإسلام والأولى بذلك الجار المسلم ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) ([20])
3- عيادته في مرضه، والمسارعة الى إسعافه عند الحاجة.
فعيادة المريض من حقوق أُخوة الإسلام ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: (إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) ([21])
بل تكون العيادة للجار الكافر لتأليفه ودعوته للإسلام ، وانظر إلى هذا المثال الرائع ، فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ)، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ) ([22])
4- مُوَاسَاتُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ – أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )) ([23])
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ) ([24])
وعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ ، وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الآنَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ)). ([25])
وانظر إلى هذا المثال الجميل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَارٌ.، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: " الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا ))([26])
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- أَوْصَانِي: (إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ )([27])
قال القرطبي -رحمه الله- : فَحَضَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، لِمَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْمَفْسَدَةِ، فَإِنَّ الْجَارَ قَدْ يَتَأَذَّى بِقُتَارِ {رائحة الشواء والمرق} قِدْرِ جَارِهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ فَتَهِيجُ مِنْ ضُعَفَائِهِمُ الشَّهْوَةُ، وَيَعْظُمُ عَلَى الْقَائِمِ عَلَيْهِمُ الْأَلَمُ وَالْكُلْفَةُ، لَاسِيَّمَا إِنْ كَانَ الْقَائِمُ ضَعِيفًا أَوْ أَرْمَلَةً فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ وَيَشْتَدُّ مِنْهُمُ الْأَلَمُ وَالْحَسْرَةُ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَمَّا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَأَكْثِرْ مَاءَهَا) نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى تَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْبَخِيلِ تَنْبِيهًا لَطِيفًا، وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ ثَمَنٌ وَهُوَ الْمَاءُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ لَحْمَهَا، إِذْ لَا يَسْهُلُ ذَلِكَ. ([28])
وسألت عائشة رضي الله عنها رَسُولَ اللَّهِ فقالت: إِنَّ لِي جَارَتيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» ([29]).
5- تعزيته عند إصابته بمصيبة،
أو حلول كارثة به، أو وفاة عزيز عليه، وفتح بيته لذلك إن استدعى الأمر والقيام معه في عزائه، وإعانته على شدائده ونوائبه.
وانظر إلى هذا المثال :قال الإمام ابن القيم : جِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لَهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ. فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ. ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ. وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ. فَسُّرُوا بِهِ
وَدَعَوْا لَهُ. وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ. ([30])
6- الحفاظ على عوراته وعدم خيانته في أهله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (رواه مسلم)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: سألت رَسُولُ اللَّهِ: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَر؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْت: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} ([31]).
فلقد كان العرب في الجاهلية يعظمون حق الجار، ويحترمون الجوار، ويعتزون بثناء الجار عليهم، ويفخرون بذلك، وكان منهم من يحفظ عورات جاره ولا ينتهكها، وقد قال عنترة بن شداد في ذلك شعراً: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مثواها
7- مساعدته ماديًا فيما يحتاج إليه
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ للناس لما رأى من تقصيرهم في حقوق جيرانهم: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ ([32]).
ولقد ضرب أصحاب رسول الله أروع الأمثلة في التعاون والمساعدة فيما بينهم، حتى استحقوا إطراء النبي لهم وثناءه عليهم، فعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ )) ([33]) .
(( أرْمَلُوا )) : فَرَغَ زَادُهُمْ أَوْ قَارَبَ الفَرَاغَ .
8- كف الأذى عنه
وهذا الحق واجب على المسلمين، فلا يجوز لهم بحال إيذاء أحد من الناس ما دام مسالما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ» ([34])
وكف الأذى يكون بكف جميع صور الأذى عن الجار كإلقاء القمامة عند بابه او ارتفاع صوت تلفازك او صوت حيواناتك مما يزعجه..........
9- احتمال أذاه والصبر عليه :
وإنها لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون:96]. ويقول الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43].
قال ابن رجب -رحمه الله- : وعليه أَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَى جَارِهِ، وَلَا يُقَابِلَهُ بِالْأَذَى قَالَ الْحَسَنُ البصري -رحمه الله- : لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفَّ الْأَذَى، وَلَكِنَّ حُسْنَ الْجِوَارِ احْتِمَالُ الْأَذَى. ([35])
عَنْ مُطَرِّفِ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ ثَلَاثَةً ) ومِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (رَجُلٌ كَانَ لَهُ جَارُ سُوءٍ، يُؤْذِيهِ، فَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُ، حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِحَيَاةٍ، أَوْ مَوْتٍ) ([36])
ويروى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود -رضي الله عنه-فقال له: إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق عليَّ. فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه. ([37])
وكان لسهل بن عبدالله التستري - رحمه الله - جار مجوسي، وكان في نفس البيت في الطابق الأعلى، فانفتَحت فتحة في كنيف المجوسي، فكان يقع منها الأذى في دار سهل، فكان يضع كل يوم الجفنة تحت الفتحة، فينزل فيها الأذى، ثم يأخذ ذلك بالليل ثم يَطرحه بعيدًا، فمكث - رحمه الله - على هذا الحال زمانا طويلاً إلى أن أتى سهلاً المرَضُ، فاستدعى سهل جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه فرأى الفتحة والقذر، فقال: ما هذا؟
قال سهل: هذا منذ زمن طويل يسقط من دارك، وأنا أتلقاه بالنهار وأُلقيه بالليل، ولولا أنه حضَرني أجلي ما أخبرتك، وأنا أخاف أن لا تتَّسع أخلاق غيري لذلك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمن طويل، وأنا مقيم على كفري، أيها الشيخ، مد يدك، فأنا أشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل - رحمة الله عليه.
وقد باع أبو جهم العدوى داره بمائه ألف درهم ثم قال للمشترى : بكم تشترون جوار سعيد بن العاص قالوا : وهل يشترى جوار قط ، قال : إذاً ردوا علىّ دارى وخذوا مالكم فإني والله لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عنى ، وإن رآني رحب بى ، وإن غبت حفظني ، وإن شهدت قربني ، وإن سألته قضى حاجتي ، وإن لم أسأل بدأني ، وإن نابتنى حاجة فرج عنى . فبلع ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم.
وهذا هو الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان ، كان له جار فاسق سكير عواد ومغنٍ إذا جن الليل أقبل على لعبه ولهوه ، وكان إذا أكثر صياحه وغنائه إذا ثمل قال :
" أضاعوني وأي فتى أضاعوا * * * ليوم كريهة وسداد ثغر
حتى حفظ أبو حنيفة كل غنائه لكثرة ما كان يردده . فأخذه الحرس من داره وهو سكران وحبسوه فافتقده أبو حنيفة ، وافتقد صوته ، فقال : ماذا فعل جارنا ؟ لقد فقدنا صوته ، فقيل : أخذه الحرس البارحة وحبسوه ، فقال : قوموا بنا نسعى في خلاصه ، فإن حق الجار واجب ، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجار ، فأتى مجلس الأمير فلما بصر به قام إليه وأخذ بيده ، ورفعه مكاناً عليا وقال : ما جاء بك يا أبا حنيفة ؟ قال : جئت لمحبوس عندك من جيراني ، أخذه الحرس البارحة ، وأسألك أن تطلقه ، وتهب لي جرمه ، فقال الأمير : قد فعلت ولجميع من معه في الحبس ، هلا بعثت برسول حتى أقضى به حقك وأخرج من واجبك ! فلما أن أخرج من حبسه قال له أبو حنيفة : هل أضعناك يا فتى ؟ قال : لا يا سيدي ومولاي ، لا تراني اليوم أفعل شيئاً تتأذى به ثم أخرج أبو حنيفة عشرة دنانير وأعطاها له ، وقال : استعن بهذا المال على نقصان دخلك وقت الحبس ، ومتى كان لك حاجة فابسطها إلينا ، واترك الحشمة فيما بينا وبينك ، فقام الرجل وقبل رأس أبى حنيفة ، وكان بعد ذلك يختلف إلى درسه وتفقه حتى صار من فقهاء الكوفة \"
10- حقّ الشُّفْعة
وقد عدَّه بعض العلماء حقًّا مُلزِمًا، أيْ إذا كنتَ تسْكن في بيتٍ، ولك جار في الطابقٍ نفسه، وأراد الجارٌ أن يبيعَ بيتهُ يجب أن يسألك قبل كلّ شيءٍ، فهو مُلزمٌ أن يبيعهُ لك بالسّعر الرائج فإذا باعهُ لِغَيرك يمكن أن تُقيم عليه دعْوى، والقاضي يُلزمُه بِفَسْخ البيع وبيْعِهِ لك، هذا هو حقّ الشّفعة في بعض المذاهب حقّ مُلْزم.
11- حل مشكلاته وقضاء مصالحه
لا بد للجار أن يتعايَش بجسده ورُوحه مع جاره، فيسعى في حل مشكلاته وقضاء مصالحه؛ وذلك من باب: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].
ومن باب قوله - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ المائدة:
فينبغي للجار أن يكون في حاجة أخيه؛ ليكون الله في حاجته؛ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». ([38])
12- أن تنصره ظالمًا أو مظلومًا
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم – قال : (( انْصُرْ أخَاكَ ظَالماً أَوْ مَظْلُوماً )) فَقَالَ رجل : يَا رَسُول اللهِ ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً ، أرَأيْتَ إنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أنْصُرُهُ ؟ قَالَ : (( تحْجُزُهُ - أَوْ تمْنَعُهُ - مِنَ الظُلْمِ فَإِنَّ ذلِكَ نَصرُهُ )) ([39]) ، فإذا أحب الجار أن يَبطش بجاره أو أي إنسان أو يَظلمهم، فعلى الجار الآخر أن يمنعه من ذلك ويسعى في الإصلاح بينهم.
فواجب على الجار أن يسعى في الإصلاح بين جيرانه، وأن يكون أداة صُلح وخير، لا أداة إفساد وتدمير، وإلى كل هذا يشير ربنا - سبحانه - في قرآنه، وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم - في سنته، فيقول - تعالى -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].
ويقول - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].
13- إحسان الظن به
فإذا رأى الجار ما يريبه من جاره، فليحسن به الظن، وإذا تكلَّم معه فليحمل كلامه محملاً حسنًا؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
فعلى الجار دائمًا أن يحسن الظنَّ بأخيه الجار؛ لأن إساءة الظن بالآخرين تُورث الشحناء والبغضاء بين أفراد المجتمع، وقد يكون هذا الذي تسيء الظن به وتُبغضه، أفضل منك بكثير وأنت لا تدري
14- مشاركته في فرحه، وتهنئته عند حلوله ومحبة الخير له، والسرور لسروره.
15- الصفح عن زلاته وسقطاته، والتغاضي عن تقصيره وسيئاته، ومعاتبته برفق وأدب على هفواته.
16- التلطف في معاملة أبنائه، والإحسان إليهم، والرفق بهم ونصيحتهم بالمعروف.
17- غض البصر عن أهله، وتجنب متابعة أسراره، والحفاظ على حرمته، وملاحظة داره عند غيبته.
وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
أَنْشَدَ مِسْكِينٌ الدَّارَمِيُّ
مَا ضُرَّ لِي جَارٌ أُجَاوِرُهُ ... أَنْ لَا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْرُ
أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخِدْرُ
وَتَصُمُّ عَمَّا بَيْنَهُمْ أُذُنِي ... حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَقْرُ.([39])
18- غض الصوت تجنبا لمضايقته. وخفض صوت المذياع والرائي خصوصا في أوقات راحته.
19- تجنب إيذائه بتضييق الطريق عليه، أو طرح الأقذار قرب داره، أو التجاوز على حدوده أو التطاول عليه في البنيان فتنحجب عنه الشمس والهواء.
رابعًا: عقوبة إيذاء الجار وبعض صور إيذائه
1- نَفيُ كمالِ الإيمانِ عن الذي يُؤذي جارَه
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخزاعي -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) ([40])
(بوايقه) جمع بائقة وهي الظلم والشر والشيء المهلك.
قَالَ ابن بَطَّالٍ -رحمه الله-: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِيهِ نَفْيُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ ، وَمُرَادُهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ. ([41])
2- تعظيم الخطيئة في حق الجار
وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ -رضي الله عنه-قَالَ: سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن الزنى؟ قَالُوا: حرامٌ؛ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ (( لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ )) وَسَأَلَهُمْ عَنِ السرقة؟ قالوا: حرام؛ حرمه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ: " لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أبياتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ ))([42])
قال المناوي -رحمه الله- :قوله (( لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ )) يقاس بها نحو أمته وبنته وأخته وذلك لأن من حق الجار على الجار أن لا يخونه في أهله فإن فعل ذلك كان عقاب تلك الزنية يعدل عذاب عشر زنيات.
قال الذهبي في الكبائر : فيه أن بعض الزنا أكبر إثما من بعض قال : وأعظم الزنا بالأم والأخت وامرأة الأب وبالمحارم وبامرأة الجار. ([43])
3- التحذير من أذى الجار بأيِّ لونٍ مِن ألوان الأذى :
قال الصنعاني -رحمه الله- : فالْأَذِيَّةُ لِلْمُؤْمِنِ مُطْلَقًا مُحَرَّمَةٌ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] وَلَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْجَارِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا فَلَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ أَذًى. ([44])
4- إيذاء الجار من الكبائر:
* فَأَمَّا أَذَى الْجَارِ، فَمُحَرَّمٌ فَإِنَّ الْأَذَى بِغَيْرِ حَقٍّ مُحَرَّمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْجَارِ هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا.([42]) فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: " أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ) ([45])
5- نزع صفة الإيمان عنه
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخزاعي -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) ([46])
قال القرطبي -رحمه الله- : وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ جار. وقد أكد عليه السلام ترك إذايته بِقَسَمِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ مَنْ آذَى جَارَهُ. فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْذَرَ أَذَى جَارِهِ، وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه حضا الْعِبَادَ عَلَيْهِ. ([47])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،)([48])
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ -رحمه الله- : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ إِكْرَامُ جَارِهِ وَضَيْفِهِ وَبِرِّهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ تَعْرِيفٌ بِحَقِّ الْجَارِ وَحَثٌّ عَلَى حِفْظِهِ. ([49])
وقال الصنعاني -رحمه الله- : الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ حَقِّ الْجَارِ، وَأَنَّ مَنْ آذَى الْجَارَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْهُ كُفْرُ مَنْ آذَى جَارَهُ إلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْإِيمَانِ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ الِاتِّصَافُ بِهِ، وَقَدْ عُدَّ أَذَى الْجَارِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ إيمَانًا كَامِلًا. ([50])
6- إيذاء الجار سبب اللعنة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي، فَقَالَ: (انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ) ، فَانْطَلَقَ فَأَخْرِجَ مَتَاعَهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لِي جَارٌ يُؤْذِينِي، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: (انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ) ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ. فَبَلَغَهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَوَاللَّهِ لَا أُؤْذِيكَ. ([51])
وفي لفظٍ : فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ يَلْعَنُهُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَا لَقِيتُ مِنَ الناس؟ فقال" إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ فَوْقَ لَعْنَتِهِمْ". ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي شَكَا: "كُفيت" أو نحوه.
7- الجار هو أول من سيخاصم صاحبه يوم القيامة
عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول خصمين يوم القيامة جاران))([52]).
فاحذر أخي الحبيب من أذى الجار؛ حتى لا يشكوك إلى الله - تعالى - يوم القيامة.
8- عدم دخول الجنة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)([53])
وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ فُلَانَةَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ )) قِيلَ: وَفُلَانَةُ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )) ([54])
( أتوار : جمع تور بالمثناة : إناء من صفر وأثوار بالمثلثة وهو الصواب جمع ثور : وهي قطعة
من الأقط وهو لبن جامد مستحجر )
ومن صور إيذاء الجار
حسده وتمني زوال النعمة عنه، أو السخرية به واحتقاره، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس أو الكذب عليه وتنفير الناس منه، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته، أو مضايقته في المسكن أو موقف السيارة، أو إلقاء الأذى عند بابه، أو التطلّع إلى عوراته ومحارمه، أو إزعاجه بالصراخ والأصوات المنكرة، أو إيذائه في أبنائه.
1- الوقوع في عرضه: من سَبٍّ، أو لعْن، أو شتم، أو غيبة، أو نميمة:
2- سوء الظن به والتجسس عليه:
وقد نهى الله - تعالى - عن ذلك، فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
3- تشغيل المِذياع أو التلفاز بصوت عالٍ:
وهذا مما يؤذي الجار، فلا يستطيع المُتعَب أن يرتاح، ولا المريض أن يهنأ بمنام، ولا الطالب أن يستذكر دروسه، فرفع الصوت مخالف لتعاليم الإسلام.
4- أن يغلق بابه دون جاره، ويمنعه فضله:
5- أن يزرع شجرة أو نخلة بجوار جداره، ثم يسقيها بالماء، فيتضرَّر الجدار بذلك.
6- أن يبني جدارًا - دون إذنه - يحجب عنه الشمس، ويمنع عنه الهواء.
7- أن يفرح وجاره مهموم: فهناك من يقيم الأفراح والليالي الملاح، والبيت الذي بجواره مات فيه إنسان.
8- نشر الملابس دون عصرها، فيتساقط الماء على ملابس الجار الذي يسكن تحته.
9- وهناك نماذج أخرى من الإيذاء:
• كإلقاء القمامة والكناسة حول داره وأمام بابه.
• أو التضييق عليه عند الدخول أو الخروج.
• أو الدق في وقت الليل.
• أو عدم نُصرته إذا كان مظلومًا، أو عدم إغاثته إذا كان ملهوفًا.
• أو إفشاء سره، وغير ذلك من صور الإيذاء.
ينبغي أن يكون لسان حالك:
أَقولُ لجاري إذ أتاني مُعاتبًا ** مُدِلاًّ بحقٍّ أو مُدِلاًّ بباطلِ
إذا لم يَصل خيري وأنت مُجاورٌ ** إليكَ فما شرِّي إليك بواصِلِ
كيفية التعامل مع بعض الجيران
إذا كان الجار صاحب كبيرة، فلا يخلو: إما أن يكون متستِّرًا بها، ويغلق بابه عليه، فليعرض عنه ويتغافل عنه، وإن أمكن أن ينصحه في السر ويعظه، فحسَنٌ.
وإن كان متظاهرًا بفِسقه؛ فتَهجره هجرًا جميلاً.
وإن كان تاركًا للصلاة في كثير من الأوقات، فمُره بالمعروف، وانْهَه عن المنكر مرة بعد مرة، وإلا فاهجره في الله.
وإن رأيته متمردًا عاتيًا بعيدًا عن الخير، فأعرِض عنه واجتهد أن تتحول من جواره، فقد تقدَّم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعوذ من جار السوء في دار الإقامة.
وإن كان جارك دَيُّوثًا، أو قليل الغَيرة، أو حريمه على غير الطريق المستقيم؛ فتحوَّل عنه، أو فاجتهد ألا يُؤذوا زوجتك؛ فإن في ذلك فسادًا كثيرًا.
وخَف على نفسك المسكينة، ولا تدخل منزله، واقطع الود بكل ممكن.
وإن كان جارك رافضيًّا أو صاحب بدعة كبيرة، فإن قدرتَ على تعليمه وهدايته، فاجتهد، وإن عجزت، فانجمع عنه ولا تواده ولا تصافه، ولا تكن له مصادقًا ولا معاشرًا، والتحول عنه أَوْلى.
وإن كان جارك يهوديًّا أو نصرانيًّا في الدار أو السوق أو البستان، فجاوره بالمعروف ولا تؤذه.
"فيجوز زيارته في مرضه
فإن انضاف إلى جواره كونه من قرابتك أو ذا رحمك، فهذا حقه آكَدُ.
وكذا إن كان أحد أبويك ذميًّا، فإن للأبوين وللرحم حقًّا فوق حقوق الجوار، فأعط كل ذي حق حقَّه.
فعلينا ان نراعي حق جيراننا التزاما بما امر به ربنا سبحانه وتعالى ونبينا r .
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854