الصِّدْقُ يُنْجِي السَّالِكَ وَالكِذْبُ يُؤدْي بِهِ إِلَى الَمِهَالَكِ الشيخ/ عبد الناصر بليح



"الصِّدْقُ يُنْجِي السَّالِكَ,وَالكِذْبُ يُؤدْي بِهِ إِلَى الَمِهَالَكِ" 
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له في سلطانه ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله القائل:"أربعٌ إذا كن فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم"(صحيح).اللهم صلاة وسلاماً علىك ياسيدييارسول الله ..
أمابعدفيقول الله تعالي:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ"(التوبة / 119).
إخوةالإيمان والإسلام:"إن من أخلاق المسلم الصدق الذي هو مطابقة الخبر للواقع وضده الكذب وهو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه. والصدق صدقان صدق بالقلب وصدق بالجوارح..
والصدق من أعظم خصال الخير وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الشرع بتأكيدها والأمر بها . فهو خلق رفيع يتمثله الأفاضل من الناس قال الله تعالي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا"(الأحزاب:70).
. وحينَ نشَأَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم في مكَّةَ،وتَرعرعَ فيها رَسَمَ لهم لوحةَ الصِّدقِ بِأَنْقَى صُوَرِها وأَحلَى مَعانِيها،حتى لَقَّبُوهُ بالصَّادِقِ الأَمِينِ . تَقولُ عُائِشةُ رضي الله عنها:"ما كانَ خُلُقٌ أَبغَضَ إلى رسولِ اللهِ من الكَذِبِ،ولقد كان الرَّجلُ يُحدِثُ عندَ النَّبِيِّ الكِذْبَةَ ، فَمَا يَزَالُ في نَفْسِ النَّبيِّ عليه حتى يَعلمَ أنَّهُ قد أحْدَثَ مِنها تَوبَةً"( أَحمَدُ وابنُ حِبَّانَ). وعن ابن مسعودقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً "( البخاري ومسلم ).
#فضائل وفوائد الصدق في الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدوق اللسان من أفضل الناس:عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال:"قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال:"كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال:"هو التقي النقي، الذي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد"(ابن ماجه).
# الصدق سبيل لمحبة الله تعالى ومحبة رسوله قال:"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بطهور، فغمس يده فتوضأ، فتبعناه فحسوناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما حملكم على ما فعلتم؟"، قلنا: حب الله ورسوله، قال:"فإذا أحببتم أن يحبكم الله ورسوله، فأدوا إذا اؤتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم" (صحيح).
"الصدق ينجي السالك, والكذب يهدي به إلي المهالك "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاعتراف بالخطأ فضيلة يحمد عليه صاحبها وهو باب للنجاة من العقاب ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تحرى الصدق وإن خاف العقاب فقال:"تحرَّوُا الصِّدقَ، وإن رأيتُم أنَّ فيهِ الهلَكةَ، فإنَّ فيهِ النَّجاةَ، واجتَنبوا الكذبَ وإن رأيتُم أنَّ فيهِ النَّجاةَ، فإنَّ فيهِ الهلَكةَ"(السيوطي /الجامع الصغير /3253).      
والصدق علامة التقوى،يقول الله تعالى:"وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"(الزمر/ 33). والتقوي تنجي صاحبها :" وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"( الزمر/61).
الصدق منجاة من المضايق والمهالك، فما نجى الثلاثة الذين خلفوا يوم تبوك إلا صدقهم مع الله تعالى ورسوله، يقول الله فيهم: "وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118].
ومانجي الثلاثة الذين أواهم المبيت إلي الغار وأطبقت عليهم الصخرة إلاعملهم الصالح وصدقهم مع الله عز وجل..
 "الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#الصدق سبب لراحة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر،ومن حرص الإسلام على سيادة الصدق في مجتمعاته ونبذ الكذب والحجر عليه بمختلف ألوانه وأنواعه، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكذب على الصغار حتى لا يعتادوا الكذب ويألفوه فتفسد تربيتهم وتسوء أخلاقهم، يقول صلى الله عليه وسلم: "من قالَ لصبيٍّ: تعالى هاكَ ثم لم يعطِه فهي كذِبَة "( أحمد).
حتى الكذب للتسلية والمزاح نهى الشرع عنه نهيا أكيداً شديداً، فقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يمزح ولا يقول إلاحقاً.. ففي الحديث: "ويلٌ للذِي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ بهِ القوم فيكْذِب..ويلٌ له..ويلٌ له"(أحمد وأبو داود والترمذي ).ولفظ أبي داود: "ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيكذِب ليُضْحِكَ القوم.. ويلٌ له.. ويلٌ له.
"بالصدق تحل البركة وبالكذب تمحق وتزول "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
# - الصدق سبب للبركة في الرزق في البيع والشراء يقول صلى الله عليه وسلم: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(البخاري ومسلم).
#والكذب سبب مانحن فيه من غلاء ومحق للبركة والأقوات والأرزاق لذلك أخوة الإسلام :”حدد الإسلام للتاجر الصدوق صفات حتي يتحلي بها وإلا خرج من هذه الصفة صفة التاجر الصدوق الأمين إلي صفة التاجر فعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا ، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ“(الترمذي وغيره).
قال المباركفوري في “تحفة الأحوذي” (4/336”إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ “ بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة ، مِن غِشٍّ وخيانة ، أي:أَحسَنَ إلى الناس في تجارته ، أو قام بطاعة الله وعبادته،(وَصَدَقَ ) أي:في يمينه وسائر كلامه .
قال القاضي : لمَّا كان من دَيدَنِ التجار التدليس في المعاملات ، والتهالُكُ على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها ، حكم عليهم بالفجور ، واستثنى منهم من اتقى المحارم ، وبرَّ في يمينه ، وصدق في حديثه . وإلى هذا ذهب الشارحون ، وحملوا الفجور على اللغو والحلف ، كذا في المرقاة"اهــ
كما جاء في السنة الصحيحة ما يدل على سبب وصف التجار بالفجور،وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلف الكاذب وإخلاف الوعد .  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ"(أحمد والحاكم ).
وإلا فإن التجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن بَرَّ وصدق ، فإن التاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم.ونحن نجد الغش والتدليس في البيع والشراء ونجد التطفيف في الكيل والميزان والمولي عز وجل حذرنا من بخس الكيل والوزن قال تعالي :"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ   الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ   أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ   لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "(المطففين: 1 – 6 ). فتوعَّد ربُّنا مَن طفَّف في الكيل أو الوزْن، والتَّطفيف نقصٌ يخون به غيره في كيل أو وزْن أو غير ذلك، فكلُّ مَن خان غيرَه وبخَسَه حقَّه أو انتقصَ ممَّا وجب عليْه، فهوداخل في هذا الوعيد . عن ابن عباس قوله:"ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق"(ذكره القرطبي في تفسيره) .
وقال ابن كثير رحمه الله : يأمر الله تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء كما وعد على تركه بقوله تعالى :"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.." وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان .
‏‏وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏قَالَ:أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ: يَامَعْشَرَ ‏الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّوَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّلَمْ تَظْهَرْالْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمْالَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ ‏وَجَوْرِ‏ ‏السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْوَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا ‏الْقَطْرَ‏ ‏مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْغَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِوَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْبَيْنَهُمْ"(ابن ماجه). .
#الصدق والأمانة" أخوة الإيمان والإسلام:"وأول صفة من صفات التاجر المسلم هي الصدق والأمانة في البيع والشراء فعَنِ الْحَسَنِ , عَنْ أَبِى سَعِيدٍ , عَنِ النَّبِىِّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ:”التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ معَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”(أبو يَعْلَى. والدارِمِي والتِّرْمِذِيّ).
و عن أبي هريرة مرفوعا:"إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت من بينهما”(أبو داود ). وقال صلي الله عليه وسلم :" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"(البخاري ومسلم). 
#عدم إنفاق السلعة بالحلف الكاذب:
أيها الناس:” وينبغي علي التاجر المسلم أن لا يروج سلعته بالحلف الكاذب بل يبتعد عن الحلف مطلقاً لأن آفة التجارة الحلف فعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  ، قَالَ:ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم  ،قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، قَالَ : الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ.
 وفي رواية : ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ،وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ :قُلْتُ:"يَا رَسُولَ اللهِ،منْ هُمْ خَسِرُوا وَخَابُوا ؟ قَالَ : فَأَعَادَهُ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم  ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،قَالَ:الْمُسْبِلُ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ،أَوِ الْفَاجِرِ،وَالْمَنَّانُ”(أحمد ومسلم).
 "الصدق سبب النصر والرفعة والتمكين"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخوة الإيمان :" والصادق لا يخذله الله أبدا، أما الكاذب فمهما جنى من كذبه، وترقى بباطله، وتكسب من بهتانه، فمصيره الخذلان، وعاقبته الخسران، تقول خديجة ـ رضي الله عنها مطَمئنةً النبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من شدة وخوف أول نزول الوحي عليه: كلا والله لا يخزيك الله أبدا،واستدلت لقسمها فقالت:" إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
فالصدق من الراعي نصرة له وسبب لنيل رضوان الله والخلود في جنته، قال الله جلَّ وعلا:" هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "(المائدة: 119).

الكذب من الراعي مذلة له في الدنيا والأخرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ولاينظر الله إليه يوم القيامة َعنْ أبي هريرةقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه صلي الله عليه وسلم:"ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يوْمَ الْقِيَامةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلا ينْظُرُ إلَيْهِمْ، ولَهُمْ عذَابٌ أليمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِل مُسْتَكْبِرٌ "(مسلم).
ومعني الحديث إخوة الإيمان والإسلام  :" ثلاث لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر هذا أيضا فيه التحذير من هذه الخصال الشنيعة: الزنا والكذب والتكبر، فالواجب على كل مسلم الحذر من هذه الخصال حتى ولو من الشاب، الزنا محرم وكبيرة من كبائر الذنوب من الشيخ والشاب ولكنه من الشيخ والشيبة يكون أقبح وأشد إثمًا لضعف الدواعي، ويدل على أن هذا سجية له وغريزة، فالزنا من أقبح السيئات ومن أعظم الكبائر من الشيخ والشاب ومن الشيخ أقبح، وهكذا الكذب محرم على الجميع، ولكنه من الملك الذي أعطاه الله من الدنيا ما أعطاه ولم يحوجه إلى الكذب، فإذا تعود الكذب صار ذلك سجية له وضر العباد والبلاد،وهكذا التكبر محرم من الغني والفقير لكنه من الفقير أشد لقلة الدواعي وضعف الدواعي، فيجب الحذر من الكبر والكذب والفاحشة –الزنا- لكونها كلها من الكبائر قال الله جل وعلا: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وقال جل وعلا: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ"(النحل/105"، وقال في النار: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ "الزمر/72). فالواجب الحذر من التكبر -وهو ازدراء الناس- قال رجل: يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنة وثوبي حسنًا أفذلك من الكبر؟ فقا ل صلي الله عليه وسلم : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس هذا الكبر بطر الحق وغمط الناس، بطر الحق يعني رد الحق وعدم قبوله اتباعًا للهوى، وغمط الناس يعني احتقار الناس، فالواجب الحذر من هذه الخصال الذميمة وأن يكون المؤمن بعيدًا عن التكبر والفواحش كلها والكذب.
# يقول أحد الصالحين:بنيت أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولما وصلنا أرض (همْدان)، خرج علينا عرب فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال: ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني، فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فصاح الأمير باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك، فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة؛ فتابوا جميعًا بفضل الله تعالى، ثم ببركة الصدق".          
الخطبة الثانية
ــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد  فلازلنا نواصل الحديث حول "الصدق نجاة والكذب صفةٌ دنيئة وخلقٌ ذميم، بالغ في القبح غايته وفي اللؤم شناعته، ففي الحديث: "يُطْبعُ المؤمنُ على الخلالِ كلِّهَا إلا الخيانةَ والكذِب إلا الخيانةَ والكذِب"(أحمد).
 والكذب هو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه وقد يكون في الماضي كأن يقول فعلت وهو لم يفعل وقد يكون في المستقبل كأن يقول سأفعل وليس في نيته أن يفعل . والكذب لا يجوز في جد ولا هزل بل كله خلق مذموم إلا ما دعت إليه ضرورة كالكذب لإنقاذ معصوم الدم من قاتل أو لتحصين مال من غاصب ، ونحو ذلك .قال ابن مسعود رضي الله عنه :"لا يصلح الكذب في هزل ولاجد"(البخاري).
أيها الناس:"  الكذب: من أبشع العيوب والجرائم ومصدر الآثام الشرور وداعية الفضيحة والسقوط، لذلك حرمته الشريعة الإسلامية وتوعدهم الله بشدة العذاب قال تعالى ''وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ'' (الجاثية7)، أي هلاك شديد ودمار لكل كذاب كثير الآثام. والأفاك هو الكذاب،جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة قال: الصدق وإذا صدق العبد بر وإذا بر آمن وإذا آمن دخل الجنة، قال يا رسول الله ما عمل النار قال الكذب إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار. (إسناده صحيح).

"مواطن يجوز فيها الكذب"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#الصلح بين المتخاصمين:"
 أيها الناس:" ولكن للأمانة العلمية جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة تستثني من تحريم الكذب بعض الصور والحالات ،ومن هذه الأدلة :فعن  أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا"(مسلم) .
وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ"(البخاري ومسلم) .
#جلب مصلحة أو دفعة مفسدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العلماء:"الكذب ليس محرماً لذاته ، بل لما يترتب عليه من المفاسد .فإذا كان الكذب سيؤدي إلى دفع مفسدة أعظم ، أو جلب مصلحة أكبر  صار جائزاً حينئذ .
وينبغي عدم التهاون في شأن الكذب مع دعوى أنه لدفع مفسدة ، بل لا بد من الموازنة الصحيحة ، بين المصالح والمفاسد . بمعني أنه لو صدق في قوله :" أنه رأي فلان مع فلانة يزنيان لترتب علي ذلك ضرر به فالزنا يحتاج لأربعة شهود عدول وربما أدي إلي اقتتال بن فريقين من المسلمين ..الخ هذا الضرر الذي سيلحق بالمجتمع ولكنه إذا قدر علي نصحهما فيما لايترتب عليه ضرر له فليفعل وإلا صمت"
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله :"الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة , فيجوز تارة ويجب أخرى،وله أمثلة :
أحدها:أن يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز .وكذلك الكذب للإصلاح بين الناس وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته- ثم ذكر صوراًأخرى يجوز فيها الكذب ثم قال :–التحقيق في هذه الصور وأمثالها أن الكذب يصير مأذوناً فيه" (قواعد الأحكام (ص/112) .



وقال ابن حزم رحمه الله :"ليس كل كذب معصية،بل منه ما يكون طاعة لله عز وجل وفرضاً واجباً يعصي من تركه،صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً" ، وقد أباح عليه السلام كذب الرجل لامرأته فيما يستجلب به مودتها،وكذلك الكذب في الحرب.. ثم نقل الإجماع على أن المسلم يجب عليه أن يكذب إذا سأله سلطان ظالم عن مكان مسلم ليقتله ظلماً،وأنه إن صدقه وأخبره بموضعه كان فاسقاً عاصياً" انتهى من " الفصل في الملل " (4/5) .اللهم اجعلنا من الصادقين الذين يتحرون الصدق في أقوالهم وأعمالهم ومن الذين ينصحون لله ولكتابه ولرسوله ولأئمةالمسلمين وعامتهم,ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات