عيد الفطر المبارك للشيخ أحمد أبو عيد


الحمد لله الملك المعبود، ذي العطاء والمن والجود، واهب الحياة وخالق الوجود، الذي اتصف بالصمدية وتفرد بالوحدانية والملائكة وأولو العلم على ذلك شهود، الحمد له لا نُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه حيث كان ولم يكن هناك وجود، نحمده تبارك وتعالى ونستعينه فهو الرحيم الودود، ونعوذ بنور وجهه الكريم من فكر محدود، وذهن مكدود، وقلب مسدود، ونسأله الهداية والرعاية والعناية، وأن يجعلنا بفضله من الركَّع السجود.

وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الحميد، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، المحصي المبدئ المعيد، خلق الخلق فمنهم شقي ومنهم سعيد، قدم للعاصين بالوعيد، وبشر الطائعين بالجنة وبالمزيد، حكَمٌ عدل ليس بظلام للعبيد، لا يَشغَله شأن عن شأن، كل يوم هو في شأن جديد.
 وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو الخلق الحميد، والرأي الرشيد، والقول السديد، بلَّغ الرسالة على التحديد، وأدى الأمانة دون نقص أو مزيد، أرشدنا إلى طريق الهداية والتسديد، وحذرنا من التردي في الغَواية والضلال البعيد، حمل السلاح في سبيل أشرف غاية بعزم من حديد، وجمع الأمة تحت لواء أجلِّ راية، راية التوحيد، فاختصه ربه بالوسيلة والفضيلة وبشَّره بالمقام المحمود، والظل الممدود، والحوض المورود، واللواء المعقود، وجعله يوم القيامة شهيدًا على الشهود، اللهم إنا نسألك كما أمرتنا أن تُصلي وتسلم وتبارك عليه وعلى آله، كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وآله في العالمين إنك حميد مجيد،

العناصر
أولاً: تعريف العيد ومتى شرع في الإسلام:
ثانيًا: حسن الظن بالله
ثالثاً: الواجب علي المسلم يوم العيد
رابعاً: لمن العيد
الموضوع
أولاً: تعريف العيد ومتى شرع في الإسلام:
العيد: كلُّ يوم مَجْمَع ، واشتقاقه من عاد يعود؛ لأنه يعود كل عام ، وقيل: سمي عيدا لأنهم قد اعتادوه ، والياء في العيد أصلها الواو ، لكنها قلبت ياء لكسرة العين ، وهو يجمع على أعياد .
وقد شرع في السنة الثانية من هجرة المصطفى . -r- حيث إنه عندما هاجر -r- إلى المدينة وجد أن للأنصار في أيام جاهليتهم عيدين ، أحدهما: يسمى عيد النيروز ، والثاني: عيد المهرجان ، فنهاهم عن إقامتهما ، وأخبرهم أن الله تعالى قد شرع لهم عيدين خيرا منهما ، وهما عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كان لأهل المدينة يومان في السنة يلعبون فيهما ، فلما قدم النبي -r- إليها قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت  : دخل أبو بكر وعندي جاريتين من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله r ؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله r ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا )([1])
ومعنى: ( بما تقاولت الأنصار ) بما قاله كل فريق من فخر بنفسه أو هجاء لغيره .
 ( وليستا بمغنيتين ) ليس الغناء عادة لهما وحرفة ولا هما معروفتان بذلك ولا تغنيان بتمتطيط وتكسر وتهييج
وحركات مثيرة وبغناء فيه تعريض بالفواحش أو تصريح بها أو ذكر الهوى والمفاتن مما يحرك الساكن ويبعث
الكامن في النفس فهذا وأمثاله من الغناء لا يختلف في تحريمه لأنه مطية الزنا وأحبولة الشيطان .

ثانيًا: حسن الظن بالله

1- إن الله يغفر الذنوب جميعًا
قال تعالى: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) " الزمر
فكيف يتودد الله إلى أهل المعاصي والذنوب ولا يتودد إلى أهل الطاعة ، أهل الصيام الذين صاموا وأهل القيام الذين قاموا
أنا إن تبت منانـــــــــي وإن أذنبت رجانــــــــي
وإن أحببت والانـــــــي وإن أخلصت نجانـــــي
حبيبي أنت رحمانــــــي
فيا أكرم من يرجــــــى وأنت قديم إحسانــــي
لدى الدنيا وفي العقبى على ما كان من شانــي
**
**
**
**
**

وإن أدبرت نادانــــــــي وإن أقبلت أدنانــــــــي
وإن قصرت عافانــــــي وإن أحسنت جازانـــــي
إليك الشوق من قلبـي على سري وإعلانــــي
وما كنت على هـــــذا إله الناس تنسانــــــي
حبيبي أنت رحمانــــــي فصرِّف عني احزاني
2- المغفرة والفضل العظيم
أبشروا يا من أمركم الله بالصيام فصمتم وأمركم الله بالقيام فقمتم ويا من قرأتم القرآن وتصدقتم على الفقراء والمساكين والأيتام فلكم المغفرة والأجر العظيم
قال تعالى: " وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)" البقرة.
والمغفرة هي غفران الذنوب وستر العيوب والفضل هو الزيادة والأجر العظيم الذي لا يعلم قدره إلا الله تعالى .

3- إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا
كما قال تعالى " وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) " هود
وقال تعالى "  إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) "الكهف
فأحسن ظنك بالله وكن على يقين بأن الله يباهي بك ملائكته في السماوات العلى.

4- تبديل السيئات إلى حسنات
قال تعالى: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)" الفرقان.
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ نَعَمْ. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" ([2]).
والنواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا فَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ - قَالَ - فَيَذْهَبُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِى كُنْتَ فِيهِ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ . فَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ لَكَ الَّذِى تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا - قَالَ - فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِى وَأَنْتَ الْمَلِكُ » قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" ([3]).

5- أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم
عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِىءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِى الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ.
فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِى وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) الآيَةَ. ([4])

6- ما ظنك برب العالمين
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" ([5])
ﻗﻴﻞ ﻷﻋﺮﺍﺑﻲّ:
ﻫﻞ ﺗﺤﺪّﺙ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨّﺔ؟ ﻗﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺷﻜﻜﺖ ﻗﻂّ ﺃﻧّﻲ ﺳﻮﻑ ﺃﺧﻄﻮ ﻓﻲ ﺭﻳﺎﺿﻬﺎ، ﻭﺃﺷﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺿﻬﺎ، ﻭﺃﺳﺘﻈﻞّ ﺑﺄﺷﺠﺎﺭﻫﺎ، ﻭﺁﻛﻞ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ، ﻭﺃﺗﻔﻴّﺄ ﺑﻈﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺃﺗﺮﺷّﻒ ﻣﻦ ﻗﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺃﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻮﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﻬﺎ ﻭﻗﺼﻮﺭﻫﺎ، ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﻓﺒﺤﺴﻨﺔٍ ﻗﺪّﻣﺘﻬﺎ ﺃﻡ ﺑﺼﺎﻟﺤﺔٍ ﺃﺳﻠﻔﺘﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝ : ﻭﺃﻱّ ﺣﺴﻨﺔٍ ﺃﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺎً، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮﺍً ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺟﺤﻮﺩﻱ ﻟﻜﻞّ ﻣﻌﺒﻮﺩٍ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﻓﻼ ﺗﺨﺸﻰ ﺍﻟﺬّﻧﻮﺏ؟ ﻗﺎﻝ : جعل ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ، ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻠﺨﻄﺄ، ﻭﺍﻟﻌﻔﻮ ﻟﻠﺠﺮﻡ، ﻭﻫﻮ ﺃﻛﺮﻡ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺬّﺏ ﻣﺤﺒّﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨّﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻘﺪ ﺣﺴﻦ ﻇﻦّ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲّ ﺑﺮﺑّﻪ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻻ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺇﻻ ّﺍﻧﺠﻠﺖ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻏﻠﺐ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮّﺟﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ. فأحسنوا الظن بربكم ولا تقنطوا من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.
قال ابن القيم رحمه الله ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له. كما قال الحسن البصري: ( إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل ).

ثالثاً: الواجب علي المسلم يوم العيد
إن العيد من شعائر الإسلام الكبرى ، فيجب على المسلمين إحياؤه وإظهاره بما يتناسب مع مقاصده، والحكمة من تشريعه ، فهو يجمع بين عادات كريمة جُبِل الإنسان عليها ، وعبادات عظيمة يعبد بها المسلم الله تعالى في يوم العيد،  ومما شرع له فيه كذلك القيام ببعض الشعائر التعبدية من صلاة وذكر وصدقة وفطر وذبح ونسك..........
1-زكاة الفطر:
عن ابن عمر قال فرض رسول الله r زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ([6])
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله r "زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث  وطعمة  للمساكين من
أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن  أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ([7])

2-الخروج من طريق الرجوع من طريق آخر
 لما رواه أبو هريرة -t- قال: كان النبي -r- إذا خرج يوم العيد في طريق رجع من غيره "([8])
واختلف في تفسير الحكمة من ذهاب الرسول -r- من طريق وعودته من طريق آخر ، فقيل: إنه من أجل السلام على أهل الطريقين ، وقيل: لينال بركته أهل الطريقين ، وقيل: إنه من أجل حاجة المحتاج من أهل الطريقين ، وقيل: إنه من أجل إظهار شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق ، وقيل: إن المقصود من ذلك هو إغاظة المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره ، وقيل: بل من أجل طلب زيادة الحسنات وحط الخطيئات؛ لأنه بكل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد أو المصلى ترفع له بها درجة وتحط بها عنه خطيئة ، ويشهد لذلك الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً »([9])
هذه التفسيرات لحكمة خروج الرسول -r- من طريق وعودته من طريق آخر تفسيرات مقصودة أصلا في الإسلام الذي يسعى دائما وأبدا لتحقيقها في واقع المسلمين في كل زمان ومكان ، فما المانع أن تكون جميعها مرادة لرسول الله -r- لا سيما أنه القدوة الحسنة لأمته؟ هذا ما أظنه أنه مراد لصاحب الشريعة -r- والله تعالى أعلم .
ولا شك أن خروج المسلمين وشهودهم صلاة العيد على الوجه الذي أراده رسول الله -r- مظهر من مظاهر العيد عند المسلمين ، ومن دينهم الذي ارتضاه الله لهم .

3-صله الرحم:
 قال تعالى "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" سوره النساء
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" ([10])
وعن أنس t أن رسول الله r قال من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ([11])
وحذر الله من قطيعة الرحم : فقال تعالى " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ "محمد
وقال تعالى " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" البقرة
وقال تعالى "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" الرعد
وعن أبي هريرة t قال سمعت رسول الله r يقول "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة  الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم"([12])
وعن جبير بن مطعم t أنه سمع النبي r يقول لا يدخل الجنة قاطع " قال سفيان يعني قاطع رحم ([13])

4- نزع الغل والأحقاد من النفوس
أيها المسلمون هذا عيد التقارب بين القلوب هذا عيد نسيان الآلام ونسيان الأحقاد التي ربما تسربت إلى القلوب عبر مواقف وسوس بها الشيطان إلى أصحابها ولقد وصف الله تعالى أهل الجنة فقال جل في علاه: -[ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين]-الآية 46سورة الحجر
فهل تشتاق إلى أن تكون في صفتك كصفة أهل الجنة أن ينزع الله تعالى ما في قلبك من غلٍ اليوم قبل أن تدخل الجنة مع أصحابك الذين ربما تراهم أياما ودقائق ومع ذلك لا تمد يدك إليهم مصافحا ولا مسلما ولا باشا في وجوههم هذا يوم العيد إن لم ننسى فيه أحقادنا ولم تأتلف القلوب وتتصافى الأفئدة وتقترب النفوس إن لم تفعل ذلك اليوم فمتى إن لم نستطع اليوم أن نطأ على أنف الشيطان وأن نعيد علاقات قد قطعناها وأن نجري أنهارا قد جففناها وأن نتصل بفلانٍ بعد قطيعة أو نرسل إليه رسالة أو نبعث إليه بهدية لتعود القلوب إلى صفائها واصطفائها..
وقع بين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وقع بينهما شيٌ فلما تهاجرا يوما ويومين أرسل الحسين إلى الحسن وقال يا أُخَيَ إني واللَهِ أريد أن أُرَاضِيَكَ لكني لا أريد أن أسبقك إلى الفضيلة يعني من محبتي لك أني حتى في الفضائل والأجر أريد أن تسبقني قال: لا أريد أن أسبقك إلى الفضيلة فحيا أهلا بك تعال إلي في بيتي
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا. وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً. وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ». ([14])
لم يقل خيرهما أكثرهما صلاةً ولا أكثرهما صوماً ولا أعظمهما صدقةً " قال وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} خيرهما الذي يبدأ بالسلام فَأَللَهَ أَللَهَ أيها المسلمون اللَهَ اللَهَ باستعادة القلوب بعد تفرقها ولم شملها بعد شتاتها بعض الناس اليوم ربما يكون في هذه البلاد ولا يزال بينه وبين بعض أقاربه في بلده أحقادٌ وضغائن فهو هنا منذ أشهر وربما منذ سنوات ومع ذلك لم يتصل بهم ولم يرسل إليهم هدية ولم يُعِدْ علاقة معهم وإذا ذهب إجازة إلى هناك لم يحرص على السلام عليهم ولا اللقاء بهم وكأنه يعادي يهودياً أو يعادي مجوسياً أو يعادي من هو يكيد للإسلام بأنواع الكيد اليوم هو يوم التصافي اليوم هو يوم اجتماع القلوب إن لم يكن هذا اليوم فيكون متى


5-مراعاة الآداب الإسلامية في اللباس:
على النساء المسلمات ألا يلبسن إلا ما أمر الله سبحانه وتعالى به بأن يكون موافق لما أمر به رسول الله r بأن لا يكون زينة ، ولا يكون ضيقا ، ولا يكون معطرا ، ولا شفافا ، ولا يشبه لباس الرجال ، ولا يشبه لباس الكفار ، ولا لباس شهرة لأن من تخالف ذلك توعدها النبي ص بالعذاب الشديد فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ص صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من
مسيرة كذا وكذا " ([15])

6-غض البصر عن الحرام ومنع الاختلاط:
قال تعالى " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور
وعن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله ص عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري" ([16])
وقال رسول الله r"العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه"([17])

7- كلكم راع ومسئول عن رعيته :
فيجب الحفاظ عليهم وأمرهم بأمر الله ونهيهم عن نهي الله تعالى قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" التحريم
وعن ابن عمر t قال سمعت رسول الله ص يقول كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته " ([18])

8- التهنئة بالعيد
الظاهر من بعض الآثار الواردة في التهنئة أن بعض السلف كانوا يفعلونها بعد الصلاة، فقد جاء في المغني لابن قدامة قال: وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها: أن محمد بن زياد، قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك، وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد، وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة وقال: لم يزل يعرف هذا بالمدينة.

9- صيام ستة أيام من شهر شوال:
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا "([19])
وعن أبي أيوب الأنصاري أنه حدثه أن رسول الله ص قال : " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر "([20])
رابعاً: لمن العيد
ليس العيد لمن لبس الجديد وعن طاعة الله من الغافلين ، و ليس العيد لمن ظفر بجده وعلا بمظهره وقلبه مملوء بأدران الغرور والشرور ، و ليس العيد لمن من أنواع الطعام ولم يتذكر الجائعين البائسين ، و ليس العيد لمن كان في سعة ولم يخرج زكاه فطره لتوزيعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين ، وليس العيد لمن تبتسم في وجه أخيه وقلبه مملوء بأدران الحقد و الحسد و أنواع الشرور،  وليس العيد لمن تكلم لسانه بالغيبة والنميمة ونسي ذكر الله سبحانه وتعالى ، إنما العيد لمن اطعم الطعام وافشي السلام وألان الكلام ووصل الأرحام وقام  بحقوق الضعفاء والأرامل والأيتام ، العيد لمن كان لأخيه كالبنيان يشد بعضه بعضا ، العيد لمن أطاع ربه وأدى فرضه وأحيا سنه خير الأنام ،  العيد لمن تخلق بالأخلاق الكريمة وكان لغيره من الناصحين ،  العيد لمن أكثر من الصدقة و اقبل على الله بقلب سليم .
عباد الله أحسنوا لآبائكم ، وصلوا أرحامكم ، وأكرموا أيتامكم ، ويسروا على فقرائكم ، وتذكر موتاكم بالدعاء والصدقة ، وتعاونوا على البر والتقوى ،ولا تعاونوا على الإثم والعدوان في العيد وغير العيد وتذكروا قول الله تعالى "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" الأعلى.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854

تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال وغفر لنا جميعًا سائر الأوزار
وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية
*********

لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
                                    
أو لـــ word 2003

ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة وجميع الخطب السابقة واللاحقة بإذن الله برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي








([1]) صحيح البخاري
([2]) صحيح مسلم
([3]) صحيح مسلم
([4]) صحيح مسلم
([5]) متفق عليه 
([6]) صحيح ابن ماجة
([7]) صحيح الجامع
([8]) تفسير ابن كثير
([9]) صحيح مسلم
([10]) متفق عليه
([11]) متفق عليه
([12]) صحيح الترغيب والترهيب
([13]) متفق عليه
([14]) متفق عليه
([15]) صحيح مسلم
([16]) صحيح سنن الترمذي
([17]) صحيح ابن حبان
([18]) متفق عليه
([19]) متفق عليه
([20]) صحيح مسلم 
التعليقات
0 التعليقات